فجأة ومن دون أي مقدمات سحبت صفة "الدعشنة" عن حركة حماس التي ألصقها بها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، وحوّل بوصلة دعايته الإعلامية نحو حركة الجهاد الإسلامي، متفوقا على جوزيف غوبلز وزير دعاية الزعيم النازي أدولف هتلر.

وبعد دقائق من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين بقصفه مستشفى المعمداني بغزة، مخلفا أكثر من 500 شهيد ومئات المصابين، خرج أدرعي ومن لفّ لفه من المتحدثين الإعلاميين للجيش الإسرائيلي والمستشارين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنفي التهمة عنهم وإلصاقها بحركة الجهاد واستبعادها حماس "الداعشية التي قطعت رؤوس الأطفال وأحرقت النساء" بحسب رواية الاحتلال.

ونفت حركة الجهاد "الأكاذيب" و"الاتهامات الباطلة" التي وجهتها إليها إسرائيل، مؤكدة أن المستشفى استهدف "بقصف جوي أطلق من طائرة حربية" إسرائيلية.

جيش الاحتلال يتهم حركة الجـ.هاد بالمسؤولية عن قصف #مستشفى_المعمداني.. والمـ.قاومة ترد وتفنّد مزاعمه#الجزيرة_مباشر #غزة_لحظة_بلحظة pic.twitter.com/yIzJEQv4lE

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 18, 2023

وبما أن الفيلم يحتاج إلى "بطل" للرواية، فكانت حركة الجهاد، فزعمت إسرائيل أن صاروخا أطلقته الحركة وأخطأ هدفه وسقط في ساحة المستشفى.

صورة ثم فيديو

ولم يتوقف أدرعي عند هذا الحد، فزعم أن هناك "تحقيقا شاملا ودراسة كافة الأنظمة العملياتية والاستخبارية في جيش الدفاع، تؤكد بشكل واضح أن جيش الدفاع لم يهاجم المستشفى المعمداني".

وتابع "أصيب المستشفى نتيجة تعرضه لإطلاق فاشل لصاروخ نفذه تنظيم الجهاد الإسلامي.. المنظمات الإرهابية في قطاع غزة تطلق الصواريخ عشوائيا نحو إسرائيل وتعرض أيضًا سكان القطاع للخطر وتمس بهم. حيث سقطت منذ بداية الحرب حوالي 450 من القذائف الصاروخية التي تم إطلاقها على أرض القطاع".

وبعد "التحليل والتحقيق والدراسة" لا بد من أدلة "تدعم" مزاعمه فبدأ أولا بنشر صورة زعم أنها "التقطت عبر الرادارات وتظهر سقوط الصاروخ الفاشل للجهاد الإسلامي في منطقة المستشفى" ثم فيديو ادعى أنه "من داخل أنظمة سلاح الجو لصاروخ فاشل أطلقته الجهاد الإسلامي".

#صورة تم التقاطها عبر الرادارات وتظهر سقوط الصاروخ الفاشل للجهاد الاسلامي في منطقة #المستشفى_المعمداني في #غزة pic.twitter.com/dMrXq6nMSV

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 17, 2023

#عاجل بالفيديو من داخل أنظمة سلاح الجو: هكذا أصاب صاروخ فاشل أطلقه #الجهاد_الاسلامي منطقة #المستشفى_المعمداني في مدينة غزة. pic.twitter.com/P39MO6vbZ3

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 18, 2023

ومخافة ألا يكفي هذا لنشر الرواية وخاصة أن الصور لا تكفي والفيديوهات المنتشرة ثبت أنها إما قديمة أو ليست في توقيت القصف، أخرج أدرعي من جعبته "تسجيلا صوتيا لحوار بين عنصرين من حماس يتحدثان به عن مسؤولية الجهاد عن إطلاق الصواريخ".

#عاجل #استمعوا لقد كشفت استخباراتنا مكالمة هاتفية بين ناشط سابق في حماس وبين أحد سكان القطاع تحدثا خلاله عن عملية اطلاق صواريخ فاشلة وقعت تحديدًا في #المستشفى_المعمداني. لقد قمنا بتأكيد هذه الشهادة مع مصادر استخبارية إضافية لتأكد من صحتها pic.twitter.com/0KGT6cQ6eG

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 18, 2023

وبغض النظر عن أن الحوار متقطع والكلام بين الرجلين يظهر بأنه مرتب ومركب بشكل لا يبدو أنه بين "عنصرين في حركة مقاومة" تخوض حربا ضد إسرائيل، يطرح السؤال لماذا اختير أن يكون الحوار -الذي زعم مرة أخرى أن الاستخبارات الإسرائيلية رصدت مكالمة هاتفية بشأنه- بين عنصرين من حماس وليس الجهاد؟!

وحتى النص الذي أرفقه أدرعي لتغريدته يخالف التسجيل، فالصوت يتحدث عن حوار بين "عنصرين من حماس" ومنشور المتحدث باسم جيش الاحتلال يقول إنه "بين ناشط سابق في حماس وأحد سكان القطاع، تحدثا خلاله عن عملية إطلاق صواريخ فاشلة".

مرفق مقطع فيديو تم التقاطه هذا الصباح للمستشفى في مدينة #غزة الذي أصيب نتيجة عملية فاشلة لإطلاق قذيفة صاروخية على يد منظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية مساء أمس:
يمكن ملاحظة أن الضرر نتيجة عملية الإطلاق الفاشلة على يد الجهاد الإسلامي ينحصر على منطقة ساحة وقوف السيارات المجاورة… pic.twitter.com/jRCbuUOJmT

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 18, 2023

ولأن الرواية لم تصدق بعد ويشكك بها كثيرون، رفع مستوى الدعاية بفيديو زعم أنه "تم التقاطه صباحا للمستشفى.. يمكن ملاحظة أن الضرر نتيجة عملية الإطلاق الفاشلة على يد الجهاد الإسلامي ينحصر على منطقة ساحة وقوف السيارات المجاورة".

واللافت أن أول من نشر الرواية الإسرائيلية كانت شبكة "سي إن إن" الأميركية حتى قبل أن تنتشر، وقالت مراسلتها نقلا عن جيش الاحتلال أن "حماس أطلقت صاروخا وسقط على المستشفى بالخطأ"، طارحة سؤالا عن توقيت هذه الحادثة عشية زيارة بايدن لإسرائيل.

CNN’s Clarissa Ward now suggesting that #Hamas might have ´misfired’ – according to the #Israeli army – a strike at the #Gaza hospital in an incident that has so far killed hundreds of Palestinian civilians. pic.twitter.com/qH2xLMy6yU

— Arwa Ibrahim (@arwaib) October 17, 2023

الضربة الأولى

ومن مبدأ أن الشائعة حتى ولو حلقت في فضاء التواصل الاجتماعي سيطلق عليها الناشطون نيران تغريداتهم ومنشوراتهم ويسقطونها أو يؤكدونها، جاءت الضربة الأولى للرواية الإسرائيلية من مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشؤون مواقع التواصل "هانايا نفتالي" الذي أكد في تغريدة "حذفها لاحقا" المؤكد: الاحتلال مسؤول عن مجزرة المستشفى.

حذف تغريدته سريعًا..حنانيا نفتالي مسؤول إسرائيلي يكشف ما أخفاه الاحتلال #غزة_تحت_القصف #مستشفى_المعمداني pic.twitter.com/km8gsV8r8F

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 18, 2023

ويقول نفتالي -الذي حضر نتنياهو حفل زفافه وأكد أنه مستشاره- في تغريدته التي اعتبرها خبرا عاجلا، أن "سلاح الجو الإسرائيلي ضرب قاعدة لحركة حماس الإرهابية داخل مستشفى في غزة، حيث قتل عشرات الإرهابيين، أمر يفطر القلب أن حماس تطلق الصواريخ من المستشفيات والمساجد والمدارس مستخدمين المدنيين كدروع بشرية".

Zionists are pretending there's no relationship between @HananyaNaftali – who initially admitted Israel bombed al-Ahli hospital in Gaza – and his boss @netanyahu.

Netanyahu spoke at Naftali's wedding about the "content" he makes. Little did he know what a liability his employee… pic.twitter.com/r7HBLWKhCL

— Dan Cohen (@dancohen3000) October 18, 2023

وبعد تكشف حجم الكارثة وسقوط مئات الشهداء وإثارة الرأي العام العربي والدولي بسبب استهداف المدنيين المحتمين بالمستشفى، طلب من نفتالي حذف التغريدة واستبدال بها فيديو يتبنى الرواية الإسرائيلية باتهام حركة الجهاد الإسلامي بالقصف ثم أعقبها بعدة تغريدات التزم فيها بتوجيهات الجيش ونشر فيديوهات وصور وتحليلات تزعم أنها تدعم الرواية.

ولكن هذه الرواية سرعان ما تقلبت وتدحرجت حتى استقر مطلقوها على اتهام حركة الجهاد، وهنا يأتي دور مارك ريغيف مستشار نتنياهو والذي أجاب عن سؤال مباشر لقناة سكاي نيوز البريطانية جاء فيه: هل أنتم من قصفتم المستشفى؟ يجيب الرجل أن "المؤشرات كلها تشير إلى حركة الجهاد".

ولكن لماذا الجهاد وليس حماس؟

يستعين السفير الإسرائيلي السابق في بريطانيا بأرقام وإحصاءات ليركب قدمين لهذه الرواية، "الإحصاءات تقول إنه في الجولات السابقة نحو 33% من الصواريخ التي أطلقتها الجهاد على إسرائيل سقطت في غزة".

ويضيف أن "في غزة، ليست هناك مصادر مستقلة، ولكن نؤكد أنها الجهاد شقيق حماس الأصغر وتوأمها في الإرهاب، إسرائيل لا تستهدف المستشفيات". واعتبر أن "عمل وسائل الإعلام هو البحث عن الحقيقة وليس ترديد كلام حماس وإلقاء اللوم على إسرائيل".

'Was it you?'

Sky's @AnnaBotting asks Senior Advisor to the Israeli Prime Minister @MarkRegev if Israel bombed the al Ahli Arab Baptist Hospital, killing hundreds of people.

He says it "appears" to be a Palestinian Islamic Jihad rocket.https://t.co/FTEXZhOve2

???? Sky 501 pic.twitter.com/z5SBarZK69

— Sky News (@SkyNews) October 17, 2023

بايدن يتبنى الرواية الإسرائيلية

وطلب مستشار نتنياهو البحث عن الحقيقة، لبّته وسائل إعلام غربية، ففند مراسلا قناتي "بي بي سي" في القدس و"إم إن إس بي سي" في إسرائيل، الرواية واعتبرا أنه من شبه المستحيل أن يخلف صاروخ من المقاومة هذا الحجم الكبير من الدمار.

ويقول مراسل القناة البريطانية إن "حجم الدمار يدلل على أن المنطقة استهدفت بغارة إسرائيلية أو أكثر، لأن حجم الانفجارات الذي قد تخلفه الصواريخ التي تطلق من غزة لا يقارن بما حصل في المستشفى وفي العادة قد يقتل عدة أشخاص ولكن الفيديوهات التي شاهدتها من المستشفى تفيد بالعكس".

بدوره، أكد مراسل القناة الأميركية أن إسرائيل لم تقدم أي دليل على أن الصواريخ التي ضربت المستشفى أطلقت من غزة، و"علينا القول إن هذه الحصيلة من القتلى لم ترتبط في السابق بصواريخ أطلقت من غزة".

Sock puppet account @_Faridakhan pretending to be an Al Jazeera journalist gets retweeted over 1000 times when she claimed that the rocket that hit the hospital was a Hamas rocket. She claimed her "employer" was lying. She even has an Israeli flag in her profile pic ???? #gaza https://t.co/GfoHgqVPlY pic.twitter.com/7zRx47DeYZ

— Marc Owen Jones (@marcowenjones) October 17, 2023

ولتكتمل الصورة المزعومة لا بد من إدخال شبكة الجزيرة الإعلامية في السياق، إذ ادعى أحد الحسابات أنه لصحفية في الجزيرة الإنجليزية تدعى "فريدة خان" وزعمت هذه الأخيرة بتغريدة أنها "مراسلة القناة في خان يونس بغزة وأنها رأت بعينيها أن الصاروخ التي استهدف المستشفى هو صاروخ حماس (عياش 250) وأخطأ هدفه".

Disclaimer: The X / Twitter account @_Faridakhan falsely claims Al Jazeera affiliation. We want to clarify: This account has no ties to Al Jazeera, its views, or content. Exercise caution, verify information prior to publishing.

— Al Jazeera PR (@AlJazeera) October 17, 2023

غير أن شبكة الجزيرة أصدرت بيانا نفت فيه "انتماء صاحبة هذا الحساب لقناة الجزيرة" وتابع البيان "نريد التوضيح: أن هذا الحساب لا علاقة له بالجزيرة ولا بآرائها أو محتواها". وبعد بيان الشبكة، مباشرة توقف الحساب عن العمل ثم حذف علما أنه أنشئ في سبتمبر/أيلول الماضي.

واللافت أن أغلب الإعلام الغربي، إما تناول على استحياء القصة وتبنى الرواية الإسرائيلية وإما تجاهلها تماما.

تضليل الإعلام والرأي العام

ولكن هذه الرمادية في الإعلام الغربي تحولت إلى وضوح وتأكيد وتبني للرواية الإسرائيلية من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال لنتنياهو: "حزنت وغضبت بشأن الانفجار في المستشفى المعمداني أمس الثلاثاء، ويبدو أن الجانب الآخر وراء ذلك وليس أنتم".

غداة المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بقصف #مستشفى_المعمداني.. قادة إسرائيل في استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن الذي وصل تل أبيب لإظهار التضامن والدعم لإسرائيل.
للمزيد: https://t.co/oakeMz94Vo pic.twitter.com/BuzAcYOyYF

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) October 18, 2023

واللافت أن بايدن كان يقرأ ما يقوله من ورقة صغيرة كتبت له مخافة أن يجبر البيت الأبيض على التراجع عن تصريحات للرئيس كما حصل في موضوع اتهام مقاتلي القسام بقطع "رؤوس الأطفال".

مؤيدا رواية تل أبيب بشأن المجزرة.. بايدن لنتنياهو: يبدو أن الجانب الآخر وراء قصف المعمداني في #غزة وليس إسرائيل pic.twitter.com/NFL6gkYelc

— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 18, 2023

"It appears the hospital explosion was done by the other team, not you (Israel), we have to overcome those don't see it," says U.S. President Joe Biden pic.twitter.com/xf71bss5IJ

— i24NEWS English (@i24NEWS_EN) October 18, 2023

ونقلت صحيفة واشنطن بوست -يومها- عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه "لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل".

وبين الرواية الإسرائيلية المتناقضة والتكذيب الإعلامي ونفي حركة الجهاد الإسلامي، توصل تحقيق أجرته شبكة الجزيرة، أن الجيش الإسرائيلي تعمد تضليل الإعلام والرأي العام في روايته حول استهداف مستشفى المعمداني.

???????? NEW VIDEO PROOF Israel bombed the Gaza Baptist Hospital!

???????? Video analysis shows an Israeli jet in the air at the time of the bombing.

The evidence is UNDENIABLE.
pic.twitter.com/EE7RsoPtQm

— Jackson Hinkle ???????? (@jacksonhinklle) October 18, 2023

وخلُص التحقيق، إلى وقوع انفجارين مختلفين في مدينة غزة، وذلك عقب اعتراض القبة الحديدية الإسرائيلية لصاروخ المقاومة الفلسطينية، وهو ما ينفي ادعاء إسرائيل بسقوط صاروخ فلسطيني عن طريق الخطأ على المستشفى، ويناقض إعلان الجيش الإسرائيلي وتنصله من مسؤولية استهداف المستشفى.

ويستند تحقيق وحدة التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر بوكالة "سند" على تحليل الصور وبناء الخط الزمني للأحداث من خلال البث الحي لقناة الجزيرة وصور حية أخرى من داخل إسرائيل، ومشاهد من شهود عيان بغزة للحظات التي سبقت قصف المستشفى، إضافة إلى تحديد مواقع جغرافية لاتجاهات التصوير الرئيسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الروایة الإسرائیلیة المستشفى المعمدانی مستشفى المعمدانی الجهاد الإسلامی جیش الاحتلال افیخای ادرعی حرکة الجهاد pic twitter com

إقرأ أيضاً:

بعد عودته من القطاع... الطبيب المغربي يوسف بو عبد الله يروي فظائع إسرائيل في غزة

بعد قضائه نحو شهرين في قطاع غزة لإجراء عمليات جراحية في ظل الإبادة الإسرائيلية الجماعية على القطاع منذ 7 أكتوبر 2002، عاد الطبيب المغربي إلى بلاده، وهو يتوق إلى العودة إليه ولسان حاله يقول « جسدي هنا وروحي هناك ».

الطبيب المغربي يوسف بو عبد الله تطوع للمرة الثانية لإسعاف مرضى وجرحى القطاع، حيث أجرى عشرات العمليات الجراحية لأطفال فلسطينيين، وقال قبل مغادرته غزة: « لا أحد فوق الأرض يستطيع تحمل ظروف عمل الأطباء هناك »..

ويروي بوعبد الله حكايات كثيرة عايشها لأطفال من غزة، لعل صوته يصل إلى العالم، خاصة الأطباء.

ولا ينسى الطبيب المغربي وفق ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي حكاية الطفلة مريم التي تركها بمستشفى الإندونيسي شمال القطاع وهي في حالة غيبوبة بسبب ارتجاج الدماغ، ليجدها وقد فاقت من الغيبوبة في مستشفى « شهداء الأقصى » وسط القطاع بعد انتقاله للعمل فيه.

ويقول بو عبد الله، إنه عندما تركها في المستشفى الإندونيسي ظل قلبه متعلقا بها، ليتفاجأ خلال زيارته اليومية للمرضى في مستشفى « شهداء الأقصى » أنها فاقت من الغيبوبة وتم نقلها للمستشفى الذي يعمل به.

كما يتذكر الطبيب المغربي حكاية عمر الطفل الفلسطيني الذي لم يراهن الفريق الطبي على عودته للحياة، إلا أنه قام بإنقاذ يده من البتر وإصلاح الجرح الغائر على وجهه ».

روحي في غزة
وصل بو عبدالله إلى المغرب في 7 أبريل الجاري قادما من قطاع غزة، بعد أن قضى أسابيع لإجراء عمليات جراحية للأطفال الفلسطينيين ضمن « الجمعية الفلسطينية الأمريكية ».

جاء ذلك وفق مقطع فيديو نشرته إيمان المخلوفي زوجة بو عبد الله بمنصة إنستغرام.

وتعد هذه الزيارة الثانية لبو عبد الله إلى قطاع غزة خلال الإبادة الإسرائيلية المستمرة، بعدما قضى شهرين بمستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع بين غشت وشتنبر 2024.

وقال بو عبد الله في منشور بمنصة إنستغرام وهو يهم بمغادرة غزة قبل أيام: « أغادر الأرض الطيبة جسدا والروح تُركت فيها… على العهد سنبقى وأملنا بالله كبير أن يكون عناقنا القادم عناق لقاء واشتياق بعد نصر من الله وفتح قريب ».

الطبيب المغربي الذي سافر إلى غزة في زيارته الأخيرة قبل شهر رمضان الماضي، أشاد بالطواقم الطبية التي عمل معها بالقطاع.

وقال: « ظروف عملهم لا أحد فوق هذه الأرض يستطيع تحملها، ومع ذلك يقاومون بكل ما أوتوا من قوة حتى لا تنحني رؤوسهم إلا لخالقهم، ونحن معكم سنقاوم ولو بالمشرط ولو بالخيط ولو بالسماعة والكلمة ».

ويوسف بو عبد الله، جراح مغربي بمستشفى الحسن الثاني ورئيس قسم جراحة الأطفال فيه، وأجرى عشرات العمليات الجراحية بغزة.

وسبق أن زار غزة أكثر من مرة أعوام 2008 و2012 و2014.

قليل الكلام كثير العمل
قليل الكلام، متحفظ في الظهور الإعلامي، إلا أن أعماله جعلت رواد منصات التواصل الاجتماعي يتداولون صور ومقاطع فيديو تبين تدخلاته بغزة.

وفي الوقفات والمسيرات بالمغرب، يتم رفع صوره تعبيرا عن امتنانهم لهذا الطبيب الذي ساهم في علاج الكثير من الفلسطينيين، خاصة الأطفال منهم.

صوته هادئ، ويظهر وهو يتحدث مع أطفال غزة وكأنه يتحدث مع أبنائه، له قدرة على التواصل مع الأطفال ومواساتهم وتحفيزهم.

يتطلع للعودة إلى غزة على اعتبار أنها بقيت في قلبه.

 قصص من غزة
قصص كثيرة يرويها بو عبد الله من غزة، مثل حالة الطفلة مريم، حيث قال عنها: « تم إحضار مريم إلى مستشفى الإندونيسي في ليلة دامية وقد دخلت في غيبوبة بسبب ارتجاج الدماغ، وظلت في وحدة الإنعاش وبفضل الله عز وجل ثم الفريق الطبي استطاعت أن تستعيد وعيها ».

وأضاف: « في ظل هذا كله، لا تعرف مريم ذات الست سنوات أنها ستعيش ما بقي من حياتها يتيمة وحيدة ».

وأردف بو عبد الله: « بعد خروجي من مستشفى الإندونيسي، وعودتي إلى مستشفى « شهداء الأقصى » ظل قلبي متعلقا بالصغيرة مريم وكنت أسأل عن حالها كل يوم، حتى تفاجأت خلال زيارتي اليومية للمرضى أنها توجد بينهم، فقد نقلوها من الإندونيسي وفرحت أيما فرح لرؤيتها ».

وتابع: « هذا هو حال أطفال غزة… هناك حقوق للأطفال في كل مكان… إلا في غزة ».

ومن القصص التي رواها الطبيب المغربي أيضا حكاية الطفلة أنعام التي « طارت » في السماء بعد قصف منزل عائلتها ورميت على بعد خمسين مترا، ثم سقطت فوق فراش جعله الله سبباً لحمايتها من موت محقق، لكن وجهها لم يسلم من حروق انفجار القذيفة ».

كما يروي بو عبد الله حكاية الرضيعة تالين في الشهر السادس من عمرها، حيث سقط فوقها ردم المنزل بعد قصفه.

وأضاف: « هذه الرضيعة بقيت تحت الركام لساعات طويلة، ترى الظلام وتستنشق الغبار، تبكي من الجوع ولا أحد يسمعها ».

وتابع الطبيب المغربي: « ظلت تالين على هذا الحال حتى جاء أحدهم يبحث عن هاتفه الذي سقط في نفس المكان، فسمع بكاءها وهو يقف فوق الردم وسارع لإحضار فريق الإنقاذ، الذي بذل جهده لإخراجها ».

كما يحكي بو عبد الله حكاية الطفل الفلسطيني عمر الذي لم يراهن الفريق الطبي على عودته للحياة، حيث كان ضحية كآلاف الضحايا من الأطفال ».

واضطر الفريق الطبي، بحسب بو عبد الله، « لاستئصال طحاله المصاب بشظية لوقف النزيف الحاد والكبير، وترقيع (تضميد) الثقوب في سائر أمعائه، كما تمكن الفريق الطبي من إنقاذ يده من البتر وإصلاح الجرح الغائر على وجهه ».

ودعا بو عبد الله، إلى إرسال الأطباء والممرضين والفنيين لدعم الجهود الطبية، والقيام بواجبهم الإنساني في ظل التحديات التي يواجهها القطاع الصحي.

وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم حرب وإبادة بغزة، خلّفت أكثر من 167 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى دمار هائل في المنازل والمنشآت والبنية التحتية.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 دمرت إسرائيل 34 مستشفى من أصل 38، منها حكومية وأهلية، تاركة 4 مستشفيات فقط تعمل بقدرة محدودة رغم تضررها، وسط نقص حاد بالأدوية والمعدات الطبية، بحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

كما أخرجت الغارات الإسرائيلية 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، إلى جانب تدمير 162 مؤسسة طبية أخرى.

وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخل القطاع مرحلة المجاعة؛ جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.

كلمات دلالية الطبيب المغربي غزة

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة سوهاج: يتفقد مستشفى الاستقبال والطوارئ ويتابع الخدمات المقدمة للمرضي
  • 3 سنوات من الإنجازات والألقاب والنهضة للمنتخبات المغربية الكروية
  • نائب وزير الصحة يطلع على سير العمل بمشروع التوسعة في مستشفى باجل المحوري
  • الاطلاع على سير العمل بمشروع التوسعة في مستشفى باجل المحوري
  • الشباب لا يعرف الفوز على «هلال» جيسوس!
  • محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى جمصة في شم النسيم
  • قصف إسرائيلي يستهدف المستشفى المعمداني شرقي مدينة غزة
  • وكيل صحة بني سويف تفاجئ مستشفى ببا لمراجعة توافر المستلزمات والأدوية
  • أول مستشفى حكومي في بحري يعلن دخوله الخدمة رسميا
  • بعد عودته من القطاع... الطبيب المغربي يوسف بو عبد الله يروي فظائع إسرائيل في غزة