غزة – يعيش عبد الهادي العجلة منذ أمس -ليلة حدوث مجزرة المستشفى المعمداني– خوفا مركبا على نفسه وعلى آلاف المرضى والجرحى، وكان قد نزح من منزله في حي الشجاعية المتاخم للسياج الأمني الإسرائيلي شرق مدينة غزة نحو مستشفى الشفاء، معتقدا أنه سيجد فيه ملاذا آمنا.

وحذرت وزارة الصحة والسلطات المحلية في قطاع غزة من أن المستشفيات دخلت حالة انهيار فعلي، وأنها توشك أن تتحول إلى "مقابر جماعية" في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي لليوم الثاني عشر على التوالي، وانقطاع الكهرباء ونفاد الوقود ونقص الأدوية.

سلامة معروف: ما تتعرض له المنظومة الصحية من حصار وعدوان هو جريمة حرب (رويترز) مراكز إيواء

وعبد الهادي العجلة أحد آلاف النازحين الذين لجؤوا إلى مستشفى الشفاء الأكبر على مستوى القطاع وغيره من المستشفيات التي حوّلوها إلى مراكز إيواء، بعدما ضاقت عليهم الدنيا إثر تهديدات إسرائيلية وإنذارات لسكان مدينة غزة ومدن شمال القطاع بالنزوح إلى مدن جنوب القطاع.

ويفترش عبد الهادي والنازحون في مستشفى الشفاء الأرض ويلتحفون السماء، ويفتقرون لأبسط مقومات الحياة، ويقول للجزيرة نت "كنا نتحمل هذا الواقع ونأمل أننا في أمان، لكن بعد مجزرة المعمداني أصبحنا في خوف على أنفسنا وعلى أقاربنا وأحبتنا من المرضى والجرحى داخل المستشفى".

وخلفت مجزرة المعمداني مئات الشهداء والجرحى، غالبيتهم نزحوا إليه من منازلهم في أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح والدرج وغيرها من الأحياء المجاورة للمستشفى، وهو أقدم مستشفيات غزة، إذ بنيّ قبل نكبة فلسطين في العام 1948 بنحو 5 عقود.

أحمد المنظري: المعمداني واحد من 20 مستشفى واجهت أوامر إخلاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي (رويترز) رفض الإخلاء

وقال الممثل الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بإقليم شرق المتوسط أحمد المنظري إن المعمداني واحد من 20 مستشفى واجهت أوامر إخلاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد أنه من المستحيل تنفيذ أمر الإخلاء نظرا لانعدام الأمن حاليا وللحالة الحرجة للعديد من المرضى، ونقص سيارات الإسعاف والموظفين والطاقة الاستيعابية للأسرّة في النظام الصحي، والمأوى البديل للنازحين.

وترفض إدارات هذه المستشفيات هذه الإنذارات، كما ترفض إخلاءها والتخلي عن مسؤولياتها تجاه آلاف المرضى والجرحى.

وأكد المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية مايك رايان أنه من "غير الإنساني" ترك العاملين في مجال الصحة في غزة أمام معضلة رعاية مرضاهم، أو الفرار لإنقاذ حياتهم.


موت جماعي

وتمر المنظومة الصحية في قطاع غزة بلحظات عصيبة وخشية مركبة من مجزرة مماثلة للمعمداني، وانتظار لحظة الانهيار التام وتحول المستشفيات إلى ما وصفتها وزارة الصحة بـ"مقابر جماعية".

وقال الناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة -للجزيرة نت- "لقد أصبحنا في قلب الكارثة، وعلى وشك الانهيار الفعلي الشامل خلال ساعات".

وبكلمات قليلة وحزينة وصلت ثقيلة عبر الهاتف، حذر القدرة من أن "الساعات القليلة القادمة ستكون صادمة وخطيرة، ولم تعد لدينا أي خيارات، فقد استنفدنا كل طاقاتنا ومقدراتنا، والمستشفيات التي يفترض أنها دور علاج ورعاية ستتحول إلى مقابر جماعية للمرضى والجرحى والنازحين إليها".

آلاف المواطنين الفلسطينيين يلجؤون لمستشفيات غزة بحثا عن مكان آمن (الأناضول) أحكام إعدام

بدوره، قال المدير العام للمستشفيات منير البرش للجزيرة نت "لا خيارات أمامنا، والموت أصبح حتميا، وحياة آلاف المرضى والجرحى في خطر حقيقي ما لم يتم وقف إطلاق النار وفتح المعابر وإدخال المساعدات الطبية والوقود".

ورأى رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف أن ما تواجهه المستشفيات من أخطار الاستهداف المباشر بالقصف أو الانهيار نتيجة أزمات الوقود ونقص الأدوية والمستلزمات، هي "أحكام بإعدام" المرضى والجرحى.

ويرفض معروف -في تصريحه للجزيرة نت- إخلاء أي مستشفى "تحت ضغط الإرهاب والاستهداف"، ووصف ما تتعرض له المستشفيات والمنظومة الصحية من حصار وعدوان بأنه "جريمة حرب".

وتشير معلومات رسمية إلى أن 33 مركزا للرعاية الصحية توقفت عن العمل، كما توقفت بعض الأقسام والخدمات في مستشفى الصداقة التركي عن العمل، وهو مستشفى الأورام التخصصي الوحيد في غزة.


صمود

وخرجت 23 سيارة إسعاف عن الخدمة جراء القصف المباشر، وبلغ عدد الشهداء من الفرق الصحية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة 37 شهيدا ما بين أطباء وممرضين ومسعفين.

وأكد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي أن حياة آلاف الجرحى والمرضى على المحك، وقال "في ظل الحصار المشدد والعدوان الغاشم لم يتبق لدى المنظومة الصحية أي خيارات، ولولا صمود فرقنا الصحية لانهارت المستشفيات منذ أيام".

ومنذ ما قبل العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري وعلى مدى سنوات، دأبت وزارة الصحة على إطلاق نداءات استغاثة، وتحذيرات من الانهيار نتيجة منع سلطات الاحتلال توريد الأجهزة الطبية الحديثة، والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات والمستهلكات الطبية.

ووفقا لمعروف، فإن الوقود نفد من مخازن وزارة الصحة والمستشفيات، وتم توجيه نداء لكل من يمتلك ولو لترا واحدا من الوقود بتوريده للمستشفيات لتأجيل وقوع الكارثة، إلى جانب ما تعانيه المستشفيات من نقص 43% من المستهلكات الطبية اللازمة للتعامل مع الأعداد الهائلة من الجرحى.

وقال المتحدث ذاته "لا نطلب من العالم تسيير الجيوش، وإنما مجرد مساعدات طبية وإنسانية، فهل تنتظرون أن تسدل ستارة النهاية على غزة بمشهد الموت الجماعي؟".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مقابر جماعیة وزارة الصحة للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

سة في غزة تتحول إلى مستشفى لعلاج مصابي العدوان الإسرائيلي

صفا

بعد تسعة أشهر من العدوان الوحشي على قطاع غزة، حوَل قساوسة كنيسة القديس فيليب في مدينة غزة كنيستهم إلى عيادة طبية.

وكانت هذه الكنيسة قبل الحرب بمنزلة ملاذ يتعبد فيه أعضاء المجتمع المسيحي الصغير في القطاع.

وتصطف أسرّة بجانب جدران حجرية شاحبة تحت سقف مقبب، بينما يتولى أطباء رعاية المرضى الذين لا يجدون مكانا في المستشفى الأهلي العربي الذي تديره الكنيسة الأنجليكانية، والذي يعاني، كغيره من المرافق الطبية الأخرى المتبقية في غزة، من ضغوط شديدة بسبب زيادة الطلب على خدماته.

وقال القس منذر إسحاق، وهو يرتدي قميصا أسود: “المصليات داخل المستشفيات، وبالتحديد في المستشفى الإنجيلي العربي، مكان الصلاة اللي كان مخصص للصلاة، طبعا تم تحويله إلى عيادة لعدم توفر أماكن. اليوم إحنا الأولوية هي إنقاذ حياة كل إنسان نستطيع إنقاذ حياته".

وأضاف لوكالة "رويترز": "فبالتالي المستشفى الإنجيلي العربي، شأنه شأن جميع المستشفيات، يقوم بكل الجهود الممكنة ضمن المقومات المحدودة جدا المتوفرة للمستشفيات والعيادات في غزة”.

ووقف رجل بجانب سرير أحد المرضى المسنين للتهوية عليه بقطعة ورق مقوى يمسكها بيده. وكان المريض المسن واضعا قناع أكسجين على فمه.

وتبدو الصلبان منحوتة على جدران قاعة الصلاة سابقا في عيادة القديس فيليب، الواقعة في مجمع المستشفى الأهلي العربي نفسه، التابع للكنيسة الأنجليكانية أيضا.

وقال الطبيب محمد الشيخ، الذي يعمل بعيادة كنيسة القديس فيليب: “طبعا من بداية افتتاحنا للمستشفى المعمداني، طبعا لا يوجد أماكن لإدخال المرضى إلى الأقسام، فاضطررنا إلى جعل (تحويل) هذا المكان الذي هو مكان لعبادة المسيحيين هنا في غزة إلى قسم مبيت للباطنة، وأيضا لنقص المستلزمات استخدمنا كراسي العبادة كأسرّة للمرضى”.

وأدى العدد الكبير من المصابين جراء الصراع إلى تفاقم المرض المتفشي وسوء التغذية، بين 90 في المئة من سكان غزة، الذين تقول الأمم المتحدة؛ إنهم أصبحوا بلا مأوى، مما يشكل ضغطا هائلا على النظام الصحي في القطاع.

كما أدى العدوان إلى توقف العديد من المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى عن العمل، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وتسببت في نقص كبير في الإمدادات الطبية اللازمة.

وقال أبو محمد أبو سمرة الذي يرافق والدته المريضة، التي تتلقى العلاج في عيادة القديس فيليب: “في هذه الكنيسة اللي خرجت عن دورها في العبادة، الآن هي لدور التمريض ودور الاستشفاء، ونتلقى فيها يعني أدنى خدمة طبية بما هو متوفر الآن في شمال غزة، يعني أدنى خدمة بما هو متاح من متطلبات للمريض في شمال غزة، وهذا إن دل على شيء، بيدل يعني على التلاحم بين المسلمين والمسيحيين في قطاع غزة”.

يشار إلى أن العدوان الوحشي على قطاع غزة أدى إلى استشهاد 38 ألف فلسطيني، جلهم من النساء والأطفال.

 

مقالات مشابهة

  • استهداف مقر لقيادة عمليات جيش الاحتلال في رفح الفلسطينية
  • سة في غزة تتحول إلى مستشفى لعلاج مصابي العدوان الإسرائيلي
  • «الصحة العالمية» تحذر من «خطر كارثي» في مستشفيات غزة
  • وزير الصحة: استمرار التعاون والتنسيق بين كل أقسام الأمراض الباطنة للارتقاء بالخدمات الصحية
  • دعوى قضائية ضد "خصخصة" المستشفيات الحكومية.. تفاصيل
  • تليفزيون فلسطين: 48 شهيداً جراء استهداف مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ فجر اليوم
  • القوات الإسرائيلية تواصل احتلال معابر غزة وإغلاقها لليوم الـ59 على التوالي
  • وزارة الصحة: 15 مستشفى تعمل جزئيا في غزة فقط
  • «القاهرة الإخبارية»: تحويل 116 مليون دولار للسلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب المحتجزة لدى إسرائيل
  • فصائل فلسطينية توقع قتلى ومصابون فى صفوف جيش الاحتلال بحى الشجاعية شرق غزة