عندما أشاهد من بعيد الناس يتسابقون، متجهين نحو الهاوية، يعجز قلمي عن كتابة أي شيء سوى كلمة «لا»، أكتبها مرارًا وتكرارًا. وفي مواجهة المذابح التي أعادت لليهود في جميع أنحاء العالم ذكريات الإبادة الجماعية، أصبح خطاب بعض القادة الإسرائيليين محرضا على القتل. وعلى أعتاب غزو بري محتمل لغزة، فإن كثيرا ممن تحدثت معهم، سواء كانوا يهوداً أم فلسطينيين، يشعرون بالرعب من أن يصبح هذا الخطاب حقيقة واقعة.
الرئيس الإسرائيلي (إسحاق هرتزوغ) صرّح في مؤتمر صحفي يوم الجمعة قائلا: إن «أهل غزة كلهم» كانوا «مسؤولين» عن الهجمات، وقال للصحفيين: «إنّ النقاش الدائر حول عدم علم المدنيين في غزة بالهجوم، وعدم تورطهم فيه ليس صحيحا»، إلا أنّ (هرتزوغ) أوضح في وقت لاحق أن المدنيين ليسوا أهدافاً مشروعة، ولكن كلماته، التي نقلها أحد أعضاء حزب العمل الذي ينتمي إلى يسار الوسط في إسرائيل، لا تزال تقشعر لها الأبدان، مما يشير إلى إجماع سياسي واسع النطاق على أن سكان غزة يتحملون جميعهم المسؤولية عن الأحداث التي وقعت في إسرائيل، فيما قال (رون بروسور)، وهو دبلوماسي إسرائيلي بارز، لصحيفة بوليتيكو: «سنزيل كل الخطوط الحمر التي كنا نلتزم بها». في مثل هذه الأجواء، فإن اليمين الإسرائيلي الحاكم، الذي تحدث بعض أعضائه عن إرغام الفلسطينيين على الخروج من إسرائيل حتى قبل الأحداث الأخيرة، لا يبدو أنه يتجه نحو خفض التصعيد، فقد حث (تالي جوتليف)، عضو الكنيست عن حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، على استخدام «أسلحة يوم القيامة» في غزة. ودعا عضو آخر في الليكود إلى نكبة ثانية، وهي الكلمة العربية التي تشير إلى الطرد الجماعي للفلسطينيين عند إنشاء إسرائيل في عام 1948. أستطيع أن أتعاطف مع اليهود الليبراليين في إسرائيل، وفي مختلف أنحاء الشتات، الذين تتدفق مشاعرهم في هذه اللحظة التي تتسم بالخوف الشديد والضعف، لدرجة أنهم قاموا بالاحتجاج على المعاناة المتصاعدة التي يتعرض لها الفلسطينيون. ليس من العدالة في شيء أن تتسارع الأحداث بهذه الوتيرة بحيث لا نمنح الناس فرصة للحزن على ضحاياهم ثم نطالبهم بمنع إيذاء الآخرين. ومع ذلك، وبينما تتراكم الفظائع بعضها فوق بعض، آمل أن ينتبه اليهود إلى أنّ ما يتم التهديد بارتكابه هو باسمنا نحن اليهود، كما يجب على جميع الأميركيين أن ينتبهوا من نتائج حجم دعم بلادنا الكبير للجيش الإسرائيلي. لقد بدأ الموت الجماعي بالفعل في غزة، ففي الأسبوع الماضي، أعلن وزير الدفاع، (يوآف غالانت)، أن إسرائيل ستقطع المياه والكهرباء والغذاء والوقود عن غزة. كانت هناك تقارير تبعث على الأمل خلال عطلة نهاية الأسبوع مفادها أنه بناءً على طلب من إدارة الرئيس بايدن، تم إعادة توفير المياه إلى بلدة في جنوب غزة، ولكن مياه الشرب لا تزال غير متوفرة لكثير من السكان، إذ ذكرت وكالة (أسوشيتد برس) يوم الأحد أن المياه النظيفة نفدت في ملاجئ الأمم المتحدة في أنحاء غزة، وأفادت منظمة اليونيسيف، السبت، أنه بحسب مصادر محلية، قُتل أكثر من 700 طفل في غزة، وبلا شك فإن هذا العدد أصبح أعلى الآن.
سيقول بعض القراء بأنه على الرغم من فظاعة ما يحدث، إلا أن هذا أيضًا خطأ حماس، وأنا أوافق على هذا الطرح من نواح عديدة، فمن الواضح أن حماس هي السبب المباشر للجحيم الذي ينهمر على غزة؛ فمعظم الدول التي تتعرض للهجوم الذي تعرضت له إسرائيل سترد بالحرب. ومع ذلك، فإن هذا لا يعطي إسرائيل الحق بالتصرف بلامبالاة تجاه حياة المدنيين، أو الرد بما هو أسوأ من ذلك. نعم، للإسرائيليين الحق في الغضب؛ وأظن أنني لو كنت إسرائيلية لغضبت كما يغضبون، لكن التحريض ضد الفلسطينيين، الذين لا علاقة للأغلبية الساحقة منهم بحماس، يقودنا نحو منطقة أكثر قتامة مما نحن فيه الآن.
هناك أصوات مؤثرة في أمريكا تشحن الأجواء المتعطشة للدماء، ففي برنامج «فوكس نيوز صنداي»، نفى السيناتور الجمهوري (توم كوتون) من أركنساس المخاوف من أن الخسائر البشرية الهائلة التي تقع في غزة سوف تصب في صالح حركة حماس على المستوى الدولي. وقال: «في رأيي، تستطيع إسرائيل تفجير الأنقاض في غزة»، وعبارة «تفجير الأنقاض» هي اقتباس لمقولة (ونستون تشرشل) حول الإفراط في القتل العسكري المروع. وليس بعيدا عن السيناتور (كوتون)، كانت هناك عبارات أكثر تحريضا تطرح على الساحة، فقد قال (جويل بولاك)، أحد كبار المحررين في شبكة (برايتبارت) الإخبارية، في بث عبر الإنترنت للشاب المحافظ البارز (تشارلي كيرك): «إذا كان الأمر يتعلق بالتطهير العرقي، أنت تريد تطهير شعبي، سأقوم بتطهير شعبك أولاً».
وها نحن قد بدأنا بالفعل رؤية نتائج التجريد الكامل للفلسطينيين من إنسانيتهم، ففي نهاية هذا الأسبوع، تعرّض صبي يبلغ من العمر 6 سنوات في (إلينوي) للطعن حتى الموت على يد مالك المنزل، الذي اعتدى أيضًا على والدة الصبي وأصابها بجروح خطيرة. ووفقا للشرطة المحلية، كان استهداف الضحايا «بسبب كونهم مسلمين، ونتيجة للصراع المستمر في الشرق الأوسط بين حماس والإسرائيليين».
فإذا كان هذا هو الجو الساخن هو السائد في أجزاء من الولايات المتحدة، فهو بالتأكيد أكثر سخونة في إسرائيل. تحدثت صباح يوم الاثنين مع (ديانا بوتو)، وهي محامية فلسطينية كندية في (حيفا) عملت سابقا مستشارة قانونية لمنظمة التحرير الفلسطينية. قالت بوتو: «أستطيع أن أفهم ما شعرت به جدتي عام 1948 عندما هربت من بلدة قريبة من الناصرة، كان هناك مناخ من الخوف التام من أنك ستكون التالي في القتل. وهذا لا يقتصر على قطاع غزة فحسب؛ بل امتد أيضًا إلى الضفة الغربية». وبالفعل، وفقاً لقناة الجزيرة، قُتل ما لا يقل عن 55 فلسطينياً في الضفة الغربية، بعضهم على يد الجنود والبعض الآخر على يد المستوطنين. وذكرت صحيفة هآرتس أن خمسة فلسطينيين قتلوا برصاص المستوطنين في قرية قصرة. وفي رسالة بعثت لأهالي القرية عبر تطبيق الواتساب نصت على أنه: «ليس لدينا خطوط حمراء. سوف نعاقبكم لتكونوا عبرة للآخرين».
أرسلت لي (بوتو) رابطًا لمجموعة على تطبيق (تليجرام) تضم أكثر من 82 ألف مشترك معظمهم يتحدثون باللغة العبرية، نشر المشتركون فيها صورًا احتفالية بالقتلى والجرحى الفلسطينيين، وقبل الصور كتبت رسالة للمتحدثين باللغة الإنجليزية تنصّ على أنّ «أهل غزة ليسوا أبرياء!». فإذا كان هؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن هذا التصرف هو رد فعل طبيعي، فلا يمكننا أن نتجاهل الخطر الذي نحن مقبلون عليه.
ميشيل غولدبرغ كاتبة عمود رأي منذ عام 2017. وهي مؤلفة العديد من الكتب حول السياسة والدين وحقوق المرأة، وكانت جزءًا من فريق فاز بجائزة بوليتزر للخدمة العامة في عام 2018 للإبلاغ عن التحرش الجنسي في مكان العمل.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی إسرائیل فی غزة
إقرأ أيضاً:
عناصر من اليونيفيل وانتشار كثيف للجيش... ما الذي تشهده بعلبك؟
أفادت مندوبة "لبنان 24" أنّ وفداً من قوات "اليونيفيل" يضمّ 8 سيارات جال داخل مدينة بعلبك. وأشارت إلى أنّ آليات للصليب الأحمر رافقت وفد "اليونيفيل"، وسط انتشار كثيف للجيش.