مجزرة مشفى المعمداني .. جريمة حرب ضد الإنسانية تستوجب إجراءات فعلية
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
جريمة مروِّعة تجاوزت كُلَّ الخطوط المحرَّمة إنسانيًّا ودوليًّا باستهداف مستشفى المعمداني وسط قِطاع غزَّة في مساء الثلاثاء 17 أكتوبر، وذلك عن سبق إصرار وترصُّد وقَدْ سقط فيها ما يناهز 1000 شهيد من النِّساء والأطفال والشيوخ الباحثين عن مأوى لهم، لكنْ كان كُلُّ شيء مباحًا لدى عصابة الإجرام الصهيونيَّة فلَمْ يسلمْ مِنْها مشفى أو مدرسة أو مأوى يحتمي فيه سكَّان غزَّة الأبرياء العُزَّل، وهذا يحدُثُ بدعم أميركي أوروبي وتَستُّر أُمَمي ـ للأسف الشديد ـ أمام هول تلك الجرائم والمجازر التي لَمْ تستثنِ أحدًا في قِطاع غزَّة، ويحدُثُ ذلك أمام العالَم كُلِّه الذي لَمْ يحرِّك ساكنًا حتَّى اللحظة.
فإذا كان محور المقاومة واحدًا والعدوُّ واحدًا فعلَيْكُم النصر، قال تعالى: «وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» الأنفال (72). فالعدوُّ اليوم يُوَجِّه آلةَ حربِه على غزَّة ويرتكب جرائم مروِّعة بحقِّ أبناء فلسطين، ولا يُمكِن في ظلِّ هذه الظروف الصَّمْت، وبعد هذه الجريمة فإنَّ المواجهة قَدْ تأخذ أبعاد حرب مفتوحة.
هذه الجرائم الصهيونيَّة الانتقاميَّة جاءت لِترمِّمَ صورة الكيان الصهيوني بعد أن لقَّنتِ المقاومة الفلسطينيَّة الباسلة كيان بني صهيون درسًا كبيرًا في معاني العزَّة والكرامة فجر السَّابع من أكتوبر، عِندما انطلق رجال المقاومة من غزَّة في معركة عظيمة من معارك العرب الكبرى، وعبَرَتْ تلك الثلَّة الظَّافرة نَحْوَ قواعد بني صهيون لِتسيطرَ عَلَيْها في ظرف وجيز. فما حقَّقته المقاومة أذهل الكيان الصهيوني وداعميه، إلَّا أنَّ حجم الجريمة التي اقترفتها آلةُ البطشِ الصهيونيَّة الآثمة ضدَّ المَدنيِّين الأبرياء في قِطاع غزَّة ما يُمكِن وصفه بحرب إبادة وجريمة ضدَّ الإنسانيَّة وبغطاء دولي ودعم أميركي أوروبي مُعلَن يُعدُّ شريكًا في هذه الجريمة ممَّا يستلزم بالمقابل الارتقاء بردود الفعل العربيَّة والإسلاميَّة على أكثر من خيار، وعدم الاكتفاء بالاتِّصالات الثنائيَّة أو الاجتماعات الاعتياديَّة رغم أهمِّية الإجماع عَلَيْها، لكنَّها لَمْ تغيِّر من الواقع شيئًا.
المفاجأة العسكريَّة الفلسطينيَّة التي حدَثَت صباح السَّابع من أكتوبر 2023م تُمثِّل تحَوُّلًا نَوْعيًّا استراتيجيًّا في تاريخ الصراع، وهزيمة مذلَّة تعرَّض لها الكيان الصهيوني أفقَدَ هذا المحتلَّ صوابه موَجِّهًا قاذفاته وأسلحته وذخائره المُحرَّمة دوليًّا على قِطاع غزَّة، مُهْلكًا الحرث والنَّسل ومُدمِّرًا القِطاع، متعمِّدًا استهداف المنشآت المَدنيَّة من مبانٍ ومدارس ومشافٍ ودُور عبادة ومؤسَّسات الأونروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين ومناطق مَدنيَّة مكتظَّة، ولَمْ يسلَمْ من ذلك القصف حتَّى النازحون بهدف الإمعان في زيادة حجم الضحايا من السكَّان المَدنيِّين، وخصوصًا الأطفال والنِّساء والعجَزة في جريمة حرب مُنكرة ضدَّ الإنسانيَّة جاوز فيها الظالمون المدَى، وهي محاولة انتقاميَّة لاسترداد هيبة جيشه الذي تعرَّض لهزيمة نكراء وأجهزته الفاشلة وكيانه الذي ظهر أوهنَ من بيت العنكبوت عِندما التقى الجمعان.
ما ينبغي الإشارة إليه أنَّ هذه الثلَّة المُجاهِدة المُرابِطة من المؤمنين الصَّادقين الذين التزموا أوامر الله في نصرة الحقِّ واستعادة الحقوق بالنِّضال والجهاد المقدَّس قَدْ أعدُّوا العدَّة، فهم بَيْنَ إحدى الحُسنيَيْن: النَّصر أو الشَّهادة. وصدَقَ فيهم قولُ الرسول محمد صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حتَّى يَأتِيَ أَمْرُ اللهِ، قِيلَ: أَيْنَ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فهنيئًا لكُمْ أيُّها الثَّائرون، شَعبٌ نِصْفُه شهداء ونِصْفُه مقاومون. نعم لقَدْ حقَّ الجهاد وحقَّ الفداء، ولا شكَّ أنَّ هذه الأُمَّة التي عرفَ رجالها كيف يموتون من أجْل الحُريَّة والأرض والكرامة هي أُمَّة جديرة بالحياة، وجديرة بتحقيق مشروعها العظيم الذي تُناضل في سبيله.
وفقًا لمقاييس الحروب والمواجهات، فإنَّ المقاومة حقَّقت اليوم انتصارًا عظيمًا وتحَوُّلًا نَوْعيًّا لافتًا في إطار الصراع مع العدوِّ الصهيوني وقَدْ نفَّذت المقاومة أهمَّ مبدأ من مبادئ القتال، فوالله لَنْ تُهزمَ هذه الفئة التي تلتزم أخلاق الحرب.
الردُّ الصهيوني الوحشي الذي يحاول من خلاله ترميم صورته هي جريمة إبادة أمام سمع وبصر العالَم بدعمٍ من القوى الغربيَّة وبيانات مساندة أميركيَّة أوروبيَّة مشتركة باستمرار جريمة الإبادة الجماعيَّة بحقِّ شَعبٍ أعزل في قِطاع غزَّة، حيث تقطع الماء والكهرباء، وتمنع الوقود، وتقصف المؤسَّسات المَدنيَّة، وللأسف العالَم يتفرَّج على تلك الجريمة، هنا يستوجب على الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة أن تضطلعَ بِدَوْرها وعلى المُجتمع الدولي أن يتحمَّلَ مسؤوليَّاته الأخلاقيَّة.
والإنسانيَّة في مواجهة الكارثة التي تحدُث في قِطاع غزَّة لإغاثة الملهوفين والأبرياء المُحاصَرين من المَدنيِّين وخصوصًا الأطفال والنِّساء والعجَزة فقَدْ بلغت الجريمة ما لا يُمكِن تحمُّل تداعياته. وعَلَيْه ينبغي على جامعة الدوَل العربيَّة ومنظَّمة المؤتمر الإسلامي عقْدَ اجتماع مشترك لمنْعِ استمرار الجريمة الصهيونيَّة على قِطاع غزَّة، ويجِبُ الارتقاء بلُغة الخِطاب السِّياسي إلى الفعل نتيجة للإمعان في جرائم الاحتلال ضدَّ المَدنيِّين في قِطاع غزَّة والحصار المفروض على أكثر من مليونَيْ نسمة، وبالتَّالي لا يُمكِن الوقوف أمام إرادة الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة في مناصرة أشقَّائهم ومساندتهم والدفاع عَنْهم بكُلِّ ما يُمكِن من آليَّات، ومِنْها فتح باب التطوُّع للقتال طالما لَمْ توقف «إسرائيل» جريمتها الوحشيَّة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل، فلَمْ يبقَ أيُّ عذر للأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة، وخصوصًا بعد جريمة الحرب التي طالت مستشفى المعمداني في قِطاع غزَّة الذي سقط فيها ما يناهز 1000 شهيد وآلاف المصابِين، فلَمْ يبقَ مجال للصَّمْت في ظلِّ هذه الجرائم الصهيونيَّة. أخي جاوز الظالمون المدَى فحقَّ الجهاد وحقَّ الفدا لإغاثة أهلنا في فلسطين، وهذا ينطلق من الواجب الإنساني والأخلاقي الذي يحتِّم على الأُمَّة القيام به في ظلِّ هذه الظروف.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ة والإسلامی العال م ة التی
إقرأ أيضاً:
وزير الاتصالات: التطورات التكنولوجية تستوجب وضع رؤية عربية لدرء المخاطر السيبرانية
كشف الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن وجود حراك وتحول غير مسبوق في دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على الساحة الدولية خلال العامين الماضيين حيث بات يعيد تشكيل الاقتصادات ويحدث ثورة في الصناعات ويغير المجتمعات بصورة مطردة.
وأشار إلى أن التكنولوجيات البازغة مثل الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل والحوسبة الكمومية وإنترنت الأشياء لم تعد وعودا مستقبلية بل أضحت القوى الدافعة للعالم اليوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتتداخل مع مختلف القطاعات بما في ذلك الزراعة والصحة والتعليم والقطاع المصرفي وغيرها.
جاء ذلك خلال أعمال دائرة الحوار العربي للذكاء الاصطناعي التي نظمتها جامعة الدول العربية تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي في العالم العربي: تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية" برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وبحضور محمد أحمد اليماحي رئيس البرلمان العربي، والدكتور إسماعيل عبدالغفار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري والدكتور عبد المجيد عبدالله البنيان رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
وقال وزير الاتصالات إن التطورات التكنولوجية أدخلت تحديات جديدة على الحكومات عالميا، والمنافسة الجيوسياسية في السباق الرقمي لتحقيق الريادة في قضايا الذكاء الاصطناعي وسد الفجوة الرقمية ودرء المخاطر السيبرانية بما يستوجب على الدول العربية التصدى لهذه التحديات برؤية موحدة تضمن حضورا دوليًا فاعلا يُعبر عن إرادة الشعوب العربية ويُعرب عن تطلعات الحكومات العربية.
وأكد أن هذا المحفل يأتي تأكيداً لدور جامعة الدول العربية البناء كمنارة لتبادل الرؤى حول القضايا الأهم للشعوب العربية وفاعلاً رئيسياً فى تبنى استراتيجيات موحدة حول التكنولوجيات البازغة وبناء الوعى الجمعي للشعوب العربية بشأنها.
وتحدث وزير الاتصالات عن المبادرة المصرية لمجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات بحتمية المضي قدماً نحو الانتهاء من صياغة الميثاق العربي الأخلاقيات الذكاء الاصطناعي الذى سيكون بمثابة نبراساً للدول العربية في مسيرة تحقيق هذا التوازن المرجو بين تحفيز الابتكار والاستخدام الآمن المسئول وبين ضمان الشفافية وإرساء مبادئ المسائلة في تصميم ونشر أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يعكس المعتقدات والأولويات والثقافة والرؤية العربية حول مخاطر الذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى توافق مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات على وضع إطار عربي موحد لبناء القدرات البشرية وتنمية الوعى العام إزاء القضايا الخاصة بالذكاء الاصطناعي ودعم الشركات الناشئة العربية في هذا المجال الحيوي فضلاً عن تعزيز الشراكات الدولية والتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية لضمان استمرارية المشاركة الفاعلة للدول العربية على الساحة الدولية وكذلك تحسين ترتيب الدول العربية في المؤشرات الدولية للذكاء الاصطناعي.