الخسائر الاقتصادية تصيب إسرائيل وغزة
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
تسبب اندلاع الاشتباكات بين حركة حماس والفصائل الفلسطينية من جهة، وبين إسرائيل من جهة أخرى منذ يوم السابع من أكتوبر الماضى، فى حدوث قلق شديد فى منطقة الشرق الأوسط والعالم، من اتساع المعارك بالمنطقة ودخول دول أخرى الصراع، وتحويلها إلى حرب إقليمية، ومع توتر الاشتباكات على الأرض، وهو الأمر الذى من المتوقع أن يُكبد الطرفين المزيد من الخسائر الاقتصادية بشكل كبير، والتى سوف تؤثر تأثيرًا كبيرًا ومباشرًا بالشرق الأوسط خلال العقود القادمة.
وتنقسم الخسائر التى من المتوقع أن تنتج عن هذه العملية إلى خسائر اقتصادية مباشرة وخسائر غير مباشرة:
أولاً: الخسائر المباشرة: تعتبر الخسائر المباشرة هى الخسائر التى تأتى نتيجة الأضرار المادية المترتبة على العملية العسكرية، إذ دمرت عملية «طوفان الأقصى» العديد من المبانى الإسرائيلية والمدن، كما دمر الاحتلال الإسرائيلى العديد من المبانى داخل الأراضى الفلسطينية، ومن هنا يُمكن تقسيم هذه الخسائر إلى نوعين:
خسائر الجانب الإسرائيلي: تُعد من أكبر الخسائر المادية لإسرائيل قصف مدينة عسقلان، التى تعرضت بها عشرات المواقع للقصف، وتعد عسقلان من المناطق التى تنتشر بها المنشآت النفطية الإسرائيلية، الأمر الذى يُعد تهديداً لمشروع النفط الإسرائيلى، فضلاً عن قصف ثانى أكبر محطة كهرباء بإسرائيل، وإلحاق الضرر بقطاع الاتصالات الخلوية، كما اندلع حريق كبير بمجمع للسيارات المستوردة بغلاف غزة من جراء القصف الصاروخى من جانب المقاومة، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة فى البنى التحتية داخل إسرائيل، إذ رجح بعض الخبراء الاقتصاديين أن إعادة إعمار البنى التحتية فى إسرائيل سيكلفها على الأقل مليار دولار، بالإضافة إلى تكاليف أخرى.
خسائر الجانب الفلسطينى: جاء رد فعل جيش الاحتلال الإسرائيلى بإحداث أضرار مادية كبيرة داخل الأراضى الفلسطينية، إذ تم قصف برج فلسطين فى غزة، بالإضافة إلى الأضرار التى لحقت بمستشفى الدرة للأطفال، ومركز لتأهيل الأشخاص ذوى الإعاقة، بالإضافة إلى تدمير أكثر من ١٥٠٠ منزل داخل القطاع حتى كتابة ذلك المقال.
ثانيًا: الخسائر غير المباشرة:
انخفاض معدل السياحة: ترتب على حالة عدم الاستقرار الأمنى، التى سببتها عملية «طوفان الأقصى» وعملية جيش الاحتلال «السيوف الحديدية»، إلغاء العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها الجوية من وإلى الأراضى المحتلة، وهو ما سوف يترتب عليه انخفاض أو توقف عدد السياح الوافدين إلى إسرائيل، ما سيجعلها تتحمل خسائر كبيرة من انخفاض تدفق الأموال الأجنبية إليها، السياحة الوافدة توفر لإسرائيل 13.5 مليار شيكل، وانخفاض إيرادات السياحة سوف يحمل الاقتصاد الإسرائيلى العديد من الأضرار المادية على مستوى العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية.
تأثر الموازنة الإسرائيلية والفلسطينية نتيجة الصراعات بالمنطقة
ارتفاع عجز الموازنة: فعلى الجانب الفلسطينى تُعانى الموازنة العامة من عجز يُقدر بـ 536 مليون دولار، ارتفع بنسبة 29% خلال العام الحالى، ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة بشكل كبير بعد عملية «طوفان الأقصى»، نتيجة التوقع امتداد الصراع والمعارك فترة طويلة، سوف تتطلب الاستدانة وارتفاع معدلات العجز.
على الجانب الإسرائيلى، ارتفع عجز الموازنة فى يونيو الماضى إلى 9% من الناتج المحلى الإجمالى، ومن المحتمل أن ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ بعد العملية التى ربما تمتد لفترات طويلة؛ نتيجة الإنفاق المتزايد الذى سوف يتحمله الطرفان لإعادة إعمار ما تم هدمه.
انخفاض الاستثمارات الأجنبية: حيث بلغ حجم هذه الاستثمارات 129.8 مليار دولار فى يوليو 2023، وهو ما يُرجح أن إسرائيل ستفقد جزء كبير من هذه الاستثمارات من جراء العملية الحالية.
زيادة حجم الديون: تبلغ نسبة الدين من الناتج المحلى الإجمالى الفلسطينى فى العام الحالى نحو 58.5% حسب توقعات صندوق النقد الدولى، ومع هذه الخسائر المادية التى تم ذكرها فإن نسبة الديون ستزداد بشكل ملحوظ لدى الجانب الفلسطينى.
على الجانب الإسرائيلى فإن حجم الديون الخارجية بلغت 156.3 مليار دولار فى يوليو 2023، كما بلغ حجم الدين العام 60% من الناتج المحلى الإجمالى خلال عام 2022، ومن المتوقع بشدة أن تزداد هذه الأرقام فى نهاية العملية الحالية.
يجب أن يدرك الجميع فى تلك اللحظة أن العالم ليس مملوكًا لأحد، وأن الجميع شركاء فى الحفاظ على الحياة والحضارة الإنسانية والتى بنيت على مدار مئات السنين، ويجب أن يتدخل العقلاء وأصحاب القرار العالمى، من أجل حلحلة تلك الصراعات بالمنطقة الملتهبة وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية من أجل غلق تلك الصراعات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الخسائر الاقتصادية حركة حماس يوم السابع أكتوبر بالإضافة إلى من المتوقع العدید من
إقرأ أيضاً:
أسبوع الآلام بين المسيحية وغزة
الفوضى الخلاقة التي أنتجت تفسخًا في الضمير الإنساني، وأحدثت انحرافًا في المفاهيم الدينية، ما زالت تُعيد إنتاج نفسها عبر العصور، ولكن بثوب جديد يتناسب مع أدوات كل زمن. ففي أسبوع الآلام، تُحيي الكنيسة ذكرى أكثر مراحل الألم التي عاشها المسيح، حين حُكم عليه ظلمًا، وضُرب وجُلد وسُخر منه، ثم صُلب على يد اليهود بتحريض واضح وتآمرٍ فجٍّ، في مشهد يُجسّد قمة الخيانة والغدر باسم الدين.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا المشهد التأسيسي في التاريخ، بل كان بداية لمسار طويل من الدماء والخراب، حملت رايته نفس العقلية.
فمنذ لحظة صلب يسوع، لم تكفّ الدوائر المتطرفة من اليهود عن التخطيط لسفك الدم، وإشعال الفتن، وصناعة الانقلابات، وبثّ الفوضى، وقيادة الحروب العالمية، إمّا بتحريض مباشر، أو من خلال اختراق مراكز القرار والتحكم في مفاصل الاقتصاد والإعلام. هم من خططوا وأسقطوا عروشًا، وزرعوا الكيانات المصطنعة، وهجّروا الشعوب، تحت عباءة الديانة والحق التاريخي، بينما هم أبعد ما يكونون عن الدين أو القيم، وفي زمننا هذا، يتكرر المشهد ذاته، ولكن على أرض غزة.
فمنذ أشهر، يعيش الشعب الفلسطيني معاناة تفوق الوصف، في عدوان دموي تقوده نفس العقلية التي حكمت على المسيح بالموت. عقلية الاستعلاء العرقي، والتبرير الديني المزيف، والنزعة التوسعية التي ترى الآخر مجرد أداة أو عائق يجب سحقه.
إن المحطة الأشد ظلمًا في أسبوع الآلام كانت تلك المحاكمة الصورية التي أقامها مجمع السنهدريم اليهودي ضد المسيح، محاكمة افتقرت إلى أبسط قواعد العدالة، وتمّت في الليل خلافًا للتقاليد اليهودية التي تمنع المحاكمات ليلًا، تم استدعاء شهود زور، وضُغط على الحاكم الروماني لإصدار حكم بالإعدام دون إثبات جريمة حقيقية. خالفوا قوانينهم، ودهسوا أعرافهم، فقط ليُنزلوا أقسى العقوبة على رجل لم يحمل سيفًا، بل حمل رسالة محبة وسلام.
وكان دور الحاكم الروماني - بيلاطس البنطي - يمثل الوجه الإمبراطوري المتواطئ مع الباطل، الذي غسل يديه من الدم ظاهريًا، بينما سَلَّمه فعليًا للصلب. تردد في اتخاذ قرار، لكنه في النهاية خضع للابتزاز، واختار مصالح الإمبراطورية على حساب العدالة.
وهذا الدور يتجدد اليوم في صورة الحكومة الأمريكية، التي تمثل الإمبراطورية المعاصرة، وتغسل يديها من دم غزة ببيانات مكررة عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما تدعم القتل بالسلاح والفيتو، وتفرض توازنات القوة على حساب الأرواح. إنها بيلاطس الجديد، تلبس بدلة ديمقراطية ناعمة، لكنها تحمل نفس عقلية الإمبراطور الذي يهمّه حفظ النظام الإمبراطوري أكثر من إنصاف المظلوم.
وها هي حكومة نتنياهو تعيد نفس المشهد، بل وبنفس العقلية، وكأن التاريخ لا يتغير بل يعيد نفسه. حكومة تبرر قتل الأطفال بحجج واهية، تُحاصر المدنيين وتمنع عنهم الغذاء والدواء، تُبرر القتل الجماعي بأنه "دفاع عن النفس"، وتُنزل أشد العقوبات على شعب أعزل. إنه مجمع السنهدرين بثوبٍ عصري، يستدعي مبررات قانونية زائفة، ويُفصّل قراراته على مقاس أهوائه السياسية والعقائدية.
يُسفك اليوم دم الأطفال في غزة تحت أنقاض البيوت، وتُباد العائلات بالكامل، وتُرتكب مجازر في وضح النهار، وسط صمت دولي مُخزٍ، وتواطؤ مكشوف من قِبَل من يدّعون الدفاع عن الحقوق والإنسانية.
أسبوع الآلام في المسيحية ليس مجرد ذكرى دينية، بل هو صرخة ضمير تُعيد التذكير بأن الظلم واحد، وأن التضحية والفداء لا تعني الخنوع، بل تعني مقاومة الباطل مهما كانت التكاليف. والمسيح الذي حمل صليبه وسار إلى الجلجثة، هو نفسه الذي قال: "طوبى لصانعي السلام"، لكنّه لم يسكت على الظلم ولم يتملّق السلاطين.
وغزة اليوم، وهي تنزف في كل زاوية، تُجسد المعنى الحيّ لأسبوع الآلام، فكل بيت مهدوم هو صليب جديد، وكل شهيد هو صورة للمسيح المصلوب، وكل طفل فقد عائلته هو صورة حية للمعاناة التي لا يراها العالم إلا كأرقام في نشرات الأخبار.
نعم تغيّرت الأسماء والوجوه، لكن الروح واحدة: روح الظلم والكراهية والاستعلاء. وبينما تحتفل الكنائس بذكرى أسبوع الآلام، لا بد أن نتأمل في الجرح الفلسطيني المفتوح، وأن ندرك أن صلب المظلوم لم يتوقف، وأن القيامة الحقيقية لا تأتي إلا بعد رفض الظلم والوقوف في وجهه.
اقرأ أيضاًفلسطين: اقتحام نتنياهو لشمال غزة وبن غفير للحرم الإبراهيمي يطيل جرائم الإبادة
الإغاثة الطبية بغزة: القطاع يعيش أزمة خانقة منذ 45 يومَا