هل قوله تعالى عن أصحاب النار (لابثين فيها أحقابا).. أنهم غير مخلدين؟
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
هل يدل قوله تعالى عن أصحاب النار (لابثين فيها أحقابا).. أنهم غير مخلدين في النار؟ سؤال أجاب عنه الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط.
ماذا يدل قوله تعالى:«لابثين فيها أحقابا»؟وبين العالم الأزهري أن خلود الكافرين في النار أمر معلوم من القرآن والسنة، قال تعالى عن المنافقين والكافرين (ﻭﻋﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭاﻟﻤﻨﺎﻓﻘﺎﺕ ﻭاﻟﻜﻔﺎﺭ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ ﺧﺎﻟﺪﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺣﺴﺒﻬﻢ ﻭﻟﻌﻨﻬﻢ اﻟﻠﻪ ﻭﻟﻬﻢ ﻋﺬاﺏ ﻣﻘﻴﻢ} .
وقال إن الحقب قدر كبير من الزمن قيل هو ثمانون عاما وقيل غير ذلك، موضحا أن الآيات الكريمة التي ورد فيها النص السابق هي ( ﺇﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺻﺎﺩا {21} ﻟﻠﻄﺎﻏﻴﻦ ﻣﺂﺑﺎ {22} ﻻﺑﺜﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﻘﺎﺑﺎ {23} ﻻ ﻳﺬﻭﻗﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺮﺩا ﻭﻻ ﺷﺮاﺑﺎ {24} ﺇﻻ ﺣﻤﻴﻤﺎ ﻭﻏﺴﺎﻗﺎ {25} ﺟﺰاء ﻭﻓﺎﻗﺎ {26} ) .
وأضاف: ربما يفهم البعض أن كلمة ( أحقابا ) تدل على أن عذابهم له نهاية ، وهو فهم غير صحيح، لذلك قال ابن الجوزي في حل ذلك الإشكال ما يلي .
قال رحمه الله تعالى : هل يدل ذلك على عدم الخلود في النار ؟، ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺫﻛﺮ اﻷﺣﻘﺎﺏ، ﻭﺧﻠﻮﺩﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ ﻻ ﻧﻔﺎﺩ ﻟﻪ؟ ﻓﻌﻨﻪ ﺟﻮاﺑﺎﻥ:
ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺃﻥ ﻫﺬا ﻻ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ، ﻷﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﺣﻘﺐ ﺗﺒﻌﻪ ﺣﻘﺐ ﻭﻟﻮ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﻻﺑﺜﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﺣﻘﺎﺏ ﺃﻭ ﺧﻤﺴﺔ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ، ﻫﺬا ﻗﻮﻝ اﺑﻦ ﻗﺘﻴﺒﺔ، ﻭاﻟﺠﻤﻬﻮﺭ. ﻭﺑﻴﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﺯﻣﺎﻥ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻭاﻟﻨﺎﺭ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﺗﺤﺖ اﻟﻌﺪﺩ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻏﺎﻳﺔ. ﻛﻘﻮﻟﻪ: ﺑﻜﺮﺓ ﻭﻋﺸﻴﺎ، ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﺃﻥ ﻛﻠﻤﺎﺕ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺩاﺧﻠﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﻌﺪﺩ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻧﻬﺎﻳﺔ.
ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥ اﻟﻤﻌﻨﻰ: ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻠﺒﺜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﻘﺎﺑﺎ ﻻ ﻳﺬﻭﻗﻮﻥ ﻓﻲ اﻷﺣﻘﺎﺏ ﺑﺮﺩا ﻭﻻ ﺷﺮاﺑﺎ ﻓﺄﻣﺎ ﺧﻠﻮﺩﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ ﻓﺪاﺋﻢ. ﻫﺬا ﻗﻮﻝ اﻟﺰﺟﺎﺝ.
ﻭﺑﻴﺎﻧﻪ ﺃﻥ اﻷﺣﻘﺎﺏ ﺣﺪ ﻟﻌﺬاﺑﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻤﻴﻢ ﻭاﻟﻐﺴﺎﻕ، ﻓﺈﺫا اﻧﻘﻀﺖ اﻷﺣﻘﺎﺏ ﻋﺬﺑﻮا ﺑﻐﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاﺏ .
وبين «مرزوق» أن من أعظم الأوقات الفاضلة شهر رمضان كله من أوله إلى آخره ﻋﻦ ﻋﺮﻓﺠﺔ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ ﻓﺮﻗﺪ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺭﺟﻞ، ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﻋﺘﺒﺔ ﻫﺎﺑﻪ ﻓﺴﻜﺖ. ﻗﺎﻝ: ﻓﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ: " ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺗﻐﻠﻖ ﻓﻴﻪ ﺃﺑﻮاﺏ اﻟﻨﺎﺭ، ﻭﺗﻔﺘﺢ ﻓﻴﻪ ﺃﺑﻮاﺏ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺗﺼﻔﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ "ﻗﺎﻝ: " ﻭﻳﻨﺎﺩﻱ ﻓﻴﻪ ﻣﻠﻚ: ﻳﺎ ﺑﺎﻏﻲ اﻟﺨﻴﺮ ﺃﺑﺸﺮ، ﻳﺎ ﺑﺎﻏﻲ اﻟﺸﺮ ﺃﻗﺼﺮ، ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻘﻀﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ " انظر المسند رقم ١٨٧٩٥ وصححه الشيخ الأرناؤوط هذا وقد تحدثت عن الخطأ الذي يقع فيه البعض في التقصير في أعمال الخير في ذلك الشهر.
وتابع: يكفي أن يقرأ المسلم هذا الحديث ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺭﻗﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﻗﻰ اﻟﺪﺭﺟﺔ اﻷﻭﻟﻰ ﻗﺎﻝ: (ﺁﻣﻴﻦ) ﺛﻢ ﺭﻗﻰ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﺎﻝ: (ﺁﻣﻴﻦ) ﺛﻢ ﺭﻗﻰ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻘﺎﻝ: (ﺁﻣﻴﻦ) ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺳﻤﻌﻨﺎﻙ ﺗﻘﻮﻝ: (ﺁﻣﻴﻦ) ﺛﻼﺙ ﻣﺮاﺕ؟ ﻗﺎﻝ: (ﻟﻤﺎ ﺭﻗﻴﺖ اﻟﺪﺭﺟﺔ اﻷﻭﻟﻰ ﺟﺎءﻧﻲ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎﻝ: ﺷﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﺃﺩﺭﻙ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﺎﻧﺴﻠﺦ ﻣﻨﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻓﻘﻠﺖ: ﺁﻣﻴﻦ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺷﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﺃﺩﺭﻙ ﻭاﻟﺪﻳﻪ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺪﺧﻼﻩ اﻟﺠﻨﺔ. ﻓﻘﻠﺖ: ﺁﻣﻴﻦ. ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺷﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﺫﻛﺮﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻭﻟﻢ ﻳﺼﻞ ﻋﻠﻴﻚ. ﻓﻘﻠﺖ: ﺁﻣﻴﻦ) انظر الأدب المفرد للإمام البخاري رقم ٦٤٤ وهو حديث ﺻﺤﻴﺢ ﻟﻐﻴﺮﻩ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: النار أصحاب النار جامعة الأزهر علوم القرآن آداب الدعاء
إقرأ أيضاً:
الاختلاف الإنساني حكمةٌ إلهيَّة*
#الاختلاف_الإنساني حكمةٌ إلهيَّة*
#ثروت_موسى_الرواشده
هل خُلِقْنَا لِنَسِيرَ على خُطَى الآخَرين؟ أم أنّنا ذواتٌ مستقلَّة، يحملُ كلٌّ منّا بَصمَتَهُ الخاصَّة في هذا الوجود؟
وهل نعيشُ لإرضاءِ ذواتِنا، أم أنَّ لكلِّ واحدٍ منَّا رِسالةً أوجَدَهُ اللهُ ليؤدِّيَها؟
تتردَّدُ هذه الأسئلةُ في داخِلِنا، خاصَّةً حين نصطدمُ باختلافِنا عن الآخرين، أو حين يُفرَضُ علينا أن نُشَابهَهم لنُصبِحَ “مقبولين”
الاختلافُ في ضوءِ الرؤيةِ القرآنيَّة والفكرِ الإسلاميّ
تناوَلَ الراغبُ الأصفهانيُّ في كتابِه تفصيلِ النَّشأتين وتحصيلِ السَّعادتين مسألةَ التفاوتِ بين الناسِ من منظورٍ إيمانيٍّ فلسفيٍّ دقيق. فقد بيَّنَ أنَّ الأشياءَ – من حيث أصلُها – متساويةٌ لأنَّها صُنِعَت بالحكمةِ، إلّا أنَّها تختلفُ في خصائصِها ووظائفِها؛ فلكلِّ نوعٍ فائدةٌ واختصاص.
وقد استشهدَ بقولهِ تعالى:
﴿ ما تَرَى فِي خَلْقِ الرّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾
وقولهِ تعالى: (وقد خَلَقَكُمْ أطْوَاراً)
ثم فصَّلَ الأسبابَ التي تؤدِّي إلى اختلافِ الناسِ وتفاوتِهم، ومنها:
مقالات ذات صلة اليوبيل الذهبي: المكتبة الوطنية 2025/04/22 اختلافُ الأمزجةِ والطينةِ والخِلقةِ: فمن الناسِ السَّهلُ، ومنهم الحَزْن، ومنهم الطيِّبُ والخبيث.قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا)
2.اختلافُ حالِ الوالدَيْن في الصلاحِ والفسادِ:
قال تعالى: ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾
روي عَن عُثْمَان بْنِ أَبِي العاص رضي الله عنه أنه قَالَ: (النَّاكِحُ مُغْتَرِسٌ، فَلْيَنْظُرْ أَيْنَ يَضَعُ غَرْسَهُ، فَإِنَّ عِرْقَ الْسُّوْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْزِعَ وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ) . اختلافُ التربيةِ والتعويدِ على العاداتِ الحسنةِ:
كما قال عليه الصلاة والسلام: (مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ) اختلافُ الاجتهادِ في تزكيةِ النفسِ.
6.اختلافُ مَن يُخالِطُهُ الإنسانُ ويتأثَّرُ به:
كما قيل: (عن المرءِ لا تسألْ، وأبصِرْ قرينه)
أما في علم النفس فقد بين كارل روجرز في نظريتِه حول “الصورةِ الذاتيَّة”. فقد رأى أنَّ لكلِّ إنسانٍ إدراكًا خاصًّا للواقعِ ينبعُ من تجربتِه الفرديَّة، ولا يجوزُ الحكمُ عليه بمعاييرَ خارجية.
اما من المنظورُ الطاقيُّ والرُّوحيُّ للاختلاف فينظرُ للاختلافِ من زاويةٍ روحيَّةٍ تعتمدُ على الذبذباتِ والحقولِ الطاقيَّة المحيطةِ بكلِّ شخص ويُفسَّرُ هذا التفاوتُ بين الناسِ عبر عدّةِ عوامل گتردد الطاقةِ الشخصيَّة والبرمجةُ الطاقيَّةُ السابقة والوعيُ الرُّوحيُّ للفرد والرسالةُ الرُّوحيَّة والهدفُ من الوجود والبيئةُ الطاقيَّةُ المحيطة فجميع هذه العواملِ تُشكّلُ البصمةَ الطاقيَّةَ الفريدةَ لكلِّ إنسان، مما يجعلُه مختلفًا في تفاعلِه وتوجُّهاتِه .
أما رؤيتي للإختلاف فلطما وقعتُ في مواقفَ صعبةٍ بسببِ اختلافي، ومررتُ بفتراتٍ حاولتُ فيها تجاوزَهُ أو تذليلَهُ دونَ جدوى. ولكنني أدركتُ، مع مرورِ الوقت، أنَّ هذا الاختلافَ لم يكن عائقًا، بل كان بوّابةً لفهمٍ أعمقَ للذاتِ ووعيٍ أصفى بالحياة.
إنَّ الاختلافَ ليس تهديدًا، بل هو ثراءٌ.
ولم نُخلَق نُسَخاً بل خُلِقنا أفراداً لكلٍّ منّا حكايةٌ، وتجربةٌ، ودورٌ في هذا التنوعِ الذي أراده الله حِكمةً وميزاناً.