باستحقاقٍ واضح تلقَّتِ الحقيقة دعمًا لوجستيًّا حاسمًا على يَدِ السَّفير الفلسطيني في المملكة المُتَّحدة الدكتور حسام زملط عِندما طالب الإعلام الغربي بتوخِّي العدالة إزاء ما يجري في غزَّة، والكفِّ عن التهويم والكيل بمكيالَيْنِ، بل والكفّ عن محاولات التحريف الجارية الآن للتشبُّث بجزئيَّات مشكوكٍ فيها على حساب حقيقة أنَّ غزَّة ـ مقاومةً ووجودًا سكَّانيًّا وصمودًا ـ هي في منأى من الشُّبهات في مواجهة الآلة العنصريَّة بكُلِّ ما تملك من نزعات التدمير والتنكيل والإلحاح على تكريس التشتُّت والتعتيم على الوقائع.
لقَدْ أثار السَّفير الفلسطيني في إجاباته لقناة BBC كيف يحاول الإعلام الغربي استخدام أحطِّ صوَر التضليل لإظهار الفلسطينيِّين متوحِّشين يقتلون دُونَ رحمة بَيْنَما الحقيقة في مكان آخر. الحال أنَّ خلاصة الدكتور حسام زملط ترتفع إلى مصافي الاجتهاد البارع في التصدِّي لدسائس التشويه والكذب والازدراء ومزاعم الاحتلال بمظلوميَّته التي لا أساس لها من الواقع. وتحضرني، ولكن باتِّجاه آخر وقفة الطفل الفلسطيني الغزَّاوي الجريح نتيجة القصف الإسرائيلي. كان هذا الطفل الصَّامد ممدًّا على سرير معالجة في أحَد مشافي غزَّة بالقرب من سرير آخر كان يرقد عَلَيْه أبوه الجريح هو الآخر، الطفل ورغم فظاعة إصابته يلتفت إلى أبيه ويقول له (ما تخفش يابا، خلص يابا، أنا كويس، خليك قوي يابا). أجزم أنَّ هذه التوصية العفويَّة باهرة للارتقاء بالصَّبر إلى مصافي المُعجزة، وعنوان تُختصر فيه إرادة القوَّة الواعية، وإشارة حاسمة لا يُمكِن للمُحلِّلين السِّياسيِّين إغفالها في أيَّة تشخيصات للخسارة الجسيمة المحقّة والحتميَّة التي لا بُدَّ أن يتلقاها مستقبل «إسرائيل» إذا بقيَتِ النزعة العنصريَّة التي تَحْكم هذا الكيان الغاصب. لقَدْ فوَّض هذا الطفل الشُّجاع الصَّبرَ لكَيْ يكُونَ القاسم المشترك للمستقبل الفلسطيني.أمَّا الصورة الثالثة، فهي أسبق من هاتَيْنِ الصورتَيْنِ بحدود اثنتَيْنِ وستِّين سنةً. لقَدْ جاءت على لسان المؤرِّخ الموسوعي البريطاني آرنولد توينبي خلال مناظرة بَيْنَه وبَيْنَ سفير «إسرائيل» في كندا ياكوف هرتزوج يوم الثلاثاء31 يناير سنة 1961 في مدينة مونتريال. لقَدْ تساءل توينبي: كيف يستقيم المنطق الأخلاقي والإنساني أن تعالجَ الصهيونيَّة ما تعرَّض له اليهود على أيدي النازيين بخطأٍ أفظع بتهجير السكَّان الفلسطينيِّين من بلدهم فلسطين لِيحتلَّها يهود بغير وَجْهِ حقٍّ؟ لقَدْ قال توينبي في تلك المناظرة الشهيرة جملةً من التشخيصات المبنيَّة على وقائع لا لَبْسَ فيها، إنَّ سكَّان فلسطين العرب كانوا يُمثِّلون أكثر من تسعين بالمئة عام 1917 عِندما صدَر وعْدُ بلفور، إنَّ بلفور نَفْسَه لَمْ يَعُد اليهود بتأسيس دَولة يهوديَّة لهُمْ وإنَّما وعَدَهم بوطنٍ لهُمْ خلاصًا من الاضطهاد الذي يتعرَّضون له في أوروبا. وهناك فَرق جوهري بَيْنَ الوعدَيْنِ. لقَدْ لوَّح توينبي في تلك المناظرة بحقائق دامغة عِندما قال مخاطبًا السَّفير الإسرائيلي (أنتم تطالبون بعودة اليهود إلى فلسطين رغم أنَّهم تركوها منذ عام 135 ميلاديَّة).. (لقَدِ ادَّعيتم الحقَّ بالعودة لا كما نصَّ وعْدُ بلفور في صورة وطن قومي، ولكن بصورة متطرِّفة للدَّولة، ولكنَّكم تنكرون في الوقت نَفْسِه على الفلسطينيِّين الذين أُرغموا على المغادرة عام 1948 حقَّ العودة لديارهم)، ويمضي في مداخلته (كيف وجَّهت الصهيونيَّة اليهود إلى فلسطين بدلًا مِن إقرارهم في أستراليا، أو أميركا الشماليَّة حيث كان ينتظرهم المأوى والمستقبل). إنَّ ما أدلى به الدكتور حسام زملط والطفل الفلسطيني والمؤرِّخ توينبي وثائق بالمعنى الدَّقيق للوثيقة، وإذا كان للاتعاظ أن يكُونَ شاهد إثبات على قوَّة ما جاء على ألسنتهم تظلُّ الحقيقة في منأى من الانكسار مهما اشتغلت ماكينة التضليل.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
أستاذ تاريخ يكشف تفاصيل عقيدة اليهود بشأن تهجير الفلسطينيين |فيديو
كشف الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، في تصريحات هامة خلال لقائه مع الإعلامية فاتن عبد المعبود في برنامج “صالة التحرير” على قناة صدى البلد، أن فكرة تهجير الفلسطينيين تعد جزءًا من العقيدة اليهودية التي تهدف إلى “تطهير الأرض” وفقًا للمعتقدات التوراتية.
مصر وتأثير التهديدات
الإقليمية على أمنها
وأوضح شقرة أن أي تهديدات قد تصيب المنطقة العربية سيكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على الأمن المصري، مشيرًا إلى أن مصر هي المستفيد الرئيسي من استقرار المنطقة، وفي حال حدوث اضطرابات فإنها ستكون المتضرر الأول.
تحديات مصر في ظل الأوضاع الإقليمية المتدهورة
وأشار شقرة إلى أن الدولة المصرية قد واجهت العديد من التحديات نتيجة التدهور المستمر للأوضاع الإقليمية في المنطقة العربية، مشدداً على أن مصر تعمل جاهدة على تحصين أمنها الداخلي والخارجي لمواجهة هذه التحديات.
التهديدات الأخيرة في البحر الأحمر: خطر يتطلب الحذر
وتابع شقرة بالحديث عن المخاطر الحالية في منطقة البحر الأحمر، مؤكدًا أن مصر تدرك تمامًا حجم الأخطار التي تهددها جراء التحولات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة، والتي قد تساهم في تصاعد التوترات والتهديدات.