جريدة الوطن:
2024-11-05@05:34:44 GMT

كلفة الحرب

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

من الصعب تقدير كلفة حرب وهي لا تزال دائرة، وبالطبع لا يُمكِن على الإطلاق تقييم الأرواح التي تزهق ولا تبعات الإصابات. حتَّى التدمير المادِّي للمنشآت وغيرها في ظلِّ الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على قِطاع غزَّة لا يُمكِن حساب كلفته. فقَدْ سُوِّيت أحياء بكاملها بالأرض، ناهيك عن الأضرار الإنسانيَّة والصحيَّة الناجمة عن الحصار الكامل لأكثر من مليونَي إنسان في مساحة ضيِّقة مِثل قِطاع غزَّة.

فتلك كلفة لا تُقدَّر ويمتدُّ أثَرها لسنوات قادمة. كذلك الخسائر البَشَريَّة والمادِّيَّة على الجانب الإسرائيلي يصعب حساب كلفتها أيضًا. حتَّى التعبئة العامَّة الجزئيَّة التي أعلنتها تكلف ميزانيَّتها الكثير، فضلًا عن تضرُّر الاقتصاد نتيجة استدعاء الاحتياط وأغلبهم يعملون بالفعل. مع ذلك، لا تتوقف الأسواق وشركات الاستشارات والبنوك الاستثماريَّة عن تقدير الكلفة المباشرة، المتعلِّقة بالأسواق الماليَّة وبالاقتصاد بشكلٍ عامٍّ.
كان التأثير المباشر هو سرعة ضخِّ البنك المركزي الإسرائيلي عشرات مليارات الدولارات في السُّوق لدعم العملة الرسميَّة التي هوَتْ بشدَّة مقابل الدولار. وفي اليوم التالي لهجوم الفلسطينيِّين طرح البنك ما يصل إلى خمسين مليار دولار من الاحتياطيَّات الأجنبيَّة لدَيْه لوقفِ تدهوُر العملة. إلَّا أنَّ العملة واصلت الهبوط ما أدَّى إلى مزيدٍ من التدخل ببضعة مليارات أخرى. ذلك التأثير الأوَّلي المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، لكنَّ الكلفة النهائيَّة ربَّما تكُونُ أضعاف ذلك حين تُحصى كلفة التعبئة العامَّة وتراجع النشاط في قِطاعات متعدِّدة من الاقتصاد من السِّياحة إلى الطيران وغيره. ولأنَّه لا يوجد اقتصاد دَولة للفلسطينيِّين، فيصعب على الاقتصاديِّين ومُحلِّلي السُّوق تقدير أيِّ خسائر مباشرة مِثل تلك التي تعرَّضت لها «إسرائيل». لَمْ تقتصر الخسائر المباشرة، التي يُمكِن حسابها على الفَوْر من الأسواق، على «إسرائيل» والفلسطينيِّين بل تردَّد صداها في دوَل الجوار وحتَّى الاقتصاد العالَمي كُلِّه.
كان أهمّ ردِّ فعل هو ما شهدته أسواق السندات في دوَل مِثل مصر والأردن، وتعطُّل عمليَّة إعادة جدولة ديون لبنان التي تخلَّف عن سدادها قَبل نَحْوِ ثلاث سنوات. ومع ما تعانيه مصر والأردن من مُشْكلة ديون كبيرة، ارتفع العائد على سندات الدَّيْن السِّيادي للبَلدَيْنِ بشدَّة مع بداية الحرب، وزاد التدهوُر مع قرب نهاية الأسبوع مع الهجوم الضَّاري لـ»إسرائيل» على غزَّة ومخاوف الأسواق من احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة لتنسكبَ على دوَل الجوار. وشهدت أسواق السندات عمليَّات بيع كبيرة لسندات الدَّيْن السِّيادي الدولاريَّة للبَلدَيْنِ، ما أدَّى إلى هبوط سعرها بشدَّة وارتفاع نسبة العائد عَلَيْها. ووصل سعر سندات الدَّيْن السِّيادي المستحقَّة بعد نهاية العقد الحالي إلى ما يقرب من نصف قِيمتها. بَيْنَما اقتربت نسبة العائد على بعضها من حاجز عشرة في المئة، وهو ما يضاعف من أزمة خدمة الدَّيْن لكلا البَلدَيْنِ. كما أنَّه يُصعِّب مُهمَّة مصر في إعادة تمويل ديون بالمليارات لإطالة أمَدِ استحقاقها.
هذا الضَّرر الذي لحقَ بالسندات المصريَّة والأردنيَّة واضطراب سُوق السندات في دوَل الجوار، قابلَه تحسُّن في سُوق سندات الخزانة الأميركيَّة الذي شهد تدهورًا شديدًا في الأسابيع السابقة. فمع مطلع أسبوع التداول الماضي، أقْبَلَ المستثمرون على شراء سندات الخزانة الأميركيَّة كملاذٍ آمنٍ بعدما كانت عمليَّات البيع الهائلة شِبه يوميَّة. وأدَّت عودة الإقبال على الشراء إلى ارتفاع أسعار سندات الخزانة الأميركيَّة والتراجع الطفيف في نسبة العائد عَلَيْها. لكنَّ الاضطراب في الاقتصاد العالَمي لَمْ يكُنْ فقط في سُوق السندات، بل إنَّ ارتفاع أسعار النفط وتجاوزها تسعين دولارًا للبرميل أعاد المخاوف من احتمال ارتفاع معدَّلات التضخُّم مجددًا. وحسب تقديرات الأسواق تقليديًّا فإنَّ ارتفاع أسعار النفط بنسبة عشرة في المئة يُمكِن أن يزيلَ نصف نقطة مئويَّة من نسبة نُموِّ الناتج المحلِّي الإجمالي العالَمي. يتضافر ذلك مع مؤشِّرات أخرى على أنَّ الاقتصاد العالَمي يُمكِن أن يتباطأَ أكثر، ومن بَيْنِ تلك المؤشِّرات استمرار مُشْكلة الدَّيْن العالَمي، خصوصًا مع رفع أسعار الفائدة من قِبَلِ البنوك المركزيَّة بغرض وقف ارتفاع معدَّلات التضخُّم.
حتَّى الآن، يبدو احتمال اتساع رقعة الحرب في المنطقة متواضعًا، لكنَّ الأزمات الكبرى تبدأ بشرارة صغيرة أحيانًا. ولأنَّ الشرر موجود، ليس أقلّه ما يخطف أرواح الفلسطينيِّين في غزَّة، فإنَّ كُلَّ شيء وارد. وإذا احتدَّ الصراع أو اتَّسعت رقعته فإنَّ أسعار النفط مرشَّحة للزيادة أكثر، وبالتَّالي انخفاض توقُّعات نُموِّ الاقتصاد العالَمي. تعتمد كلفة تأثير الحرب بالنسبة للأسواق والاقتصاد العالَمي على زمن ونطاق العمليَّات الحاليَّة. صحيح أنَّ عدد دوَل الخليج وغيرها التي طبَّعت العلاقات مع «إسرائيل» ازداد، لكنَّ الواقع الفعلي يظهر أنَّ العلاقات الاقتصاديَّة تتأثر أيضًا بالتوتُّرات الجيوسياسيَّة. وتبدو الآن مشروعات طموحة للتطوير والتنمية بالتعاون مع «إسرائيل»، على الأقلِّ مؤجلة إنْ لَمْ يكُنْ بعضها يتراجع بالفعل. ليس القصد هنا مشروعات التعاون الثنائي بَيْنَ «إسرائيل» والدوَل التي لدَيْها علاقات معها، وإنَّما حتَّى مشروعات إقليميَّة ودوليَّة طموحة دعمتها الولايات المُتَّحدة مِثل الممرِّ الاقتصادي الجديد.
وربَّما تستفيد من ذلك مشروعات أخرى منافسة مِثل مبادرة الحزام والطريق، كما استفادت سُوق السندات الأميركيَّة من الحرب بَيْنَما تضرَّرت المصريَّة والأردنيَّة. ومرَّة أخرى، كُلُّ تلك المليارات، ولا حتَّى التريليونات، لا تُساوي روحًا واحدة تُزهق بالطبع.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 43.341 شهيدا

#سواليف

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في #غزة اليوم الأحد حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع لليوم الـ 394 للحرب.

وجاء في تفاصيل التقرير الإحصائي اليومي للوزارة أن “القوات الإسرائيلية ارتكبت 4 #مجازر بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة وصل منها للمشافي 27 قتيلا و86 إصابة خلال الساعات الـ 24 الماضية”.

وأشارت الوزارة إلى ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع إلى 43.341 شهيدا و102.105 إصابة، منذ الـ7 من أكتوبر 2023.

مقالات ذات صلة السقا يدين اعتقال مرافقه وتفتيش سيارته ومصادرة أوراق منها ويدعو الحكومة للاعتذار 2024/11/03

وأشارت الوزارة إلى أن طواقم الدفاع المدني لا تزال عاجزة عن الوصول إلى جثامين مئات #الشهداء العالقة تحت الركام، وتعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول اليهم.

وأهابت الوزارة بذوي القتلى ومفقودي الحرب بضرورة استكمال بياناتهم بالتسجيل لاستيفاء جميع البيانات عبر سجلات وزارة الصحة.

ولفتت الوزارة في بيان منفصل إلى أن أكثر من 300 أسير من الكوادر الصحية، تم اعتقالهم في #السجون_الإسرائيلية منذ بداية #الحرب.

وقال مدير مشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، الأحد، إن القوات الإسرائيلية استهدفت ليلة الأحد مربعات سكنية في محيط المشفى ما أثار خوف ورعب المرضى المتواجدين في مرافقة.

ومن جانبه قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، إن أكثر من 100 ألف فلسطيني متواجدون حاليا في شمال القطاع المحاصر 60% منهم من الأطفال والنساء.

مقالات مشابهة

  • الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم
  • العليمي: الحرب التي تسبب بها الحوثيون أدت إلى دمار هائل في قطاعات البنى التحتية والخدمات الاساسية
  • المجلس الوزاري للاقتصاد: اتخاذ التدابير اللازمة والقرارات التي تساهم في استقرار السوق
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 43 ألفا و374 شهيدا منذ بدء الحرب
  • الانتخابات الرئاسية الأمريكية: كيف يمكن أن يؤثر فوز هاريس على الاقتصاد الأوروبي؟
  • ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 43.341 شهيدا
  • مؤشرات إيجابية.. مديرة صندوق النقد: ارتفاع نمو الاقتصاد المصري إلى 4.2% العام المقبل
  • خبير عسكري: أهداف حزب الله باتت أكثر نوعية ومسيراته تزيد كلفة الاحتلال
  • الواقعية السياسية التي قيدت يد إسرائيل
  • 43314 قتيلاً.. ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة