لجريدة عمان:
2025-03-19@19:20:55 GMT

ما المعاناة التي سيلاقيها أطفال غزة أكثر؟

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

انفجرت قنبلة ألقيت على بعد خطوات قليلة مني، بينما كنت أجلس مع زوجتي صفاء وأطفالي علي، وكرم، وآدم.

علي ذو الـ 13 عاما صرخ عاليا، كرم ذو العشرة أعوام ضمّ رأسه في صدري، بينما آدم ذو الخمسة أعوام أجهش بالبكاء.

كنا حينها نجلس في الهواء الطلق قرب معبر رفح، وتحديدا بين قطاع غزة وجمهورية مصر وذلك صباح يوم الثلاثاء، قبل دوي القنبلة كنت أعتقد أنني محظوظ مع عائلتي؛ لأننا حصلنا على تصاريح للخروج من غزة ودخول مصر، في محاولة لانتظار أن تهدأ الأوضاع في غزة فنعيش آمنين إلى حين انتهاء أعمال العنف المرعبة التي يمارسها العدو على غزة، ولكن قبل أن يُنادى على أسمائنا للعبور إلى مصر قصفت إسرائيل المعبر، وهو الممر الوحيد للعبور من وإلى قطاع غزة.

وسريعا دخلت مع أطفالي إلى صالة المعبر؛ لنواجه شرطيا يصرخ على الجميع بأن يُخْلوا فورا الصالة، والمعبر حينا قد أغلق تماما.

عدنا سريعا نحو سيارتي كما فعل العشرات من الأشخاص الآخرين الذين شاركونا نفس الحالة، واتجهنا مباشرة نحو منزل عائلتي في مخيم خان يونس للاجئين، مرت الأحداث وعلي وآدم مستمران في البكاء، في حين أن كرم كان جالسا يرتجف بصمت.

لم نكن سوى عائلة واحدة عشنا تجربة لحظة اقتراب الموت، في حين أن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون الحالة وهم محاصرون داخل قطاع غزة، ونصفهم تقريبًا ما دون عمر الـ 18، وتقوم إسرائيل بقصفنا ردًا على الهجوم المفاجئ الذي نفذته حماس، لم تكتفِ إسرائيل بذلك بل عززت هجومها بدعم الولايات المتحدة الأمريكية التي وعدت بتقديم دعم عسكري متزايد.

القصف الإسرائيلي عنيف جدا، فعلا قد تم تسوية بعض المجمعات السكنية بالأرض، لم تستثنِ أحدا حتى المنازل الصغيرة بما فيها من عائلات، فقد أبيدت، لم أستطع معرفة أرقى حي من أحياء غزة، حي الرمال، فقد تعرض الحي لأضرار كبيرة جدا غيرت ملامحه، ولقي ما لا يقل عن 326 طفلا مصرعهم في قطاع غزة منذ يوم السبت -حتى كتابة المقال- كما ذكرت وزارة الصحة (الرقم تضاعف عدة مرات من لحظة كتابة المقال)، ومن بين أفراد عائلتي الكبيرة استشهد نساء وأطفال في هجوم الثلاثاء الماضي، وكذلك استشهد ابن عمي الأربعاء الماضي، وامتلأ قطاع غزة بأكمله برائحة المتفجرات، وبعد ذلك نسمع وصفا على لسان «يوآف جالانت» وزير الدفاع الإسرائيلي بأننا «الحيوانات البشرية»، وذلك أثناء خطابه الذي قال فيه: إن الحصار الخانق الذي عانى منه الفلسطينيون 15 عاما سوف يتم تشديده بشكل أكبر، وأعلن قطع إمدادات الماء والطعام والكهرباء والوقود.

ما الذي يعنيه ذلك؟ قطع الكهرباء يعني عدم وجود شبكة الإنترنت، يعني انقطاعنا عن العالم الخارجي، وجميع الآليات التي تعمل بالكهرباء ستتعطل، مياه المجاري ستفيض على شوارع غزة، وروائح النفايات ستنتشر حيث إن معالجة النفايات تتم بآليات تعمل بالكهرباء، وتوصيل المياه سيتوقف، وغير ذلك الكثير.

خرجت من البيت متجها نحو الجنوب، مررت على خمس مدارس تابعة للأمم المتحدة، فوجدتها قد تحولت إلى ملاجئ مكتظة بالعائلات التي توسدت الساحات، زاد المنظر من الخوف الذي بداخلي، وأنا متيقنٌ بأن الأسوأ لم يأت بعد.

الأحداث الأخيرة خلَّفت قتلى من الطرفين، ما لا يقل عن 2300 قتيل إسرائيلي وفلسطيني -حتى كتابة المقال- أغلبهم من المدنيين، وهذا يسبب لي الحزن، وأنا على يقين أن ألم العائلات الإسرائيلية لا يختلف عن ألم الأم والأب في غزة عند فقد أبنائهم وذويهم، ورغم ذلك أنا لست مستغربا مما جرى؛ لأننا فعلا وجدنا أنفسنا عند نقطة «عدم الرجعة» الدموية هذه.

أعتقد أن العديد من المقاتلين الذين استطاعوا تجاوز الجدران الإسرائيلية هم شباب أكبر من ابني علي بعدة سنوات فقط، هم فعلا قد ولدوا أثناء الانتفاضة الثانية، أي أنهم أبصروا النور وهم تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتحت حصارٍ وهجومٍ عسكريٍ مدمرٍ على مدى سنوات عديدة في منطقة مساحتها 140 ميلا مربعا، عاشوا تحت ضغوط عديدة ولَّدت الكثير من المشكلات منها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بنسبة تصل إلى 50 %، هذه هي الظروف والأوضاع التي نسجت شخصية الكثيرين من أهالي غزة، إسرائيل فعلا من ساعدت في صناعة هؤلاء المقاتلين، حيث حرمتهم من الكرامة والأمل بالمستقبل.

حاولت أن أتخيل أن لهذا التصعيد المرعب بعض النتائج الإيجابية، ربما من بينها تبادل الأسرى من الطرفين، وصحيح أن للفلسطينيين الحق في مقاومة الاحتلال لكني أرى أن ذلك لا بدّ وأن يكون عملا جماعيا، وأُفضِّل أن يكون هذا العمل الجماعي مباشرا وغير مسلح يقوده المدنيون أنفسهم، من الممكن أن يكون النشطاء الفلسطينيون والإسرائيليون والدوليون المعارضون للاحتلال الإسرائيلي ونظامه ومنهم منظمة «هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وجماعة الحقوق الإسرائيلية بتسيليم» قادرين على توظيف الرعب الذي تصنعه إسرائيل والتمييز العنصري الذي تمارسه على المدنيين الفلسطينيين من أجل التحرير وصنع حياة كريمة للجميع في يوم من الأيام.

ولكن مع هذا التصعيد الذي نعيشه بهذه اللحظة، ومع تمركز القوات الإسرائيلية على حدود غزة، ومن الواضح أن هناك غزوا بريا قريبا جدا على غزة، لا يمكنني أن أفكر بما هو أبعد من الأيام القليلة القادمة، ولا بد لي من طرح العديد من التساؤلات، كم عدد العائلات التي ستختفي؟ كم عدد الأطفال الذي سيشردون ويبادون؟ ما مصيرنا بعد أن تصبح رفوف الأسواق فارغة؟ وماذا بعد أن ينتهي مخزون الوقود الاحتياطي الذي تغذي به مولدات الطاقة في المستشفيات؟ وماذا سيحدث لنا كمجتمعات إنسانية إذا تواصلت عمليات استهداف المدنيين الإسرائيليين واستمرت القنابل في نسف بيوتنا وتدمير بنيتنا الأساسية مما يترك أطفالنا موتى في الشوارع؟

إن لم يتخذ المجتمع الدولي موقفا جادا ويتدخل، فيمكن لإسرائيل أن تواصل قطع المياه والغذاء والوقود والكهرباء وحتى الأدوية بل وكل الضروريات الأخرى، ومن غير وجود ضغوط خارجية -خاصة من الولايات المتحدة- فإنه باستطاعة إسرائيل أن تواصل عملياتها في تسوية مدننا ومخيماتنا بالأرض.

وفي الأثناء التي تشتعل فيها إسرائيل هائجة وغاضبة، سأبقى أطرح سؤالا على نفسي، ما الذي تخبئه الأيام القادمة لأطفالي علي وكرم وآدم؟ وأنا لا أملك حيلة من أمري في حمايتهم من العنف والصدمات المنتشرة والمتكررة، لقد وقع انفجار هزَّ النوافذ في البيت، حينها توسَّل آدم قائلا: «إذا كانت إسرائيل تريد قصفنا بكل الأحوال، هل من الممكن أن تستعمل قنابل أصغر قليلا ذات أصوات هادئة؟».

علي ابني موسيقيّ ويملك موهبة رائعة ومزاج فنان مرهف الحس، هل ترغب إسرائيل بتحويله من موسيقي إلى مقاتل، وهذا أمر طبيعي إذا لم يكن لأطفالي أي أمل يلوح في مستقبلهم، فأنا لا أضمن المسار الذي سيسيرون فيه.

على المجتمع الدولي أن يقدم كل ما في وسعه وبشكل عاجل جدا؛ لضمان أن يتمكن أطفالي وأطفال الجميع من العيش كريمين وأحرارا وفي أمان، هذا هو الحل الوحيد لما نعيشه من رعب حاليا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

مقُتل ثمانية فلسطينيين بينهم أطفال في غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة

أفادت مصادر طبية في قطاع غزة، بمقُتل ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين، بينهم أطفال، في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مدينة غزة، هذه الحادثة تأتي في سياق تصاعد التوترات والأعمال العسكرية في المنطقة.

وفي حادثة مشابهة وقعت قبل نحو شهرين، استهدفت غارة إسرائيلية منزلًا في شمال القطاع، مما أدى إلى مقتل عشرة أفراد من عائلة واحدة، بينهم سبعة أطفال. 

وفي حادثة أخرى، قُتل ثمانية فلسطينيين، بينهم طفلان وامرأتان، إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت مدرسة حلاوة في بلدة جباليا. 

هذه الحوادث المتكررة تسلط الضوء على الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، حيث يتعرض المدنيون، بمن فيهم الأطفال، لخطر مستمر نتيجة العمليات العسكرية.

من المهم الإشارة إلى أن هذه المعلومات تستند إلى تقارير إعلامية ومصادر طبية محلية، وقد تختلف الأرقام والتفاصيل مع تطور الأحداث.

مقالات مشابهة

  • مقتل 170 خلال يوم واحد.. «أطفال غزة» تحت نيران القصف الإسرائيلي
  • هآرتس: إسرائيل وليست حماس هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • هل لحوم الأبقار التي تتغذى على العشب أكثر استدامة بيئيًا؟ دراسة جديدة تكشف الإجابة
  • اليونيسف: إسرائيل تقتل أكبر عدد من أطفال غزة في يوم واحد خلال عام
  • مسؤولة أممية: إسرائيل تقتل أكبر عدد من أطفال غزة بيوم واحد خلال عام
  • تعرف على القيادات الحكومية التي اغتالتها إسرائيل بعد استئناف العدوان على غزة
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
  • معظمهم أطفال ونساء.. قصف إسرائيلي غاشم على قطاع غزة يودي بحياة 254 فلسطينيًا على الأقل
  • ليلة القصف الإسرائيلي.. أكثر من 300 قتيل في غزة أغلبهم أطفال ونساء
  • مقُتل ثمانية فلسطينيين بينهم أطفال في غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة