لجريدة عمان:
2024-11-25@05:10:58 GMT

7 أكتـوبر.. عند الضحـيـة والجــلاد

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

خسـرت «إسرائيل» حرب 7 أكـتوبر منذ يومها الأول. خسـرتها عسكريـا واستخباراتـيـا وسياسيـا ونفـسيـا لـتـخـسـر معها هـيـبتها وصورتـها عن نفسها كـدولـة قـويـة ذات جيـش جـرار لا يـقـهـر. بـغـتـتـها المقاومـة، على حيـن غـرة، وهي سادرة لا تبالي - من فـرط أوهـام القـوة التي ركـبتـها - بما يدور داخـل ذلك السـجن الكبير المسـمى قطـاع غـزة؛ وبما تـعـده لها مقاومـة حسبـتـها إسرائيل وجـلـة منها، أو حتـى مرهـقة لا تــقـوى على رفـع الرأس بعد حـروب عليها موجـعة منذ خمسة عشر عاما.

ولأن لأوهام القـوة أثمـانا باهظـة، في كثـير من الحالات التي يستـفحل فيها أمـرها، كذلك رتـبت تلك الأوهـام غرامات ثقيلـة على «إسرائيل» حين أخذتـها الفـجأة من ضربـة لم تتوقـعها؛ ضربة موجعـة شلـت قدرتها على الرد وأفـقـدتـها التـوازن إلى الحدود التي ما استطاعت فيها أن تـخـفـي ما يعـتمل داخل أجهزتها الأمـنيـة والاستخباريـة والعسكريـة، فضلا عن قياداتها السياسيـة، من ضروب الفوضى والتـخبـط.

لم تكـن البـغـتـة عاديـة، هذه المـرة، وقابلـة للاحتـواء من قـبل المبغـوت (= «إسرائيل») لأن المقاومة توسلت فيها أدوات وطرائـق أشـد فـتـكـا ممـا درجـت عليه، قـبلا، من إطـلاق للصــواريـخ والقـذائـف على المدن والمستوطـنـات الإسرائيليـة في فلسطين المحتـلـة؛ فـفي هذه الجولة غـيـر المسبوقة كانت الكـلمة للاشتباك المباشر مع الجنود والمستوطنين المسلحيـن، ولاقـتياد العشـرات من الأسرى إلى قطاع غـزة، وبالتالي، لإيقـاع أضخم الخسائـر بدولـة الاحتـلال وإذاقـتـها من الكأس عيـنـها التي ظلـت تـجرع الشعب الفلسطـيـني مرارتها منذ ثـلاثة أرباع القـرن. وما حصل ذلك من باب انتـقام من دولة قـاتـلة على أفعال قـتـل جماعـي ارتكبتـها وما بـرحـت ترتـكـبـها، فحسب، بـل أيضـا - وأساسا - من أجل تلقين جيشها وقيادتها السياسيـة درسا قاسيا لن ينساه فيـهما أحـد يكون بمثابة ردع قـوي للعـدوانيـة الإسرائيلـيـة يـكـفـها عن شعب فلسطين أو يـلجـم اندفاعـتـها الهوجـاء في أقـل القليل. ولقد كان الدرس حادا باعتراف قادة كـيان الاحتلال وألسـنـتـه الرسميـة والصحـفـيـة.

ما كانت البـغـتـة عاديـة لأن هزيمـة «إسرائيل» أتـت مروعـة؛ فـلقـد سبق وأن تجـرعت طعـم الهزيمة من غير أن تـبـلـغ حد الشعـور الجماعي بالذل والمهانـة: كما هـي الحال اليـوم. نعـم، تـلـقـت الهزيمـة أربـع مـرات في نصف القـرن الأخير: مـرة من الجيوش النـظاميـة العربيـة، في حـرب عام 1973، ومـرات ثـلاث من المقاومات الشعـبيـة المسلـحة: في مايو 2000 حين جـلت عسكـريـا من جنوب لبنان تحت وطأة ضربات المقاومـة؛ وفي حرب تـمـوز/يوليو 2006 في لبنان؛ ثم في الداخل الفلسطيـني في 7 أكتوبر. نعم، ما كانت عاديـة لأن الحرب الخاطفـة وقـعت هـذه المـرة، ولأول مـرة في تاريخ الصراع العربـي- الصهيونـي، داخل فلسطين المحتـلـة وفي قلب الثـكـنـات العسكريـة والمستعـمـرات الإسرائيـليـة فبـدت وكأنها تـحـدث الانعطـافـة التـاريخيـة الكبرى في ذلك الصـراع، ناقـلة مسـرحـه إلى الداخل الفلسطيني المحتـل بعد أن كانت دولة الاحتلال تحتكـر- ولعشرات الأعـوام - امتياز المبادرة (في ذلك الصراع)، وامتـياز الهجوم على أعدائها خارج حدود فلسطين. لـقـد كانت الانتفاضتان الشعـبيـتان للعام 1987 والعام 2000 وحدهما كافيـتـيـن لكي تكونا عسيرتـيـن على «إسرائيل»؛ كانتا شـديـدتي الإرهاق والاستنـزاف لقواها؛ وشـديـدتي التـمريغ لهـيـبتها وسمعتها في العالم ولدى جمهورها الداخلي، فكيف بحرب خاطفة انهارت أمام افـتجائــها يـقـظـتـها الأمنيـة وانـثـلمت شكـيـمتها العسكريـة، حتى أن عشرات من مقالات كـتابها جـلـدتـها على صفحات «هاآرتس»، و«يديعـوت أحرونوت»، و«معارف»، و«إسرائيل اليوم»، ولم يـخـل بعض نقـدها اللاذع من مفـردات الشماتـة؛ بل وذهب بعض كتـابها إلى نـعـي بقائـها والجـزم بأن هذه الحرب هي بدايـة نهاية الدولة والمشـروع الصهيوني.

وما استطاعت دولة الاغتصاب أن ترد على تحـدي المقاومة في الميدان، بل هرعت إلى وسيلـتها المفضـلة: الضرب من بعيد - ومن الجـو خاصـة - لئلا تغرق في النزيف أكثر. ولأن إسرائيل دولة تحترف القـتـل، ولا شيء غير القتـل، فقد أوغلت في سفك دماء المدنيين في غزة المحاصرة غير آبهـة بقوانين الحرب، وبمن يذكـرونها بها؛ ومحـت من الوجود أحياء سكـنيـة دفـن المئـات من الشهداء تحت أنقاضها؛ وقطعت الكهرباء والماء والدواء والغـذاء والوقـود عن مليونيـن من البشر؛ وأمعنت في اقـتـراف جريمة التهـجيـر القسـري لهم. أما أخلاق القـتـل، التي تحلـى بها الاحتلال، فأفصـح عنها - ببلاغـة وقحـة - وزير الحرب المـدعـو يواف غالانت بوصفه الفلسطينـيـين بـ «حيوانات بشريـة»!!! كان ذلك عدوانا وحشيـا ونازيـا غاشمـا على قطـاع مـحـاصـر مغلوب على أمره أمام طوفان القـذائـف المنـهمـرة عليه كالسيـل من عـل. الحرب الوحيدة الحقـيقـيـة كانت تجري في مكـان آخر حيث يتواجـه طرفـاهـا؛ تجري داخل الجوار المحتـل، في المستعمرات الإسرائيليـة، حيث مئـات المقاتلين الفلسطينييـن لا يزالون يشتبكـون هناك مع جنـود الاحتلال.

من النافـل القول: إن التـوازن مخـتـل، من جهة القـوة الناريـة والإمكانـيـات، بين المقاومة والاحتلال وإن حجم الأضرار سيقع، بالتالي، على الشعب الفلسطيـني في غـزة: خاصـة مع اشتداد خناق الحصار الصهيـوني عليه والقصـف الجوي والمدفعـي المتعـمـد للمناطـق السـكـنـيـة. ولكن ثـقـل كـفـة المقاومـة في مـيزان الإرادات أعلى وأكـبر؛ وهو ما يفسـر ليس فقط حالة صمودها في وجه البربريـة العـسكريـة الإسرائـيليـة، بل وإنجازاتها العسكـريـة اليوميـة: من قصـف المـدن والمستـعـمـرات إلى استمرار الاشتباك مع قوات الاحتلال في مواقـع عـدة مجاورة للقطاع. لكن كنزها الاستراتيجـي الأكبر الذي تملكه في هذه الحرب يـكـمن في ما بين أيديها من أسرى إسرائيلـيـين؛ هؤلاء الذين سيكونون ورقة قـوة في أي معركة سياسيـة قادمة لتحرير أحـد عشر ألـف أسيـر فلسطيني من سجون الاحتلال.

في النـهايـة؛ في نهاية النهايـة، في دفاتـر التاريخ، وفي الذكـرى الجمـعـيـة لكـل من الضحيـة والجـلاد، ستـظـل 7 أكتـوبر عنوانا للإبـاء والشـموخ والانتـصار، عند المقاومـة وشعب فلسطيـن والأمـة وأحرار العالـم...؛ وستـظـل عنـوانـا للعار والخيـبـة والانكسـار عند احتـلال ذلـت عـنـجهـيـتـه كما لم يـحـدث قـبـلا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟

أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بينامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك يعني أن أكثر من 120 دولة موقعة على معاهدة روما ملزمة باعتقالهما على أراضيها.

وجاء في تقرير لصحيفة "معاريف" أن أكثر من 120 دولة موقعة على معاهدة روما ملزمة باعتقال رئيس نتنياهو غالانت، في حال دخولهما أراضيها، ويأتي القرار في ظل الشبهات حول ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. 

وتشمل قائمة الدول الموقعة في أوروبا 39 دولة، بينها قوى كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول المجاورة لـ"إسرائيل" مثل قبرص واليونان، التي تعتبر وجهات مفضلة للشخصيات الإسرائيلية الرفيعة، ملزمة أيضًا بالمعاهدة. 


وفي أفريقيا، وقعت 30 دولة على المعاهدة، بما في ذلك دول هامة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا، في قارة أمريكا، انضمت 24 دولة إلى المعاهدة، من بينها قوى إقليمية مثل البرازيل وكندا والمكسيك، بينما تغيب عن المعاهدة الولايات المتحدة التي لم توقع عليها.

في آسيا، وقعت ثماني دول فقط على المعاهدة، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية والأردن، في أوقيانوسيا، انضمت ثماني دول إلى المعاهدة، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا. 

وأكد التقرير أن "توقيع الدول على المعاهدة يلزمها بالتعاون مع المحكمة الدولية وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها، ومعنى هذا القرار هو أن نتنياهو وغالانت قد يجدان نفسيهما محدودين بشكل كبير في حركتهما الدولية، خصوصًا في الدول الغربية المتقدمة".

وأشار إلى أن هذا الوضع قد يؤثر على قدرتهما على عقد لقاءات دبلوماسية وتمثيل "إسرائيل" على الساحة الدولية، وحتى الآن، أكد وزير الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن "أوامر الاعتقال ليست سياسية ويجب تنفيذها". 

من جانبه، انضم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إلى دعوة احترام وتنفيذ قرار المحكمة، مضيفًا أن الفلسطينيين يستحقون العدالة بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة. 

في الوقت نفسه، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية أن رد فعل بلاده على أوامر الاعتقال سيكون وفقًا لأنظمة المحكمة، وهو انضمام مهم آخر من الدول التي تعترف بسلطة المحكمة في لاهاي.

وفي تقرير آخر للصحيفة، أكد الخبير في القانون الدولي وقوانين التسليم من كلية الحقوق في كلية الإدارة، يارون زامر، أنه "من الناحية العملية، يمكننا القول الآن أنه من المحتمل ألا يتمكّنوا من الوصول إلى أي من الدول الأعضاء في المحكمة، وهذا يشمل حوالي 124 دولة. ولحسن الحظ، أو ربما لحظنا، الولايات المتحدة ليست واحدة منها".

وفقًا للمحامي زامر، يحمل القرار تبعات أخرى: "في الأساس، يفتح هذا المجال لمحاكمة مستقبلية لأشخاص في رتب أدنى، السبب هو أن المحكمة تبعث برسالة من عدم الثقة في النظام القضائي الإسرائيلي، والتبعات التي قد نشعر بها فعلا، هي أن الدول ستسعى لتجنب العلاقات مع إسرائيل".

وأضاف "تخيلوا وجود دولة ديمقراطية تريد الآن التجارة بالأسلحة مع إسرائيل أو تقديم مساعدات أمنية لإسرائيل في الوقت الذي يكون فيه زعيم الدولة مطلوبًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب".

ووفقًا لبيان المحكمة، فإن نتنياهو وغالانت "يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية كمشاركين في تنفيذ الأفعال مع آخرين وهي: جريمة الحرب باستخدام المجاعة كوسيلة حرب؛ وجرائم ضد الإنسانية من قتل واضطهاد وأفعال غير إنسانية أخرى".


وكانت هولندا، التي تستضيف المحكمة في لاهاي، أول دولة تعلن أنها ستلتزم بأوامر الاعتقال، وفيما يتعلق بإمكانية إصدار أوامر اعتقال إضافية، يعتقد زامر: "من الصعب أن أصدق أن المحكمة ستقوم فعلاً بمحاكمة الأشخاص في أعلى المناصب، ليس عبثًا تم إصدار الأوامر ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع، أشك في أنه تم إصدار أوامر ضد شخصيات أخرى، لكن من الناحية النظرية، قد يكون هناك وضع استثنائي".

وأوضح أنه "من الناحية النظرية، قد يكون هناك وضع استثنائي، لكن أعتقد أن المحكمة ستوجه اهتمامها بشكل رئيسي إلى الأشخاص في المناصب العليا، في النهاية، التوجه العام للمحكمة هو محاكمة كبار المسؤولين الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن القرارات السياسية والعسكرية".

وذكر زامر أنه على الرغم من التحديات التي قد يواجهها القادة الإسرائيليون في السفر إلى دول أخرى بسبب أوامر الاعتقال، فإن "إسرائيل" قد تتخذ خطوات دبلوماسية لمواجهة هذه التحديات، لكن ذلك قد يتطلب تضافر الجهود على المستوى الدولي لتخفيف الضغط، وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن بعض الدول قد تلتزم بالأوامر بينما أخرى قد تحاول تجنب ذلك لأسباب سياسية أو أمنية.

وفيما يخص تأثير هذه الأوامر على العلاقات الدولية لـ"إسرائيل"، أكد زامر إن الدول ستتردد في التعامل مع إسرائيل بشكل طبيعي إذا كانت تواجه ضغوطًا من المحكمة الجنائية الدولية، قد يؤدي ذلك إلى عواقب كبيرة على مستوى التجارة، التعاون الأمني، والعلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول حول العالم.

وختم أن هذه التطورات ستكون بمثابة نقطة تحول في كيفية تعامل "إسرائيل" مع العالم الخارجي، حيث ستواجه تحديات إضافية على صعيد العلاقات الدولية والشرعية القانونية.

مقالات مشابهة

  • سر الـ6 أيام.. كيف أفشل «السنوار» خطة إسرائيل للهجوم على غزة قبل 7 أكتوبر؟
  • إسرائيل: حماس كانت مستعدة للإفراج عن محتجزين دون ربط ذلك بشرط وقف إطلاق النار في غزة
  • باحث في العلاقات الدولية: أفعال إسرائيل في لبنان والضفة والقدس تؤجج الأوضاع|فيديو
  • وسام ناصيف: تصرفات إسرائيل في لبنان والضفة الغربية والقدس تؤجج الأوضاع
  • باحث علاقات دولية: تصرفات إسرائيل في لبنان والضفة والقدس تؤجج الأوضاع
  • مسئول أمريكي يحذر الدول التي ستحاول اعتقال نتنياهو
  • عاجل.. الرعب يسود إسرائيل وزنزانة تنتظر نتنياهو وانفجارات تهز حيفا وبيروت وكوريا الشمالية تشعل الحرب
  • زيباري: تهديدات إسرائيل للعراق كانت متوقعة
  • عبدالعاطي: مذكرات اعتقال نتنياهو تطور لافت في تاريخ العدالة الدولية
  • ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟