د. أحمد بن خلفان البدوي

 

يرى الاقتصاديون حتمية قيام الدول الناشئة والصاعدة صناعيًا نحو إيجاد آليات تحمي صناعاتها الوطنية من الممارسات السعرية غير العادلة التي تقوم بها الواردات الأجنبية في الأسواق المحلية للدول التي ترغب في بناء اقتصاد صناعي، وهذه الممارسات بلا شك تضر بالصناعات الوطنية للدول الناشئة والمتعارف عليه وفقاً لاتفاقية منظمة التجارة العالمية بمصطلح "الإغراق"، وعلى واضعي السياسة الاقتصادية بالدول التي ترغب بناء وتعزيز إنتاجها الصناعي أن يعتمدوا آلية حماية الصناعة المحلية ضمن الممكنات الضرورية عند بناء الاستراتيجيات الصناعية؛ والتأخر في إصدار هذه الآليات سيزيد من مخاطر فشل نجاح هذه السياسات والاستراتيجيات لبناء اقتصاد صناعي.

دعونا نَصف ممارسة الإغراق التي تضر وتهدد وجود الصناعة الوطنية، وفقاً لاتفاقية منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمكافحة الإغراق، فالإغراق وفق مصطلحه التجاري يحدث عند دخول سلعة ما لبلد الاستيراد بسعر أقل من قيمتها العادية أي يتم تصدير السلعة بسعر أقل من قيمتها في السوق المحلية لبلد التصدير، مما يعني في هذه الحالة أن نظام البيع يقابله سعران الأول مرتفع بـ(السوق الداخلي) والثاني منخفض بـ(السوق الخارجي).

نستذكر حُقب وتعاظم النشاط التجاري مع الدول الشقيقة والصديقة وبين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إبان الثورة الصناعية؛ حيث كانت ذروته آنذاك مثلت طرفًا واحدًا من وجهة نظري قد يرجع السبب في ذلك لتأخر التكنولوجيا وعدم وجود القوانين والتشريعات التنظيمية اللازمة باعتبارهما مُجتمعين يُمثلان نقطة الانطلاقة الحقيقية لدخول عالم الصناعة، مما صاحب تلك الحِقب كذلك وجود المنظمات الدولية تمثلت في بناء الاتفاقيات الاطارية بين دول العالم التجاري الأمر الذي أصبح أكثر تنظيمًا يتعايش من خلاله الواقع التجاري لتأمين احتياجات الأسواق المحلية لدولنا من مختلف المنتجات والتي أسهمت بلا شك بدور إيجابي في توطيد العلاقات التجارية التي تمت عبر مذكرات التبادل التجاري كتوجهات دولية مُصانة؛ يقابل ذلك فأن العديد من الدول أصبحا أكثر حرصا في التوجه بتنويع المصادر الاقتصادية لأمنها الوطني وهذا التوجه بطبيعة الحال يتم بمراجعة إحصائيات الميزان التجاري للصادرات والواردات باعتبارها ذات علاقة مباشرة للتجارة البينية بين الدول.

في ذات السياق، ومع توجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعزيز الاستراتيجيات الصناعية الخاصة بها كمنظومة خليجية مشتركة أو بشكل منفرد يضمن التوطين وباعتبار أن الصناعات الوطنية لدولة ما تعتبر مصدر سامِ للتنويع الاقتصادي لانسجامها مع الرؤى المستلقة لدول مجلس التعاون الخليجي التي هي حيز التنفيذ. وباعتبار أيضا أن الصناعات الوطنية في المقام الأول تعتبر الهدف الاستراتيجي المُصان في حالة وجود تقلبات وتكتلات قد تحدث أو تنشأ لأية صراعات جيوسياسية اقتصادية، وبلا شك فان منتجات ذات المنشأ الخليجي مع بداية العقد الثاني من هذا القرن مثلت حراكا تجاريا في الأسواق الخليجية ومع اتساع حجم الصادرات مع دول العالم التجاري ساهم ذلك بدوره في زيادة الناتج المحلي الإجمالي والذى بلغ العام 2022 ما نسبته 7.3%، إلا أن هناك ثمة أثار تمثل خطورة وتواجه تمكين الصناعات الخليجية الوطنية تُنتهج من قبل بعض من دول الجوار باعتبار نتشارك ضمن محيطها التجاري نظير حركة التبادل التجاري المتزايدة؛ حيث ما زالت تسيطر الكثير من المنتجات حضوريا من خلال تدفقها الى أسواقنا الخليجية؛ مما أصبح المستثمرين في القطاع الصناعي يعانون الى حد كبير من وجود منتجات تنافس منتجاتهم الوطنية بأسعار أقل.

وبطبيعة الحال نتفق على أن هذا الاتجاه قد بات يحكمه رغبة المستهلك ونظرته لسعر المنتج أكان رديفاً أو بديلا بعيدا عن معايير الجودة، أيضا هناك توجه هو الأخر ما زال يمثل تحديا كبيرا من قبل الدول الصناعية التي ما زالت تعيش النزعة الاستعمارية ولكن هنا قد يختلف الامر؛ حيث أصبح هذا التوجه يُدار من منظور اقتصادي وأن جاز التعبير نطلق عليه "الاستعمار الاقتصادي"؛ باعتبار أن واردات تلك الدول تعبر خطوط التجارة الدولية أو ارتكزت صناعيا في تلك الحُقب الاستعمارية وتوسعت في المنطقة وغطت الأسواق الناشئة من دولنا يعود السبب نقص وتأخر التكنولوجيا أو الإمدادات اللوجستية، هذا ومن خلال ما أسلفناه يتبين أن هناك تنافسا غير متوازن بين المنتجات الخليجية/ الوطنية الناشئة والمستوردة، وتسبب ذلك في وجود ممارسات ضارة بأشكال عديدة ومختلفة، ومثالا على ذلك إغراق الأسواق الخليجية بمنتجات السيراميك والبطاريات والألمنيوم وورق الكرتون وغيرها تلك القادمة من بعض الدول الصديقة؛ الأمر في هذا الجانب تم فيه إجراءات واتخاذ قرار قام به المكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة الذى يتخذ من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مقرا له.

إنَّ تدني الواقع الصناعي لبعض المنتجات الوطنية للقطاعات الناشئة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أثر ذلك من وجود ممارسات ضارة مع أنها تمتلك المقومات الجغرافية الكافية وسلاسل الإمداد من المواد الخام والكثافة السكانية ويرجع السبب في ذلك بوجود عاملين الأول: ضعف يقين صناع القرار من فعالية الية مكافحة الإغراق كآلية فعالة لحماية الصناعة الوطنية، والثاني: ضعف وعي الصناعة الوطنية بآلية مكافحة الاغراق؛ مما أدى الضعف في هذا الإطار أن تلك الدول ما زالت تسيطر وتمارس وجدانية قصوى في السوق المحلي وقد باتت تتحكم وارداتها اقتصاديا على الرغم من وجود صناعات وطنية مماثلة وأفضل جودة مما قد يتعجب الكثير منا! السؤال هنا هل السوق المحلي بحاجة فعليا لتغطية قلة العرض أم ماذا؟

هنا يجب أن يَعي واضعو السياسة الاقتصادية أن يكون تدفق المنتجات المستوردة ليس على حساب الصناعات الخليجية الوطنية المتداولة أكانت لمنتجات رديفة أو مماثلة، باعتبار أن المحيط الاستثماري عند بناءه أو المضي في توطين الصناعة قد كلف أو يكلف الدولة البنى التحتية ممثلة بتهيئة المناخ الاستثماري الآمن وسن التشريعات اللازمة أكان ذلك التوطين في المناطق الصناعية أو الاقتصادية الخاصة أو الحرة، ومن جانب مماثل وهو الذى لا يقل أهمية مراعاة وفهم مسار المستثمرين الذين تقوم استثماراتهم على البرامج التحفيزية تلك المنبثقة من الفرص الاستثمارية ففي هذا الجانب يجب أن تنتهج الدول مسارا تصحيحيا لما بعد التوطين الحقيقي للصناعات الوطنية كبُعد استراتيجي ومنحة الغطاء والأرضية كنظرة مستقبلية مستدامة، وبلا شك فإن هذه النظرة أصبح واضعي السياسة الاقتصادية يدركونها تماما فحريا أن تتم من خلال أجهزة تشاركية تنظيمية وفنية عند وضع وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط.

وللحديث بقية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اعتماد 26 مشروعا مصريا ضمن برنامج التعاون عبر الحدود لدول المتوسط

أعلنت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، نجاح جهود التنسيق الوطني التي قادتها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بالتعاون مع الجهات الوطنية المعنية، في تعزيز استفادة مصر من 26 مشروعًا بالمرحلة الأولى من برنامج التعاون عبر الحدود لحوض البحر المتوسط INTERREG NEXT MED، والتي تتضمن 60 مشروعًا تستفيد منها مختلف دول منطقة المتوسط، بتمويلات إجمالية 134 مليون يورو، منها 119 مليون يورو تمويل من الاتحاد الأوروبي.

غرفة صناعة الأخشاب: فرصة كبيرة لزيادة صادرات الأثاث المصرية بعد غلاء المنتج التركيتعاون بين العامة للاستثمار ومحافظة الجيزة للترويج للفرص الاستثماريةتعزيز التنمية الإقليمية بدول منطقة المتوسط

وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط، أنه من المقرر أن يتم المشروعات الـ26 في مصر وعدد من الدول الأخرى وذلك في إطار النهج الذي يتبعه البرنامج من أجل تعزيز التنمية الإقليمية بدول منطقة المتوسط، لافتة إلى أن البرامج والمشروعات تتنوع في قطاعات تنموية متعددة من بينها تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، السياحة، التعليم، البحث العلمي، التنمية التكنولوجية، الابتكار، والإدماج الاجتماعي.

المشروعات تهدف لمكافحة تغير المناخ

وعلاوةً على ذلك، ونظرًا للتحديات البيئية المتزايدة، فقد تضمنت المشروعات الممولة مبادرات تهدف إلى مكافحة تغير المناخ، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وإدارة المخلفات، وتطوير الطاقة المتجددة، ودعم الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.

يأتي ذلك في إطار الشراكة الوثيقة بين جمهورية مصر العربية والاتحاد الأوروبي، والجهود المبذولة من أجل تعزيز التعاون الإقليمي من خلال برنامج برنامج التعاون عبر الحدود لحوض البحر المتوسط INTERREG NEXT MED.

وأضافت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، باعتبارها المنسق الوطني للبرنامج، قامت بتنظيم عدد من الجلسات المعلوماتية الهادفة إلى تحفيز الجهات المختلفة على التقدم بمشروعات والاستفادة من الفرص التمويلية المتاحة. وتزويد الجهات المعنية بالمعلومات اللازمة حول كيفية التقديم وإعداد مقترحات المشروعات للدعوة الثانية.

 ١٨ جهة مصرية تستفيد من تمويل المشروعات

وذكرت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أنه من المقرر أن تستفيد ١٨ جهة مصرية من تمويل المشروعات ضمن هذه المرحلة حيث أن بعض الجهات المصرية شاركت في أكثر من مشروع فائز بالتمويل، ومن بينها وزارة الموارد المائية والري، وجمعية سيكم للتنمية، واتحاد منظمات الأعمال المصرية الأوروبية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، والجامعة البريطانية في مصر، بالإضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني التي لعبت دورًا محوريًا في تنفيذ المشروعات.

ويجري تنفيذ البرنامج من خلال ثلاث دعوات للمشاركة، حيث انتهت الدعوة الأولى بنجاح، في حين أن الدعوة الثانية لا تزال مفتوحة للتقديم حتى 15 أبريل 2025.

وتتمثل أولوية هذه الدعوة في تحقيق نتائج خضراء وتعزيز نهج شامل للاستدامة البيئية، الأمر الذي يعكس التزام الدول الشريكة بتحقيق تحول اقتصادي مستدام وصديق للبيئة. يمكن التقدم للدعوة الثانية من خلال الرابط التالي:

‏ https://www.interregnextmed.eu/apply-for-funding/second-call-for-proposals/

ويُنفذ البرنامج على مستوى دول البحر المتوسط، حيث تشمل قائمة الدول المشاركة مصر، وتونس، ولبنان، وفلسطين، والأردن، إلى جانب سبع دول أوروبية، وهي فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، اليونان، قبرص، مالطا، والبرتغال.
وعلاوةً على ذلك، فإن المحافظات المصرية المؤهلة للاستفادة من التمويل تشمل القاهرة، كفر الشيخ، الدقهلية، الإسكندرية، الشرقية، مرسى مطروح، بورسعيد، البحيرة، الإسماعيلية، ودمياط، مما يتيح فرصًا واسعة لتنفيذ مشروعات تنموية في مختلف القطاعات الحيوية.
يعتبر برنامج التعاون الإقليمي الأوروبي لحوض المتوسط (Interreg NEXT MED) الجيل الثالث لأحد أكبر مبادرات التعاون التي يمولها الاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون عبر الحدود في منطقة المتوسط.
ويهدف البرنامج إلى المساهمة في التنمية الذكية والمستدامة والعادلة لجميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط ​​من خلال دعم التعاون المتوازن وطويل الأمد وبعيد المدى والحوكمة متعددة المستويات. تتمثل مهمة البرنامج في تمويل مشاريع التعاون التي تعالج التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والحوكمة المشتركة على مستوى البحر الأبيض المتوسط ​​مثل استيعاب التقنيات المتقدمة، والقدرة التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص العمل، وكفاءة الطاقة، والإدارة المستدامة للمياه، والتكيف مع تغير المناخ، والانتقال إلى اقتصاد دائري وفعال في استخدام الموارد، والتعليم والتدريب، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك.

للتعرف على قائمة المشروعات التي تم اختيارها للمرحلة الأولى:-

‏https://www.interregnextmed.eu/interreg-next-med-programme-adopts-60-projects-for-a-stronger-mediterranean-region/?sfnsn=wa

مقالات مشابهة

  • الحد الأدنى للأجور: ما هي الدول الأوروبية التي شهدت أعلى الزيادات؟
  • أيرلندا.. مسافر غاضب يحطم معدات بمطار دبلن بعد فوات رحلته
  • مدبولي: مصر من أوائل الدول التي وقعت على أهداف التنمية المستدامة عام 2015
  • ما تأثير تعريفات ترامب الجمركية؟.. «فيتش» تتوقع نتيجة التعامل التجاري على الدول
  • مدبولي: استعدادات أمنية ولوجستية على أعلى مستوى بافتتاح المتحف المصري الكبير.. نواب: الحدث الأهم عالميًا.. ونقلة نوعية لدعم الصناعات الوطنية
  • أثر جانبي صادم لـ”أوزمبيك” لا يُلاحظ إلا بعد فوات الأوان
  • حمدان بن محمد يشارك مجندي الخدمة الوطنية طعام الإفطار ويشيد بدورهم في حماية الوطن
  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • وزير الزراعة: زيادة التبادل التجاري مع الولايات المتحدة وتشجيع الاستثمارات لتحقيق الأمن الغذائي
  • اعتماد 26 مشروعا مصريا ضمن برنامج التعاون عبر الحدود لدول المتوسط