مفتي لبنان: الإِسلام وضع ضَوَابِطَ للتَّعَايُشِ بَينَ مُخْتَلِفِي العَقِيدَةِ كالمذهبِ والعِرق
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
قال سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان -مفتي الجمهورية اللبنانية: إنَّ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالى في خَلقِهِ اختِلافَهُمْ فِيمَا بَينَهُم، وَتَنَوُّعَ مَشَارِبِهِمْ وَمُعتَقَدَاتِهِمْ، وَثَقَافَاتِهمْ وَلُغَاتِهِمْ، مِصدَاقًا لِقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾، وقد جَاءَتْ رِسَالَةُ الإِسلامِ لِتُؤَكِّدَ أَهَمَيِّةَ التَّعايُشِ بَينَ المُختَلِفِين، وَمُوَاجَهَةَ الأَزَمَاتِ وَالتَّحَدِّيَات، حتَّى يَعُمَّ السِّلمُ، وَيَنْتَشِرَ الأَمْنُ، وَيَسعَدَ المُجتَمَعُ، وَتَتَحَقَّقَ خِلافَةُ الإِنسَانِ للهِ في الأرض.
جاء ذلك خلال كلمته بالجلسة العلمية الأولى ضمن فعاليات مؤتمر "الفتوى وتحديات الألفية الثالثة" مضيفًا فضيلته أن الإنسان خَلِيفَة اللهِ في أَرضِه، يَعْمُرُها وَيُحيِيهَا، وَالاخْتِلافُ بَينَ الشُّعوبِ وَالقَبائل، وَالتَّنَوُّعُ في الثَّقَافَاتِ وَالدِّيَانَاتِ وَاللُّغَات، أَمرٌ حَتْمِيٌّ بَدَهِيّ، وَمِنْ لَوَازِمِ التَّعَايُشِ مُوَاجَهَةُ الأَزَمَاتِ وَالتَّحَدِّيَات، وَإِعلاءُ مَبدَأِ الحُرِّيَّة، بِاعتِبَارِهَا العُنوَانَ الأَسَاسَ في العَلاقَاتِ المُجتَمَعِيَّة، وَأَهَمُّهَا حُرِّيَّةُ الاعْتِقَادِ، ثُمَّ إِنَّ حُرِّيَّةَ الإِنسانِ تَتَطَلَّبُ أَنْ يَكُونَ الكُلُّ سَوَاسِيَةً، دُونَ انْتِقَاصٍ لِأَحَدٍ أَو إِلغَاءٍ لِدَورِهِ المَنشُود، فَلَهُ مِنَ الخَصَائصِ مَا لِغَيرِهِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ المَنحَى الذي يَتَّخِذُهُ في حَيَاتِه، وَمِيزَانُ التَّفَاضُلِ إِنَّمَا هُوَ التَّقْوَى.
وأشار الشيخ دريان إلى أنَّ الإسلامَ بِآدَابِهِ وَأَحكَامِهِ حَرِيصٌ على مُواجَهَةِ كُلِّ التَّحَدِّيَاتِ التي تَنْتَقِصُ مِنْ إِنسَانِيَّةِ الإِنسَان، وَتُغْمِطُهُ مَكَانَتَهُ وَقِيمَتَه، فَكَانَ الفَيصَلَ في كُلِّ ذَلِكَ هُوَ الإِنْسَانُ عَينُهُ قَبُولًا لَهُ وَتَعَايُشًا مَعَه، بِاعتِبَارِهِ قِيمَةً مُجْتَمَعِيَّةً، تَتَطَلَّبُ عَلاقَةً تَشَارُكِيَّةً، دُونَ انْتِقَاصٍ أَو إِلغَاءٍ أَوِ امْتِهَان، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَرَّمَ الإِنسَانَ وَفَضَّلَه، فَقَالَ جَلَّ جَلالُه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، ثُمَّ الإِنْسَانُ مُجتَمَعِيٌّ بِطَبْعِه، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَستَغنِيَ أَحَدُهُمْ عَنِ الآخَر، فَكَانَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ، احْتِرَامُ الاخْتِلافِ فِيمَا بَينَهُمْ.
وأردف قائلًا: وَمِنْ هُنا وَضَعَ الإِسلامُ ضَوَابِطَ لِذَلِكَ التَّعَايُشِ بَينَ مُخْتَلِفِي العَقِيدَةِ كمَا المَذهَبِ وَالعِرق، بِحيثُ لا يُنقِصُ مِنِ اعْتِزَازِ الانْتِمَاءِ لِلدِّين، أَو يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِ الآخَر، لِمَا فِيهِ مِنْ ظُلْمٍ وَتَهْمِيشٍ وَمَسٍّ بِكَرَامَةِ إِنسَانٍ مُكَرَّمٍ مِنْ قِبَلِ اللهِ تَعَالَى، وَالأَصْلُ في التَّعَامُلِ هُوَ دَعوَةُ الآخَرِينَ بِالتِي هي أَحْسَن، وَالرِّفْقِ وَالّلِين.
وشدد مفتي لبنان على أن مَبدَأَ التَّعَايُشِ ليسَ تَرَفًا فِكرِيًّا يَقتَصِرُ على الفَلاسِفَةِ والمُثَقَّفِين، بل هُوَ ضَرُورَةٌ لِحِمَايَةِ مُستَقبَلِ البَشَرِيَّةِ مِنْ أَخطَارِ دَعَوَاتِ الكَرَاهِيَةِ وَالعُنْفِ وَالإِقصَاء، على أُسُسٍ دِينِيَّةٍ أَو مَذهَبِيَّةٍ أَو عِرقِيَّة، لِأَنَّ الفِتَنَ وَالأَزَمَاتِ تُثِيرُ الضَّغَائِن، وَتُشعِلُ نِيرَانَ الأَحقَاد.
ودعا في ختام كلمته إلى ضرورة اسْتِنْهَاض قُدُرَاتِ المُجْتَمَعاتِ الإِنْسَانِيَّة، وَتَوحِيد جُهُودِها، لِتَعزِيزِ مَسَارِ التَّعَايُشِ كَقِيمَةٍ إِنسَانِيَّةٍ جَامِعَة، تَكْفُلُ حِمَايَةَ التَّنَوُّع، وَتَعزِيزَ الحِوَارِ وَالتَّعَاوُن، وهذه هي نَظرَةُ الإِسلامِ لِلتَّعَايُش، وَمَنْهَجِيَّتُهُ في مُوَاجَهَةِ الأَزَمَات، بِالحِكمَةِ وَالتَّسَامُحِ وَالعَدَالَة، وَالاعْتِرَافِ بِالآخَر، وَالإِنصَافِ وَالتَّكرِيم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مؤتمر الإفتاء مفتي لبنان الأ ز م ات الإ سلام الآخ ر
إقرأ أيضاً:
الحوثيون يهددون إسرائيل باستهداف مقراتها الحيوية
هدد الحوثيون، إسرائيل باستهداف مقراتها الحيوية، وفقا لقناة سكاي نيوز عربية.
وأعلنت إسرائيل، موافقتها رسميًا على الخطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف إطلاق النار بين حزب الله وتل أبيب والذي دخل حيز التنفيذ في الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء بتوقيت العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي وقت سابق، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، عملية برية محدودة في جنوب لبنان تستهدف البني التحتية لحزب الله، وسط تحليق مكثف للطيران وقصف مكثف بالمدرعات والدبابات على مناطق الجنوب.
وقد شهدت لبنان حادثة مؤلمة بعد انفجار المئات من أجهزة الاتصال "البيجر" المستخدمة من قبل عناصر حزب الله، ما أسفر عن مقتل 11 أشخاص وإصابة نحو 3000 آخرين.
هذه الحادثة أثارت اهتمامًا دوليًا واسعًا، حيث كانت الأجهزة المنفجرة تُستخدم للتواصل بين عناصر الحزب.