كتب- محمود مصطفى وأ ش أ:
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن الدفاع عن الأرض والعرض حق وأمانة والاستشهاد في سبيل الله حق وأمانة، وإقامة كيان على زور من التاريخ باطل وخيانة، وقصف المدنيين الآمنين باطل وخيانة، وسكوت المؤسسات المعنية باطل وخيانة، ناقلا صادق دعوات الأزهر الشريف وإمامه الأكبر إلى الشعب الفلسطيني الصامد الذي يتمسك بأرضه، ويقف بكل بسالة وبطولة في وجه الآلة الإسرائيلية المتغطرسة، وتأكيده أن استهداف المدنيين وقصف المؤسسات جريمة حرب مكتملة الأركان، ووصمة عار يسجلها التاريخ بأحرف من خزي على جبين الإسرائيليين.


وأضاف شيخ الأزهر -في كلمته التي ألقاها نيابة عنه وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني خلال كلمته في مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والذي جاء تحت عنوان" الفتوى وتحديات الألفية الثالثة" اليوم الأربعاء- أن هذا المؤتمر يشير ابتداء إلى ضرورة وجود تناغم بين الأصول والثوابت وبين المتغيرات والمستجدات، أو بحسب عنوان المؤتمر بين «الفتوى وتحديات الألفية الثالثة»، فيجمع بين الفتوى، وهي ركن ركين في الحياة، يبصر الإنسان بها طريقه إلى الله، ويلتمس الصواب في حركته مع الناس، ويدرك إدراكا واعيا موقفه من نفسه، وبين النظر إلى المستقبل، ومحاولة تعرف ملامحه، وما فيه من تحديات تعم جنبات الحياة.
وأوضح أن هذا المؤتمر يأتي حلقة في سلسلة الوعي الذي تعمل عليه المؤسسة الدينية في مصر؛ لمناقشة القضايا المعاصرة في إطار شرعي يستجيب للواقع وفي الوقت نفسه لا يخرج عن الثوابت، ويحفظ على الناس الضروريات الخمس، التي تدور حولها أحكام الشريعة، والتي عدها الإمام الشاطبي -رحمه الله- أسس العمران؛ بحيث لا يتصور عمران مجتمع ولا صلاح أمور أفراده إلا من خلال حفظها.
وأردف فضيلته أنه من المُسَلم به عند العقلاء أن العالم المعاصر يواجه تحديات في كثير من مجالات الحياة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وغير ذلك، مشيرا إلى أن هذه التحديات يتزايد حجمها ويتضاعف أثرها، دون أن تتوقف عند مكان بعينه.
وأوضح أن التحديات الاقتصادية أصبحت شديدة الوطأة؛ ينطق بآثارها فقر وجوع وحرمان وبطالة وفجوة متزايدة بين المعدمين والمترفين، وتحرم آثارها القاسية بيئات كثيرة من أقل مقومات الحياة، بسبب نظريات وممارسات اقتصادية منفلتة من الضوابط الأخلاقية، لا يجد المنظرون لها أي حرج في أن تسعد قلة من البشر على حساب الكثرة منهم، وأن تزداد بيئات غنى وثراء وتقدما ورخاء، وأن تزداد بيئات أخرى فقرا وجهلا ومرضا.
وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن التحديات الاجتماعية لا تقل خطرًا ولا أثرًا عن التحديات الاقتصادية؛ فإن المجتمع الدولي يعاني من تفكك واضطراب في نواته الصلبة، ألا وهي الأسرة؛ فباسم الحقوق والحريات خرجت علينا أصواتا منكرة شرعًا وعقلًا، وراحت تنادي مرة بعلاقات تأباها الفطرة السوية وكافة الأديان السماوية ، وتتناقض مع الكون الذي خلق الله فيه كل شيء ذكرًا وأنثى، وراحت تعلن مرات أخرى ما لا ينبغي إعلانه فهددت استقرار الأسرة.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي ضعفت فيه أصوات المؤسسات الرشيدة -ومنها مؤسساتنا الدينية- وهي تنادي بضرورة هذا الكيان وأهميته بالنسبة للأفراد وللمجتمعات على السواء، نرى مخططات شيطانية خبيثة ترفع شعارات براقة خادعة تحاول نقض عُرى هذا الميثاق الغليظ، وأما التحديات السياسية فيكفي أن نقرأ بعض الإحصائيات الدولية التي تكشف عن إنفاق مرعب في إنتاج أدوات تدمير الشعوب من أسلحة ومخدرات ورعاية جماعات تخريبية، تعمل على إشعال الحروب، وتجذير الخلافات، والعبث بالهويات والخصوصيات.
ولفت إلى أنه يكفي أن نتأمل خريطة العالم لنرى ما يجري فيها من تلاعب وعبث ومقامرة بالمجتمعات وأحلام أهلها، دون شعور بوخز من ضمير حي يتألم لمشاهد القتلى والجرحى والثكلى والمهجرين والنازحين، وقد يكفينا شرًا أن تلتزم المنظمات الدولية بما تعلنه في مواثيقها ولوائحها، ولكن المواثيق واللوائح والمعاهدات لا تعرف الطريق إلى بعض المجتمعات، ثم أنى تكون عدالة هذه المواثيق والمعاهدات والقائمين على حراستها يمنحون الأمن والسلام والرخاء من يشاءون، ويمنعونه عمن يشاءون.
وأوضح أن ما يحمله الربع الأول من المائة الأولى من الألفية الثالثة من تحديات ضاغطة ينذر بتحديات أكبر منها في بقية الألفية، وبالرغم من هذه التوقعات الصعبة فإن فتاوى الأمل والتفاؤل لا تتركنا نتوقف عند جلد ذواتنا، وإن فتاوى الإيجابية لا تدعنا نستغرق في الشكوى والأنين دون طلب العلاج؛ ولذا فإن من المهم أن نحاول وضع حل لهذه التحديات والأزمات، وأن يؤسس العلماء والمفتون لعهد جديد من «الإفتاء الواعي» ترتب فيه الأولويات، وتراعى فيه المقاصد والأعراف حتى نتمكن من مواجهة الواقع والمستقبل وتحدياته ومستجداته بفتاوى تقود المجتمعات إلى الأمن والسلام.
وشدد على أن من حق الناس على المفتين أن يوحدوا المناهج، بحيث ينحسم داء الفتوى بغير علم، ويستغني الناس أولاً عن فتاوى المولعين بالتكفير والتفسيق والتبديع، التي أدت بنا إلى إزهاق الأنفس المعصومة واستحلال الأموال المصونة، إضافة إلى ما تركته فينا من كراهية وشقاق، وإشغال للمجتمعات والأوطان عن أهدافها، وثانيًا عن حاملي لواء التيسير الذين ميعوا باسم التيسير الثوابت والأصول، وثالثًا عن متصيدي الغرائب الذين يجردون الفتاوى من ملابساتها وسياقاتها الزمانية والمكانية، ورابعًا عمن يبيحون لكل إنسان أن يفتي نفسه بما شاء، فيعطون بذلك صك الشرعية لكل عمل وإن كان مخالفًا لما استقر عليه العلماء.
وتساءل شيخ الأزهر كيف يتجرأ آحاد الناس فيفتون في مسائل الشأن العام مما لو عرضت إحداها على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر؟ وكيف يتبنى إنسان الاحتياط في الفتوى مطلقًا، وينسى أن يزاوج بين الاحتياط وقواعد التيسير الكلية «إذا ضاق الأمر اتسع»، وإذا كان من حق كل إنسان أن يفتي نفسه بما يشاء وأن يختار من الفتوى ما يهوى فما الحاجة عندئذ لهذه المجامع الفقهية وكليات الشريعة ودور الإفتاء .
وقال إن مثل هذه المعالجات هي في الحقيقة مجازفات ومغالطات وموجة من التمسح العلمي مستغربة عن فقهنا وعن مناهجنا وعن تاريخ أمتنا العلمي.
وشدد شيخ الأزهر أن الجرأة على الفتوى في شأن الناس والمجتمعات والأمم ممن لا علم له آفة خطيرة، وكثيرا ما تكلم عنها العلماء، ولكن من الآفات أيضا أن يسكت الأمناء عن بيان الحق، فلا تسمع لهم همسا، وإذا كنا نعاني من الفتاوى المعلبة والمستوردة من سياقات غريبة عن زمانها ومكانها، أو من الفتاوى التي لا تبرح الكتب والمؤلفات، والتي لا تعرف للناس طريقا، أو حتى تلك التي تصدر عن مؤتمرات يحدث فيها بعضنا بعضا؛ فإننا نعاني وبالقدر نفسه من عدم الفتوى في الوقت الذي يجب فيه أن تكون بيانا وهداية.
وتابع فضيلته بضرب مثال لمشكلة حية تتعلق بظاهرة التعدي على الحريات والخصوصيات، ومحاولة مسخ الهويات، والمتاجرة بآلام وآمال المجتمعات، ومنع بعض الشعوب من تقرير مصيرها، وإقامة دولتها؛ أين هذه الفتوى البصيرة التي تقوم لهذا العبث ولهذه الفوضى؟، أين هذه الفتوى المعاصرة التي جرمت هذا الإرجاف والإرهاب والتخريب والتقتيل والتشريد في زمن يتغنى بالحريات وحقوق الإنسان. أين هذه الفتوى التي تناولت محاولات الهيمنة وأدوات العولمة التي تحاول بكل ما تملك أن تحول بين حاضر الشعوب وماضيها وتراثها، وخاصة الشعوب العربية والإسلامية.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه مما ينبغي أن نتفطن له أن إحجام الفقهاء عن الاجتهاد في الوقائع المتغيرة والتحديات المتسارعة سيترك المجتمعات الإسلامية «للآخر» يملؤها بما يشاء، وهو «لون من الوقوع في فصل الدين عن الحياة، أو فصل الحياة عن الدين، وهو ما نتنكر له كشعار، ثم نمارسه كواقع»،والتاريخ يشهد أن سعي الإنسان المستمر للبحث والاكتشاف والتجديد والإبداع على مر العصور صحبه فقهاء وعلماء استطاعوا أن يكيفوا النوازل والمستجدات، دون تحريف، ولا بد من الاعتراف بأن التحديات التي حملتها بواكير الألفية الثالثة توجب النظر والتأمل والبحث الدقيق الرصين، وتفرض على العلماء والمفتين أن يجمعوا إلى الكتب والمقررات والتدريب والتأهيل المعتاد قلوبا مؤمنة وبصيرة نافذة وعقولا مسددة.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: مستشفى المعمداني طوفان الأقصى نصر أكتوبر الانتخابات الرئاسية حريق مديرية أمن الإسماعيلية أسعار الذهب فانتازي الطقس مهرجان الجونة السينمائي أمازون سعر الدولار أحداث السودان سعر الفائدة الحوار الوطني الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الأزهر الألفیة الثالثة شیخ الأزهر

إقرأ أيضاً:

ينفع أكل وأشرب حتى لو الفجر أذن في رمضان؟.. أمين الفتوى يجيب

أكد الدكتور أحمد عبد العظيم، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن من كان يأكل أو يشرب حتى سماع شهادة الأذان "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله" معتقدًا أن هذا جائز، فقد وقع في خطأ نتيجة أخذ العلم من غير أهله، موضحًا أن السنة الصحيحة هي الإمساك بمجرد سماع أذان الفجر.

وأضاف خلال حوار مع الإعلامية زينب سعد الدين، ببرنامج "فتاوى الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن هذه العادة لم تكن معروفة عند المسلمين طوال العصور الماضية، ولم يفتِ بها علماء الأمة الكبار مثل الإمام الخطابي (توفي 377هـ) والبيهقي (توفي 458هـ)، مشيرًا إلى أن من قام بذلك عليه التوبة إلى الله وأخذ العلم من مصادره الموثوقة فقط.

وأوضح أن الأحوط في هذه الحالة هو قضاء الأيام التي تم الصيام فيها بهذا الخطأ، ويُحدد الشخص عدد الأيام التي أكل أو شرب فيها أثناء الأذان بغلبة الظن، وإذا كان قضاء الأيام شاقًا عليه، يمكنه استبدال صيام النوافل بقضاء هذه الأيام، مثل صيام الاثنين والخميس بنيّة القضاء، أما إذا لم يكن يعلم أن هذا الفعل خطأ، فنرجو من الله أن يغفر له، لكن الاحتياط مطلوب في العبادات.

وأكد أن المسلم يباح له الأكل والشرب حتى بداية الأذان، لكن بمجرد سماع الأذان، يجب عليه الإمساك فورًا، وإذا كان هناك ماء في فمه يجب لفظه فورًا، ولا يجوز ابتلاعه بعد بدء الأذان.

وشدد على أهمية تحري العلم من مصادره الصحيحة، مشددًا على أن دار الإفتاء المصرية أوضحت مرارًا أن الإمساك يجب أن يكون مع بداية الأذان وليس بعد انتهائه، ناصحًا بعدم اتباع الفتاوى غير الموثوقة من وسائل التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: التاريخ يشهد أن الإسلام دين سلام بامتياز
  • باحثة فلكية: الميكروبات مفتاح فهم الحياة خارج الأرض ودعم المهمات الفضائية
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة
  • الاتحاد الإفريقي يدعو العالم لعدم الاعتراف بأيِّ كيان موازٍ في السودان
  • حكم من يفطر متعمدا في نهار رمضان؟.. أمين الفتوى يجيب
  • هل العصبية بين الزوجين تُفسد الصيام؟.. أمين الفتوى يجيب
  • ينفع أكل وأشرب حتى لو الفجر أذن في رمضان؟.. أمين الفتوى يجيب
  • بالفيديو.. هل العصبية بين الزوجين تُفسد الصيام؟.. أمين الفتوى يجيب
  • وزارة النفط تناقش التحديات التي تواجه الشركات النفطية في البصرة لرفع كفاءة عملها
  • النفط تناقش التحديات التي تواجه الشركات النفطية العاملة في البصرة