نائب مفتي الأردن : العمل التكاملي بين المسلمين من مبادئ وجود أمتهم
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
قال الشيخ أحمد الحسنات، نائب مفتي المملكة الأردنية الهاشمية: لا يخفى على أحد أن العالم اليوم أصبح وحدة واحدة في ظلِّ ما تشهده البشرية من تبادل للمعارف والخبرات في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والعلمية، فلم يعد الناس يعيشون في مجتمعات منفصلة، وجزر متباعدة في حضارتها وثقافتها وطريقة عيشها، ولم يعد ممكنًا ولا مجديًا في عالمنا اليوم أن يكون العمل انفراديًّا، أو مجزأً، بل لا بد من العمل الكلي على الصعيد العالمي والإنساني.
وأضاف خلال كلمته في فعاليات الجلسة العلمية الأولى من المؤتمر العالمي الثامن للإفتاء، أن ما شهده بعض دول العالم من كوارث طبيعية وحوادث راح ضحيتها الآلاف من البشر، استدعى استنفار المجتمع الدولي والتكاتف بين أبناء البشرية وتعاونها لتأمين الإغاثة للمنكوبين، إضافة إلى ما يشهده العالم من صراعات دامية، ومن تغير مناخي امتد تأثيره إلى جميع الدول وعلى الحياة الإنسانية، وكان حدوثه نتيجة حتمية للممارسات الخاطئة في التعامل مع عناصر البيئة؛ مما أدى إلى اختلالها وفقدها لتوازنها الذي خلقه الله عليها، فكان لزامًا علينا أن نجتمع في إطار التعاون والتكامل لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لضمان حياة كريمة وآمنة للأجيال من بعدنا.
وأوضح أن التيسير في الشريعة لا يعني التفلت حيث إن الشريعة الإسلامية تميزت بأنها شريعة مرنة قادرة على استيعاب المستجدات وظروف العصر المختلفة، فالدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، وقد احتوت من الأصول والمبادئ العامة ما يمكنها من مراعاة مصالح الإنسان في أي وقت مهما اختلفت ظروفه واحتياجاته، ومن هذه المبادئ أنها اعتبرت العمل التكاملي بين المسلمين أولًا ثم بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم من مبادئ وجود أمة الإسلام.
في السياق ذاته أشار نائب مفتي الأردن إلى أن مفهوم التكامل والتعاون بين الأمم في القضايا العامة حيث إنها مشتركة بين كافة الدول، أما القضايا الخاصة فتخص كل أمة أو دولة بعينها.
وأكد أن الإسلام يؤمن بالتنوع والتعدد، وأن الاختلاف آية من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرته، وهذا الاختلاف لا يجوزُ أن يتخذ وسيلةً من أجلِ تمزيقِ الأسرةِ الإنسانية واضطهاد بعضها لبعض، وإنما يجبُ أن يكون وسيلة من وسائلِ التعاونِ البشري والتعارف والتآلف والتلاقي على البرِّ، والتقوى، وبذلك فإن الأصل أن تقوم العلاقة بين الأمم على أساس التعارف والوئام لا على أساس التنازع والخصام.
ولفت النظر إلى أن من أهم مبادئ التعاون والتكامل بين الأمم أن يسود الاحترام بين الأمم والشعوب، وأن تقام العلاقات بين الدول على أساس الاحترام المتبادل وكان هذا الاحترام حاضرًا في مخاطبات النبي صلى الله عليه وسلم لغيره من الملوك والقادة، حيث كان يظهر احترامًا لقدرهم ومكانتهم في مجتمعاتهم رغم الاختلاف في الدين والعقيدة، وهذا يدلنا على أن كرامة الإنسان لا بد أن تكون حاضرة في جميع التعاملات، فالتعاون لا يعني حتمية الانقياد والتبعية، والتكامل لا يعني تسلط القوي على الضعيف أو سلب حقه في الحياة، أو نهب ثرواته واحتلال بلاده وسرقة خيراته، فما نراه اليوم من اختلال في توزيع الثروات وتباين في مستويات الحياة، ونزاعات أهلكت الحرث والنسل، وظهور للفساد في البر والبحر، وتعطل عجلة التقدم على مستوى العالم، إنما يرجع سببه إلى سياسات الاستقواء على الضعيف ونهب ثرواته، وغياب مفهوم التعاون المبني على الاحترام المتبادل والتكامل بين الدول.
وَأضاف أن الله تعالى أمرنا بضرورة تبنِّي مبدأ الاحترام المتبادل بين الناس جميعًا، والتعاون فيما بينهم لما فيه الخير والصلاح ورقي المجتمع، وجلب المصالح لما فيه خير البشرية فقال سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
من أهم أسس التعاون والتكامل بين الناس، إرساء دعائم العدالة الاجتماعية باعتباره الأساس الأول لحفظ السلم العالمي والاجتماعي، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أن الحياة لا تستقيم، وأن الاستقرار لا يتم، وأن النهضة لا تكون إلا بتحقيق العدالة بين بني البشر، فقال سبحانه وتعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فهذا البيان الإلهي يحتِّم على البشرية أولًا إنشاء تعاون وتكامل فيما بينها لإقامة ميزان العدل فيما بينها ودفع الظلم عن الشعوب المظلومة التي تم احتلال بلادها ونهب خيراتها وثرواتها، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَهِدْتُ حِلْفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ لَأَجَبْتُ، رَدُّ الْفُضُولِ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَلَّا يُقِرَّ ظَالِمٌ مَظْلُومًا".
وفى ختام كلمته أكد أن هذه الأسوة الحسنة من المعلم الأول، أثمرت بعد سنوات قليلة أمةً قائدة رائدة، قادرةً على إدارة شؤونها، والتعاون فيما بينها، فلما أصاب المسلمون عام الرمادة، وحلّت بهم الأزمات والكوارث، ظهرت ثمار التعاون التي غرسها فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل عمر بن الخطاب بالرسائل إلى الولاة في الآفاق، وكان المدد الغوث حاضرًا، وتجلّى التعاون بين أبناء الأمة في أسمى وأبهى معانيه، وكان سببًا في إنقاذ أبناء الأمة الإسلامية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: بین الأمم
إقرأ أيضاً:
الأردن يدعو مواطني ومقيمي دول مجلس التعاون الخليجي لاكتشاف روائع المواقع التراثية المصنّفة ضمن قائمة اليونسكو
عمّان : البلاد
دعت هيئة تنشيط السياحة الأردنية الزوّار القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الانطلاق في رحلة استثنائية عبر الزمن، لاكتشاف سبعة مواقع تراثية عالمية مدرجة ضمن قائمة اليونسكو، حيث تمتزج عراقة الأردن بحاضره المشرق في تجربة فريدة من نوعها.
من البترا، المدينة الوردية التي تجسّد عظمة الحضارات القديمة وتُعدّ من أعظم وأغنى المواقع الأثرية في العالم، حيث تتناغم الهياكل المنحوتة في الصخر الرملي الأحمر مع مشهد طبيعي يخطف الأنفاس، إلى وادي رم، حيث تمتد المناظر الطبيعية الخلّابة التي شكلتها عوامل الزمن عبر ملايين السنين، يعيش الزوّار تجربة غامرة بين عجائب لا يطويها الزمن. كما يمكنهم التعرّف على الشعوب التي مرّت عبر هذه الأرض، تاركةً وراءها إرثاً ثقافياً وفنياً يعكس عبقرية الإنسان وإبداعه، فضلاً عن الاستمتاع بالمشاهد الأخّاذة التي صاغتها الطبيعة بأسلوبها الفريد.
وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد الرزاق عربيات، المدير العام لهيئة تنشيط السياحة الأردنية: “تمثل مواقعنا السبعة المصنّفة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو شهادة حية على التنوع الحضاري الذي شكّل هوية الأردن على مدى آلاف السنين. فكل موقع منها يحمل بصمته الفريدة التي تنقل الزوار إلى عجائب الماضي، وتفتح قلوبهم وعقولهم أمام جمال الطبيعة، وإرثنا العريق في مجالات الثقافة والتجارة والعمارة.”
عالم من العجائب… على مقربة منك
بفضل موقعه الاستراتيجي، لا يبعد الأردن سوى رحلة جوية قصيرة عن كبرى مدن الخليج، مما يجعل مواقعه التراثية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو وجهات مثالية للرحلات القصيرة أو لقضاء عطلات نهاية الأسبوع، لتقدم لجميع أفراد العائلة بتجارب ثقافية آسرة. أما عشّاق الطبيعة، فسيجدون في الأردن تنوّعاً مذهلاً من المناظر والمعالم التي يسهل الوصول إليها، ليعيشوا تجربة لا مثيل لها في قلب التاريخ والجمال.
تبدأ الرحلة من البترا، المدينة العريقة الواقعة بين البحر الأحمر والبحر الميت، والتي تمتد جذورها إلى عصور ما قبل التاريخ. كانت هذه العاصمة الصخرية للأنباط مركزاً تجارياً نابضاً بالحياة على طريق القوافل، حيث عبرتها سلع الشرق الثمينة من بخور الجزيرة العربية وحرير الصين وتوابل الهند خلال العصرين الهلنستي والروماني. تتميّز البترا بمعمارها الفريد المنحوت في الصخر، وبممراتها الضيقة وأخاديدها الصخرية التي تمنحها طابعاً ساحراً يأسر القلوب.
أما في جنوب الأردن، فتمتد محمية وادي رم على مساحة 74,200 هكتار، لتأسر الأنظار بمناظرها الطبيعية الاستثنائية، والتي تشكّلت بفعل عوامل الزمن على مدى أكثر من مليون عام. هنا، يلتقي الزائر بتضاريس صحراوية مدهشة نحتتها الرياح والمياه في صخور الحجر الرملي القاري، لتروي قصة تطوّر جيولوجي لا يزال مستمراً في رسم ملامح هذا المشهد الخلّاب.
تأخذنا الرحلة إلى قلب الأردن، حيث تزهو السلط بتلالها الثلاث المتقاربة التي احتضنت على مرّ الزمن مدينة زاخرة بالحياة والتاريخ. لطالما كانت السلط مركزاً تجارياً مزدهراً، تميّزت بتخطيطها العمراني الفريد وبمبانيها المشيّدة من الحجر الجيري الأصفر. خلال العقود الستة الأخيرة من الحكم العثماني، استقطبت المدينة تجّاراً من نابلس وسوريا ولبنان، ما منحها طابعاً اقتصادياً وثقافياً متنوّعاً لا يزال حاضراً في أزقتها وأحيائها العريقة.
وفي الصحراء الأردنية، يقف قصر عمرة شاهداً على عظمة الفن الإسلامي المبكّر، ويٌعد اليوم واحد من أروع مواقع التراث العالمي لليونسكو. شُيّد هذا القصر الفريد في أوائل القرن الثامن الميلادي بجوار وادي البطم، ليكون حصناً عسكرياً يضم حامية، وقصراً ترفيهياً يجسّد روعة العصر الأموي. يشتهر القصر بزخارفه الفريدة، ولا سيّما جدارياته المزخرفة التي تزيّن قاعة الاستقبال والحمّامات، والتي تُعدّ تحفة استثنائية في فنون العمارة الإسلامية المبكّرة، ما يجعله محطة لا تُفوّت لعشّاق الفنون والثقافة.
دعوة لاستكشاف الكنوز الخفيّة وأسرار التاريخ
تظل أم الرصاص من أكثر المواقع الأثرية غموضاً، إذ لم تُكشف بعد كل أسرارها المدفونة تحت الرمال. بدأ تاريخها كمعسكر للجيش الروماني قبل أن تتحوّل إلى مدينة مزدهرة في القرن الخامس الميلادي. واليوم، يدعو الموقع زوّاره إلى الغوص في أعماق التاريخ، ليروي لهم بعضاً من ملامح العصر الروماني والبيزنطي وبدايات العهد الإسلامي (من أواخر القرن الثالث إلى القرن التاسع الميلادي). كما يضم الموقع 16 كنيسة، لا تزال بعض أرضياتها الفسيفسائية تحتفظ برونقها الأصلي، شاهدةً على إرث فني وثقافي خالد.
في قلب السهل البازلتي شمال الأردن، تتربّع أم الجمال باعتبارها أحدث المواقع المُدرجة إلى قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو. تتماهى المدينة الحديثة مع عمقها الأثري العريق، محتضنةً بين طياتها ما يقارب ألفي عام من التاريخ والثقافة، حيث تعاقبت عليها حضارات الأنباط والرومان والبيزنطيين والأمويين والمماليك والعثمانيين وصولاً إلى العصر الحديث. ويمكن للزوّار استكشاف أكثر من 150 معلماً أثرياً محفوظاً بعناية، تكشف عن روعة العمارة الفريدة وأساليب الحياة القديمة التي ازدهرت في هذا الموقع الاستثنائي.
لكل من يبحث عن تجربة روحية عميقة أو يتوق إلى الغوص في صفحات التاريخ الحيّ، يُعدّ موقع المعمودية (المغطس) من أبرز الوجهات التي لا تُفوّت. يقع هذا الموقع المقدّس على الضفة الشرقية لنهر الأردن، على بُعد تسع كيلومترات شمال البحر الميت، ويحتضن هذا الموقع العريق منطقتين أثريتين مميزتين، هما تل الخرار، المعروف أيضاً باسم جبل مار إلياس (جبل النبي إيليا)، ومنطقة كنائس القديس يوحنا المعمدان القريبة من النهر. كما تضم هذه البقعة المقدّسة كنائس، ومعابد، وأديرة، وكهوفاً استخدمها النُسّاك، إضافةً إلى برك مائية كانت تُستخدم في طقوس التعميد، ما يجعلها شاهداً خالداً على إحدى أقدس المحطات الدينية في التاريخ المسيحي.
وأضاف الدكتور عبد الرزاق عربيات، قائلاً: “تمثّل مواقع الأردن المُدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو نافذةً فريدةً على الحقب الزمنية التي صاغت تاريخ المنطقة وأسهمت في تشكيل الأديان والثقافات في هذه البقعة التاريخية من العالم. تتميز هذه المواقع بمرافق حديثة تضمن للزوار تجربة لا تُنسى، ليس فقط لما توفره من معارف قيّمة يقدّمها المرشدون المتخصصون، بل أيضاً بفضل خيارات الإقامة الفاخرة في الفنادق أو المخيّمات الصحراوية، وتنوّع تجارب الطعام الأصيلة، مما يجعلها وجهة مثالية لزوّار دول الخليج الباحثين عن تجارب ثرية ومُلهمة.”
لمزيد من المعلومات حول مواقع الأردن المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو ومساعدتك في تخطيط رحلتك، يرجى زيارة: www.visitjordan.com