لجريدة عمان:
2025-04-26@12:21:50 GMT

رعب بعضه فـوق بعض

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

عندما أشاهد من بعيد الناس يتسابقون، متجهين نحو الهاوية، يعجز قلمي عن كتابة أي شيء سوى كلمة «لا»، أكتبها مرارًا وتكرارًا. وفي مواجهة المذابح التي أعادت لليهود في جميع أنحاء العالم ذكريات الإبادة الجماعية، أصبح خطاب بعض القادة الإسرائيليين محرضا على القتل. وعلى أعتاب غزو بري محتمل لغزة، فإن كثيرا ممن تحدثت معهم، سواء كانوا يهوداً أم فلسطينيين، يشعرون بالرعب من أن يصبح هذا الخطاب حقيقة واقعة.

الرئيس الإسرائيلي (إسحاق هرتزوغ) صرّح في مؤتمر صحفي يوم الجمعة قائلا: إن «أهل غزة كلهم» كانوا «مسؤولين» عن الهجمات، وقال للصحفيين: «إنّ النقاش الدائر حول عدم علم المدنيين في غزة بالهجوم، وعدم تورطهم فيه ليس صحيحا»، إلا أنّ (هرتزوغ) أوضح في وقت لاحق أن المدنيين ليسوا أهدافاً مشروعة، ولكن كلماته، التي نقلها أحد أعضاء حزب العمل الذي ينتمي إلى يسار الوسط في إسرائيل، لا تزال تقشعر لها الأبدان، مما يشير إلى إجماع سياسي واسع النطاق على أن سكان غزة يتحملون جميعهم المسؤولية عن الأحداث التي وقعت في إسرائيل، فيما قال (رون بروسور)، وهو دبلوماسي إسرائيلي بارز، لصحيفة بوليتيكو: «سنزيل كل الخطوط الحمر التي كنا نلتزم بها». في مثل هذه الأجواء، فإن اليمين الإسرائيلي الحاكم، الذي تحدث بعض أعضائه عن إرغام الفلسطينيين على الخروج من إسرائيل حتى قبل الأحداث الأخيرة، لا يبدو أنه يتجه نحو خفض التصعيد، فقد حث (تالي جوتليف)، عضو الكنيست عن حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، على استخدام «أسلحة يوم القيامة» في غزة. ودعا عضو آخر في الليكود إلى نكبة ثانية، وهي الكلمة العربية التي تشير إلى الطرد الجماعي للفلسطينيين عند إنشاء إسرائيل في عام 1948. أستطيع أن أتعاطف مع اليهود الليبراليين في إسرائيل، وفي مختلف أنحاء الشتات، الذين تتدفق مشاعرهم في هذه اللحظة التي تتسم بالخوف الشديد والضعف، لدرجة أنهم قاموا بالاحتجاج على المعاناة المتصاعدة التي يتعرض لها الفلسطينيون. ليس من العدالة في شيء أن تتسارع الأحداث بهذه الوتيرة بحيث لا نمنح الناس فرصة للحزن على ضحاياهم ثم نطالبهم بمنع إيذاء الآخرين. ومع ذلك، وبينما تتراكم الفظائع بعضها فوق بعض، آمل أن ينتبه اليهود إلى أنّ ما يتم التهديد بارتكابه هو باسمنا نحن اليهود، كما يجب على جميع الأميركيين أن ينتبهوا من نتائج حجم دعم بلادنا الكبير للجيش الإسرائيلي. لقد بدأ الموت الجماعي بالفعل في غزة، ففي الأسبوع الماضي، أعلن وزير الدفاع، (يوآف غالانت)، أن إسرائيل ستقطع المياه والكهرباء والغذاء والوقود عن غزة. كانت هناك تقارير تبعث على الأمل خلال عطلة نهاية الأسبوع مفادها أنه بناءً على طلب من إدارة الرئيس بايدن، تم إعادة توفير المياه إلى بلدة في جنوب غزة، ولكن مياه الشرب لا تزال غير متوفرة لكثير من السكان، إذ ذكرت وكالة (أسوشيتد برس) يوم الأحد أن المياه النظيفة نفدت في ملاجئ الأمم المتحدة في أنحاء غزة، وأفادت منظمة اليونيسيف، السبت، أنه بحسب مصادر محلية، قُتل أكثر من 700 طفل في غزة، وبلا شك فإن هذا العدد أصبح أعلى الآن.

سيقول بعض القراء بأنه على الرغم من فظاعة ما يحدث، إلا أن هذا أيضًا خطأ حماس، وأنا أوافق على هذا الطرح من نواح عديدة، فمن الواضح أن حماس هي السبب المباشر للجحيم الذي ينهمر على غزة؛ فمعظم الدول التي تتعرض للهجوم الذي تعرضت له إسرائيل سترد بالحرب. ومع ذلك، فإن هذا لا يعطي إسرائيل الحق بالتصرف بلامبالاة تجاه حياة المدنيين، أو الرد بما هو أسوأ من ذلك. نعم، للإسرائيليين الحق في الغضب؛ وأظن أنني لو كنت إسرائيلية لغضبت كما يغضبون، لكن التحريض ضد الفلسطينيين، الذين لا علاقة للأغلبية الساحقة منهم بحماس، يقودنا نحو منطقة أكثر قتامة مما نحن فيه الآن.

هناك أصوات مؤثرة في أمريكا تشحن الأجواء المتعطشة للدماء، ففي برنامج «فوكس نيوز صنداي»، نفى السيناتور الجمهوري (توم كوتون) من أركنساس المخاوف من أن الخسائر البشرية الهائلة التي تقع في غزة سوف تصب في صالح حركة حماس على المستوى الدولي. وقال: «في رأيي، تستطيع إسرائيل تفجير الأنقاض في غزة»، وعبارة «تفجير الأنقاض» هي اقتباس لمقولة (ونستون تشرشل) حول الإفراط في القتل العسكري المروع. وليس بعيدا عن السيناتور (كوتون)، كانت هناك عبارات أكثر تحريضا تطرح على الساحة، فقد قال (جويل بولاك)، أحد كبار المحررين في شبكة (برايتبارت) الإخبارية، في بث عبر الإنترنت للشاب المحافظ البارز (تشارلي كيرك): «إذا كان الأمر يتعلق بالتطهير العرقي، أنت تريد تطهير شعبي، سأقوم بتطهير شعبك أولاً».

وها نحن قد بدأنا بالفعل رؤية نتائج التجريد الكامل للفلسطينيين من إنسانيتهم، ففي نهاية هذا الأسبوع، تعرّض صبي يبلغ من العمر 6 سنوات في (إلينوي) للطعن حتى الموت على يد مالك المنزل، الذي اعتدى أيضًا على والدة الصبي وأصابها بجروح خطيرة. ووفقا للشرطة المحلية، كان استهداف الضحايا «بسبب كونهم مسلمين، ونتيجة للصراع المستمر في الشرق الأوسط بين حماس والإسرائيليين».

فإذا كان هذا هو الجو الساخن هو السائد في أجزاء من الولايات المتحدة، فهو بالتأكيد أكثر سخونة في إسرائيل. تحدثت صباح يوم الاثنين مع (ديانا بوتو)، وهي محامية فلسطينية كندية في (حيفا) عملت سابقا مستشارة قانونية لمنظمة التحرير الفلسطينية. قالت بوتو: «أستطيع أن أفهم ما شعرت به جدتي عام 1948 عندما هربت من بلدة قريبة من الناصرة، كان هناك مناخ من الخوف التام من أنك ستكون التالي في القتل. وهذا لا يقتصر على قطاع غزة فحسب؛ بل امتد أيضًا إلى الضفة الغربية». وبالفعل، وفقاً لقناة الجزيرة، قُتل ما لا يقل عن 55 فلسطينياً في الضفة الغربية، بعضهم على يد الجنود والبعض الآخر على يد المستوطنين. وذكرت صحيفة هآرتس أن خمسة فلسطينيين قتلوا برصاص المستوطنين في قرية قصرة. وفي رسالة بعثت لأهالي القرية عبر تطبيق الواتساب نصت على أنه: «ليس لدينا خطوط حمراء. سوف نعاقبكم لتكونوا عبرة للآخرين».

أرسلت لي (بوتو) رابطًا لمجموعة على تطبيق (تليجرام) تضم أكثر من 82 ألف مشترك معظمهم يتحدثون باللغة العبرية، نشر المشتركون فيها صورًا احتفالية بالقتلى والجرحى الفلسطينيين، وقبل الصور كتبت رسالة للمتحدثين باللغة الإنجليزية تنصّ على أنّ «أهل غزة ليسوا أبرياء!». فإذا كان هؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن هذا التصرف هو رد فعل طبيعي، فلا يمكننا أن نتجاهل الخطر الذي نحن مقبلون عليه.

ميشيل غولدبرغ كاتبة عمود رأي منذ عام 2017. وهي مؤلفة العديد من الكتب حول السياسة والدين وحقوق المرأة، وكانت جزءًا من فريق فاز بجائزة بوليتزر للخدمة العامة في عام 2018 للإبلاغ عن التحرش الجنسي في مكان العمل.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی إسرائیل فی غزة

إقرأ أيضاً:

بين نواح حسين خوجلي وعويل الأمهات: من الذي فقد الوطن؟

ذات نحيب، لا ناي فيه ولا وتر، كتب حسين خوجلي مرثية باذخة بمداد الدموع، لا بمداد الضمير الذي مات، يرثي فيها بيته الذي دمرته الحرب.

كتب، كمن دخل عليه الشاعر العباسي بشار بن برد فقال له: قمْ فابكِ بيتكم يا فتى، فقد نُهبت حيطانه كما نُهبت أعصابك. غير أن الفارق أنّ بشار كان ضريرًا لا يرى الخراب، بينما حسين يراه في بيت أسرته ولا يراه في ميدان القيادة.
يا لتعاسة البصيرة حين تقرر أن ترى ما يخصّك فقط، وتدير ظهرها لنداءات من بقوا تحت الركام.

يا حسين، إن كان منزلك يبكي، فقد بكته فقط كاميراتك، أما نحن، فنبكي منازلًا بلا جدران، مات فيها الأمل مرتين: مرة حين أتت عليه قذائفكم، ومرة حين جئتم تبكون على أطلالٍ لا تعني لغيركم سوى رماد ممتد فوق ذاكرة منسية، بينما أمهات الشهداء يمسحن صور أبنائهن من على جدران القيادة المحترقة.

ما قيمة مكتبة حيدر خوجلي أمام دماء محمد عبد السلام؟ ما قيمة وثائقكم العائلية أمام بقايا جمجمة البندقية عند بوابة الوطن؟
هل أصبح تاريخ الوطن أرشيفًا خاصًا تخزنونه في متحف الذات المنتفخة، المحروس بعسس الحنين الكاذب، لا ليبقى في ذاكرة الناس، بل ليستعرضه الحنين الأرستقراطي تحت إضاءة أستوديو لا يعرض سوى العداء لأحلامنا؟
وما هذا الذي تردده كختام؟ أهو رثاءٌ أم نشيد تمجيد طبقي؟
“لك يا منازلُ في القلوبِ منازلُ…”
دعنا نُكملها لك:
“لكنّ في صدورنا قبورًا
قبورٌ لم يزرها خطابك، ولم يجرؤ حبرك المدجّن أن يلامسها،
لأنك لا تكتب إلا حين تُسرق خزائنك، لا حين يُسفك الدم ويُغسل بالصمت الرسمي.”

أيها الباكي على “ديكور” وصور وتحف، أما رأيت دماءً على الجدران التي طلّيتَها بألوان الإنقاذ؟ أما رأيت وجوه الرفاق الذين قضوا تحت البوت؟ أم أنّك لا ترى إلا ما يصيب امتيازك الموروث؟
يا حسين، حين تُبكي البيوت، تُبكى معها أشياء الناس: ألعاب الأطفال، دفاتر المدارس، ثياب العيد التي لم تُلبس. أما بيتك، فقد كان رمزًا لامتيازٍ أعمى، لسلطة متغطرسة، لصفقة مع جهاز الأمن، لا لبيتٍ يُبكى عليه.
وما نحسبك إلا كما قال نيتشه: من بكوا على موت الأشياء، كانوا في الحقيقة يبكون على موت سلطتهم عليها.

أتعرف ما الفرق بين نواحك وعويل الأمهات؟
أنك تنوح على ذاكرة نُهبت من بيتٍ، بينما هن يصرخن من فراغٍ تمّ تجويفه بآلة التجاهل، فراغٌ لا يشبه الغياب بل يشبه القسوة وقد لبست قناع الأبدية.
أنت تبكي الصور، وهن يبكين من خرج من الصورة.
أنت تبكي الورق، وهن يُرضعن الحداد، يُسقين الحياة بالحليب الممزوج بالخذلان.
أنت تكتب، وهن يقرأن الصمت الذي لا يُرد، لأن من كتبوا الإجابة ماتوا.

إن كان لك بيتٌ، فقد كان لنا وطن.
وإن سرقوا أرشيفك، فقد سرقوا أكبادنا الغضة، أحلامنا الغضة، أسماءً لم تكتمل بعد في أفواه أمهاتها.
وإن أحرقت نيران الحرب خزانة كتبك، فقد أحرقت أعصاب الأمهات، وجفّ لبن المرضعات، وخجل التاريخ من نفسه.

إنها العدالة إذن، حين تُنهب بيوتكم وتُحرق. لا لأننا نريد لكم الأذى، بل لأنكم ما شعرتم قط بأذى الآخرين. لأنكم ورثتم بيتًا من الخراب وسمّيتموه مجدًا. بينما نحن، ورثنا الخراب نفسه وسمّيناه وطنًا.

ثم أأنت من يتغنى بسودان ٥٦؟ ذلك السودان الذي دفنتموه بأيديكم؟
أأنت من يبشر بالوسطية والاعتدال بعد أن تحوّلت قناتك إلى منبر تعوي فيه ضباع السلطان تحت إضاءة خشبة المسرح العسكري؟
أحقًا تريد أن تمزق أكذوبة المدني والعسكري، وأنت الذي كنت تسوّقها على أنها توازن العقلاء، بينما هي في حقيقتها تواطؤ الجبناء؟
النائحة ليست الأم الثكلى، بل من ينوح على سلطته وهو يتنكر لدم من ماتوا ليكتب اسمه.

وأخيرًا، لا تقل لنا إن المنازل تحس، لأنها لو كانت تحس لكتبت على جدرانها:
هنا سكن الكذب، وهنا بكى الفساد على نفسه.
ولو كانت تنطق، لقالت لك:
أخرس يا من جئت متأخرًا لتندب أثاثك، ونسيت أن تقرأ الفاتحة على الوطن.

حسين خوجلي يقول: “من كان يصدق أن حي ود نوباوي يُنهب؟”
ونحن نسأله: ومن كان يصدق أن الوطن كله يُغتصب تحت ظلكم الثقيل يا حسين؟
من كان يصدق أن تُعدم الخطى نحو المساجد، وأنتم من ملأها بخطب السلطان؟
من كان يصدق أن تكتبوا عن الخراب الذي زار بيوتكم، ولم تكتبوا حرفًا عن الخراب الذي حصد أرواح الأطفال في كولمبيا؟

دعك من البيت يا حسين،
واقرأ الفاتحة على الوطن.
وابكِ كما تشاء على بيتك،
وسنواصل دفن موتانا على صمت القناة.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • مواقع عسكرية روسية تكشف اسم المسئول الذي قتل في انفجار موسكو
  • علي بدرخان.. المخرج الذي قدّم السينما المصرية من منظور جديد
  • بين نواح حسين خوجلي وعويل الأمهات: من الذي فقد الوطن؟
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • عاجل. ترامب: عدم السيطرة على كامل أراضي أوكرانيا هو التنازل الذي يمكن أن تقدم
  • الكشف عن المسؤول الأمريكي الذي سيقود المحادثات التقنية مع إيران
  • تسجيل صوت الزلزال الذي هزّ إسطنبول بقوة 6.2 درجات
  • السعودية تدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي وقع في جامو وكشمير
  • هذا هو البابا الفقير الذي تكرهه إسرائيل