إرادة الشعب الفلسطيني لا تُقهر
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
سالم البادي (أبو معن)
نعلم يقينا أن انتفاضة الشعوب الحرة الكريمة وثوراتها ضد الظلم والطغيان والاستبداد والاحتلال هو حق مشروع، فالشعوب تناضل وتدافع وتحارب وتقاوم وتقدم تضحيات كبيرة وعظيمه من أجل دفاعها عن النفس والعرض والأرض ونيل استقلالها وحريتها، وبالتأكيد بإرادتها وعزيمتها وإصرارها حتما في النهاية ستنتصر.
التاريخ أثبت للأجيال السابقة والحالية أن مدة بقاء الشعوب تحت الظلم والطغيان والاستبداد والاحتلال لم ولن يطول عمرها أبدًا، ومدة بقائه هي مسألة وقت حتى زواله. بيد أن الشعوب تدرك وتعي جيدا أنَّ ثمن الحرية والاستقلال ليس رخيصا، ودرب النضال والمقاومة ليس سهلا وطريق التحرير ليس مفروشا بالورود؛ بل مليء بالتضحيات والدماء، وفاتورته غالية جدا والمتمثلة في مزيد من الشهداء والجرحى ودمار في البنى التحتية وعجز في الخدمات وتوقف في الإمدادات الضرورية وغيرها. لكن يقيناً أن الشعوب الحرة باقية والطغاة والغزاة راحلون.
وها هي إرادة وعزيمة الشعب الفلسطيني أثبتت للعالم أنها لا تقهر ولا تنكسر ولا تستكين أبدا، فأتخذت المقاومة من إرادتها درعها القوي المتين الصلب الذي لا يلين ولا ينكسر، وسلاحها الذي لا يقهر وعزيمتها القوية التي لا تضعف وهمتها العالية الشماء التي لا تسقط أمام أكبر عدو متسلط ومتغطرس، وأبشع كيان محتل متشدد وعنصري يمارس كل أنواع التمييز العنصري.
وسطر الشعب الفلسطيني بطولات كبيرة وتضحيات وطنية عظيمة أمام أكبر ترسانة حربية بالمنطقة وأقوى أجهزة استخباراتية في العالم، وما يمتلكه هذا العدو من تقنيات وبرامج وأنظمة متقدمة متطورة، ومنظومة دفاعية كبيرة لا يستهان بها ومنها القبة الحديدية التي كان العدو يروج لها ويتفاخر ويفاخر بها.
والأحداث الأخيرة في عملية "طوفان الأقصى" أثبتت للمقاومة الفلسطينية وعلى مرأى ومسمع الجميع وبما لا يدع مجالا للشك، هشاشة النسيج العسكري والأمني والاستخباراتي والدفاعي لهذا الكيان، وأنه ليس نسيجا فولاذيا مثل ما كان يدعي.
كذاك أثبتت الأحداث الحالية خلخلة النسيج الفكري والأيديولوجي للعدو الصهيوني فضلا عن هشاشة النسيج الاجتماعي والسياسي، مع مواصلة أعماله الإجرامية غير الإنسانية والتي تصل الى جرائم حرب مثل تعمد قتل الأطفال الأبرياء والنساء وكبار السن المسالمين الآمنين في بيوتهم من خلال هدم المباني والبيوت عليهم، والعقاب الجماعي المتمثل بقطع جميع الخدمات عن المستشفيات والمؤسسات الصحية والتمويلية والاستهداف المباشر للمواطنين وغيرها من جرائم الحرب التي يمارسها هذا العدو الصهيوني المحتل باستمرار تحت غطاء حماية مجلس الأمن.
بالرغم من حصار الشعب الفلسطيني وخاصة قطاع غزة المعزول تمامًا عن العالم الخارجي منذ سنوات وما يعانيه من قلة موارده وإمكانياته والصعوبات التي يواجهها في حياته طيلة سنوات الاحتلال، إلا أنه أثبت للعالم أن إرادة الشعوب أقوى من إرادة الترسانة الفولاذية التي يتغنى بها العدو المحتل.
وأثبتت كذلك الأحداث الحالية لشعوب العالم أن هيبة وقوة هذا الكيان المغتصب ليست إلا أكذوبة صدقها العالم العربي وأن الحقيقة أن جيشه من ورق؛ حيث تطايرت قوته في غضون ساعات قليلة أمام بضع مئات من أفراد المقاومة الفلسطينية البواسل الشجعان المغاوير، وبعتاد متواضع محدود، ولكنها متسلحة بإرادة وعزيمة قوية لا تهاب الموت، فكانت النتيجة المباركة بأنها أصابت العدو في مقتل، حتى وصف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يوم انطلاق العملية بأنه "سيبقى يومًا أسود في تاريخ الشعوب، والأفظع للشعب اليهودي منذ المحرقة النازية".
لقنت المقاومة الفلسطينية العدو درسا لن ينساه أبدا، وقدمت للعالم نموذجا جديدا في إدارة شؤون الحروب التي امتازت بالسرية التامة وبدقة وسرعة متناهية في تنفيذها بميدان المعركه، فضلاً عن انضباط وسرعة تحركاتها العسكرية، وحسن تميز أسلوبها في أداء مهامها التكتيكية ومدى نجاح عملياتها العسكرية وبأقل الخسائر، مع مراعاتها لقوانين وأخلاقيات الحرب الدولية، فضلا عن تطبيق مبادئ وقيم وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في كيفية التعامل مع الأسرى وحماية أرواح المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، وما امتازوا به من أخلاقيات إنسانية.
قدمت فصائل المقاومة الفلسطينية في هذه العملية الأخيرة أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة والبسالة بإرادتها الصُلبة وعزيمتها القوية من أجل إرسال رسالة واضحة للعدو والعالم بأن قضيتهم قائمة ولم تمت ونضالهم صامد حي لم ولن يموت ومقاومتهم المشروعة مستمرة، من أجل استعادة كرامتها وعزتها وحريتها واستقلالها.
لقد خاض الشعب الفلسطيني الأبيُّ، الثورات والانتفاضات منذ نكبة 1948 حتى يومنا هذا، وظل يكافح ويجاهد ويقاوم لاستعادة أرضه وكرامته من جبروت عدوه المحتل المغتصب لأرضه منذ أكثر من سبعة عقود، وقدمَ الآلاف من الشهداء والجرحى والآلاف من الأسرى وما زال يقدم الأرواح وملايين النازحين والمهاجرين فِداءَ الحرية والكرامة.
عملية "طوفان الأقصى" ستكون لها تداعيات كبيرة على الوضع السياسي والجيوسياسي الإقليمي، ولكن من الصعوبة بمكان أن يتم تقييمها حاليا، والتنبؤ بنتائجها، ولكن ما سيُقدم عليه الكيان المحتل خلال الأيام المقبلة وحده سوف يتحمل المسؤولية الكاملة وما سينتج عنها.
عملية "طوفان الأقصى" لا تقتصر على أنها مجرد صفعة أو مفاجأة عسكرية للمحتل الصهيوني، وإنما تتجلى أهميتها في التطور المفاجىء والسريع والمتنامي في "فصائل المقاومة الفلسطينية" والتي تعدت مفهوم العمليات الميدانية النوعية مثل الكر والفر؛ بل حصلت المقاومة على إشادة كبيرة من بعض الدول الكبرى والمنظمات والخبراء العسكريين والأمنيبن على ما أحرزته من تقدم وتطور ميداني في تنفيذ خطط فنون وطرق وأساليب الحرب والقتال الحديثة المبتكرة التي تواكب تطور التقنيات العصرية الحديثة.
إن هذا الشعب الفلسطيني المقاوم الساعي إلى نيل حريته وكرامته واستقلاله أثبت للعالم أجمع أنه شعب صامد شامخ لا ينحني ولا يركع ولا يستكين، ولا يستهان بقدراته المتواضعة وعزيمته وإرادته القوية الصلبة الصارمة أمام أكبر عدو للإنسانية قاطبة، وأمام أبشع كيان صهيوني متشدد على مر العصور.
وهنا لا بد أن تركز المقاومة الفلسطينية على أهمية المرحلة المقبلة من القضية الفلسطينية والتي تتمحور حول توحيد الصف الفلسطيني والتمسك بالثوابت الوطنية العليا المشتركة، وحول تمكين قضية تحرير المسجد الأقصى الشريف، والتصدي لأي ممارسة سياسات استيطانية أو استفزازية في كل أرجاء فلسطين، والتركيز على العمل الجاد في أهمية تسويق القضية الفلسطينية إعلاميا عن طريق خوارزميات مبتكرة وحديثة ومتطورة تتواءم مع التقنيات المتطورة الحديثة لإيصالها لجميع شعوب العالم وتوضيح الصورة الحقيقية للعدو الصهيوني المحتل المغتصب الغاشم المتغطرس.
ورغم الخذلان والتقاعس من قبل المجتمع الدولي حول القضية الفلسطينية حتى اليوم فإنه يقينا سيحقق الشعب الفلسطيني حريته طالَما أنه يمتلك إرادة فولاذية صلبة لا تعرف الانكسار والهوان، وهذا يذكرنا بقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي عندما قال:
إذا الشعب يومًا أرادَ الحياة // فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدر
ولا بُدَّ للَّيلِ أنْ ينجلي // و لا بُدَّ للقيدِ أنْ ينكسر
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
لذلك حَقَّت المهلة!
كما لم يحدث من قبل، أمريكا وإسرائيل في مواجهة مهلة زمنية سيكون بعدها ما بعدها إن لم تستجيبا وتمتثلا لصوت العقل. والجميع اليوم يترقبون الموعد، البعض خشية، والبعض لهفة، ولا مبرر ولا عذر ولا حجة لعدم مواجهة أمريكا وإسرائيل بحزم. وأي انتظار سيفاقم الوضع أكثر وسيعقّد أي تحرك لاحق لمعالجة ما أفسده التقاعس، ولنا أن نستعرض تصاعد حالة التنمر الصهيونية في مقابل حالة الضعف العربي لنرى حجم ما خسرته الأمة بسبب الركون إلى مبررات لا أصل لها.
خلال معركة الإسناد أثبت محور المقاومة أن تلقين العدو الدروس المؤلمة أمر متاح وممكن، إذ كشفت عمليات الإسناد هشاشة العدو واعتماده في المقام الأول على مسألة الإرهاب الدعائي لقوة مزعومة وإمكانات لا تقهر، فانكفأ الكيان الصهيوني على ذاته يحصي خسائره البشرية والمعنوية، فيما اجتهدت أمريكا في جمع أشلاء هيبتها التي جرفتها المياه العربية في البحار العربي والأحمر والمتوسط، وبدأت تحسب خسائرها وما يمكن أن تخسره أكثر إذا ما استمرت.
وهي الكُلفة التي فرضت على ترامب التعامل بحذر، انطلاقا من استخدام ذات السلاح الأول – أي سلاح الترهيب – وإلا فإنه يدرك أن أي مغامرة ستعني كلفة أكبر ستذوب في بحار المنطقة.
ستبقى (15) شهرا من مواجهة العدو خلال عدوانه على غزة، شاهداً حياً على أن جيش الورق الصهيوني، وبلاطجة أمريكا لا يمتلكون ما يمكن أن يركنوا عليه في أي معركة مع العرب، إذا ما صحوا، سوى تقنياتهم التي اتضح أنه بالإمكان تجاوزها وتحويلها إلى مادة للتندر الدولي، وقد حدث ذلك في عملية طوفان الأقصى، كما في عمليات معركة «الفتح الموعود والجهاد المقدس» الإسنادية.
فالعدو الإسرائيلي لا يزال إلى الآن يتلقى مختلف الأسلحة من أمريكا، والأخيرة عجزت عن تدارك سمعتها وهي تسحب حاملات الطائرات الأربع وباتت غائبة عن البحر الأحمر، الذي لم تكن تغيب عن التواجد فيه على مدار العام. فيما سجلت عمليات محور المقاومة أول وأهم نقطة في سياق مواجهة العدو، فانتزعت شهادات العالم بأن أمريكا بالفعل لم تعد ذلك «البعبع» المخيف وهي تواجه قوى تتعامل معها بنديّة كاملة، ما كان يدفعها لحفظ الاتزان النفسي، بتكرار عبارتها السمجة “بالالتزام الطويل الأمد بأمن «إسرائيل»، لمواجهة التهديدات الأمنية”، حسب وزير الحرب الأمريكي.
ومع التلويح الصهيوني المباشر وغير المباشر بعودة الحرب على غزة، لم يكن من بد إلا التحرك ليفهم العدو بأن للشعب الفلسطيني أشقاء لن يخذلوهم كما خذلتهم قمة الدبلوماسية العربية، لذلك تصدّر السيد القائد بالأربعة أيام كمهلة حاسمة، لم يحتج لإصدارها بيان وديباجة ونقاط كخطوط رجعة، وإنما كلام واضح ومحدد، فالعدو استخف بالأمة وذهب يبطش بالفلسطينيين بلا أخلاق وبلا رادع رغم أنه في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار.
حتى الاتفاقات يريد تنفيذها بمزاجه، ولو تجاوز مضامينها، كما هو الحال الحاصل الآن حيث طالب بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق باستخفاف بكل العرب، ولا يريد الدخول في المرحلة الثانية بما تقتضيه من استحقاقات، ولما رفضت المقاومة الفلسطينية ما طلبه، عزم على العودة لسياسة التجويع.. ولذلك حقّت الأربعة أيام.