وجه الأستاذ الدكتور أحمد زاهر، وزير الشؤون الإسلامية في جمهورية المالديف، الشكر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومفتي الجمهورية والقائمين على تنظيم مؤتمر الفتوى الثامن وتحديات الألفية الثالثة، لجهودهم المبذولة في اتحاد كلمة الأمة الإسلامية في المسائل الفقهية والاهتمام بالبحث عن التحديات التي تواجه العالم وجهودهم في التغلب عليها.

 

مفتي البوسنة والهرسك: يجب أن تستند الفتوى إلى حقائق ومعارف ثابتة وزير الأوقاف: قصف مستشفى المعمداني سيظل جريمة إنسانية لا يمحوها الزمن

وأضاف خلال كلمته في فعاليات جلسة الوفود الرسمية، بالمؤتمر العالمي الثامن للإفتاء، أننا بحاجة ماسة إلى نشر الفكر الصحيح والعلم الصحيح بين أبناء الأمة، فقد عانى العالم وعانت الشعوب كثيرا بسبب النزاعات والحروب السياسية والأفكار الخاطئة، لأن أغلب النزاعات والحروب تنشأ عادة من تصورات خاطئة عن عقائد وأفكار الآخرين، أو من تفسير الدين وفهمه من خلال تصرفات بعض الأفراد الذين حادوا عن طريق الحق، ويجب علينا أن نتعامل مع هذه القضية بدقة وعمق وحذر، حتى لا نحمل الأديان والثقافات وزر هذه التصرفات البغيضة التي لا يمليها عقل ولا دين بأي حال من الأحوال ومن هنا تأتي العلاقة المهمة بين الفتوى والتصورات الخاطئة والأفكار الهدامة، فهذا الشر الخطير الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية يحتاج إلى مواجهته والقضاء عليه، ولذلك فالأفكار الخاطئة تحتاج إلى بحث إفتائي جاد من أجل الخروج بأفضل الاختيارات الفقهية من الكتاب والسنة النبوية. 

وتابع: عند ما رأيت عنوان هذا المؤتمر وهو "الفتوى وتحديات الألفية الثالثة" رأيت أن الموضوع مهم جدا لنبحث عنه ونتبادل الآراء فيه، لأن التحديات التي تواجه المسلمين في هذا العصر المتطور لم تكن تخطر ببال أحد منا، فكل يوم تحدث حادثة تولد مسائل جديدة، ونحن نحتاج إلى حل لها، ولا شك أن العلماء هم من يقومون بقيادة الأمة المسلمة إلى طريق الخير والسلامة.

وأكد أن في مثل هذه المؤتمرات ننظر إلى الحوادث جملة وتفصيلا لنتمكن من وضع منهج يفيد في المستقبل، وهذا الاجتماع يذكرنا بأسلوب أبي بكر، عندما عرضت عليه مسألة جديدة، والرواية ذكرها العلماء وإن كان في سندها ضعف، أذكرها للاستئناس بها، كما روي أن أبا بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الأمر سنة قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذى جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة من النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به". وكذلك ما روي عن علي بن أبي طالب -وفيه ضعف كذلك- قال: قلت: يا رسول الله! الأمر ينزل بنا بعدك، لم ينزل به القرآن ولم نسمع فيه منك شيء؟ قال: اجمعوا له العالمين، أو قال العابدين، من المؤمنين واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد.  

تطوير المنظومة الإفتائية في ضوء التحديات المستجدة

وأوضح أن من مقاصد هذا المؤتمر -كما تعرفون - تطوير المنظومة الإفتائية في ضوء التحديات المستجدة التي تواجه المسلمين والعالم في مطلع الألفية الثالثة، يفهم من العنوان أمران مهمان -فيما أعرف والله أعلم- وهما أولا: ما يتعلق بالفتوى في عصرنا الحاضر، وثانيا: ما يتعلق بالفتوى فيما يحدث في المستقبل، وهذا الأمر يتعلق بأبنائنا الذين يأتون بعدنا، قائلا: "أنا شخصيا أعترف بأهمية هذا المؤتمر، ولكن من يضمن لنا في المستقبل ما يحدث لأبناء المسلمين، ولا بد أن نوجه أنظارنا إلى الجيل الذي سيأتي في المستقبل كما أشرت، لأنهم سيبتلون بما ابتلينا في مثل هذه التحديات، والمهم أن نبحث عن الحل لهم كذلك، والحل هو أن نعد جيلا علميا مثل ابن جرير الطبري والإمام البخاري وأئمة المذاهب الأربعة، وهؤلاء العلماء استنبطوا القواعد والأصول والمسائل الفقهية من القرآن والسنة، لأنهما أساسان لهذا الدين كما رواه الإمام مسلم "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله.." الحديث.
والسنة تفسر القرآن، كما قال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم..."، وهنا يقول قائل: كيف يكفي الكتاب والسنة، والزمن تطور والناس يطيرون في الهوى والفضاء، والمسائل الجديدة تواجهنا كل يوم وأبناؤنا يبتعدون عن الدين شيئا فشيئا؟!
ونرد بأن القرآن منزل من عند الله، والسنة هي الوحي، وإن الكتاب والسنة مصدران قديمان، وهما قديمان في النزول، لكنهما جديدان لحل المسائل الجديدة والحديثة، لأن الذي أنزل الوحي أعلم بما سوف يحدث في المستقبل، وفي أي وقت سيحدث وأين يحدث، فلا يقبل العقل أن ينزل بوصفه منهجا متكاملا لحياة الإنسانية وليس فيه حل له. 

كما ذكر مجموعة أمثلة، من بينها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الآتي، عن الدجال الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه: "قلنا يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما؛ يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم». قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له قدره ». ولو خرج في زمن النبي أو بعده، وهل يمكن أن يقدروا الوقت والشمس مرتفعة، ولكن الله تعالى يعلم بأن الساعة (التي تبين لنا الوقت) سوف توجد وقت خروج الدجال، وتقدير الوقت لا يكون صعبا على المسلمين حينئذ. 

ومثل هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام النسائي وصححه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وهو: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة..." والساعة (التي تبين لنا الوقت) وجدت فيما بعد، وموجد الساعة جعل اليوم اثنتي عشرة ساعة وفق الحديث، وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخطبة كما رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي»، ولم يقل السهم أو الرمح بل أخرج الله سبحانه وتعالى من فمه -صلى الله عليه وسلم- ما هو شامل بما سوف يوجد في المستقبل. 

وأكد أن الوحي شامل لما في المستقبل، والمهم أن نعد جيلا علميا يستطيع أن يستنبط الحل للتحديات. لأن الله سبحانه أخبر بأن الذي يفعله هم العلماء كقوله تعالى: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم"، والآية عامة. 
وإذا نظرنا إلى القرون السابقة ومنهجهم في الحوادث الجديدة، نرى أنهم اهتموا بها وأخرجوا المسلمين منها مستنبطين من القرآن والسنة، فالمهم أن نسلك سبيلهم في التغلب على التحديات، والبحث عن حلها، يقول الشاعر:
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب، لعلك تهديك القرون الأوائل

وفي ختام كلمته أكد أنه علينا أن نعد جيلا علميا حتى يصلوا إلى درجة من العلم يستطيع بسهولة التغلب على التحديات الألفية الثالثة، وهذه المسئولية ستتحملها الجامعات الإسلامية، وهنا يسأل: هل تخرج الجامعات مثل المجتهدين السابقين أم لا؟ وإن قلنا نعم، فأين هؤلاء؟ والأكثر مشغول في تصحيح كتب القدامى أو تشريحها أو الرد عليها، وإذا لم نتمكن من الاستنباط، فعلينا أن نتبع منهج المجتهدين في الاستنباطات بدون تعصب للمذهب، ومن ثم تبدأ واجباتنا، وهي تخطيط منهج متكامل للتدريس يشمل العلوم الدنيوية والدينية، ثم نرغب الطلاب المتفوقين في العلم ونتيح لهم الفرص للتعلم، وهذا إضافة إلى ما سنبحثه هنا في هذا المؤتمر.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مؤتمر الفتوى مؤتمر الإفتاء الثامن تحديات الألفية الثالثة المالديف صلى الله علیه وسلم الألفیة الثالثة هذا المؤتمر فی المستقبل رسول الله

إقرأ أيضاً:

جمعة: "رسول الله ربّانا على القوة والمبادئ السامية"

أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا إلى قيم القوة والسعي للارتقاء بالنفس والمجتمع، وشدد على أن العجز مرفوض في الإسلام، خاصة إذا كان مرتبطًا بالتقصير في عبادة الله أو عمارة الأرض، ورغم ذلك، فإن المؤمن العاجز خير عند الله من الفاجر القوي، لأن المؤمن يمتلك القيم والأخلاق التي تعزز الحضارة الحقيقية.

العجز والقوة: رؤية إسلامية متوازنة

أوضح جمعة أن الإسلام يدعو إلى الجمع بين الإنجاز والقيم، مشيرًا إلى أن الإنجاز الذي يخالف الأخلاق والقيم مرفوض تمامًا. وأضاف أن الإنجاز الحقيقي يتطلب الالتزام بالمبادئ والثوابت، وليس فقط تحقيق النجاح المادي أو الظاهري. وذكر أن الأمم السابقة، مثل قوم عاد، وقعوا في فخ الغرور بإنجازاتهم، كما ورد في القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)،

مشيرًا إلى أن نبي الله هود عليه السلام حاول تذكيرهم بأن نعم الله تزيد بالإيمان والتقوى، لكنهم تمسكوا بباطلهم وقالوا:

(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الوَاعِظِينَ).

التوازن بين الكم والكيف

أكد الدكتور جمعة أن الإسلام يُعلي من شأن الكيف على الكم، والقيم الإنسانية على الإنجازات المادية. وأوضح أن المسلم الحقيقي هو من يقدّم التقوى على الإنجاز، ويراعي حقوق الإنسان قبل بناء المنشآت.

وما ترك الله لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فلما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .

رسالة للمسلمين اليوم

اختتم جمعة حديثه بالدعاء أن يرزق الله المسلمين الرشد والصواب في أعمالهم، ويحقق التوازن بين الإنجاز المادي والروحي، مشددًا على أهمية تقديم القيم الإنسانية والدينية كمعيار أساسي للنجاح والتقدم.

مقالات مشابهة

  • عالمة أزهرية لـ«ياسمين عز»: خمسة وخميسة لمنع الحسد خرافات
  • الإيمان والعلم
  • هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة بعد غروب شمس الخميس؟ اعرف الوقت الصحيح
  • جمعة: "رسول الله ربّانا على القوة والمبادئ السامية"
  • «أوقاف كفر الشيخ» تطلق قافلة دعوية في مركز بيلا لنشر الفكر الوسطي
  • كيفية إحسان الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام
  • محافظ شمال سيناء يشيد بالدور الأوقاف في نشر الفكر الوسطي الصحيح
  • مفتاح الجنة: عبادة بسيطة تقربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • احصل على ثواب صلاة الجماعة خلف رسول الله في دقائق.. اعرف هذه العبادة
  • مشروب محرم في الأفراح يخسف بك الأرض ويمسخك قردا أو خنزيرا.. فاحذره