لجريدة عمان:
2024-11-15@14:19:22 GMT

المقاومة بالكلمة

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

«الحقيقة خطيرة. إنها تطيح بالقصور وتقتل الملوك. وتحثّ الرجال اللطفاء ليغضبوا وتدفعهم لحمل السلاح، إنها توقظ المظالم القديمة وتفتح الجروح المنسية. إنها أُمٌّ لليلِ الأرق ونهارات التّعب. ومع ذلك هناك شيء أكثر خطورةً من الحقيقة؛ إنهم أولئك المستعدون لكتم صوت الحقيقة، أولئك أكثر تدميرا إلى حد بعيد. من الخطر للغاية أن يكون المرء مناصرًا للحقيقة.

ففي بعض الأحيان يجب على المرء أن يختار السكوت طوعًا وإلا فإنه سيُسكتُ رغمًا عنه. لكن إذا تعذر الجهر بالحقيقة، فيجب على الأقل معرفتها، حتى لو لم تجرؤ على قول الحقيقة للآخرين، فلا تكذب على نفسك أبدا». التحليق ليلا للروائية البريطانية فرانسيس هاردينج، ترجمة الصديق علي المجيني.

في عصر الظلمات السابق، كان الجهل والفقر والمرض والحروب العشوائية في كل بقاع الأرض ويمكن معرفة الظالم من المظلوم ببساطة ووضوح لا لبس فيهما؛ أما عصر الظلمات الحالي فأشد ضراوة وشراسة. لم يعد الظالم والدكتاتور والمجرم كما تصوِّره الأفلام بوحشيته وفجاجته، بل صار شخصا مهندما ووسيما يعتلي منابر التعليم والبرلمانات وكرسي الرئاسة في الوقت الذي يقتل ويظلم ويسرق مصوِّرا نفسه على أنه الضحية لا القاتل! تهدر المؤسسات الثقافية بالحديث عن الحرية والديمقراطية التي يتمتع بها الغرب، وفي المقابل تُحشد الدعاية الإعلامية للمستبدين؛ كي يبينوا مثالب ما يهدد كراسيهم؛ ويحصل الشطط الناتج من هذين الفعلين في كونهما يُحاكمان النتيجة لا الأصل والسبب. فليس العيب في الديمقراطية أن يصل إلى رأس السياسة رجل مجنون، وليس العيب في الديمقراطية أن تصادر الحريات؛ إنما العيب فينا نحن بصمتنا عن تبيان الحقيقة وتحمُّل تبعاتها. فمصيبة الإنسان الذي لا يرى الجذع في عينه، ويتتبع القذى في عيون الآخرين، إنه يتمرّغ في البحث عما يؤيد حجته ويقوّي مسلكه في تبرير ما يرتكبه بعد ذلك.

تعود للمرء تساؤلاته التي تخرج للعلن كلما نبش الجراح شيء، وتظل خبيئة صدره ما لم يحركها محرك، بل وينسى وجودها رأسا وهو يخوض معترك الحياة، هكذا نتعامل مع فلسطين كعرب، في حين أن الطرف الآخر المناصر للمحتل، يحشد كل أسلحته لتبييض موقفه وموقف العدو، ونزع الإنسانية عن الشعب الرازح تحت رسن الاحتلال، وليتها تلك الأسلحة التي تقتل الأبدان فحسب، وتنتهي بانتهاء الذخيرة؛ بل هي ثقافية إعلامية تربوية موجَّهة. فيظل تأثيرها متعاقبا على مدى أجيال ويصعب تغييرها، حتى وإن شاهد المرء الحقيقة عَيانا، فسيظل متمسكا بما ترسخ في ذهنه على مدى أجيال وأصبح -في عقيدته- حقيقةً لا تقبل الشك.

هل نحن مذنبون؟ بينما يحشد الغرب وسائل إعلامه لغسل أدمغة المشاهدين، تظل فضائياتنا وأقلامنا ساكنة لا تتحرك أمام هذا التسونامي الكاذب والمكرر للعدو، حتى أصبح القاتل مقتولا، والضحية جلّادا بفعل البراعة والتكرار الكاذبَين.

«إن الحقيقة مهمة بما يكفي بحيث تستحق التكرار» كما يقول طبيب النفس الكندي جوردان بيترسون، ومن السخرية والتفاهة بمكان أن صاحب هذه المقولة الرائعة واقع تحت وَهْم الدعاية الصهيونية، بل كشَّر عما يكنُّه صدره أو العقل الباطن بعبارة علم النفس الذي هو من علمائه والعاملين في حقله؛ فهو صاحب التغريدة «امنحهم الجحيم» في ردّه على تغريدة لرأس الاحتلال الصهيوني نتانياهو. الحقيقة مهمة، والكلمة مهمة، وهما لا يقلان تأثيرا وأهمية عن السلاح الذي يحمله المظلومون الرازحون تحت الاحتلال؛ فالدعاية الصهيونية الحاشدة التي يمارسها الغرب على العالم بمن فيهم اليهود -الصهيونية لا علاقة لها باليهودية- لأكاذيب الأرض التي بلا شعب، والصحراء القاحلة التي أزهرت بالصهاينة المستوطنين وغيرها من الأكاذيب الفجة، تستدعي أن يكون لها نظير ومقابل من كل غيور على مبادئه الدينية والإنسانية. فالعدالة مبدأ إنساني متى ما غاب، ذابت إنسانية مدنّسها وأصبح خطرا على المجتمع والعالم.

يعتقد كثير من الناس أن الفرد الغربي مدرك لحقيقة ما يحدث في فلسطين، ولكن الحقيقة أنهم مغسولو الأدمغة، مغيبون عن الواقع تماما. فما إن تسقط قنبلة على مستشفى مثلما حدث مساء الثلاثاء، حتى تحتشد البروباغاندا الصهيونية في إلصاق التُّهمة بالمقاومة الفلسطينية بأنها مَن قصفت مستشفاها وقتلت أهلها بيدها، فينساق الغربي البسيط لتجريم الفلسطيني -الإرهابي كما يسميه إعلامهم- وشيطنته، وينصر المستوطن المحتل -المسكين- الذي لا يهنأ له بال في أرضه! في مشهد كوميدي يبعث على البكاء والشفقة من هذه الحقيقة المعكوسة.

إن تبرير المجرم إجرامه يثير اشمئزازا حادا، ولكن التبرير للمجرم الثابت الجرم من طرف آخر مدرك لهوية الضحية والجلاد يثير اشمئزازا أعظم أثرا. نجحت الدعاية الصهيونية في شيطنة الفلسطينيين ثم المسلمين ثم العرب ككل، رغم أن العرب متعددو الأديان! ومن الغرابة بمكان أن يردد هذه الدعاية أبناء جلدتنا ويبررون للمحتل احتلاله وإجرامه ووحشيته.

يجب أن ندرك أن خطر الدعاية الصهيونية يتعدى حدود فلسطين وينذرنا بمصائب على الباب، فمَن يبرر احتلال دولة بعيدة عن بيته لا يؤمَن شره على وطنه. ومن يقول بأن الحل في إعطاء المحتل شطرا من الأرض التي احتلها كي لا يحتلها كلها، كمن يقول: إن على الضحية أن تسلّم سكين ذبحها إلى الجزّار كي لا يطعنها في أماكن عدة ويكتفي بأن تمر الشفرة مرة واحدة على جسده! أما الحجاج اللفظي الذي يبرر به قائلو حل التقسيم فلا يقلّ سذاجة وخطرا على الفرد والمجتمع ككل؛ فأنْ يحاجج شخص يجلس في بيته المكيَّف الدافئ بأن على المقاوم أن لا يدافع عن نفسه وأرضه وعرضه، كمن يطلب من الغريق أن لا يمد يده ولا يقاوم الموج بل يغرق بهدوء وصمت. إن خطر هذه الفكرة يستدعي أن تحلل وتعالج من الجذور، فمَن يقبل أن يأخذ المحتل أرضا مجاورة، لا يُؤمَن أن يعاون المحتل نفسه على احتلال وطنه غدا طمعا في المكاسب الذاتية.

أتذكر مقطعا شاهدته مصادفة لأستاذ جامعي ينهر طالبا ويأمره بالانصراف من القاعة -رغم أن الطالب لم يرتكب أي ذنب- إلا أنه خرج من القاعة ولم ينبس بقية الطلاب ببنت شفة. ليلتفت الأستاذ إلى تلاميذه مخاطبا إياهم بأن من يسكت عن الظلم اليوم، سيأتي عليه يوم لن يسانده أحد حينما يتعرّض للظلم هو نفسه، وأنه كان ينبغي منهم أن يوقفوا الظلم الحاصل بحق زميلهم من قبله، في تطبيق عملي على معنى العدل والظلم. يشعر المرء بالحزن والحسرة وهو يشاهد هذا الصمت المطبق أمام الوحشية الهمجية المسعورة في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، يشعر المرء بالحسرة وهو يرى الأبرياء يُقتَلون هدرا بلا ذنب بينما يتراقص الآخرون على وقع المحاججات اللفظية والسياسية الفارغة، يشعر المرء بالغضب والخوف في آن؛ فالعدو الذي كان يوما في القفار البعيدة، قد يصبح يوما على سور الحديقة والمنزل والغرفة غدا، فهل ينفع حينها البكاء على ما كان إصلاحه ممكنا؟ أم أننا سنستدعي الأمثال ونقول «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف تحمي صحتك النفسية من الأخبار السيئة؟

لا شك أن المواقع الإلكترونية الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي تجعل من المستحيل تقريبا تجنب التدفق المستمر للأحداث السياسية الكبيرة والصور المروعة للحروب.

وفي الحقيقة، تترك كل التوقعات الجيوسياسية المروعة، وصور الأشخاص الذين يبكون أمام الجثث في مناطق الحروب، آثارا على صحة المرء النفسية.

وخلصت دراسة عام 2021 إلى أن الاطلاع على أخبار جائحة كورونا لمدة دقيقتين فقط كان كافيا لقتل الشعور بالتفاؤل لدى المرء و"الانخفاض الفوري والكبير في التأثير الإيجابي".

وتوصي ناثالي كراه العضو بالرابطة المهنية لعلماء النفس الألمان قائلة "من وجهة نظر الصحة النفسية، يجب أن يبتعد المرء عن هذه الأمور لفترة، خاصة الصور".

وتقول نورا فالتر أستاذ علم النفس جامعة "إف أو إم" للعلوم التطبيقية للاقتصاد والإدارة: حقيقة أنه من المرجح أن يتجذب الأشخاص بصورة أكبر الاطلاع على الأنباء السيئة يعد أمرا تطوريا.

وأضافت "نحن نقوم بالنقر على عناوين أخبار الكوارث للبحث عن معلومات تحمينا من تهديد محتمل". وأضافت "ولكن إذا قام المرء بإحاطة نفسه بصورة دائمة بالأنباء السيئة فقط، فسيظهر خطر أنه لن يتمكن بعد الآن من التفكير بصورة إيجابية".

الرغبة القهرية

كما خلصت دراسة عام 2022 إلى أنه يمكن أن تكون هناك صلة بين الرغبة القهرية للاطلاع على الأخبار والمشاكل الصحية.

هناك صلة بين الرغبة القهرية للاطلاع على الأخبار والمشاكل الصحية (شترستوك)

وعلى سبيل المثال، فإن الذين يتأثرون بـ"استهلاك الاخبار المثيرة للمشاكل" أي يقومون بتفقد الأخبار بصورة خارجة عن السيطرة، يجدون صعوبة في الانفصال عنها، ويستمرون بالتفكير في الأحداث التي قرؤوا بشأنها بعد مرور فترة طويلة على وقوعها.

ويقول براين ماكلفلين من جامعة تكساس تيك، وأحد المشاركين في وضع الدراسة التي أعقبت جائحة كورونا "مشاهدة وقوع هذه الأحداث في الأخبار يمكن أن تسبب حالة دائمة من التأهب لدى بعض الأشخاص، وتعزز من دوافعهم للمراقبة إلى أقصى حد، كما تجعل العالم يبدو كمكان مظلم وخطير".

ولكن، كيف يمكن أن يتعامل المرء مع ما يقرأه أو يسمعه أو يشاهده على مواقع التواصل من أجل حماية صحته العقلية؟

إن المرء عندما يرى منشورا به صور مروعة، فمن الشائع أن يقوم بالبحث عن مزيد من المعلومات والمقالات أو المنشورات. وبما أنه يبدو أنه يسعى للتأكد مما رآه، فهو يبحث عما يدعم صحة ما رآه من خلال مزيد من الصور والمعلومات. وهذه القراءة اللانهائية للأخبار السلبية على شبكة الانترنت تعرف بـ"التصفح المهلك".

وتقترح ناتالي كراه 3 حلول، الأول هو الابتعاد عن مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو. ومن أجل الصحة النفسية، يتعين على المرء ألا يستمر في البحث عن الصور أو مقاطع الفيديو المزعجة على وسائل التواصل حيث إنها تسبب ألما نفسيا أكثر من المعلومات المكتوبة.

والحل الثاني -من وجهة نظر كراه- هو التواصل مع المقربين. فهذا يتيح للمرء التخلص من العبء الذي يشعر به وأن يشارك مشاعره ويتعلم كيف يتعامل الآخرون مع الأمور المروعة في الأخبار.

والحل الثالث هو التساؤل بشأن دوافع من يبثون المحتوى. فإذا كان المرء يتبع مجموعات معينة على قنوات التواصل، فعليه أن يسأل نفسه دائما لمصلحة من يتم تداول هذه الصور. وهل هي قضية يريد تأييدها؟ فإذا كانت الإجابة لا، فإنه لا يتعين أن يقوم بمشاركتها.

وهذا لا يعني أن يتوقف المرء تماما عن الاطلاع على الاخبار والمعلومات، ففي نهاية المطاف هي مهمة للمساعدة في تشكيل الرأي.

مواقف عنيدة

وفي بعض الأحيان، تكون مواقف الأشخاص عنيدة. وكيف يمكن للمرء التعامل مع هذا الأمر إذا وقع داخل أسرته أو دائرته المقربة أو أصدقائه أو زملائه في العمل؟

لأجل صحتنا النفسية يتعين ألا نستمر بالبحث عن الصور ومقاطع الفيديو المزعجة على وسائل التواصل (شترستوك)

وهذا أمر شائع منذ ذروة جائحة كورونا، فالبعض أيد الحصول على اللقاحات، في حين رفضها آخرون. ولكن هناك حركة مختلفة الآن، حيث تجمعنا تفضيلات واهتمامات مع أشخاص آخرين قبل أن نشكل مواقف بشأن الحروب الدائرة حاليا.

وهنا تقترح كراه أيضا 3 حلول. الأول: إذا لم يستطع المرء التوصل لاتفاق بشأن الخلافات السياسية، سواء كانت الحرب في أوكرانيا أو الشرق الأوسط أو كليهما، يمكن أن يلتزم بالموضوعات الأقل انقساما طالما كان الشخص الآخر قادرا على القيام بذلك أيضا.

وثانيا: يمكن أن يؤدي الفحص النقدي لمواقف المرء للتقارب، فإن الكثير من الخلافات في الرأي تصل لطريق مسدود ليس بسبب الجوهر ولكن بسبب تردد الأطراف في الاعتراف بأخطائهم.

والحل الثالث إدراك ما إذا كانت أمور غير ذات الصلة هي ما تعزز الخلاف. فيمكن أن يكون المرء واقعا تحت ضغط كبير بالأسرة أو العمل، وينفس عن غضبه من خلال التمسك بموقفه تجاه هذه الحرب أو ذلك الأمر -بصرامة- عندما يتم طرح القضية.

وفي حال تطورت المواقف المتضاربة بشأن السياسة إلى مشاحنات محمومة، ما الطريقة المثلى لتهدئة الوضع؟

لا توجد قاعدة ذهبية لهذا، فإذا تم الإخفاق أكثر من مرة في التوصل لأرضية مشتركة، فيمكن الاتفاق على أن الطرفين لن يتفقا تجاه هذا الأمر ويطرحاه جانبا. ويمكن أن يقول المرء "لقد سيطرت علينا مشاعرنا. فلنسحب كل الإهانات التي أطلقناها".

وعلى المرء أن يدرك أن إطلاقه صفة غبي على شخص ببساطة بسبب اختلاف الآراء يعد تصرفا غير ناضج.

مقالات مشابهة

  • كيف تحمي صحتك النفسية من الأخبار السيئة؟
  • الفصائل العراقية تعلق على ارتفاع عملياتها اليومية
  • ما أهمية قاعدة “عاموس” الصهيونية التي استهدفها حزب الله؟
  • حزب الله يكشف عن الصاروخ التكتيكي “فادي 6” ويستخدمه في استهداف قاعدة “تل نوف” الجوية الصهيونية
  • أمراض ثقافـية
  • شاهد- حزب الله يدك قاعدة (تل نوف) الصهيونية في يافا
  • ايها المواطن ، ليحلم كل منا بشكل الدولة التي يريد
  • أنيس بن ميم: الجزيري جدد للزمالك موسمين.. ورفض كل العروض التي تلقاها مؤخرا
  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟
  • محامي الجزيري: اللاعب جدد للزمالك موسمين.. ورفض كل العروض التي تلقاها مؤخرا