تجربة أرضية تمهد لبنية تحتية قمرية.. السر في الليزر والغبار
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
قبل 385 عاما، تطورت فكرة إنشاء مستعمرة على القمر، عندما كتب القس والفيلسوف والعالم الموسوعي الإنجليزي جون ويلكينز عام 1638 خطابا عن عالم جديد وكوكب آخر، تنبأ فيه بمستعمرة بشرية على سطح القمر.
وأصبح العالم الآن أقرب من أي وقت مضى باتجاه هذا الحلم، بعد أن حددت وكالة الفضاء الأميركية عام 2028 موعدا لتحقيقه، لكن تظل هناك تحديات خطيرة تهدد هذا المشروع، وفي مقدمتها الغبار القمري الذي تسبب في إفساد مهام فضائية سابقة، وهي المشكلة التي وضع فريق بحثي ألماني حلا محتملا لها في دراسة نشرتها يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري دورية "ساينتفيك ريبورتس"، وأظهرت إمكانية إذابة غبار القمر باستخدام الليزر، لإنشاء طرق معبدة ومناطق هبوط.
تقول ميراندا فاتيري، من كلية الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد بجامعة آلين الألمانية والباحثة المشاركة بالدراسة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، إن "سطح القمر مغطى بغبار ناعم ومشحون كهربائيا وكاشط ومغناطيس، ويمكنه الالتصاق بالبدلات الفضائية، والمركبات الجوالة، والمعدات، مما يشكل تحديات ومخاطر محتملة".
وتضيف "كانت فكرتنا هي استخدام الغبار نفسه لإنشاء الطرق المعبدة، التي تسهم في تقليل المشكلات المرتبطة به، من خلال توفير سطح أكثر سلاسة وتحكما للتنقل، مما يؤدي في النهاية إلى حماية البنية التحتية القمرية وإطالة عمر المعدات".
ولأنه لا يوجد غبار قمري يمكن للباحثين استخدامه لإثبات فكرتهم، قام الباحثون بتجربة مادة دقيقة الحبيبات تسمى "إي إيه سي- 1 إيه" ( EAC-1A)، طورتها وكالة الفضاء الأوروبية لتكون بديلا للتربة القمرية، واستخدموا شعاع ليزر بقطر 50 ملم لتسخين الغبار إلى نحو 1600 درجة مئوية وإذابته، ورسموا أشكالا مثلثة منحنية، يبلغ عرض كل منها نحو 25 سم، يمكن أن تتشابك لإنشاء أسطح صلبة عبر مساحات كبيرة من التربة القمرية، لتكون بمثابة طرق ومنصات هبوط مستقبلية.
وكما أوضح الباحثون في دراستهم، لم تكن تلك العملية سهلة، إذ استغرق إنتاج كل وحدة هندسية صغيرة نحو ساعة، مما يعني أن إنشاء مكان هبوط بمساحة 10 × 10 أمتار سيستغرق نحو 100 يوم.
ولتجاوز مشكلة تكلفة نقل مواد البناء من الأرض إلى القمر، اهتم الباحثون بدراسة كيفية إعادة إنتاج هذا النهج على القمر باستخدام الموارد المتاحة، وهي الشمس بدلا من أشعة الليزر.
وتوصل الباحثون إلى أنه يجب نقل عدسة تبلغ مساحتها نحو 2.37 متر مربع من الأرض لتعمل مكثفا لأشعة الشمس بدل الليزر، ويمكن أن تكون العدسة مصنوعة من رقائق البوليمر التي يمكن لفها، مما يسهل نقلها.
ولأن الغبار سيظل يمثل مشكلة بالنسبة للعدسة نفسها عندما يتراكم عليها، اقترح الباحثون أنه يمكن استخدام عدسة الاهتزاز، بما قد يساعد في تخفيف هذه المشكلة.
الخطوة التالية من الدراسةوإذا كان من السهل على الباحثين تخيل المشكلات واقتراح الحلول لها، تبقى هناك مشكلة واحدة يصعب توفير حلول لها على الأرض، وتحتاج لتجهيزات من نوع خاص.
يقول خوان كارلوس جينيس بالوماريس، من كلية الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد بجامعة آلين الألمانية، والباحث المشارك بالدراسة في تصريحات خاصة للجزيرة نت، إن "التجربة أجريت في بيئة الجاذبية الأرضية، ولكننا إذا أردنا جلب هذه التقنيات إلى القمر يوما ما، فيجب اختبار المعدات في الظروف القمرية (على وجه التحديد، غياب الهواء والجاذبية القمرية)، وهذه ما سنفعله في دراستنا التالية".
ويضيف "سنعالج التصنيع في ظروف الجاذبية المنخفضة الشبيهة بالقمر، من خلال القيام برحلة استكشافية خالية من الجاذبية، وهي رحلات متاحة لمن يرغب في تجربة أحاسيس انعدام الوزن التي يعيشها رواد الفضاء".
ويعد نجاح هذه التجارب، ليس فقط في استخدام الغبار القمري لإنشاء طرق معبدة على سطح القمر، ولكن يمكن توظيفه في أكثر من اتجاه، كما يؤكد بالوماريس.
ويقول "يمكن تحويل غبار القمر إلى مادة صلبة مدمجة مناسبة للبناء بعدة طرق، إذ يمكن تلبيده لتشكيل الطوب، ويمكن أن يذوب ويتصلب بسرعة لتشكيل الزجاج، كما يمكن استخدامه لتكوين الإسمنت القمري، كما فعل باحثون في دراسات أخرى".
وقد نجح فريق بحثي من مختبر جامعة "قوانغشي" الصينية لمعالجة موارد البتروكيماويات، في استخدام رماد بركاني شبيه بالغبار القمري لتصنيع الإسمنت في بيئة تجريبية تحاكي ظروف القمر، وتم الإعلان عن نتائج هذا العمل في دراسة نشرتها دورية "جندوانا ريسيرش" أبريل/نيسان 2017.
وفي تجربة أحدث، نجح فريق بحثي من المعهد الهندي للعلوم في إثبات إمكانية استخدام الغبار القمري لتصنيع الطوب الفضائي الاصطناعي، وتم نشر النتائج في أغسطس/آب العام الجاري في موقع ما قبل نشر الأبحاث "أركايف".
وعن القيمة الاقتصادية والعلمية لإنشاء طرق معبدة ومنصات هبوط على القمر كجزء من تطوير البنية التحتية القمرية للمهمات البشرية المستقبلية، تقول ميراندا فاتيري إن "القمر يعد موقعا مثاليا لإجراء التحقيقات العلمية وتوسيع فهمنا للكون، ويمكن أن يوفر تركيب التلسكوبات والأدوات العلمية على سطحه مناظر فريدة وخالية من العوائق للفضاء، وخالية من الغلاف الجوي للأرض، مما يجعله موقعا جذابا للبحث الفلكي".
وتابعت "يمكن أيضا أن يكون القمر بمثابة محطة توقف حاسمة للمهمات المتجهة إلى المريخ وما بعده، ويمكن أن يكون بمثابة محطة للتزود بالوقود أو نقطة انطلاق لمزيد من استكشاف الفضاء السحيق".
وتضيف أنه "لتمكين وجود بشري مستدام على القمر، لتنفيذ هذه المهام، تعد البنية التحتية ضرورية، إذ تتطلب القواعد أو الموائل القمرية طرق نقل ومواقع هبوط موثوقة، لتسهيل حركة المعدات والمركبات والإمدادات، مما يجعل العمليات القمرية أكثر كفاءة واستدامة".
عوائد اقتصاديةوإضافة لهذه العوائد البحثية، هناك عوائد اقتصادية يشير إليها بالوماريس، وتتمثل في أنه" خلال الآونة الأخيرة، أصبحت السياحة الفضائية تستحوذ على اهتمام مزيد من الشركات، ومن ثم لا بد من تأمين طرق نقل ومواقع هبوط موثوقة، ولتنفيذ ذلك، هناك حاجة إلى استخدام المتاح بالقمر، وهو الغبار السائب".
ويقول إنه "بتنفيذ ذلك، تتحقق فائدة أخرى، وهي تقليل خسائر المهام الفضائية، إذ أفسد الغبار بعض المهام السابقة، مثل مهمة المركبة الفضائية الأميركية (سيرفيور 3)، التي تم إطلاقها في أبريل/نيسان عام 1967 وتضررت بسبب الغبار القمري، لذلك، فإن التغلب على هذا التحدي أولوية بالنسبة لوكالة ناسا، التي تهدف إلى إنشاء موقع استيطاني دائم على سطح القمر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: على سطح القمر على القمر ویمکن أن یمکن أن
إقرأ أيضاً:
عن مانشستر سيتي المخترق وبيب غوارديولا الإخواني
واخيرا أميط اللثام عن الحقيقة الكامنة وراء التراجع المهول لنتائج فريق مانشستر سيتي الإنجليزي بعد الموسم الخيالي الذي بصم عليه العام الماضي، مما وضع الفيلسوف الإسباني بيب غوارديولا في وضعية صعبة لخصتها لقطته الشهيرة بخدش وجهه متعمدا وهو يرثي ما حل بفريقه المثخن والمرصع بالنجوم من شتى الجنسيات.
يقال إن "غلطة الشاطر بألف"، ذلك ما أثبته الفتى الذهبي الجديد للكرة المصرية عمر مرموش المنتقل حديثا صوب العملاق الإنجليزي أملا في انتشاله من غفوته وإيقاظه من سباته العميق الذي حوّله لضحية يتلذذ الخصوم بافتراسها من باب رد الصاع صاعين وانتهاز الفرصة، فإذا هبت رياحك فاغتنمها وقد لا يتكرر مشهد ترنح السيتي ومدربه الداهية كثيرا، لذلك كان الجميع متحمسا وجاهزا بالمرصاد لتوجيه الضربات تلو الأخرى لكتيبة بيب.
عمر مرموش يكشف السر الدفين:
نعم بعد أن نجح في إحراز أول هاتريك في مسيرته الكروية وأيضا أول أهدافه بالقميص السماوي، لم يتوان مرموش في الكشف عن عشقه لأسطورة الكرة المصرية والنادي الأهلي أمير القلوب محمد أبو تريكة، حيث صرح في لقاء مباشر معه على قنوات بين سبورتس بأنه قدوته ومثله الأعلى، ومن هذا المنطلق أصر على ارتداء القميص رقم 22 مع منتخب الفراعنة كدليل على حبه له.
هذا "الاعتراف" المدوي أحدث رجة عنيفة في المحروسة إعلاميا وسياسيا؛ ومن هذا المنطلق انكشف السر الذي كان يجهله الجميع ويلخص معاناة الفريق الإنجليزي هذا الموسم الكامن في كونه "مخترقا إخوانيا" وبأن لعنة هؤلاء حلت بالنادي وأدت لتواضع نتائجه وتقهقره للمركز الخامس، وأيضا اضطراره للعب الملحق في دوري أبطال أوروبا رغم كونه بطل النسخة الأخيرة؛ ليس هذا فقط بل أضحت هناك شكوك ملموسة حول علاقة المدرب الإسباني بتنظيم الإخوان المسلمين. والسؤال المطروح: كيف ظل السر متواريا عن الجميع رغم أن "اللوك" الأخير له يحمل دلالات واضحة على ذلك؟
غوارديولا الإخواني:
وكي نجد تفسيرات "منطقية" للواقعة يكفي أن نعود لموقف غوارديولا المثير للشبهات خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة الصامد، حيث صرح دون حياء ولا خجل في أحد المؤتمرات الصحفية: "هذا العالم مليء بالظلم، كل شخص ينظر لمنزله فقط ويغض بصره عما يحدث لجاره. انظر لما يحدث اليوم حول العالم، ونحن نجلس هنا لا نفعل لهم شيئا، الظلم أمامك، أنت تشاهده بدون أي ردة فعل، ويوما ما سيأتي إلينا".
فماذا كان يقصد بهذا الكلام يا ترى؟ هنا دليل آخر أكثر كارثية، وهو الموقف الخاصة بابنته ماريا التي تجاهر علنا بدعم القضية الفلسطينية وصفحاتها على السوشال ميديا زاخرة بالبيانات والصور؛ حتى أنها أثناء احتفال والدها بتتويج فريقه العام الماضي بلقب الدوري الإنجليزي لم تتوان عن ارتداء الكوفية الفلسطينية وهي تقف بجانبه؛ فهل تريدون دلائل أخرى على تبني فيلسوف كرة القدم لآراء "الإخوان المسلمين"؟
جولة ساخرة واختصارا للعقلية السائدة لدى بعض وسائل الإعلام الرسمية العربية عموما التي تتنفس عشق نظريات المؤامرة وحبك القصص السخيفة ونسجها في سياقات مضحكة مسيئة للغاية، بدل الاحتفال بوجود لاعب مصري عربي مكافح تسلق سلم النجاح وثابر وقهر المطبات منطلقا من بلده صوب النجومية والعالمية ليصبح نموذجا يحتذى به؛ لم يستسلم لكبوة البداية
لكن الأسئلة الملحة اليوم وفي ظل انقشاع الغمة واتضاح الرؤية؛ كيف سيتعاطى ملاك النادي الإنجليزي التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة مع هذه المستجدات الحساسة التي تهدد مكانة الفريق وأيضا تؤثر بالسلب على سمعته في القارة العجوز وبين منافسيه محليا؟
بعيدا عن الكوميديا السوداء:
كانت هذه جولة ساخرة واختصارا للعقلية السائدة لدى بعض وسائل الإعلام الرسمية العربية عموما التي تتنفس عشق نظريات المؤامرة وحبك القصص السخيفة ونسجها في سياقات مضحكة مسيئة للغاية، بدل الاحتفال بوجود لاعب مصري عربي مكافح تسلق سلم النجاح وثابر وقهر المطبات منطلقا من بلده صوب النجومية والعالمية ليصبح نموذجا يحتذى به؛ لم يستسلم لكبوة البداية وتحديدا حين وصل ألمانيا وهو لا يتقن لغتها مطالبا بالانخراط في محيط جديد صعب ومعقد؛ لكنه قاوم وتحلى بعزيمة فولاذية ونجح في كسب الرهان بل والوصول لأكبر الأندية العالمية وأضحى مطلبا لأشهر مدربيها.
هذا النموذج يستحق الدعم والإشادة لا تأليف الأكاذيب والاشاعات حوله والسعي لتوريطه في نزاعات سياسية مقيتة. وهنا نختم بما كتبه يوما الراحل الساخر المصري عمنا جلال عامر الذي وضع الإصبع على الجرح بنبرته الساحرة دائما: "إذا أردت أن تضيع شعبا أشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين، ثم غيب عقله واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة".