لجريدة عمان:
2024-09-19@22:55:26 GMT

هوامش ومتون :زوجة الشاعر وأوجاع القصيدة

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

قبل ارتباطه بزوجته عطية الله إبراهيم التي تصغره بـ 35 سنة، كان الكاتب الكبير نجيب محفوظ مضربا عن الزواج الذي يراه معطّلا لقواه الإبداعية، فعاش حياة عاصفة، وكانت والدته تقوم بكلّ ما يتطلبه من طعام وغسيل ملابس، لكنه أدرك خطأه فهو يقول: «كنت أعتقد أن الزواج سيحطم حياتي الأدبية، وللأسف كان كلامي غير صحيح فالحقيقة أن حياتي الزوجية ساعدتني»، وحين سأله الناقد رجاء النقاش عن زواجه لم يجبه جوابا رومانسيا، وهو القائل: «كثير من زملائي الذين تزوّجوا على أساس الحب الرومانسي فشلوا» ولم يتحدّث عن علاقة الحب التي جمعتهما كلّ تلك السنين، بل أعطاه جوابا واقعيا، هو «كنت بحاجة إلى زوجة توفّر لي ظروفا مريحة تساعدني على الكتابة، ولا تنغّص عليّ حياتي فاخترتها».

فهل وفّرت د.سلوى عبدالله زوجة الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد التي رحلت صباح الاثنين الموافق 18 سبتمبر الماضي في مدينة فينكس بولاية أريزونا الأمريكية عن (93) سنة، حياة مريحة ساعدته على الكتابة؟

في البداية، لا بدّ من القول: إنّ (أمّ خالد) من أقرباء الشاعر، وقد عاشت معه ظروفا صعبة، في مقتبل حياتهما الزوجيّة، التي مرّت بتقلبات كثيرة، وتحمّلت مزاج الشاعر، الذي كان محاطا بالمعجبات، وقد ذكر د.وليد الصرّاف أنها سألت بلقيس زوجة الشاعر نزار قباني، كما روت له: كيف تحتملين المعجبات بنزار؟ فأجابتها: ألست أنت الأخرى زوجة شاعر؟ أجابت: بلى، فردّت عليها بلهجتها العراقية: «كلهم نفس الشيء».

لكنها بقيت زوجته المخلصة، وأم أبنائه، وطبيبته، ورغم أن سفينتهما لم تجرِ في مياه هادئة على الدوام، لم يشتكِ يوما منها، بينما كانت كثيرة الشكوى منه، سواء في الجد أو المزاح، وكان يقابل تلك الشكوى بابتسامة، وقد أخبرتني ذات يوم، بحضوره، أن قناة تلفزيونية أجرت معه حوارا، ثم طلبت منها شهادة عن حياتها معه، فتكلّمت بصراحة اعتدنا عليها، وختمت كلامها لي باستنكارها عدم بثّ القناة شهادتها، وحين التفتُّ إليه، وجدتُه يضحك، ففهمتُ نوع الشهادة التي قدّمتها، لكنه كتب لها أجمل قصائده، ليس فقط في غربتهما وشيخوختهما بل حتى في شبابهما، ومن أوائل قصائده فيها (يوما ما) التي يؤكد د. عبد المطلب محمود أنه كتبها عام 1952 م وكان يخاطبها باسمها (سلوى)، قبل ولادة ابنهما البكر (خالد) وفيها يشكو غدر الأحبّة، وجور الزمان عليه:

وعينيكِ يا سلوى أُحِسُّ دمي يجري

وأبسمُ للدنيا كأنّيَ لا أدري

طعينٌ وكفّي فوق جرحي تشدُّهُ

وأضحكُ حتى لا يرى ألَمي غيري

وأعلمُ يا سلوى بأنّ هواجسي

ثقالٌ على كلّ الصدور سوى صدري

فأُودِعُها في أضلعي كلما قسَت

تملمَلَ في الأوراق حرفٌ على سطرِ

سأضحكُ يا سلوى وإن كان في دمي

سعيرٌ أُقاسي منه فوق مدى صبري

وماذا تبقّى لي لآسَفَ.. بعدما

رأيتُ أعزّ الناسِ أدنى إلى غدري

وبقي يشكو لها، في غربته حتى بعد أن بلغ من العمر عتيا، ففي قصيدته (يا أم خالد) يقول:

لا.. لا تلحي في سؤالي

هي بعض أوجاع الليالي

هي بعض ما تركت صرو..

..ف الدهر زادا في رحالي

العمر يسعى للمحاق

فما حديثك عن هلالي؟

يا أمَّ خالد حَسْبُنا

أنَّا غَوالينا غَوالي

يا أمَّ خالد والحياةُ

من انتقالٍ لانتقالِ

وكثيرا ما أشار إلى أنها كانت تدير حياته، بل ولا يستغني عن ملاحظاتها، ومن بينها سؤالها له عندما قرأ على مسامعها قصيدته (هذي ذرى مصر):

رتّلْ قصيدك كالآيات ترتيلا

واجعل حروفك من ضوء قناديلا

قالت له: أراك نسيت بغداد، فانتفض وعاد إلى أوراقه، وهو الذي يكتب قصائده دفعة واحدة في الغالب، فأضاف إليها الأبيات التي غناها المطرب كاظم الساهر:

نسيت بغداد؟ قالت لي فجفّلني

سؤال زوجتي المذبوح تجفيلا

نسيت بغداد؟ ويلمي وويل أبي

لو ليلة بت عن بغداد مشغولا

نسيت بغداد أنسى كيف إن لها

عدّ المسامات في جلدي تفاصيلا

تبرعمت في دمي حتى غدت ورما

دماملا ملء روحي أو ثآليلا

وفي ذكرياته خصّها بحلقة أسماها (قصيدة اعتذار لأمّ خالد) نشرها بجريدة (الزمان) في ديسمبر 2014م قبل أن تصدر الذكريات بكتاب، ففيها يذكر أدق التفاصيل التي جمعتهما على المودة ويذكر أنه كتب لها عندما كانا في باريس قصيدة (اعتذار) يبدو أنها لم تعجبها فانتفضت وقالت له: هل هذه قصيدة اعتذار؟ عندها كتب لها:

لا تحرميني من رضاك

أنا ليس لي أحد سواك

نفسي وما حاكت يدي

وجميع أشعاري فداك

شيطان شعري كنت أنت

وأنت أنبل من ملاك

حتى الرؤى بقصائدي

في الحب أجملها رؤاك

ستّين عاما عشتهنّ

يرفّ قلبي في حماك

وظل قلبه يرفرف في حماها إلى يوم رحيله بباريس في 8 نوفمبر 2015م لتلتحق به بعد ثمانية أعوام.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نقاشات متنوعة في الشعر والسرد بمؤتمر "الإبداع وقضايا المجتمع المصري" بدمياط

شهدت المدينة الشبابية برأس البر بمحافظة دمياط، فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر الأدبي لإقليم شرق الدلتا الثقافي، في دورته الحادية والعشرين، المقام بعنوان "الإبداع وقضايا المجتمع المصري"، دورة الأديب الراحل عبد الغني داود، برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، والدكتور أيمن الشهابي، محافظ دمياط، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة.

فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر الأدبي لإقليم شرق الدلتا الثقافي

 

وأقيمت الجلسة البحثية الثالثة بعنوان "دور الإبداع في قضايا التفكك الأسرى"، أدارتها صفاء أبو عجوة، قدم خلالها الباحث د. أحمد الجبالي مفهوم الإبداع بأنه عنوان لحضارة الأمم، وأنه قوة لا يمكن كبح جماحها، موضحا أن الإبداع يعد تفاعلا وجدانيا بين المبدع والمتلقي لبناء التكوين الذاتي لديه، يسبقه تفاعل بين المبدع والمجتمع، مشيرا إلى  دور الإبداع فى معالجة قضايا التفكك الأسري من خلال الشعر، الوصية، المقالة، الرواية، الإبداع السلبي.

 

وعن إشكالية تأثير المجتمع أم المبدع على الآخر، تحدث الناقد والأديب بهاء الصالحي، موضحا أنها علاقة جدلية يصعب البت فيها، فالمبدع يمتلك تطويع لغة الأم فيعيد وعي المتلقي بعد ما تأثر من المجتمع، وأشار أن كل مبدع ليس قادرا على استغلال مهارة اللغة في إعادة بناء الوجدان، فاللغة العربية تعد توفيقية كونها متطورة، وتوقيفية كونها لغة القرآن حسب الموقف.

 

كما قدم "الصالحي" بعض الأمثلة، منها "كتابات أحمد رشدي عن تاريخ مصر الاجتماعي، رواية الزوجة الثانية، السائرون نياما لسعد مكاوي، رواية الرجل والطريق، قضية ماذا بعد الأهداف المادية ومعالجتها برواية الشحاذ لنجيب محفوظ".

 

وفي ختام الجلسة فتح باب المداخلات والمناقشات للحضور، فجاءت إحدى المداخلات حول  أيهما أكثر تأثيرا المثقف أم العالم؟ فأوضح "الصالحي" أن للأسف هناك تباعد كبير بين الأكاديمي والمثقف، كما أن اللغة العلمية لم تتغلغل في وجدان شعوبنا العربية.

 

وفي مداخلة أخرى أوضحت جيهان النجار أن المبدع قادر على رؤية مغايرة للقضية، ما يجعله قادر على تقديم الحلول في شكل عمل فني.

 

وبعنوان "شعر العامية" بدأت فعاليات الجلسة الرابعة أدارها الشاعر محمود رمضان، شارك بها الشاعر وليد شرشير ببعض الملاحظات في الأعمال المنشورة، كالأخطاء الإملائية والسير وراء النصوص المكررة، وأوضح أن هناك اختلافا بنصوص الشعر العامي، مثل اللهجة الساحلية عن اللهجة البدوية أو الصعيدية، واستشهد بديوان للأديب أحمد فؤاد هاشم "هبدأ رحلتي بالفراق"، كونه يمتاز بعناية رسم صورة دقيقة وبألفاظ محددة من العامية.

 

وقدم الباحث د. يوسف السيد أبو الفتوح، دراسة  لنماذج شعرية، في شكل تذوق فني وليس نقدي، وهي: الخوف والقلق لصلاح عفيفي بمجموعة مركب زجاج، موضحا أنها تتمثل في صورة معايشة لأوضاع الناس بنظرة إنسانية غير فلسفية.

وجاءت مداخلات الحضور، تأكيدا على أهمية زيادة الأعمال النقدية، وأن الجمال يأتي من توظيف الألفاظ لتشكيل الصورة الشكلية بالشعر للمتلقي ما يغير وجدانه للأفضل، فالشعر ليس فسحة ولكنها معاناة يعيشها الأديب.

انساق العنف في التخيل الروائي

 

وتحت عنوان "السرد" بدأت فعاليات الجلسة البحثية الخامسة، أدارها الأديب أحمد الإكيابي، قدم  خلالها الباحث د. شريف صالح بحثا بعنوان "انساق العنف في التخيل الروائي"،  تناول خلاله أحداث الروايتين "تلك البهجة" ذات الجو الريفي في فترة التسعينات، و"لعبة القدر"  وتدور أحداثها بالمدينة في فترة الألفينات، موضحا أن البحث لم يقدم جماليات الروايتين، وإنما قدم تحليلا لظاهرة العنف الاجتماعي من جيلين مختلفين.

التفرد والتعبير عن المجتمع من خلال ٧ مجموعات قصصية

 

وشارك الباحث سمير الفيل نائبا عن د. عزة بدر، بتقديم بحثها "التفرد والتعبير عن المجتمع من خلال ٧ مجموعات قصصية"، حيث استعرض "الفيل" المجموعات القصصية الذى يتناولها البحث وهم: "إشارات" للكاتب محمد ربيع حمدان، عن قضية العنف النفسى ضد الزوجة، "التجريدة" للأديب سمير الفيل من مجموعة الحذاء البنفسجي، عن العنف الزوجي وأهالي الأزواج، "حميدة" للأديب محمد بربر من مجموعة ضوء خافت، وتناقش العنف النفسى والجسدى، وقصة تتناول عدم قدرة الشخص فى تحديد مصيره وخاصة بالزواج، للأديب السيد الجيار بمجموعة "نجمة البحر"، وقصة "جزاء سينمار " من مجموعة ضحك وشوك للكاتب السعيد نجم،  و "مشكلة البطالة" للأديب شريف الأحمدي.

 

وأعقب الجلسة مداخلة من أحد الحضور  تسأل خلاها  عن العلاقة بين أنساق العنف وعنوان المؤتمر؟ وعلى هذا أجاب الأديب شريف صلاح، بأن العنف ظاهرة وطاقة مفجرة للحياة من الموت فله وجه إيجابي وحيوي ولكن المشكلة في السلبية غير العادلة، ولكى نستوعبها لا بد من استخدام الفلسفة والإبداع لمعرفة سبب العنف.

 

واختتمت الفعاليات بعقد أمسية شعرية، أدارها الشاعر حسام العقدة، شارك بها مجموعة من شعراء منهم إسماعيل بريك، أيمن عباس، على نمر، محمد البيه.

 

المؤتمر يعقد برئاسة الدكتور عيد صالح، والأمين العام للمؤتمر الأديب أيمن عباس، ويقام بإشراف إقليم شرق الدلتا الثقافي، برئاسة عمرو فرج، والإدارة المركزية للشئون الثقافية، برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، وينفذ بالتعاون بين فرع ثقافة دمياط برئاسة د. فادي سلامة، والإدارة العامة للثقافة العامة برئاسة الشاعر عبده الزراع.

 

مقالات مشابهة

  • رئيس "الغرف السياحية" يفتتح مهرجان الغردقة لسينما الشباب
  • خاص| صناع مسلسل "حياة أو موت" يقررون تقديمه في 15 حلقة بدلًا من 10 وعرضه في رمضان 2025
  • نقاشات متنوعة في الشعر والسرد بمؤتمر "الإبداع وقضايا المجتمع المصري" بدمياط
  • سلوى عثمان بثلاث وجوه في رمضان 2025
  • بالجرم المشهود.. القبض على زوجة اب بتهمة تقييد وتعنيف طفلي زوجها في بغداد
  • قضايا
  • استشهاد فتى برصاص الاحتلال قرب نعلين غرب رام الله
  • بيت الشعر في الشارقة يتغنى بالغربة والحنين
  • الشاعر إبراهيم رضوان لـ «البوابة نيوز»: الكلمة واللحن أصبحا «في خبر كان»
  • رئيس مجلس الوزراء يلتقي رئيس المؤسسة العامة القابضة