تختبر الخلافات الحادة بين الدول والكيانات والقوميات مبادئ الإعلام الأصيلة التي يستند إليها هذا الحقل المعرفي في تكوينه من مثل الموضوعية والحياد وتعدد الأصوات ومهمة الإخبار البحت وغيرها.
هي علاقة قديمة تلك التي نجدها بين الإعلام والقوى المتجاذبة التي يحتد بينها الصراع وتنفجر الخلافات ويتصاعد التوتر حتى يمكن أن يصل حد الصراع المسلح.
لا يقتصر التجييش الإعلامي على وسيلة إعلامية بعينها ففي حين تلعب التقارير الإخبارية في الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية دورا لافتا ومؤثرا كانت قبل ذلك مهمة الإنتاج السينمائي والوثائقي في توجيه الرأي العام في لعبة التجاذبات السياسية بين الدول. ومؤخرا تأتي مواقع التواصل الاجتماعي فضاء أكثر تعقيدا مما نظن إذ لا تتوفر فقط على الإنتاج الموجه والمقنن وفق رسائل بعينها من قبل الحكومات والمنظمات بل ليضم طيفا واسعا من المحترفين والهواة المستقلين بانتماءاتهم المختلفة، وما يجره من علامات استفهام وتحديات تتعلق بالموثوقية وإمكانية البث والرقابة المفروضة ومن يتحكم بها إن وجدت وكيف يستغلها وما مدى تأثير ذلك وغيره.
فقبل ذلك الاشتباك العسكري (وبه ومن دونه) فإن وسائل الإعلام هي إحدى الأدوات التي تجير لتوجيه الرأي العام وكسب المعركة والدفع بها أحيانا لتطورات باتجاه بعينه. في تاريخ الحروب في منطقة العالم الإسلامي كان الخطاب الإعلامي والخطاب المضاد له بارزا (سيما مع إنشاء قنوات فضائية إعلامية عربية أثبتت حضورها على ساحات التغطيات الإخبارية) بشكل حاد، حيث لا حاجة حتى للتحليل والبحث للتفريق بين وجهات النظر المتبناة لكل جهة. منذ الحرب على العراق وأفغانستان وليس انتهاء بالصراع العربي الإسرائيلي.
تشير أدبيات البحث إلى مسائل عديدة بهذا الشأن لا سيما فيما يتعلق بثيمة الموضوعية في الإخبار. فحتى حين يتنكر أو يتنصل منتجو الأخبار بشكل أو بآخر - إن كان هذا ممكنا- من سيطرة القوى السياسية والاقتصادية التي تتحكم أديولوجيتها في إنتاج الوسائل الإعلامية فإن هناك ثمة انحياز في الإنتاج تفرضه ثقافة وخيارات وتكوين الصحفي الفكري ذاته وينطبق الأمر لحد كبير في انحياز مستقبلي الرسالة الإعلامية للمضامين التي تبث من قبل الوسائل الإعلامية التي تتمتع بثقتهم أو حتى تقترب من أفكارهم المسبقة.
وليس من السهل اختراق مثل هذا الاصطفاف فهو يحتاج إلى جهد طويل الأمد وطرق طرح ذكية ومتحايلة في كثير من الأحيان من أجل تغيير اتجاهات الرأي حيث أنها تبتدئ وتتعدى فترة المعركة ذاتها.
هي عمل ممنهج مدروس طويل الأمد. ومن الخطأ افتراض أن أيام الحرب العسكرية هي فقط فترة (الحرب الإعلامية) هي فقط حالة الذروة لكن التأثير الإعلامي أو بوسائل القوى الناعمة الأخرى تتواصل ما استمر الصراع حتى يسهل كسب الحرب النهائية في المحصلة.
لكنها حالة الذروة أي لحظة الاحتدام العسكري التي تجعل المادة الإعلامية تفيض بشكل فج وواضح بالخطاب والخطاب المضاد له وبرسائل مقصودة كجزء من الاستراتيجية العسكرية حتى لتبدو بعض الوسائل الإعلامية أشبه بامتداد لآليات الضرب العسكري.
في الحرب الدائرة حاليا بين الفلسطينيين في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي لا يمكن التغافل عن انسياق معظم القنوات الفضائيات الأمريكية الكبرى وحتى في المملكة المتحدة خصوصا في الأيام الأولى من الحرب إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية. وصل الأمر إلى بث أخبار غير دقيقة ومضللة سواء تم نفيها أم لا فإن الأثر قد وقع.
انصبت تلك الرواية على إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومة عبر أنسنة الحرب بالتركيز على الضحايا الإسرائيليين والرعب الذي تعرضوا له من مثل تكرار بث صور بيوت مهدمة والتركيز على لقطات تبين تناثر الصور العائلية وتدمير حياة عائلية آمنة وتشتت الأطفال وبعدهم عن عائلاتهم واستدعاء التعاطف باستدعاء ما تعرض له اليهود في ألفيات أخرى على يد بشر آخرين وتصويره كحلقة ممتدة في التاريخ من أجل توحيد الداخل اليهودي وتذكيره بالثيمة التي جمعتهم أصلا من كل بقاع العالم ليتحمل وزرها ومسؤولياتها المقاومة، وفي ذات السياق يتم العمل على بتر العلاقة (وفق ذهنية الإسرائيليين) بين حماس وكل الفلسطينيين وكل المتضامنين معهم حتى تتبرأ من أي مسؤولية يمكن أن تحمل إياها جراء عملياتها العسكرية ضد المدنيين. إذ أصبحت ظاهريا حركة حماس وما يتبعها هي الهدف الرئيس.
والرسالة الثانية التي ظلت تتكرر وتصاغ بطرق مختلفة لكنها تسعى لإحداث ذات التأثير هي لغة التهديد والوعيد والتخويف.
طبعا هذه الرسائل تسعى لتثبيت الداخل والحد من أضرار البلبلة والرعب واهتزاز الثقة التي سببتها هجمات حماس في الداخل الإسرائيلي، وهي جزء من منطق استعراض القوة أمام الآخر جزء من الحرب النفسية التي تشن ليس باتجاه حركات المقاومة فقط بل كل من يمكن أن يساندها من أجل كسر الإرادة الشعبية واختراق عزيمة المقاومة.
باختلاف مواضيع النقاش والتغطيات والمقابلات الإعلامية تكاد لا تخرج الرسائل المبثوثة عن المضمون المشار إليه أعلاه. رسائل بمنتهى التركيز رغم حالة الفوضى والبلبلة التي تسود الداخل الإسرائيلي. وبالطبع الخطاب الإعلامي يراجع ويطوع وفق التوجهات السياسية والعسكرية الجديدة. مسارات المعركة ونتاجات التحركات والنقاشات السياسية التي تضيف معطيات جديدة يعاد توجيه التخطيط العسكري وفقها تستدعي تحديث الرسائل الإعلامية بما يخدمها.
في حين نجد في المقابل ضمن وسائل البث الإعلامي العربي مضامين مغايرة وصور من الجانب الآخر إلا أنها تفتقر لهذا التنظيم والتخطيط والاتفاق في مضامين الرسائل. هناك تركيز هائل بطبيعة الحال على معاناة الفلسطينيين والوضع اللاإنساني المؤلم الذي يتعرضون له مثلما تعرضوا له كل مرة. وفي مرات منفلتة ربما تصور المقاومة بصورة بطولية قادرة على المواجهة. لكن بالمجمل هي تغطيات مأخوذة بالحدث ومتأثرة جدا بحدة العاطفة والوجع التي يثيرها وتغيب عن الصورة وجود رسائل خارج سياق التركيز على الوضع الإنساني لسكان غزة. رسائل تخدم أهداف استراتيجية. هنالك وضوح في الرؤيا والهدف في البث الإعلامي الغربي واتفاق على الأقل في بدايات المعركة على المحتوى وما يحققه رغم أن هذه القنوات تتبع أحزاب وتوجهات سياسية مختلفة وقد تتباين في درجة انحيازها للخطاب الإسرائيلي لكن تبدو وكأنها تحت قيادة مشتركة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك عدم تناسب في عدد قنوات البث التلفزيوني والصحفي ذات الثقل والجماهيرية غربيا مقابل ذلك في العالم العربي.
لكن لا يمكن إغفال أنها قدمت وجهات نظر مضادة ومغايرة لتلك المطروحة من قبل الإعلام الإسرائيلي ومن يسانده. ولا يمكن إغفال حقيقة أنها لحد ما لا سيما تلك الناطقة باللغة الإنجليزية تمكنت مع عوامل أخرى من إحداث ثغرة في الرأي العام السائد غربيا بغض النظر عن ثقل هذا التأثير في ميزان قوى الصراع.
وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي كوجهة جديدة لبث واستقبال المعلومات يستند إليها كلا الطرفين وإن كان الحضور العربي والفلسطيني تحديدا سابقا وفاعلا أكثر رغم أن الرقابة مشددة جدا على المحتوى الذي يبث من قبل الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية للحد الذي حدا بهؤلاء إلى اتباع أساليب تحايل حتى يصل صوتهم للجماهير في العالم الغربي. وحدا بالصحف والقنوات التلفزيونية الغربية إلى إفراد تقارير تهدف إلى التشكيك فيما يبث على هذه المواقع.
صحيح أن هذه التقارير تعرضت لصور مفبركة من كلا الطرفين لكن القراءة الأولية تعطي انطباعا أن هناك نية ومسارا للتشكيك في كل ما يمكن أن يبثه الفلسطينيون من أحداث مروعة تجري في غزة وما يتعرضون له.
ربما المعطى الأكثر وضوحا في تواجد المؤيدين في العالم الغربي على وسائل التواصل الاجتماعي هو تصدر المشاهير من فنانين وغيرهم والذين لديهم حظوة الجماهيرية للتعليق على الأحداث الجارية بما يخدم في أغلبه وجهات النظر وسرديات الجانب الإسرائيلي.
تنوعت جوانب الطرح من قبل الفلسطينيين بين تلك التي تسعى لتوثيق وتأكيد التاريخ خوفا من أن يمحى ويحرف وينسى وتبيان كيف حدثت القصة قبل أكثر من خمسين عاما وبين تلك الرسائل التي تنقل مأساوية الوضع الإنساني وتلك التي تستدعي عواطف الثبات وتؤكد على شجاعة الفلسطينيين ومواجهتهم الأحداث الصعبة بيقين النصر.
هذه الحرب تتعدى كونها حرب مصالح وترتيبات سياسية حتى وأن كان هذا الجانب يمثل المحرك الأساسي لها وهي حرب مصالح على مستوى أوسع من علاقة أوربا والولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، إذ أن مصالح العالم كلها مترابطة وتعني هذه المنطقة الحيوية لها الكثير، لكنها تخفي وراءها صراعا أيدلوجيا فكريا ودينيا كذلك لا يربط فقط بين تضاد الفهم اليهودي واللاإسلامي لحق العودة لفلسطين وارتباط ذلك بسيادة الخير ونهاية العالم وقيام القيامة، إنما نجد أن الفهم المسيحي في بعض مذاهبه كذلك داخل في هذه العلاقة الإشكالية إذن هو خلاف حاد بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة في الوقت الذي يدعى أنها تتعايش بسلام ولا ضغينة بينها تم استغلاله من قبل قوى سياسية واقتصادية غربية تسعى لتحقيق معادلات بعينها وتحرك كل هذه القوى ومن تستقطبهم لتأجيج خطاب الكراهية الذي يدعي البراءة. من هنا تأتي شراسة هذه الحرب.
العالم يترقب لأن الأحداث هذه المرة تصاعدت وطرحت معها سيناريوهات خطيرة ومصيرية. أيا كانت النتيجة القريبة المدى للمعركة العسكرية فإن أثارا بعيدة المدى قد بدأت بالحدوث بالفعل ويترتب عليها إعادة التخطيط ومتابعة الصراع أو توجيه الصراع في منافذ أخرى غير الحرب.. هذا وضع يفرض على الطرفين ومن يساندهما. والإعلام بكافة وسائله أحد تلك المنافذ. فهل ستكون القضية الفلسطينية لدينا (ترند) يخبو الاهتمام به بعد أن تهدأ أصوات القصف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل الإعلام یمکن أن من قبل
إقرأ أيضاً:
مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة يستعرض التحديات الكبرى التي تواجه الأسر العربية والعالمية
نوفمبر 4, 2024آخر تحديث: نوفمبر 4, 2024
المستقلة/- سلَّطت فعاليات مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة، الذي عُقد بالدوحة على مدار يومين 30-31 تشرين الأول/أكتوبر، بعنوان “الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة”، الضوء على السياسات الكفيلة بحماية الأسر في البلدان المتضررة من النزاعات، وسُبل معالجة التحديات الكبرى التي تواجهها الأسر لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، والتصدي لأضرار الإفراط في استهلاك التكنولوجيا على الأجيال الناشئة، بالإضافة إلى آثار التغير المناخي على استقرار الأسر.
وقد شهد المؤتمر الذي نظمه معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر، في مركز قطر الوطني للمؤتمرات، بالتعاون مع كل من وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، ووزارة الخارجية في قطر، وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، حضور أكثر من 2000 مشارك من الخبراء وصناع السياسات وقادة الفكر من المنطقة العربية وجميع أنحاء العالم، الذين استعرضوا السياسات والبرامج التي من شأنها أن تعزز مكانة الأسرة في قلب المجتمع، وذلك خلال جلسات وفعاليات ركزت على الاتجاهات العالمية الكبرى التي تؤثر على حياة الأسرة.
تخلل المؤتمر مشاركة شخصيات بارزة من مختلف أنحاء العالم العربي منهم: سعادة السيدة شاناز إبراهيم أحمد، حرم فخامة رئيس جمهورية العراق؛ وسعادة الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر؛ وسعادة الدكتورة أمثال هادي هايف الحويلة، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وشؤون الأسرة والطفولة في دولة الكويت؛ والدكتور هيكتور حجار، وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان، إلى جانب عدد كبار الشخصيات وأصحاب السعادة.
وألقت الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، شدّدت فيها على أهمية التنبه للتأثيرات التكنولوجية العميقة على الأُسر العربية، وقالت:”لا شكَّ أنّ قضايا الأسرة وتحدياتِها تتماثلُ في المجتمعاتِ جميعِها، ولكنَّها تختلفُ في خصوصياتِها من بلدٍ إلى آخر، فهناك مشتركاتٌ كثيرةٌ بينَ الأُسرِ من شَمالِ العالمِ إلى جنوبِهِ، أبرزُها تحدياتُ التكنولوجيا وتأثيرُها، واللغةُ الأم في عالمٍ معَولَم، وصراعُ الهويات”.
وفي هذا الإطار، تشير دراسة بحثية رائدة نشرتها جامعة ديوك بالتعاون مع معهد الدوحة الدولي للأسرة، إلى أن 84% من أولياء الأمور في المنطقة يشعرون بالقلق حيال تأثير الأوقات التي يمضيها أفراد أسرهم أمام الشاشات على العلاقات الأسرية، فيما يخشى 67% من احتمالية فقدان أبنائهم لهويتهم وخسارة قيمهم الثقافية في خضم هذا العصر الرقمي.
ويأتي تنظيم هذا المؤتمر، في سياق الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة، حيث كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت عام 1994 سنةً دولية للأسرة، مؤكدة على دور الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، والتي ينبغي أن تحظى بأكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة وذلك وفقًا للمواثيق المصادق عليها دوليًا. ويضطلع مؤتمر السنة الدولية للأسرة، الذي يُعقد مرة كل عشر سنوات بدور محوري في تطوير السياسات والبرامج التي يمكنها دعم وتمكين الأسر عبر العالم.
وتحدثت خلال الجلسة الافتتاحية أيضًا، السيدة أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، عن أهمية الجهود الدولية في حماية الأسرة قائلةً: “غالباً ما يقع العبء على نسائنا وأطفالنا من غزة إلى السودان، ومن السودان إلى أوكرانيا، ومن أوكرانيا إلى ميانمار، والعديد من الأماكن الأخرى. من واجبنا في هذا المؤتمر أن نسعى لضمان أن تكون الأسرة من حق الجميع، وألا نترك أحداً خلف الركب.”
وقد تناول المشاركون في المؤتمر بالنقاش أربعة اتجاهات عالمية معاصرة تؤثر على الأسرة في قطر والمنطقة والعالم، وهي: التغير التكنولوجي، والاتجاهات الديموغرافية، والهجرة والتمدّن، وتغيّر المناخ.
وفي جلسة نقاشية حملت عنوان:” التأرجح بين الأسرة والعمل”، تحدثت الدكتورة ميمونة خليل آل خليل، الأمين العام لمجلس شؤون الأسرة، بالمملكة العربية السعودية، عن التحديات والفرص الرئيسية التي تواجه الأسر العاملة في سعيها لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، قائلة: “أثبتت الأبحاث أن ابتعاد الأب والأم لساعات طويلة عن المنزل بسبب العمل، يؤثر على الخصوبة وسن الزواج وكذلك معدلات الطلاق. لذا، لا بد من تقديم مبادرات تهدف إلى التأكد أن النساء نشيطات في القوى العاملة، ولكن التأكد أيضًا أننا نمارس دور الأبوة والأمومة بشكل جيد”.
وأضافت:” بينما نعمل على تمكين الأسر ونطلب منهم توفير حياة أفضل لأطفالهم، علينا أن نتأكد أننا ندعمهم أيضًا بمبادرات مختلفة، مثل العمل المرن، والتربية النشطة. ويتعين على أرباب العمل إدراك أن هذه السياسات سوف تجعل النساء العاملات أكثر إنتاجية وتركيزًا في العمل، وبالتالي يسهمن بشكل أفضل في التنمية الوطنية.”
وفي جلسة أخرى جاءت بعنوان “حياة ممزقة: الأسرة في ظل الحروب والنزاعات”، تحدثت الباحثة والأكاديمية الفلسطينية، الدكتورة نور نعيم، المدير التنفيذي لأكاديمية “آي أي مايندز” عن التدمير الممنهج لكل من الطبقة الوسطى والتعليم في قطاع غزة، قائلة: “تأتي قوة المجتمع في غزة من الأسر والترابط الأسري القوي جدًا، حيث تنزح الأسر إلى منازل بعضها البعض، دون التمييز بين القريب والغريب، ويعيشون معًا كأنهم أسرة واحدة، فهذه هي القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع في غزّة، عكس ما يحدث دائماً في الحروب. وهناك مجتمع مدني تطوعي شبابي داخل الخيام والمشافي لدعم الأسر الفقيرة، والمتطوعين في مجال التمريض”.
وأضافت: “حالة التكافل المجتمعي في غزة يجب أن تدرّس في الكتب وعلم الاجتماع في العالم بأسره، والدافع الأساسي لهذا التكافل هو أننا كلنا سواسية تحت الموت في كل لحظة، وليس أمامنا الآن رفاهية البكاء، خيارنا هو التماسك والصبر”.
وفي جلسة نقاشية أخرى دارت حول تأثيرات التغير المناخي على استقرار الأسر، سلَّط المتحدثون الضوء على آثار الهجرة الناجمة عن المناخ والأمن الغذائي وندرة المياه والقلق حيال قضايا البيئة، وجاءت بعنوان: “حماية كوكبنا تبدأ من الأسرة”.
وخلالها، قالت السيدة ماهينور أوزدمير جوكتاش، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية في الجمهورية التركية: “لأجل التوصل إلى حلول ناجعة، يبقى الأهم هو تحمل المسؤولية بشكل جماعي، ودعم المؤسسات الحكومية في مختلف البلدان بكوادر بشرية مؤهلة، بالإضافة إلى الدعم المالي اللازم. كما تبقى الحاجة ماسّة لتعزيز التعاون بين مختلف الدول عن طريق تبادل خبراتنا والانخراط في تحالف بيئي من خلال وضع سياسات فعالة ومستدامة تستهدف مواجهة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي”.
بدوره، سلَّط الدكتور محمد بهناسي، وهو خبير بيئي أول في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومقره في العاصمة المغربية، الرباط، الضوء على ثلاث ظواهر بيئية مترابطة تؤثر على الأسر وهي: “النزوح الناجم عن تأثير المناخ وانعدام الأمن الغذائي الذي يتفاقم بسبب التغير المناخي، وانعدام الأمن بفعل الحروب.” وشدّد على أن “هذه التحديات المترابطة باتت تفضي إلى ما نسميه الهجرة المناخية – أي الهجرة التي ترجع أسبابها إلى قضايا بيئية، وتتضخم أكثر بسبب ندرة المياه والفيضانات والتصحر وإزالة الغابات”.
واُختتمت فعاليات المؤتمر بالإعلان عن “نداء الدوحة للعمل” الذي تضمن سلسلة من التوصيات الرامية إلى التصدي للتحديات الكبرى التي تواجه الأسر حول العالم ودعا الحكومات إلى دعم الأسر وتمكينها من المساهمة في عملية التنمية. ومن المقرر أن تتم مشاركة هذا النداء للتباحث مع جميع المشاركين في مواقع صناعة القرار، ومنظمات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الفكر، والجامعات، والجهات المعنية.