الوحدة نيوز:
2024-12-19@02:21:06 GMT

مطية التاريخ لكتابة فلسطين أخرى

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

مطية التاريخ لكتابة فلسطين أخرى

واسيني الأعرج*

أن نكتب عن فلسطين اليوم هذا يعني أننا نؤمن بحق يتمّ اليوم محوه وكأنه لم يكن موجوداً، وكأنه لا احتلال، وكأن 48 لم تكن، وكأن التهجير هو مجرد عملية ذهنية، وأن النكبة ليست أكثر من استهام مرضي سببه التمركز حول ذات منكسرة آن لها أن تأخذ حقائق الميدان بعين الاعتبار. وكأن فلسطين لم تكن أبداً.

عندما نكتب نحن نختار قدراً آخر للإنسانية. سنختار الحق مقابل الجريمة الموصوفة، ونختار الأرض مقابل الرشوة المالية، وسنختار -للأسف- الموت عند الضرورات القصوى، بدل العيش في المذلة.

انتابتني هذه الهواجس مجتمعة وأنا أكتب سوناتا لأشباح القدس.

فأنا أدرك مسبقاً أن الكتابة عن فلسطين تقتضي بالضرورة أن نؤمن بكل هذا مسبقاً. أن نكتب عن القدس تحديداً هذا يعني أنه علينا أن نخوض معركة بلا هوادة ضد الذاكرة الوهمية وأن نعيد تركيب القطع الزجاجية للمدينة للحصول على القدس، قدس الكتابة التي ترتبط بالتاريخ الجمعي، ولكن أيضاً بالتاريخ الفردي والرؤية الذاتية. أي هي منجز جمعي ولكن لا قيمة له إذا لم تتم صياغته نصياً لأنه سينتقل من الواقع الموضوعي باتجاه الرواية مما يعني بالضرورة بأن القادس قد تفقد شيئاً من انتمائها التاريخي، وتنحاز أكثر إلى فعل الكتابة بكل جانبه الجمالي. نكتب المدينة ولكن أيضاً نكتب جراحاتنا التي تسببت فيها هذه المدينة. عن أي قدس سنتحدث، تلك التي يريدها المسلم له وحده لأن بها من علاماته التاريخية والدينية الكثير؟ تلك التي يريدها المسيحي لأن بها كنيسة القيامة ودرب الآلام الذي قطعه سيدنا المسيح محملاً بصليبه؟ أم اليهودي الذي يبحث عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى محملاً المسلمين مسؤولية تدميره مع أن التاريخ يقول شيئاً آخر؟ أم قدس التجاور الديني المتعدد في مدينة عرفت بتسامحها. أي القدس التي تشكل مشتركاً إنسانياً من ناحية الاعتقاد؟ أرض تآلفت فيها الديانات التوحيدية الثلاث، مع رفض مسبق لمنطق الاحتلال الذي يريد أن يجعل من القدس معبراً نحو تاريخه الافتراضي.

كنت أتساءل وأنا أكتب سوناتا لأشباح القدس، ماذا يمكن لكاتب عربي، من المغرب الكبير، مشبع بفلسطين وبقدسها كما تلقاها منذ اللحظة الأولى، أن يفعل؟ كيف يمكنه أن يكون فلسطينياً ولو قليلاً، بعمله وتعاطفه، وأكثر، بكتاباته؟ هل يكتب رواية ليتخطى المسافات باللغة والمعاني المشبعة، كما يرفع الجزائري البسيط اليوم العلم الفلسطيني في كل حراكه الضخم فقط ليثبت للعالم بعفويته، أو على الأقل العالم الذي في رأسه، أن فلسطين ما تزال قضيته الأولى، وأن القدس عاصمتها، حتى ولو يئس من إخوة الدم والتاريخ؟ في أعماقي، أحسد هؤلاء الشباب العفويين الذين لم يصبهم ما أصاب المثقف. ما أصابنا، بالمقابل، لا يمكن لكاتب وصل إلى حالة إشباع قرائي وسياسي للحالة الفلسطينية، أن يقبل أيضاً بغير التاريخ الذي يعرفه وكبر عليه. يريد أن يكتب تاريخاً روائياً فيه ملمس التاريخ ولكن أيضاً الخصوصية، ويقول تلك اللحظة الصعبة التي لم ينتبه لها الآخرون. يحلم على الأقل. لا رواية من دون تلك اللحظة الاستثنائية، التي تصنع الإبداع، وإلا سيصبح الفعل الأدبي سيلاً من الكلمات المكررة. في الرواية التاريخية معاناة كبيرة لا توصف. الجهود المضنية تغيب وسط التاريخ نفسه واللغة المستعارة للتعبير عنه. لا بد من أن يكون هناك عنصر ما في هذا التاريخ جعل الهزائم تتكرر باستمرار، وفي حقب مختلفة، وبأشكال تكاد تكون متشابهة، وكأن الزمن لم يتغير، أو كأنه يتغير بالعودة إلى الوراء. أو ربما هناك نقطة في مساحة دائرية، كلما ابتعد عنها، وجد نفسه فيها في دوامة تكاد تتحول إلى قدر لا يمكن تفاديه.

ثم عن أي قدس سأتحدث وأنا أقلب أوراق التاريخ المرتبك؟ عن أي فلسطين سأكتب؟ فلسطين التاريخ كما في ثورتها الأولى التي صادفت بشكل غريب الحرب الأهلية الإسبانية 36؟ التاريخ كما عرفناه قبل 48؟، فلسطين المقاومة التي لم تتوقف أبداً؟ أم فلسطين الأمر الواقع التي تعيش اليوم أصعب صورها لولا بارقات الأمل التي يفتحها بعض المقاومين هنا وهناك في ظل تعنت إسرائيلي لن تعلمه سنوات التقتيل أي شيء، ونسي أن التطرف لا ينجب إلا التطرف. غلق الأبواب كلها وابتلاع فلسطين بما في ذلك الضفة الغربية، لا يمكنه إلا أن يزيد النار اشتعالاً.

حالات ثلاث تتحكم في تراجيدية الكتابة اليوم عن فلسطين. فلسطين التاريخية تغيرت كثيراً منذ قرار التقسيم الذي صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/ 1947، ورفضه العرب متّكلين على جيش إنقاذ عجز عن إنقاذ نفسه من هزيمة قاسية. لم يعد هذا التاريخ موجوداً بعد أن نهبت إسرائيل فلسطين كلها، حتى ما سمي دولة فلسطين، لم يبق منه الشيء الكثير. دولتان في بلاد واحدة: رام الله وغزة (يتم اليوم محوها من الخارطة شعباً وعمراناً بحقد غير مسبوق في ظل ميزان قوى تسيره أمريكا كما تشاء وفي ظل عجز أوروبا التي لم تعد قادرة على أي مقترح بعد أن وضعت إرادتها في يد من هو أقوى منها)، ومستوطنات على مد البصر تأكل آلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية الخصبة. فلسطين المقاومة؟ بدأت تضمحل منذ القبول باتفاقيات أوسلو. انتهت الانتفاضتان الأولى والثانية، والانتفاضة الثالثة أصبحت صعبة بعد المتغيرات على الأرض. ما يحدث في غزة اليوم هو مقاومة بعد اليأس من كل الحلول المفترضة؟ لم يعد للفلسطيني من سند إلا جسده؟ به يرفع سقف الرهانات كلها. فلسطين اليوم عرضة لكل عمليات الإفناء داخل اليأس العربي المعمم. مع أية فلسطين يتعامل الكاتب العربي اليوم؟ هل انغلقت سبل التحرر أم إن المثقف العربي لم يعد قادراً على إبداع فلسطين الأخرى؟ فلسطين المرايا الخفية التي تنبت فيها أحلام مقاومة الإذلال المبرمج. كيف يمكنه من داخل هذا الشتات الترابي أن يعيد ترميم وتخييل زمن آخر، أكثر قابلية للحياة. يبدو الأمر سهلاً على مستوى الخطاب العام، لكن على مستوى الفعل الإبداعي، سيختلف الأمر كلياً، إذ على الكاتب تفكيك اليقينيات التي لا تقبل بالهزيمة لتحليلها وإعادة قراءتها، دون تحويلها إلى انتصارات وهمية، أو البحث عن مشجب لتعليق الهزائم، كأننا في فرنسا بعد هزيمتها القاسية مع النمسا، في سبعينيات القرن التاسع عشر، حينما ألصقت خراب بنياتها العسكرية الداخلية في ضابط يهودي اسمه دريفوس، في ظل معاداة مستفحلة للسامية. ولولا كاتب عظيم مثل إيميل زولا الذي كاتب الرئيس في رسالة مشهورة حملت عنوان: إني أتهم. أعاد فيها بناء القصة كاملة، وتفكيك الهزيمة وآلياتها التي كشف فيها بالدليل القاطع أنه لا دخل فيها لدريفوس، لكن الهزيمة بنيوية في صلب الجيش الفرنسي نفسه في القرن التاسع عشر.

وأنا أكتب سوناتا لأشباح القدس لم تكن المشكلات السياسية وحدها الحاضرة في رأسي وقلبي، فقد كنت مسلحاً بكل هذا وبأكبر منه. كنت داخل هاجس الموت الذي يصيب الأوطان. متى تموت أرض هي مرجعنا الروحي الأساسي؟ عندما تصبح بين أيدي الغير. انتابني هذا الإحساس وأنا أفكر في المناضل والباحث الكبير الفلسطيني العظيم، إدوارد السعيد، وهو مريض بسرطان الدم، الذي أكل جسده في الخفاء قبل أن يسرقه من هذه الدنيا في 25 سبتمبر 2003، بأحد مستشفيات نيويورك، عن عمر ناهز 67 سنة، ثم كتب وصيته بأن يدفن في المدينة التي تربى فيها، في القدس، لكن السلطات العسكرية الإسرائيلية منعته من ذلك ميتاً، فأوصى بحرق جثته ونثر ودفن رماده في لبنان. وهو ما تم في 30 أكتوبر 2003 فنقل رماده إلى مقبرة برمّانا الإنجيلية بحضور عائلته.

 

روائي جزائري

 

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

في اليوم العالمي للغة العربية.. رحلة لغة الضاد التي توجت بحروف من نور تضيء بآيات القرآن الكريم وسياسة الاعتماد الدولي بعد سنوات عجاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يوافق اليوم الأربعاء، 18 ديسمبر من كل عام، الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، تقديرًا لهذه اللغة العظيمة، "لغة الضاد"، ومكانتها الكبيرة، تحت شعار "العربية والذكاء الاصطناعي: تحفيز الابتكار وصون التراث الثقافي".

وتعد اللغة العربية هي لغتنا التي شرفها الله تعالى بأن أنزل بها القرآن الكريم من فوق سبع سماوات؛ وعلينا أن نعتز جميعا باللغة العربية وأهمية الحفاظ على هذه اللغة، وتعلمها.

ويهدف اليوم العالم للغة العربية، إلى تعزيز استخدام اللغة العربية، والاعتراف بمكانتها الثقافية، والإرثية في العالم، ويعد هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية في التواصل العالمي، وفي الثقافة والفكر العربي.

تاريخ الاحتفال

قررت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام؛ لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، خلال انعقاد الدورة 190 لـ "المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو".

وصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الدورة التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر 1954، والذي يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، وشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وعلى أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية، أو قانونية تهم الدول العربية.

هذا الأمر تطور في عام 1960؛ حيث اتخذت منظمة اليونسكو قرارًا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية، وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية.

بينما في عام 1966، تم اعتماد قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو، وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية، ومن العربية إلى لغات أخرى، في إطار الجلسات العامة.

وفي عام 1968، تم اعتماد اللغة العربية تدريجياً كـ "لغة عمل" في منظمة اليونسكو، التابعة لـ الأمم المتحدة، مع البدء بترجمة وثائق العمل، والمحاضر الحرفية، وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى اللغة العربية.

وبعد هذا التاريخ، استمر الضغط الدبلوماسي العربي، وتحديدا من دولة المغرب الشفيفة، بالتعاون مع بعض الدول العربية الأخرى، إلى أن تمكنوا من جعل اللغة العربية تُستعمل كلغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في سبتمبر 1973.

وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارا يقضي بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وباقي هيئاتها، ترتب عنه صدور قرار الجمعية العامة رقم 3190 خلال الدورة 28 في ديسمبر 1973 يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة وهيئاتها.

وفي أكتوبر من عام 2012، وعند انعقاد الدورة 190 لـ المجلس التنفيذي لليونسكو، تقرر تكريس هذا اليوم 18 ديسمبر من كل عام ليكون اليوم العالمي للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم.

وفي 23 أكتوبر من عام 2013، قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية "آرابيا" التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية، كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.

لغة عالمية

قالت الأمم المتحدة، في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية 2024، إن العربية لغة عالمية ذات أهمية ثقافية جمّة، إذ يبلغ عدد الناطقين بها ما يربو عن 450 مليون شخص، وهي تتمتع بصفة لغة رسمية في نحو 25 دولة، ومع ذلك، فإن المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3%؛ مما يحد من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به.

وتابعت المنظمة، أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، فضلًا عن ذلك، مثَّلت اللغة العربية كذلك حافزًا إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي.

كما قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، أن اليوم العالمي للغة العربية الذي تنظمه اليونسكو يوفر منبرًا تفاعليًا يعزز الحوار والتبادل والتفاهم، وذلك احتفاءً بأهمية اللغة العربية على الصعيد العالمي، فضلًا عن السعي إلى جمع المتحدثين من مختلف الفئات وتعزيز الروابط الثقافية.

مقالات مشابهة

  • ما أسباب الدوار الذي أصاب رئيس الوزراء اليوم؟
  • رسالة قوية من مصر وإندونيسيا للممارسات الإسرائيلية في فلسطين
  • سعر الذهب في فلسطين اليوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024
  • في اليوم العالمي للغة العربية.. رحلة لغة الضاد التي توجت بحروف من نور تضيء بآيات القرآن الكريم وسياسة الاعتماد الدولي بعد سنوات عجاف
  • الأرصاد الجوية: أحوال طقس فلسطين اليوم وغدا
  • المطران عطا الله حنا: يجب أن تتوقف الحرب التي يدفع فاتورتها المدنيين الأبرياء
  • محمد بن راشد: من حلب مدينة التاريخ والعلم نحتفي اليوم بنبوغ البروفسور أسامة خطيب
  • محمد بن راشد: من سوريا أرض الحضارات ومن حلب مدينة التاريخ والعلم نحتفي اليوم بنبوغ أسامة خطيب
  • أحوال طقس فلسطين ودرجات الحرارة اليوم الإثنين
  • أسعار العملات في فلسطين - سعر صرف الدولار اليوم