ميلاد رسول الله «دراسة تربوية بلاغية لبعض آيِ الذكر الحكيم» «4»
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
.. وتحمل مادة:(بعث) معاني عدة، منها: إرسال المبعوث وحده؛ للقيام بمهمة الاستنهاض، واليقظة، وإحياء الموات، والنشر، وحلِّ عقال المكتوف، وإطلاقه للعمل، والانطلاق، ومنها الاستعدادُ للأهبة، والأمل في العمل، والنهوض من الوهدة، ومنها الاندفاعُ نحو النفع، والتأثير، والتواصي بالخير، والحث عليه، ومنها فعلُ كلِّ ما في الوُسْعِ للتغيير نحو الأفضل، والأنفع، والأجدى، وهذا فحوى، ومضمون، ودلالة البعث في المعجم اللغوي، وهو بالفعل ما قام به الرسول الكريم، ونهض له، وعاش لأجله.
وقوله:(فيهم) تعني أنه تغلغل في طواياهم، ووصل إلى آخرهم، والحرف (في) يفيد الظرفية، وكأنه بسيرته العظيمة، وبسنَّته المباركة قد دخل بيوتهم، وملأت سيرتُه قلوبَهم، وأنارتْ أفئدتهم، وضَوَّأَتْ كلَّ مكان يُوجَدون فيه، وملأ عليهم حياتهم، وأسعد عمرَهم بجمالِ سيرته، وكمالِ سنته، فانظرف في حيواتهم، وعَدَّلَ سلوكياتِهم، وغيَّر أوضاعهم إلى الأوضاع العالية التي ما ظنوا يومًا أن يصلوا إليها، أو أن معنى قوله:(فيهم) قد جاء بمعنى (منهم)، فهو من بني جلدتهم ، وليس ملاكا، فهو بشرٌن ولكنْ يوحى إليه من الله، واختاره اللهُ ليكون خاتمَ النبيين، وهو هدية، ومِنَّةٌ، ورحمة الله للعالمين، فالحرف:(في) إما أنه على أصله(أي يفيد الظرفية)، وإما أنه قد حُمِلَ على معنى (من)، وإما أنه قد ورد بمعنى (اللام)، أي: بعثه الله لهم، أي لصالحهم، ولمنفعتهم، فالحرف:(في) لها معانٍ ثلاثةٌ: إما الظرفية، وإما النفع، والإفادة، والكسب، وإما أنها قد أفادت معنى (من) أي: بعثه منهم، وهذا من جلال، وقدر معاني(في) في هذا السياق القرآني الكريم، وكلها تصبُّ في صالحهم، وتفهمنا أنها لنفعهم، ولخيرهم، ولإفادتهم في كل عمرهم.
وقوله:(رسولًا) بالتنكير تفيد تعظيمه، وكماله، أيْ: رسولًا مختارًا اختيارًا إلهيًا، اختاره من مليارات البشر لكماله، وصدقه، وجلال سيرته، وجمال سريرته، وتمام نقائه، وصفائه، وحبه لله، ولدينه، ولخلقه:(وما أرسلناكَ إلّا رحمةً للعالمين)،(بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ)،(رسولٌ مِنَ اللهِ يتلو صُحفًا مُطهّرةً فيها كُتبٌ قَيّمةٌ)، (رسولٌ من أنفُسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ)، صاحب الخلق العظيم:(وإنّكَ لعَلى خُلقٍ عظيمٍ).
فالتنكير له دلالاته التي لا تنتهي، وتستوعبُ شخصيتَه الشريفةَ بكمالها، ونبلها، وجمالها، والتنكير ـ كما قال أهل البلاغة ـ يفيد العموم، والشمول.
وقوله:(من أنفسهم) أي بشر مثلهم حتى لا يقال:(أنزله الله ملاكًا، والملك لديه من القوة، والقدرة ما ليس لنا نحن البشر، فشاءتْ حكمة الله أن ينزله بشرًا، فهو واحدٌ منا، وعاش قبل البعث بين الناس، عرفه الجميع، ويحفظون كل سيرته، وخبروا أخلاقه، وتعشقوا سيرته، وصار بينهم قدوة قبل البعث حتى لقَّبوه بالأمين، وبالمأمون، فأمسوا يقولون:(حضر الأمين)، و(رأينا المأمون)، وهو يقول رأيه الذي ارتضيناه جميعًا، وسلَّمْنا به، فصار ينادى عليه بصفاته:(الأمين، والمأمون)، وهنا روايات كثيرة تصفه بالأمين، والمأمون، من الخير أن نأتي برواية واحدة تبيِّن لنا كيف كانت سيرته، وكيف كان الناس يصفونه، وينادونه، فمن ذلك ما قاله بجير بن زهير بن أبي سلمى، أخو كعب بن زهير بن أبي سلمى(الذي صار فيما بعد أحد شعراء الرسول الثلاثة الذين دافعوا عن الإسلام، ورسول الإسلام) فبعد أن أسلم (بجير) قال قصيدة طويلة جاءت ردًّا على عتاب أخيه كعب له (إذ لم يكن كعب قد أسلم بعدُ) يعاتب أخاه بجيرًا على إسلامه، واتباعه رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، يقول بجير ردًّا على كعب الذي قال:
سقاك بها المأمون كأسًا روية
فأنهلك المأمونُ منها وعلكا
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: رسول ا
إقرأ أيضاً:
فعاليات ثقافية في مدارس حجة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء
الثورة نت/..
أُقيمت في مدارس محافظة حجة، اليوم، فعاليات ثقافية باليوم العالمي للمرأة المؤمنة ذكرى ميلاد الزهراء – عليها السلام – تحت شعار “الزهراء أم أبيها”.
وأشارت الكلمات إلى حاجة المرأة ونساء العصر للتعرف على حياة وسيرة سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء -عليها السلام- لتكون لهن الأسوة والقدوة؛ لتعزيز الارتقاء الإيماني، وزكاء النفس، وطهارة القلوب، كما أراد الله – سبحانه وتعالى.
واعتبرت المناسبة محطة تربوية وإيمانية يستلهم منها الدروس والعِبر والقيم والمبادئ والأخلاق المحمدية، وتعزيز عوامل الصبر والثبات والصمود في مواجهة المستكبرين، وتجسيد مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات.
ونوّهت إلى أن الزهراء -عليها السلام – جسدت في حياتها قيم وأخلاق الاسلام على أرقى مستوى فكانت نعم القدوة، ونعم الأسوة للمرأة المؤمنة.
واستعرضت جوانب مضيئة ونيرة من سيرة سيدة نساء العالمين وأم أبيها فاطمة الزهراء -عليها السلام – والعلاقة المتجذرة التي تربطها بأبيها أعظم الخلق وسيد المرسلين – محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ولفتت إلى أهمية تحصين المرأة بالثقافة القرآنية، والوعي الإيماني الراسخ في ظل هجمات العدو الشرسة لاستهداف المرأة في أخلاقها وقيمها وعفتها، والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
تخللت الفعاليات كلمات ومشاركات متنوعة، وقصائد وفقرات إنشادية معبِّرة عن المناسبة.