جريدة الوطن:
2024-12-23@09:54:37 GMT

كلفة الحرب

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

من الصعب تقدير كلفة حرب وهي لا تزال دائرة، وبالطبع لا يُمكِن على الإطلاق تقييم الأرواح التي تزهق ولا تبعات الإصابات. حتَّى التدمير المادِّي للمنشآت وغيرها في ظلِّ الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على قِطاع غزَّة لا يُمكِن حساب كلفته. فقَدْ سُوِّيت أحياء بكاملها بالأرض، ناهيك عن الأضرار الإنسانيَّة والصحيَّة الناجمة عن الحصار الكامل لأكثر من مليونَي إنسان في مساحة ضيِّقة مِثل قِطاع غزَّة.

فتلك كلفة لا تُقدَّر ويمتدُّ أثَرها لسنوات قادمة. كذلك الخسائر البَشَريَّة والمادِّيَّة على الجانب الإسرائيلي يصعب حساب كلفتها أيضًا. حتَّى التعبئة العامَّة الجزئيَّة التي أعلنتها تكلف ميزانيَّتها الكثير، فضلًا عن تضرُّر الاقتصاد نتيجة استدعاء الاحتياط وأغلبهم يعملون بالفعل. مع ذلك، لا تتوقف الأسواق وشركات الاستشارات والبنوك الاستثماريَّة عن تقدير الكلفة المباشرة، المتعلِّقة بالأسواق الماليَّة وبالاقتصاد بشكلٍ عامٍّ.
كان التأثير المباشر هو سرعة ضخِّ البنك المركزي الإسرائيلي عشرات مليارات الدولارات في السُّوق لدعم العملة الرسميَّة التي هوَتْ بشدَّة مقابل الدولار. وفي اليوم التالي لهجوم الفلسطينيِّين طرح البنك ما يصل إلى خمسين مليار دولار من الاحتياطيَّات الأجنبيَّة لدَيْه لوقفِ تدهوُر العملة. إلَّا أنَّ العملة واصلت الهبوط ما أدَّى إلى مزيدٍ من التدخل ببضعة مليارات أخرى. ذلك التأثير الأوَّلي المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، لكنَّ الكلفة النهائيَّة ربَّما تكُونُ أضعاف ذلك حين تُحصى كلفة التعبئة العامَّة وتراجع النشاط في قِطاعات متعدِّدة من الاقتصاد من السِّياحة إلى الطيران وغيره. ولأنَّه لا يوجد اقتصاد دَولة للفلسطينيِّين، فيصعب على الاقتصاديِّين ومُحلِّلي السُّوق تقدير أيِّ خسائر مباشرة مِثل تلك التي تعرَّضت لها «إسرائيل». لَمْ تقتصر الخسائر المباشرة، التي يُمكِن حسابها على الفَوْر من الأسواق، على «إسرائيل» والفلسطينيِّين بل تردَّد صداها في دوَل الجوار وحتَّى الاقتصاد العالَمي كُلِّه.
كان أهمّ ردِّ فعل هو ما شهدته أسواق السندات في دوَل مِثل مصر والأردن، وتعطُّل عمليَّة إعادة جدولة ديون لبنان التي تخلَّف عن سدادها قَبل نَحْوِ ثلاث سنوات. ومع ما تعانيه مصر والأردن من مُشْكلة ديون كبيرة، ارتفع العائد على سندات الدَّيْن السِّيادي للبَلدَيْنِ بشدَّة مع بداية الحرب، وزاد التدهوُر مع قرب نهاية الأسبوع مع الهجوم الضَّاري لـ»إسرائيل» على غزَّة ومخاوف الأسواق من احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة لتنسكبَ على دوَل الجوار. وشهدت أسواق السندات عمليَّات بيع كبيرة لسندات الدَّيْن السِّيادي الدولاريَّة للبَلدَيْنِ، ما أدَّى إلى هبوط سعرها بشدَّة وارتفاع نسبة العائد عَلَيْها. ووصل سعر سندات الدَّيْن السِّيادي المستحقَّة بعد نهاية العقد الحالي إلى ما يقرب من نصف قِيمتها. بَيْنَما اقتربت نسبة العائد على بعضها من حاجز عشرة في المئة، وهو ما يضاعف من أزمة خدمة الدَّيْن لكلا البَلدَيْنِ. كما أنَّه يُصعِّب مُهمَّة مصر في إعادة تمويل ديون بالمليارات لإطالة أمَدِ استحقاقها.
هذا الضَّرر الذي لحقَ بالسندات المصريَّة والأردنيَّة واضطراب سُوق السندات في دوَل الجوار، قابلَه تحسُّن في سُوق سندات الخزانة الأميركيَّة الذي شهد تدهورًا شديدًا في الأسابيع السابقة. فمع مطلع أسبوع التداول الماضي، أقْبَلَ المستثمرون على شراء سندات الخزانة الأميركيَّة كملاذٍ آمنٍ بعدما كانت عمليَّات البيع الهائلة شِبه يوميَّة. وأدَّت عودة الإقبال على الشراء إلى ارتفاع أسعار سندات الخزانة الأميركيَّة والتراجع الطفيف في نسبة العائد عَلَيْها. لكنَّ الاضطراب في الاقتصاد العالَمي لَمْ يكُنْ فقط في سُوق السندات، بل إنَّ ارتفاع أسعار النفط وتجاوزها تسعين دولارًا للبرميل أعاد المخاوف من احتمال ارتفاع معدَّلات التضخُّم مجددًا. وحسب تقديرات الأسواق تقليديًّا فإنَّ ارتفاع أسعار النفط بنسبة عشرة في المئة يُمكِن أن يزيلَ نصف نقطة مئويَّة من نسبة نُموِّ الناتج المحلِّي الإجمالي العالَمي. يتضافر ذلك مع مؤشِّرات أخرى على أنَّ الاقتصاد العالَمي يُمكِن أن يتباطأَ أكثر، ومن بَيْنِ تلك المؤشِّرات استمرار مُشْكلة الدَّيْن العالَمي، خصوصًا مع رفع أسعار الفائدة من قِبَلِ البنوك المركزيَّة بغرض وقف ارتفاع معدَّلات التضخُّم.
حتَّى الآن، يبدو احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة متواضعًا، لكنَّ الأزمات الكبرى تبدأ بشرارة صغيرة أحيانًا. ولأنَّ الشرر موجود، ليس أقلّه ما يخطف أرواح الفلسطينيِّين في غزَّة، فإنَّ كُلَّ شيء وارد. وإذا احتدَّ الصراع أو اتَّسعت رقعته فإنَّ أسعار النفط مرشَّحة للزيادة أكثر، وبالتَّالي انخفاض توقُّعات نُموِّ الاقتصاد العالَمي. تعتمد كلفة تأثير الحرب بالنسبة للأسواق والاقتصاد العالَمي على زمن ونطاق العمليَّات الحاليَّة. صحيح أنَّ عدد دوَل الخليج وغيرها التي طبَّعت العلاقات مع «إسرائيل» ازداد، لكنَّ الواقع الفعلي يظهر أنَّ العلاقات الاقتصاديَّة تتأثر أيضًا بالتوتُّرات الجيوسياسيَّة. وتبدو الآن مشروعات طموحة للتطوير والتنمية بالتعاون مع «إسرائيل»، على الأقلِّ مؤجلة إنْ لَمْ يكُنْ بعضها يتراجع بالفعل. ليس القصد هنا مشروعات التعاون الثنائي بَيْنَ «إسرائيل» والدوَل التي لدَيْها علاقات معها، وإنَّما حتَّى مشروعات إقليميَّة ودوليَّة طموحة دعمتها الولايات المُتَّحدة مِثل الممرِّ الاقتصادي الجديد.
وربَّما تستفيد من ذلك مشروعات أخرى منافسة مِثل مبادرة الحزام والطريق، كما استفادت سُوق السندات الأميركيَّة من الحرب بَيْنَما تضرَّرت المصريَّة والأردنيَّة. ومرَّة أخرى، كُلُّ تلك المليارات، ولا حتَّى التريليونات، لا تُساوي روحًا واحدة تُزهق بالطبع.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تسلّم لبنانيين اعتقلتهم بعد وقف الحرب

سلّم الجيش الإسرائيلي، الأحد، قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان "يونيفيل" 7 لبنانيين كان يحتجزهم، حسبما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية، وذلك في ظل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

وقالت الوكالة "سلم العدو الإسرائيلي المواطنين المحررين السبعة، الذين كانوا اعتقلوا من قبل العدو بعد وقف إطلاق النار إلى قوات اليونيفيل، عند معبر رأس الناقورة".

وأفادت الوكالة الوطنية للأعلام الأحد بوصول "المواطنين السبعة المحرّرين، الذين كانوا اعتقلوا من قبل العدو الإسرائيلي، إلى مستشفى اللبناني الإيطالي، حيث نقلهم الصليب الأحمر اللبناني بسيارته، بمرافقة الصليب الأحمر الدولي وقوات اليونيفيل". لبنان: استمرار الخروقات الإسرائيلية يقوض جهود تثبيت وقف إطلاق النار - موقع 24أكد وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، خلال اتصالات تلقاها اليوم الجمعة، أن استمرار الخروقات الاسرائيلية يقوض الجهود الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار. وأضافت أنّه "بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، اصطحبت مخابرات الجيش المفرج عنهم إلى مقر المخابرات في صيدا لإجراء التحقيقات".
وأكد متحدث باسم اليونيفيل الإفراج عن 7 مدنيين عند موقع القوة التابعة للأمم المتحدة في رأس الناقورة، بالتنسيق مع الصليب الأحمر اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأنهى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، تصعيداً استمرّ أكثر من عام، بما في ذلك حرباً شاملة استمرّت شهرين بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران.

والأحد، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأنّ الجيش الإسرائيلي "قام بعمليات نسف كبيرة في بلدة كفركلا".
وأشارت إلى أنّه "فجّر عددا من المنازل في منطقة حانين في قضاء بنت جبيل"، مستنكرة "اعتداءاته المتكرّرة على القرى الجنوبية المحتلة".
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنّ جنوده "حددوا موقع مجمع قتالي يحتوي على 8 مرافق تخزين أسلحة ودمّروه" في جنوب لبنان، "وفقا لوقف إطلاق النار والتفاهمات بين إسرائيل ولبنان".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تسلّم لبنانيين اعتقلتهم بعد وقف الحرب
  • أستاذ علوم سياسية: تضخم بالاقتصاد الروسي.. وهذا هو الحل
  • أستاذ علوم سياسية: هناك تضخم في الاقتصاد الروسي لكن موسكو تعتمد على التصنيع
  • أستاذ في العلوم السياسية: الحرب والعقوبات وراء ارتفاع التضخم الاقتصادي في روسيا
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • أستاذ استثمار: توطين الصناعة إحدى الاستراتيجيات الأساسية التي انتهجتها الدولة لتغير واقع الاقتصاد
  • رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين عملية الدهس التي وقعت في مدينة ماغديبورغ شرقي ألمانيا
  • توقعات بتواصل انكماش الاقتصاد بإسرائيل
  • إلى لغة الضاد في يومها العالمي
  • لجنة أمن ولاية الخرطوم توجه بتنفيذ حملة لازالة مخلفات الحرب في المناطق التي تم تطهيرها ببحري