المولد النبوي بين الخصوصية والعموم «4»
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
قرائي الكرام: إن مولد نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) كان له من العموم ما جعل الفرح بنوره يعم الأماكن والأزمان، وكلما جاء زمن جديد عمّ على احتفال أكثر وأعم من سابقه، لأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، (فإِنَّ مِيلَادَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ حَقًّا إِيذَانًا بِزَوَالِ الظُّلْمِ وانْدِثَارِعَهْدِهِ، وانْدِكَاكِ مَعَالِمِهِ)(اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون 1/ 77).
وعلى العموم فالمسلمون يحتفلون كل عامٍ في الثاني عشر من ربيع الأول بذكرى مولد خير البرية، هادى البشرية، المبعوث للإنسانية، ويجعل البعض هذه الذكرى المباركة من هذا اليوم المبارك عيداً للمسلمين، لما يغمرهم من السعادة بها، فالسعادة بمولد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) قد سعدت به الأكوان جميعها، ظهر ذلك في محبته (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين في زمانه وبعد موته، وقد استمرتتلك السعادة بمولده الشريف إلى يومنا هذا، وستظل إلى أن تقوم الساعة، وقد اجتهد الناس في إظهار ذلك الشعور الجميل تجاه النبي الكريم (عليه الصلاة والسلام)، وذلك باستظهار واستذكار وحب النبي(صلى الله عليه وسلم)وذلك عبر الأزمنة وحسب الأمكنة والأمصار والأقطار والأعراف والثقافات والعادات،ومنهم من اقتصد في ذلك، لأنهم بذلك يعبرون عن محبتهم للنبي (صلى الله عليه وسلم)، أما إحياء سنته واتباعها والدعوة إليها وتعليمها للناس والدفاع عنها، وقد توسع بعض الناس فيها، ولكن لابد من عدم المبالغة والمغالاة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(وإما محبة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعظيماً له – والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، وعدم اتخاذ مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عيدًا – مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا، لكان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحق به منَّا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعظيماً له منَّا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمهـ صلى الله عليه وسلم ـ في متابعته، وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنَّتهباطنًا وظاهرًا، ونشر ما بُعث به، والجهاد على ذلكبالقلبواليد واللسان؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان).
فالاحتفال بالمولد النبوي سعادة ندخلها على قلوبنا نحيي بها قلوبنا فإن (محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكون باتباع سنته، وتعليمها ونشرها بين الناس والدفاع عنها، وهذه هي طريقة الصحابة ـ رضي الله عنهم)(اقتضاء الصراط، ص: 294،295).
ومن هنا فلا حرج أن يعبر المسلمون عن مظاهر الاحتفال بذكرى المولد النبوي بتوزيع بعض الحلوى أوالعصائر أوبعض الأطعمة أو الجلوس في المساجد والجوامع والمراكز الإسلامية بل والمدارس والجامعات ودور العلم وأماكن تواجد الناس، لتذكيرهم بمولد نبيهم وشفيعهم يوم يقوم الناس لرب العالمين،فيلقون الدروس والخطب والمواعظ والعبر وتذكير هم بصفة عامة عن حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسيرته المباركة وخاصة مولده الشريف،فما أحوجنا نحن المسلمون إلى ذلك لتجمعنا وتوحدنا هذه الذكرى المباركةفالاحتفال بالمولد النبوي على العموم يجمع بين ربوع المسلمين من الأمة الإسلامية على الرغم من اختلاف لغاتهم وألوانهم وأشكالهم وأعراقهم وبلدانهم وأقطارهم، وهذه النقطة غاية في الأهمية والإيجابية التي تظهر للعالم وحدة أمة الإسلام واتحادهم وتجمعهم على كلمة سواء، بالإضافة إلى تعبيرهم من خلال المولد النبوي عن حبهم وتقديرهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا الذي يعكس عليهم مزيدًا من الخلق الحسن والمعاملة الطيبة والسلوك المحترم، ولم لا؟ وقد كان ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ نموذجًا للخلق الحسن والتواضع كرم العطاء وحسن الأداء، ومولده الشريف يعتبر فرصة لتذكير الناس ليقلدوه ويتبعوا سنته ويسيروا وفق تعاليمه ويقتدوا بسلوكه ويطبقوا تعاليمهوهذا ـ في رأيي ـ واجب ديني وأخلاقي، أليس الاحتفال بالمولد النبوي انعكاسللقيم الإنسانية والاجتماعية التي دعا إليها سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من تشجيع لنا على القيام بالمزيدمن الأعمال الخيرية والحسنة كالطعام الذي يوزع على المحتاجين وتقديم يد العون للمساكين والفقراء واليتامى والمحتاجين، ومجاملة الأصدقاء والمحبين وسائر المسلمين، فصلوا عليه ما تكررت الأزمان وما توالت العصور، وزيدوه تسليما على مر الدهور.
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ـ صلى الله علیه وسلم ـ
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس جامعة الأزهر: الرجال والنساء تحملوا عبء الدعوة مع النبي
شهد الدكتور رمضان عبد الله الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، ندوة تثقيفية حول" مجابهة العنف ضد المرأة والتطرف " بكلية الاقتصاد المنزلي بطنطا، بالتعاون مع إدارة رعاية الطلاب بأمانة وجه بحري، ومرصد الأزهر، وفرع المجلس القومي للمرأة بكفر الشيخ .
تأتي الندوة في إطار مبادرة رئاسة الجمهورية (بداية)، وبرعاية كريمة من الدكتور سلامة داود، رئيس الجامعة، والدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري.
وفي كلمته بين الصاوي، أن الله-سبحانه وتعالى- كرم بني آدم جميعًا "ذكرًا وأنثى "مستشهدًا بقوله تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" كما ساوي الله-سبحانه وتعالى- بين النوعين في الجزاء على العمل " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ"، كما أن الله-سبحانه وتعالى- رد الخلق جميعا إلى الذكر والأنثي " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
وأوضح أن دور المرأة المشاركة في كل شيء مستدلًا بحادث النبوة حين أسرع النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى زوجته خديجة -رضي الله عنها-، ودخل خائفًا يرتجف ينادي: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فَقالَ: يا خَدِيجَةُ، ما لي؟ وأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وقالَ: قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ".
وأضاف أن الرجال والنساء تحملوا عبء هذه الدعوة مع النبي محمد-صلى الله عليه وسلم-، حينما قال: " خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء "، كما أن النساء هاجرن إلى الحبشة، وكان من بينهم من حضر بيعة العقبه"، كما أن أم سلمة خرجت لتهاجر فمنعها أهلها وأخذوا ولدها " قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم، حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، انطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرقوا بيني وبين زوجي وبين ابني، قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تحرجون من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت".
وأكد الصاوي، أن الاسلام حين جاء أنصف المرأة وأعطاها حقوقها المهضومة قبل ذلك في الجاهلية، مستدلًا بقوله تعالى: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم".
وتابع: للمرأة حقًا في أن تكون لها ذمة مالية مستقلة، ويكون لها نسب يتصل بأهلها، وهذا لا يعترف به الغرب، كما كانوا في الجاهلية يحرمونها من حقوقها "مستشهدًا بما حدث عندما توفي سعد بن الربيع وعدى أخوه على ماله، وجاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد ، فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالا ، ولا تنكحان إلا ولهما مال ، قال : يقضي الله في ذلك . فأنزلت آية المواريث ، فبعث إلى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك.
وأكد أن الإسلام حرم العنف ضد المرأة، فأوصى الفاتحين ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ، كما مر صلى الله عليه وسلم في غزوة فوجد امرأة مقتولة، فغضب غضبًا شديدًا، وأنكر ذلك.
ومن جانبها قالت الدكتورة شرين جلال محفوظ، عميدة الكلية، إن مثل هذه اللقاءات التي تقام بالكلية وتدعمها رعاية الطلاب بالجامعة والوجه البحري، نافذة على عالم رحب تتطلع فيه الطالبات إلى الفهم العميق للقضايا المعاصرة مما تعم به الفائدة.
واكدت على حرص الجامعة بتخريج شباب قادرٍ على معاصرة كل ما هو جديد، محافظ على القيم والمبادئ تحت مظلة الكتاب والسنة.
من جانبه استعرض الدكتور محمد بناية، مشرف وحدة التطوير والمتابعة بمرصد الأزهر الشريف، صورًا من الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية؛ لاسيما في ظل استمرار الصمت الدولي وازدواجية المعايير الغربية، والتي تنوعت بين العنف الجسدي، والنفسي، والاجتماعي، وهى تعيش حالة من عدم الاستقرار والقلق المستمر والخوف الدائم، نتيجة التهجير القسري، وقصف المنازل، وتدمير البنية التحتية، وبهذا تتخطى تحديات المرأة الفلسطينية أُطر الحياة اليومية.
فيما ناقش الدكتور عبد الله عابدين، مشرف وحدة الرصد باللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر الشريف مفهوم "الإسلاموفوبيا سبب في معاناة المرأة في أوروبا"و تداعيات ظاهرة إرهاب الإسلام على أبناء الجالية الإسلامية وبخاصة النساء والأطفال، إذ تحول الخوف المرضي من الإسلام إلى ممارسة التمييز والعنصرية ضد المسلمين لمجرد كونهم مسلمين.
وأضاف أن تنظيمات اليمين المتطرف تستغل الأزمات البيئية والمجتمعية، في نشر أفكارها العنصريَّة واستقطاب عدد كبير من الشباب، والترويج للأيديولوجية المتطرفة، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات ضد اللاجئين والأجانب، مستغلة بعض الأزمات كسلاحٍ ضد الأجانب بشكلٍ عام والمُسلمين بشكل خاص.
فيما تناول الدكتور إيهاب شوقي، مشرف وحدة التقارير الدورية بالمرصد، الحديث عن إساءة التنظيمات الإرهابية استغلال المرأة؛ لاسيما بعد أن تبين أن أعداد النساء في صفوف تنظيم داعش الإرهابي تشكل نحو (15%) من إجمالي عناصر التنظيم، موضحًا أن ذلك اتضح بعد ضعف التنظيم عام 2015م.
و من هذا المنطلق حرص المرصد على إصدار كتاب باسم (النساء في صفوف الجماعات المتطرفة)، ثم انتقل للحديث عن أساليب استقطاب التنظيمات الإرهابية للنساء، وكيفية الوقاية منها.