الوحدة نيوز:
2024-11-09@01:40:44 GMT

مطية التاريخ لكتابة فلسطين أخرى

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

مطية التاريخ لكتابة فلسطين أخرى

واسيني الأعرج*

أن نكتب عن فلسطين اليوم هذا يعني أننا نؤمن بحق يتمّ اليوم محوه وكأنه لم يكن موجوداً، وكأنه لا احتلال، وكأن 48 لم تكن، وكأن التهجير هو مجرد عملية ذهنية، وأن النكبة ليست أكثر من استهام مرضي سببه التمركز حول ذات منكسرة آن لها أن تأخذ حقائق الميدان بعين الاعتبار. وكأن فلسطين لم تكن أبداً.

عندما نكتب نحن نختار قدراً آخر للإنسانية. سنختار الحق مقابل الجريمة الموصوفة، ونختار الأرض مقابل الرشوة المالية، وسنختار -للأسف- الموت عند الضرورات القصوى، بدل العيش في المذلة.

انتابتني هذه الهواجس مجتمعة وأنا أكتب سوناتا لأشباح القدس.

فأنا أدرك مسبقاً أن الكتابة عن فلسطين تقتضي بالضرورة أن نؤمن بكل هذا مسبقاً. أن نكتب عن القدس تحديداً هذا يعني أنه علينا أن نخوض معركة بلا هوادة ضد الذاكرة الوهمية وأن نعيد تركيب القطع الزجاجية للمدينة للحصول على القدس، قدس الكتابة التي ترتبط بالتاريخ الجمعي، ولكن أيضاً بالتاريخ الفردي والرؤية الذاتية. أي هي منجز جمعي ولكن لا قيمة له إذا لم تتم صياغته نصياً لأنه سينتقل من الواقع الموضوعي باتجاه الرواية مما يعني بالضرورة بأن القادس قد تفقد شيئاً من انتمائها التاريخي، وتنحاز أكثر إلى فعل الكتابة بكل جانبه الجمالي. نكتب المدينة ولكن أيضاً نكتب جراحاتنا التي تسببت فيها هذه المدينة. عن أي قدس سنتحدث، تلك التي يريدها المسلم له وحده لأن بها من علاماته التاريخية والدينية الكثير؟ تلك التي يريدها المسيحي لأن بها كنيسة القيامة ودرب الآلام الذي قطعه سيدنا المسيح محملاً بصليبه؟ أم اليهودي الذي يبحث عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى محملاً المسلمين مسؤولية تدميره مع أن التاريخ يقول شيئاً آخر؟ أم قدس التجاور الديني المتعدد في مدينة عرفت بتسامحها. أي القدس التي تشكل مشتركاً إنسانياً من ناحية الاعتقاد؟ أرض تآلفت فيها الديانات التوحيدية الثلاث، مع رفض مسبق لمنطق الاحتلال الذي يريد أن يجعل من القدس معبراً نحو تاريخه الافتراضي.

كنت أتساءل وأنا أكتب سوناتا لأشباح القدس، ماذا يمكن لكاتب عربي، من المغرب الكبير، مشبع بفلسطين وبقدسها كما تلقاها منذ اللحظة الأولى، أن يفعل؟ كيف يمكنه أن يكون فلسطينياً ولو قليلاً، بعمله وتعاطفه، وأكثر، بكتاباته؟ هل يكتب رواية ليتخطى المسافات باللغة والمعاني المشبعة، كما يرفع الجزائري البسيط اليوم العلم الفلسطيني في كل حراكه الضخم فقط ليثبت للعالم بعفويته، أو على الأقل العالم الذي في رأسه، أن فلسطين ما تزال قضيته الأولى، وأن القدس عاصمتها، حتى ولو يئس من إخوة الدم والتاريخ؟ في أعماقي، أحسد هؤلاء الشباب العفويين الذين لم يصبهم ما أصاب المثقف. ما أصابنا، بالمقابل، لا يمكن لكاتب وصل إلى حالة إشباع قرائي وسياسي للحالة الفلسطينية، أن يقبل أيضاً بغير التاريخ الذي يعرفه وكبر عليه. يريد أن يكتب تاريخاً روائياً فيه ملمس التاريخ ولكن أيضاً الخصوصية، ويقول تلك اللحظة الصعبة التي لم ينتبه لها الآخرون. يحلم على الأقل. لا رواية من دون تلك اللحظة الاستثنائية، التي تصنع الإبداع، وإلا سيصبح الفعل الأدبي سيلاً من الكلمات المكررة. في الرواية التاريخية معاناة كبيرة لا توصف. الجهود المضنية تغيب وسط التاريخ نفسه واللغة المستعارة للتعبير عنه. لا بد من أن يكون هناك عنصر ما في هذا التاريخ جعل الهزائم تتكرر باستمرار، وفي حقب مختلفة، وبأشكال تكاد تكون متشابهة، وكأن الزمن لم يتغير، أو كأنه يتغير بالعودة إلى الوراء. أو ربما هناك نقطة في مساحة دائرية، كلما ابتعد عنها، وجد نفسه فيها في دوامة تكاد تتحول إلى قدر لا يمكن تفاديه.

ثم عن أي قدس سأتحدث وأنا أقلب أوراق التاريخ المرتبك؟ عن أي فلسطين سأكتب؟ فلسطين التاريخ كما في ثورتها الأولى التي صادفت بشكل غريب الحرب الأهلية الإسبانية 36؟ التاريخ كما عرفناه قبل 48؟، فلسطين المقاومة التي لم تتوقف أبداً؟ أم فلسطين الأمر الواقع التي تعيش اليوم أصعب صورها لولا بارقات الأمل التي يفتحها بعض المقاومين هنا وهناك في ظل تعنت إسرائيلي لن تعلمه سنوات التقتيل أي شيء، ونسي أن التطرف لا ينجب إلا التطرف. غلق الأبواب كلها وابتلاع فلسطين بما في ذلك الضفة الغربية، لا يمكنه إلا أن يزيد النار اشتعالاً.

حالات ثلاث تتحكم في تراجيدية الكتابة اليوم عن فلسطين. فلسطين التاريخية تغيرت كثيراً منذ قرار التقسيم الذي صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/ 1947، ورفضه العرب متّكلين على جيش إنقاذ عجز عن إنقاذ نفسه من هزيمة قاسية. لم يعد هذا التاريخ موجوداً بعد أن نهبت إسرائيل فلسطين كلها، حتى ما سمي دولة فلسطين، لم يبق منه الشيء الكثير. دولتان في بلاد واحدة: رام الله وغزة (يتم اليوم محوها من الخارطة شعباً وعمراناً بحقد غير مسبوق في ظل ميزان قوى تسيره أمريكا كما تشاء وفي ظل عجز أوروبا التي لم تعد قادرة على أي مقترح بعد أن وضعت إرادتها في يد من هو أقوى منها)، ومستوطنات على مد البصر تأكل آلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية الخصبة. فلسطين المقاومة؟ بدأت تضمحل منذ القبول باتفاقيات أوسلو. انتهت الانتفاضتان الأولى والثانية، والانتفاضة الثالثة أصبحت صعبة بعد المتغيرات على الأرض. ما يحدث في غزة اليوم هو مقاومة بعد اليأس من كل الحلول المفترضة؟ لم يعد للفلسطيني من سند إلا جسده؟ به يرفع سقف الرهانات كلها. فلسطين اليوم عرضة لكل عمليات الإفناء داخل اليأس العربي المعمم. مع أية فلسطين يتعامل الكاتب العربي اليوم؟ هل انغلقت سبل التحرر أم إن المثقف العربي لم يعد قادراً على إبداع فلسطين الأخرى؟ فلسطين المرايا الخفية التي تنبت فيها أحلام مقاومة الإذلال المبرمج. كيف يمكنه من داخل هذا الشتات الترابي أن يعيد ترميم وتخييل زمن آخر، أكثر قابلية للحياة. يبدو الأمر سهلاً على مستوى الخطاب العام، لكن على مستوى الفعل الإبداعي، سيختلف الأمر كلياً، إذ على الكاتب تفكيك اليقينيات التي لا تقبل بالهزيمة لتحليلها وإعادة قراءتها، دون تحويلها إلى انتصارات وهمية، أو البحث عن مشجب لتعليق الهزائم، كأننا في فرنسا بعد هزيمتها القاسية مع النمسا، في سبعينيات القرن التاسع عشر، حينما ألصقت خراب بنياتها العسكرية الداخلية في ضابط يهودي اسمه دريفوس، في ظل معاداة مستفحلة للسامية. ولولا كاتب عظيم مثل إيميل زولا الذي كاتب الرئيس في رسالة مشهورة حملت عنوان: إني أتهم. أعاد فيها بناء القصة كاملة، وتفكيك الهزيمة وآلياتها التي كشف فيها بالدليل القاطع أنه لا دخل فيها لدريفوس، لكن الهزيمة بنيوية في صلب الجيش الفرنسي نفسه في القرن التاسع عشر.

وأنا أكتب سوناتا لأشباح القدس لم تكن المشكلات السياسية وحدها الحاضرة في رأسي وقلبي، فقد كنت مسلحاً بكل هذا وبأكبر منه. كنت داخل هاجس الموت الذي يصيب الأوطان. متى تموت أرض هي مرجعنا الروحي الأساسي؟ عندما تصبح بين أيدي الغير. انتابني هذا الإحساس وأنا أفكر في المناضل والباحث الكبير الفلسطيني العظيم، إدوارد السعيد، وهو مريض بسرطان الدم، الذي أكل جسده في الخفاء قبل أن يسرقه من هذه الدنيا في 25 سبتمبر 2003، بأحد مستشفيات نيويورك، عن عمر ناهز 67 سنة، ثم كتب وصيته بأن يدفن في المدينة التي تربى فيها، في القدس، لكن السلطات العسكرية الإسرائيلية منعته من ذلك ميتاً، فأوصى بحرق جثته ونثر ودفن رماده في لبنان. وهو ما تم في 30 أكتوبر 2003 فنقل رماده إلى مقبرة برمّانا الإنجيلية بحضور عائلته.

 

روائي جزائري

 

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

سعر الذهب في فلسطين اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024

سعر الذهب.. شهد سعر الذهب في فلسطين اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024، حالة من التراجع الملحوظ، ليصل سعر الذهب عيار 24 إلى 328 شيكل، بينما سجل سعره أمس 331 شيكل

سعر الذهب في فلسطين

وتوفر «الأسبوع»، لمتابعيها كل ما يخص سعر الذهب في فلسطين، وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات.

سعر الذهب سعر الذهب في فلسطين اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024 سعر الذهب شيكل
عيار 24 328 شيكل
عيار 22 300.75 شيكل
عيار 21 287 شيكل
عيار 18 246 شيكل
عيار 14 191.50 شيكل
عيار 12 164 شيكل
سعر الذهب في فلسطين اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024 سعر الذهب عيار 24

سجل سعر الذهب عيار 24 نحو 328 شيكل.

سعر الذهب عيار 22

بلغ سعر الذهب عيار 22 اليوم في فلسطين نحو 300.75 شيكل.

سعر الذهب سعر الذهب عيار 21

وصل سعر الذهب عيار 21 في فلسطين إلى 287 شيكل.

سعر الذهب عيار 18

سجل سعر الذهب عيار 18نحو 246 شيكل.

سعر الذهب عيار 14

وصل سعر جرام الذهب عيار 14 إلى 191.50 شيكل.

سعر جرام الذهب عيار 12

سعر جرام الذهب عيار 12 اليوم في فلسطين سجل نحو 164 شيكل.

سعر الذهب اليوم سعر الجنيه الذهب

بلغ سعر الجنيه الذهب اليوم نحو 2296.75 شيكل.

سعر أوقية الذهب

سعر أوقية الذهب اليوم في فلسطين، وصلت إلى 10205.50 شيكل، بينما سجل سعرها بالدولار نحو 2731.87

اقرأ أيضاًسعر الذهب في البحرين اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024.. عيار 21 يسجل هذا الرقم

سعر النصف الجنيه الذهب اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024

مقالات مشابهة

  • الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الجمعة 8 نوفمبر
  • فلسطين.. إصابات جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا شرقي خان يونس
  • تعداد بلا قوميات: محاولة لكتابة سرد جديد لوحدة العراق
  • ما الثمن الذي ستدفعه القدس خلال ولاية ترامب الجديدة؟
  • مرشد سياحي: خيبر تعد أولى مناطق العالم التي اكتشف فيها قرية من العصر البرونزي
  • الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الخميس 7 نوفمبر
  • فلسطين.. إصابة شاب برصاص قوات الاحتلال في بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة
  • سعر الذهب في فلسطين اليوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024
  • راقصًا على أنغام الفوز.. ترامب يعلن النصر: صنعنا التاريخ اليوم| شاهد
  • الانتخابات الأمريكية 2024.. أبرز الولايات التي يتفوق فيها ترامب على هاريس