قال سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان -مفتي الجمهورية اللبنانية: إنَّ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالى في خَلقِهِ اختِلافَهُمْ فِيمَا بَينَهُم، وَتَنَوُّعَ مَشَارِبِهِمْ وَمُعتَقَدَاتِهِمْ، وَثَقَافَاتِهمْ وَلُغَاتِهِمْ، مِصدَاقًا لِقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾، وقد جَاءَتْ رِسَالَةُ الإِسلامِ لِتُؤَكِّدَ أَهَمَيِّةَ التَّعايُشِ بَينَ المُختَلِفِين، وَمُوَاجَهَةَ الأَزَمَاتِ وَالتَّحَدِّيَات، حتَّى يَعُمَّ السِّلمُ، وَيَنْتَشِرَ الأَمْنُ، وَيَسعَدَ المُجتَمَعُ، وَتَتَحَقَّقَ خِلافَةُ الإِنسَانِ للهِ في الأرض.

جاء ذلك خلال كلمته بالجلسة العلمية الأولى ضمن فعاليات مؤتمر "الفتوى وتحديات الألفية الثالثة" مضيفًا فضيلته أن الإنسان خَلِيفَة اللهِ في أَرضِه، يَعْمُرُها وَيُحيِيهَا، وَالاخْتِلافُ بَينَ الشُّعوبِ وَالقَبائل، وَالتَّنَوُّعُ في الثَّقَافَاتِ وَالدِّيَانَاتِ وَاللُّغَات، أَمرٌ حَتْمِيٌّ بَدَهِيّ، وَمِنْ لَوَازِمِ التَّعَايُشِ مُوَاجَهَةُ الأَزَمَاتِ وَالتَّحَدِّيَات، وَإِعلاءُ مَبدَأِ الحُرِّيَّة، بِاعتِبَارِهَا العُنوَانَ الأَسَاسَ في العَلاقَاتِ المُجتَمَعِيَّة، وَأَهَمُّهَا حُرِّيَّةُ الاعْتِقَادِ، ثُمَّ إِنَّ حُرِّيَّةَ الإِنسانِ تَتَطَلَّبُ أَنْ يَكُونَ الكُلُّ سَوَاسِيَةً، دُونَ انْتِقَاصٍ لِأَحَدٍ أَو إِلغَاءٍ لِدَورِهِ المَنشُود، فَلَهُ مِنَ الخَصَائصِ مَا لِغَيرِهِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ المَنحَى الذي يَتَّخِذُهُ في حَيَاتِه، وَمِيزَانُ التَّفَاضُلِ إِنَّمَا هُوَ التَّقْوَى.

وأشار الشيخ دريان إلى أنَّ الإسلامَ بِآدَابِهِ وَأَحكَامِهِ حَرِيصٌ على مُواجَهَةِ كُلِّ التَّحَدِّيَاتِ التي تَنْتَقِصُ مِنْ إِنسَانِيَّةِ الإِنسَان، وَتُغْمِطُهُ مَكَانَتَهُ وَقِيمَتَه، فَكَانَ الفَيصَلَ في كُلِّ ذَلِكَ هُوَ الإِنْسَانُ عَينُهُ قَبُولًا لَهُ وَتَعَايُشًا مَعَه، بِاعتِبَارِهِ قِيمَةً مُجْتَمَعِيَّةً، تَتَطَلَّبُ عَلاقَةً تَشَارُكِيَّةً، دُونَ انْتِقَاصٍ أَو إِلغَاءٍ أَوِ امْتِهَان، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَرَّمَ الإِنسَانَ وَفَضَّلَه، فَقَالَ جَلَّ جَلالُه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، ثُمَّ الإِنْسَانُ مُجتَمَعِيٌّ بِطَبْعِه، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَستَغنِيَ أَحَدُهُمْ عَنِ الآخَر، فَكَانَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ، احْتِرَامُ الاخْتِلافِ فِيمَا بَينَهُمْ.

وأردف قائلًا: وَمِنْ هُنا وَضَعَ الإِسلامُ ضَوَابِطَ لِذَلِكَ التَّعَايُشِ بَينَ مُخْتَلِفِي العَقِيدَةِ كمَا المَذهَبِ وَالعِرق، بِحيثُ لا يُنقِصُ مِنِ اعْتِزَازِ الانْتِمَاءِ لِلدِّين، أَو يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِ الآخَر، لِمَا فِيهِ مِنْ ظُلْمٍ وَتَهْمِيشٍ وَمَسٍّ بِكَرَامَةِ إِنسَانٍ مُكَرَّمٍ مِنْ قِبَلِ اللهِ تَعَالَى، وَالأَصْلُ في التَّعَامُلِ هُوَ دَعوَةُ الآخَرِينَ بِالتِي هي أَحْسَن، وَالرِّفْقِ وَالّلِين.

وشدد مفتي لبنان على أن مَبدَأَ التَّعَايُشِ ليسَ تَرَفًا فِكرِيًّا يَقتَصِرُ على الفَلاسِفَةِ والمُثَقَّفِين، بل هُوَ ضَرُورَةٌ لِحِمَايَةِ مُستَقبَلِ البَشَرِيَّةِ مِنْ أَخطَارِ دَعَوَاتِ الكَرَاهِيَةِ وَالعُنْفِ وَالإِقصَاء، على أُسُسٍ دِينِيَّةٍ أَو مَذهَبِيَّةٍ أَو عِرقِيَّة، لِأَنَّ الفِتَنَ وَالأَزَمَاتِ تُثِيرُ الضَّغَائِن، وَتُشعِلُ نِيرَانَ الأَحقَاد.

ودعا في ختام كلمته إلى ضرورة اسْتِنْهَاض قُدُرَاتِ المُجْتَمَعاتِ الإِنْسَانِيَّة، وَتَوحِيد جُهُودِها، لِتَعزِيزِ مَسَارِ التَّعَايُشِ كَقِيمَةٍ إِنسَانِيَّةٍ جَامِعَة، تَكْفُلُ حِمَايَةَ التَّنَوُّع، وَتَعزِيزَ الحِوَارِ وَالتَّعَاوُن، وهذه هي نَظرَةُ الإِسلامِ لِلتَّعَايُش، وَمَنْهَجِيَّتُهُ في مُوَاجَهَةِ الأَزَمَات، بِالحِكمَةِ وَالتَّسَامُحِ وَالعَدَالَة، وَالاعْتِرَافِ بِالآخَر، وَالإِنصَافِ وَالتَّكرِيم.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مؤتمر الإفتاء مفتي لبنان الأ ز م ات الإ سلام الآخ ر

إقرأ أيضاً:

حزب الله تفاهم مع سلام والى مواجهة جديدة.. لم يعد هناك ما يخسره

يبحث اليوم الرئيس المكلف نواف سلام في تشكيلته الحكومية المتصلة بالحقائب وتوزيعها مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وسط ترجيح أوساط سياسية بارزة بأن الحكومة ستبصر النور قبل يوم الخميس موعد زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى بيروت. فالأيام الماضية والتي أعقبت الاستشارات النيابية غير الملزمة وزيارة الرئيس المكلف عين التينة وبعبدا، شهدت زخما من الاتصالات بين الرئيس سلام والكتل السياسية الممثلة في البرلمان وليس فقط حزب الله وحركة أمل، فكل الأحزاب السياسية تتعطش للمشاركة في الحكومة المرتقبة، فضلا عن قوى التغيير.
صب الاهتمام في الساعات الماضية على لقاءي الرئيس المكلف مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، واللذين خلصا إلى أجواء ايجابية، عبرت عنها مصادر مقربة من الثنائي، حيث أصبح شبه مؤكد ان الحزب والحركة سيشاركان في الحكومة، وأن المقاعد الوزارية الخمسة التي هي من حصة الطائفة الشيعية ستعود إليهما جريا على العادة، بمافيها وزارة المال التي يتردد أن حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري سوف يتولاها وهو الذي يحظى بدفع من قبل الرئيس بري والمجتمع الدولي نظرا للدور الذي لعبه منذ نهاية ولاية الحاكم السابق رياض سلامة، في إدارة الملف المالي لمصرف لبنان، في حين أن جهات سياسية تشير إلى أن اسم النائب السابق ياسين جابر مطروح أيضًا نظرا لعلاقته الجيدة مع الولايات المتحدة. أما في ما خص الأسماء الأخرى، فتشير مصادر الثنائي إلى أن الرئيس المكلف سيتسلمها فور تحديده الحقائب التي ستسند إليهما، وعلى قاعدة الوزير المناسب في المكان المناسب، علما أن المعلومات تشير اهتمام الحزب بوزارة الاشغال ربطا بورشة إعادة الإعمار المرتقبة.

المهم وفق أوساط سياسية أن حزب الله استشعر خطورة بقائه خارج الحكومة، ولذلك أبدى اهتماما بالمشاركة والتعاون مع الرئيس سلام على المستوى الوزاري، مع إشارة الأوساط في الوقت نفسه إلى أن حزب الله قد يدخل فعلا لا قولا هذه المرة على خط مكافحة الفساد وبناء المؤسسات والإصلاح الاقتصادي، فلم يعد هناك ما يخسره ولم يعد هناك أي ضرورة تستدعي منه تغطية الفاسدين في مقابل تغطية سلاحه في البيانات الوزارية وفي أوراق التفاهمات، هذا فضلا عن أن الحزب مرتاح لمطالعة الرئيس سلام التي قدمها خلال اجتماعه بالنائب رعد وتمسكه باتفاق الطائف حيث ناقشا في دور المقاومة ربطا بما ورد في اتفاق الطائف، وفي تطبيق القرار الدولي 1701.
وامس أعلن نائب رئيس المجلس السياسي لـ"حزب الله محمود قماطي أننا مستعدون للتعاون مع الجميع والانفتاح وبناء الدولة، والانطلاق في عملية الإعمار والإيواء والترميم وبناء المؤسسات وفصل ‏السلطات والمداورة، لنبني الوطن مع كل شركائنا فيه.

ويبدي الرئيس المكلف اهتماما كبيرا في تأليف حكومة من غير الحزبيين ومن 24 وزيرا أكفاء ومن أصحاب الاختصاص، كما أنه يؤكد أنه لن يقصي أو يستبعد أحدا، وسوف يعمل، بحسب مصادر مطلعة، على توزيع المقاعد العشرة المسيحية على القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والمرده والطاشناق والكتائب واللقاء التشاوري النيابي المستقل، لأن تسمية وزيري الخارجية والدفاع ستؤول إلى الرئيس عون، علما أن أوساطا مسيحية أشارت إلى أن حزب القوات يريد أن تكون وزارتا الخارجية والطاقة من حصته، لا سيما وأن كتلة الجمهورية القوية هي الأكبر مسيحيا.
وفيما التوزير السني والدرزي لن يكون معقدا، وسيكون توزيع الحقائب متماهيا مع التمثيل النيابي، فإن الترقب سيكون سيد الموقف لمرحلة ما بعد التأليف وسط اهتمام الرئيس عون بمعالجة كل الملفات الأمنية والعسكرية وتثبيت الحدود جنوبا وترسيم الحدود مع سوريا، واهتمام الرئيس سلام باتمام التعيينات الإدارية والاصلاحات الاقتصادية والقضائية المنشودة والتحضير للانتخابات البلدية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مصادر بعبدا تكشف... هل قدّم نواف سلام تشكيلة وزاريّة للرئيس عون؟
  • مفتي الجمهورية يعزى تركيا في ضحايا حادث حريق منتجع كارتال كايا
  • مفتي الجمهورية يُعزي تركيا في ضحايا حادث حريق منتجع كارتال كايا
  • رأي.. بارعة الأحمر تكتب: هل ينجح الحكم الجديد في لبنان باحتواء الصراعات بـسلام؟
  • الـBusiness Insider :ماذا يعني المشهد السياسي المتغير في لبنان بالنسبة لحزب الله؟
  • تفاؤل بالاسراع في التشكيل الحكومي واشارات حذرة من المعارضين.. ميقاتي: توقعات باعلانها نهاية الاسبوع
  • سلام يعد حكومة نُخب واختصاصيين وتمثيل.. ميقاتي: استنساخ لحكومات سابقة ولكن لننتظر
  • آخر معلومة.. حزب الله يريد هذه الوزارة
  • القوات: كلام قاسم عن جهوز المقاومة يناقض خطاب القسم وكلمة سلام بعد تكليفه
  • حزب الله تفاهم مع سلام والى مواجهة جديدة.. لم يعد هناك ما يخسره