عددت في الجزء العوامل التي ساهمت في تأسيس النقابات، وفي الجزء الثاني وضع للنقابات خلال الحكم الوطني الأول، اما الجزء الثالث فقد كرسته لعرض النضال الباسل للنقابات ضد الحكم العسكري الأول. اليوم سأناقش دور انتصار الثورة على الحركة النقابية.

آثار إيجابية:
زادت ثقة القيادات العمالية في نفسها وفى حركتها بعد النضال المرير الذى خاضته ضد الحكم العسكري.

هذه الثقة بالنفس لم تكن مجرد اعتداد بما انجز من نضال وانما كانت دعما وتعميقا للثقة التاريخية التي تم اكتسابها في النضال خلال الاستعمار. وهذه الثقة لم تكن مجرد احساس بقوة الحركة وانما كانت ايضا ثقة في تنظيمها واساليب عملها وقدرة كوادرها على التضحية والاهم هي ثقة في دورها في الحياة السياسية العامة ومساهمتها في عملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي علاوة على الثقة في قدرتها على الاسهام الفعال في التغيير الحقيقي المؤدى لانتصار البديل الديمقراطي.
سنتعرض في هذا الجزء من الورقة للانعكاسات الايجابية والسلبية لانتصار ثورة اكتوبر على الحركة النقابية العمالية وكما سنناقش اثر الدور والوزن المكتسب للحركة العمالية على الفكر السياسي السوداني واخيرا سنتعرض باختصار الاثار بعيدة المدى لانتصار اكتوبر على مستقبل الحركة العمالية.
(أ) الاثار الايجابية لانتصار ثورة اكتوبر على الحركة العمالية:
ادى انتصار ثورة اكتوبر لملامسة الحركة العمالية لمواقع السلطة عن طريق مشاركتها في اعلى سلطة سياسية في البلاد ، وهو تطور نوعى هام في مسار الحركة العمالية ، كما ادى الزخم الاكتوبرى لسرعة الحركة في اعادة تنظيم نفسها وفى شمول تنظيمها لأقسام كبيرة من العاملين في وقت وجيز ، وفى تحسن خطابها من الشعارات الحماسية و دغدغة العواطف لخطاب متزن وموضوعي مبنى على الدراسات ، وفى نجاحها في خلق تحالف راسخ مع النقابات غير العمالية ، وفى تبنيها لقضايا التغيير الاجتماعي والسياسي وفى تمترسها العلني في خندق قوى التغيير.
اهم الاثار الايجابية لانتصار ثورة اكتوبر هو تمثيل الحركة العمالية في اعلى سلطة في البلاد حيث تم اختيار الشفيع احمد الشيخ كممثل للعمال في وزارة اكتوبر الاولى. واختيار الشفيع كان تعبيرا عن الوزن الجديد للحركة العمالية في الحياة السياسية. اسلوب الاختيار نفسه ، كان تعبيرا عن ديمقراطية الحركة النقابية العمالية حيث تم اختيار الشفيع بواسطة انتخابات تحت اشراف القاضي ابيل اللير ومسجل النقابات من داخل اجتماع مجالس ادارات النقابات المنتخبة ، التي حلها الحكم العسكري ، وقد حضر الاجتماع ممثلو 79 نقابة. وكانت هذه المشاركة في السلطة السياسية ، اعترافا حقيقيا بالدور الذى لعبته الحركة النقابية وتجسيدا لوزنها الكبير والمتزايد في الحياة السياسية السودانية. المشاركة في السلطة ادت بالنقابات للمطالبة بتخصيص دوائر انتخابية للعمال والمزارعين اسوة بدوائر الخريجين.
فجرت روح ثورة اكتوبر طاقات تنظيمية كامنة في الحركة النقابية العمالية. حيث تقرر في الاجتماع الاول لقيادة اتحاد العمال اعادة تنظيم هيئات ومكاتب الاتحاد ، وبعث الحياة فيها بعد ان جمدها الحكم العسكري تماما. واقر الاجتماع الثاني الآتي: اقامة ليالي عمالية ، اقرار لائحة الاتحاد ، اصدار جريدة الطليعة ( لسان حال الاتحاد ) فورا ، تكوين لجان متخصصة ، تحويل المنازعات العمالية ، الى لجنة المنازعات المنبثقة عن اللجنة التنفيذية. وفى الثالث من نوفمبر 1964 انعقد الاجتماع الثالث والذى قررتأييد حكومة الثورة والجبهة الوطنية للهيئات ،التبرع بمرتب يوم كامل من مرتبات العمال في ديسمبر وتوريدها للخزينة العامة دعما لها ، تجميد المطالب الاقتصادية المتعلقة بميزانية الدولة ، تقديرا للظروف المالية السيئة والموروثة ، حل مشكلة العطالة ، ضرورة الاسراع بتسوية المنازعات العمالية القائمة ، وقف التشريد فورا، تعديل القوانين العمالية ،بناء النقابات والاتحادات الفرعية ، ضرورة اشراك العمال الجنوبيين في المنظمات النقابية. تبرع الشفيع بمرتبه الوزاري لاتحاد العمال ، في الاجتماع الخامس ، لدعم ماليته ، وتقرر في نفس الاجتماع الشروع فورا في اجراء دراسات حول مشكلة المساكن الشعبية ، ودراسة اسباب الاضرابات الفجائية في القطاع الخاص ، ودراسة مشروع الضمان الاجتماعي ونظمت قيادة الاتحاد اجتماعا عاما مكرسا لقضايا عمال القطاع الخاص ، انعقد في 29 نوفمبر 1964 ، وحضرته 24 نقابة وتم الاتفاق على حل المنازعات عن طريق المفاوضات وضرورة فتح مكاتب للاتحاد بالقرب من اماكن العمل في المدن الثلاث لمتابعة المنازعات والمشاكل اليومية ويشرف على تلك المكاتب نقابيون متفرغون.
كما ادت الثورة لما يمكن ان نسميه بنضج خطاب الحركة النقابية. فعقب تأسيسها ( في ظل الادارة الاستعمارية ) كانت الحركة تقدم خطابا حماسيا يخاطب العاطفة الوطنية للعمال مثل " لن نعتذر لأننا لن نعتذر" عندما طلبت الحكومة الاعتذار عن موقف نقابي ، وايضا اسلوب العمل النقابي والذى يعتمد على ما كانوا يسمونه آنذاك " النهج النقابي الثوري " والذى تمثل في الاضرابات المفتوحة او الفورية بدون انذار الادارة، وتمثل ايضا في رفض الاجتماع بالسكرتير الإداري لحكومة السودان عندما طلب الاجتماع بالنقابة. وحتى اللغة المستخدمة كانت عدائية تماما وكمثال ورد في خطاب نهاية دورة 1950 - 1951 لنقابة عمال السكة الحديد ما يلى : " نشر هذا التفكير هو رسالة مكتب العمل ، هو رسالة مستشار النقابات الحكومي ، هو رسالة النقابيين الصفر والصحافة المأجورة والآراء الساقطة، وهذه السياسة يجب ان تحطم وان تنتهى " اما بعد انتصار ثورة اكتوبر فصار خطاب الحركة النقابية العمالية يعتمد على الطرح الموضوعي المدعم بالدراسات والارقام حيث صارت الحركة النقابية العمالية تعد الدراسات حول المساكن الشعبية والتشريد والضمان الاجتماعي ونقد الميزانيات العامة وتعد جداول تكاليف المعيشة ، وتتقدم بمشاريع قوانين بديلة. ليس ذلك فحسب بل عملت بجد و سعت بصدق لتدريب الكوادر على مناهج التفاوض والتحكيم وقد ظهرت الاثار الايجابية لذلك الجهد في اسلوب ادارة المفاوضات مع الحكومة فبل اضراب الكادر الشهير في 1968.
وعلى النطاق الوطني لم تتراجع الحركة النقابية العمالية عن التصدي الجاد والمشاركة الحقيقية في القضايا الوطنية. فكان اتحاد العمال عضوا فاعلا في هيئة الدفاع عن الوطن العربي وشارك بفعالية في انشطة مؤتمر الدفاع عن الحريات . رفع اتحاد العمال مذكرة للجمعية التأسيسية يطالب فيها بتخصيص دوائر للعمال والمزارعين. كما طالب اتحاد العمل بقيام مجلس قومي للتخطيط ليقوم برسم برامج التطوير الاقتصادي وان يتم ذلك بمشاركة ممثلي المنتجين والرأسمالية وخبراء الاقتصاد والتخطيط.
ونعتقد ان اكبر مظاهر قوة الحركة العمالية المكتسبة بعد انتصار اكتوبر هو تجربة اضراب الكادر في 191968. فنجاح الاضراب العام وتراجع الحكومة وتحقيق معظم المطالب جاء كنتيجة للخبرات التي تطورت بعد الصراع الطويل مع الحكم العسكري. فقد سبق الاضراب تحضير جيد ومكثف حيث عقدت عشرات الاجتماعات على كل المستويات ، من المكتب التنفيذي مرورا بمجالس الادارات والجمعيات العمومية وانتهاء بالورش والمصانع. كما صاحب ذلك جهد إعلامي مكثف لشرح المطالب وموقف الحكومة منها وتطور المفاوضات حتى تم توحيد القواعد العمالية حول المطالب وضرورة الاضراب لتحقيقها بعد فشل المفاوضات. واذا قارنا ذلك بالفترات السابقة لراينا الفرق الواضح ومظاهر النضج. فإضرابات الفترة الاولى كانت تعلن بحماس وتقابل من العمال بحمية أشد وتنفذ بحماس يخالطه الشعور الوطني الطاغي. اما اضرابات ما بعد اكتوبر فكانت نتاج للاقتناع بالمطالب وضرورة الاضراب بعد فشل المفاوضات المطولة.
تمسك اتحاد العمال بضرورة المشاركة في الجهاز التشريعي خاصة بعد رفض الاحزاب التقليدية ادخال دوائر للعمال والمزارعين في قانون الانتخابات. وورد في المؤتمر التداولي لاتحاد العمال قرارا للمشاركة المستقلة لاتحاد العمال. " وجاء قرار المؤتمر بالدخول في الانتخابات النيابية العامة تحت راية اتحاد نقابات عمال السودان المستقلة تأييدا وتدعيما لهذا الاتجاه في الحركة النقابية التي تصر على تمثيل العمال ووضع قضاياهم في المقدمة ، في كافة الاجهزة التشريعية والتنفيذية في البلاد ، و تدفع بمرشحيها المستقلين لخوض كل المعارك الانتخابية في بلادنا مسنودين ومرتبطين بقضايا العمال ومواقف الحركة النقابية "
ومظهر اخر للقوة المكتسبة ما بعد انتصار اكتوبر هو تجربة انتخابات دائرة عطبرة للجمعية التأسيسية. فقد نال مرشح العمال الحاج عبد الرحمن في انتخابات 1965 ثلاث الاف و223 صوتا ورغم انه لم يفز الا ان اصواته كانت اضعاف اصوات قاسم امين ( رغم ان قاسم هو احد القادة المؤسسين للحركة النقابية السودانية ) الذى ترشح في انتخابات 1953 و1957. وفى انتخابات 1968 نال الحاج 5.204 صوتا ليفوز بالدائرة ويحضر جلسات الجمعية بالافرول العمالي ، في اشارة واضحة بانه نائب للحركة العمالية السودانية.
وتأسس بعد انتصار اكتوبر ما يمكن تسميته بالتضامن النقابي حيث تعمل مختلف الفئات النقابية معا لتنسيق جهودها من اجل الاهداف المشتركة. وقد ورد في كتاب دراسات نقابية الذى اصدره اتحاد العمال ما يلى: " من ابرز السمات التي ميزت الحركة النقابية في الفترة التي اعقبت ثورة اكتوبر هو ذلك التقارب الشديد بين نقابات الموظفين والعمال والمحاولات الجادة للتنسيق وتنظيم كفاح هاتين الفئتين ، اللتين تمثلان ركيزتين اساسيتين في عملية الانتاج "

(ب) الانعكاسات السلبية لبروز قوة الحركة العمالية بعد انتصار ثورة اكتوبر:
أهم الانعكاسات السلبية ان الحركة العمالية وضعت نفسها ، علنا وبلا مواربة ، في الخندق المعادي للقوى التقليدية واحزابها الامر الذى قاد للعديد من المواجهات والاستقطابات. قوة الحركة ودفاعها عن مطالب عضويتها في القطاعين العام والخاص جعلتها في مواجهة مستمرة مع الحكومة ( اكبر مخدم في السودان) واقسام من الرأسمالية السودانية التي احست بخطورتها على مصالحهم اقتصاديا بالدفاع الصلب عن مطالب العمال الاقتصادية وسياسيا بطرحها الجذري مما ادى بالسلطات المتعاقبة ( مدنية وعسكرية ) والاحزاب التقليدية للتشمير عن ساعدها لتحجيم هذه الحركة. وقد اعلنت تلك الاحزاب ، بلا مواربة ، موقفها الرافض والمعادي لهذه النقابات، بل وصفت الحركة النقابية بانها تطالب بوزن اكبر من حجمها الحقيقي في المجتمع السوداني ، ونعتها ايضا ، بانها مجرد حصان طروادة لحزب عقائدي صغير.
من جهة أخرى توصم الاحزاب التقليدية الحركة العمالية بانها احد اسباب فشل التجارب الديمفراطية الثلاث في السودان وذلك باتهامها بانها تسببت في خلق عدم استقرار اقتصادي وسيأسى لأنها رفعت مطالب فئوية ضيقة لا تقدر فيها ظروف الاقتصاد الوطني. و تلجا للإضرابات بكثرة غير مبررة وفى كل الاوقات مما ادى لعدم الاستقرار وتعميق الازمة الاقتصادية الطاحنة.
ومظهر اخر من مظاهر المواجهة بين الحركة العمالية والقوى التقليدية هو رفض تلك القوى القاطع لمطلب تمثيل العمال في السلطة التشريعية بتخصيص دوائر للعمال والمزارعين رغم الدور الذى لعبته تلك القوى في انتصار ثورة اكتوبر. وقد ايد المطلب الحزب الشيوعي وحزب الشعب الديمقراطي واقترحا بان يكون للعمال والمزارعين 50% من مقاعد البرلمان الجديد. كما تقدما باقتراح لوضع قوانين جديدة للانتخابات لتحدد الدوائر بطريقة تحقق ذلك الغرض. رفضت احزاب الامة والاتحادي والاخوان المسلمون الموافقة على تلك المقترحات ". هذا الموقف دفع اتحاد العمال لانزال مرشحيه في الانتخابات البرلمانية ( كما ذكرنا من قبل ).
دفع النفوذ المتعاظم للحركة النقابية والقوة التي ظهرت بها ، بعد انتصار ثورة اكتوبر كل الحكومات التي تسلمت مقاليد الحكم بعد ذلك ، لان تتعامل مع الحركة العمالية كخطر يجب السيطرة عليه او تحجيمه لا كطرف اصيل واساسي في العلاقات الصناعية.
اثر سلبى اخر قصد توجيهه اساسا لقواعد العمال ، في اطار المعركة للسيطرة على الحركة العمالية وهو اتهام الشفيع احمد الشيخ بانه جمد مطالب العمال بعد دخوله الوزارة. ويهدف ذلك لإظهار القيادات النقابية وكأنها تقول ما لا تفعل وانها تفكر في مصالحها الذاتية قبل مصالح العاملين وان ما تثيره وهى في المعارضة سرعان ما تتناساه وهى في السلطة. ولانتشار هذا الاتهام ولأثره وسط بعض قواعد العاملين نحاول ان نعرض حقيقة ما حدث. الصحيح ان المكتب التنفيذي لاتحاد العمال ، في اطار تحمسه لدعم النظام الجديد، قرر ان يتبرع العمال بمرتب يوم يخصم من مرتب ديسمبر 1964 ويورد للخزينة العامة وان تجمد المطالب في ذلك الوقت تقديرا لظروف البلاد الاقتصادية. هنا ايضا تكرر اصدار القرارات الهامة من قمة الهرم النقابي المتمثل في المكتب التنفيذي بدون عرضها على مجالس ادارات النقابات التي تمثل القواعد النقابية. ويتحمل مسئولية ذلك القرار كامل المكتب التنفيذي ، بما فيه الشفيع ، وليس الشفيع الفرد ، حسب الاتهام ، الذى نال وزارة وتنكر لمطالب العمال.
مظهر اخر لموقف القوى التقليدية المعادي لاتحاد العمال هو قيامها بإدخال المادة (30) في قانون النقابات والتي تعطى أي نقابتين الحق في تكوين اتحاد ، في قصد واضح لإضعاف وحدة الحركة النقابية و ضعضعة مركزها الواحد. وقد نجح ادخال تلك المادة في تسهيل انشاء اتحاد عمال القطاع العام في 1968 كمنافس لاتحاد العمال ومحاولة لسحب البساط من تحت اقدامه وتقليص نفوذه.
رغم ان تلك المادة تمثل جوهر هجوم السلطة على اتحاد العمال وجهدها الحثيث لإضعافه ، الا ان مجمل القانون كان نكسة كبيرة وتراجع خطير في ظروف ما بعد انتصار ثورة اكتوبر . ونلخص النقد الذى وجه اتحاد العمال للقانون انه اعد في عجلة ولم يشرك ممثلي العمال في اعداده او مناقشته وعرض على الجمعية التأسيسية اولا. الاخطر انه بنى على اعمال لجنة كونها الحكم العسكري في 1959. وكذلك تعارض بعض بنود القانون مع الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل التابعة للأمم المتحدة حول الحقوق النقابية وقد ناشد اتحاد العمال الحكومة بانه يرى " ان افضل الطرق للتوصل الى اسس قويمة وثابتة تنظم بها الحركة النقابية في بلادنا ان تكون لجنة مشتركة من الحكومة والمنظمات النقابية للنظر في كل القوانين العمالية. اما القانون المعروض امام الجمعية التأسيسية فلا يعدو ان بكون نسخة من القانون الذى وضعته الحكومة العسكرية وتحملت بسببه الكثير من المواجهات من جانب العمال وهم يصرون على بقاء منظماتهم النقابية كأجهزة للدفاع عن حقوقهم لا مسخا ذ ليلا لكل حكومة "
ومن المظاهر السلبية الاخرى ، لفترة ما بعد انتصار ثورة اكتوبر ، هو جنوح اتحاد العمال لاتخاذ مواقف سياسية لا تمثل رغبة قواعده ولم تناقش من خلال مجالس الادارات حتى تقرر كسياسة رسمية للاتحاد ، وكمثال دورالاتحاد في تأسيس المؤتمر الاشتراكي الديمقراطي الذى طرح برنامجا متكاملا للتغيير الشامل في كل اوجه الحياة السودانية. ورغم ايماننا العميق بان للنقابات دور سيأسى الا ان ذلك لا يتم بالأساليب الفوقية وتجربة الموقف من اتفاقية الحكم الذاتي ، والاثار المدمرة التي نتجت عنها ، غير بعيدة عن الاذهان.
(ج) اثار قوة الحركة العمالية في الفكر السياسي السوداني:
مظاهر الثقة والقوة التي اكتسبتها الحركة العمالية والقوى النقابية عامة لم تنحصر في نجاحها في ملامسة السلطة بل محاولة السيطرة عليها او الدخول في المواجهات المتعددة مع القوى التقليدية الحاكمة، و تعدت ذلك الى مجال التنظير السياسي ومحاولات وضع استراتيجيات التغيير.
فقد ادى النجاح السياسي الكبير لهذه القوى ودورها البارز في انتصار ثورة اكتوبر بعبد الخالق محجوب لتبنى اطروحة قدمها في تقريره السياسي للمؤتمر الرابع للحزب الشيوعي الذى انعقد في عام 1967. وقد وردت اشارات متعددة في ذلك التقرير لهذه الاطروحة. فمثلا عند الحديث عن الازمة الثورية طرح ما يلى:" ادرك حزبنا ان ساعة التغيير لا تحددها رغبات الجماهير او حزبها ، ولا ضعف السلطة الحاكمة بل تحددها كما اشار لينين حقيقة عجز السلطة في الحكم ، وضيق جماهير الشعب به ، ولكن ثورة أكتوبر بأداتها ( الاضراب السياسي) برهنت على ان التطور الثوري والدفع يمكن ان يحدثا اذا عجزت السلطة عن الحكم، واذا ما قررت الجماهير الاساسية في القطاع الحديث ان الحياة تحت تلك السلطة اصبحت لا تطاق "
ويطرح مرة اخرى و في نفس التقرير : " وقضية حماية الثورة تأخذ صورة جدية في بلادنا. اذ ان وضع القطاع الحديث حيث الجماهير التي تؤثر على وضع السلطة في البلاد ، اضعف من وضع القطاع التقليدي حيث تستمد القوى الرجعية تأييدها الجماهيري "
هذه الطرح ورغم وجاهته آنذاك ، بتأثير الزخم الثوري العاصف لانتصار القوى النقابية ( قوى القطاع الحديث ) في ثورة أكتوبر ، الا ان ذلك الطرح يتعرض ، الآن، لامتحان نظري قاسى. فالأنظمة العسكرية المتعاقبة وخاصة نظام الاسلامويين نجحت ( باستخدام كافة الاساليب والوسائل) في الحاق الحركة العمالية بركبها. و تمت تصفية القطاع العام ومؤسساته ، وهو الذى كان يمثل مصدر قوة ، واداة مهمة في يد النقابات، في الضغط على الحكومات بل واسقاطها. وفى نفس الوقت تمردت جماهير الهامش ، (ما تعارف عليه سابقا بالقطاع التقليدي ) ، وانتظمت في احزاب و هياكل تنظيمية تدعو للسودان الجديد وحملت السلاح دفاعا عن حقها في اعادة هيكلة الدولة السودانية واجراء تغيير جذري في قسمة السلطة والثورة. وهو تطور نوعى ينزع عن القوى الحديثة صفة القوى الوحيدة القادرة على احداث التغيير. هنا لا اتبنى الموقف الذي يطرح ان قوى الهامش هي بديل القوى الحديثة في احداث التغيير وانما سيتم التغيير القادم بمشاركة القوتين معا من غير اقصاء أي منهما للأخرى.

(د) الاثار السياسية لبروز قوة الحركة العمالية بعد اكتوبر:
هزمت الحركة النقابية في ثورة أكتوبر نظاما سودانيا، عكس تجربتها في مواجهة الاستعمار البريطاني ، حيث كانت صفوف السودانيين تتراص ضد الوجود الأجنبي المتسلط. هزيمة قوى اجتماعية سودانية جعل الحركة النقابية تحدد موقفها وموقعها وخندقها ورؤاها وخطها العام الى جانب قوى الديمقراطية و التغيير الاجتماعي. هذا الموقف المنحاز ادى لتصنيفها ، من قوى الاجتماعية المسيطرة ، على أساس انها في الخندق المضاد لها، الساعي لتغيير الوضع الراهن والاتيان ببديل اخر. يشكل هذا الموقف مواصلة للصراع الاجتماعي/السياسي/الفكري حول قضايا التحرير والتعمير الذي تفجر في السنوات الاولى للحكم الوطني.
انتبهت القوى التقليدية ، منذ الايام الاولى ، لخطورة التغيير الذى جاءت به حكومة اكتوبر الاولى تحت قيادة القوى النقابية ، فتحركت لإسقاطها واستبدالها بحكومة كانت الغلبة فيها للقوى التقليدية والطائفية. وتبع ذلك اصرار القوى التقليدية والطائفية على اجهاض أي تغيير، مهما كان حجمه ، في موازين القوى السائدة آنذاك. فرفضت تلك القوى التقليدية ، بشدة ، تخصيص دوائر للعمال والمزارعين ، حتى لا يكون لهم مشاركة و صوت في صياغة السياسات العامة ، او تأثير مباشر على نشاط السلطة التشريعية في البلاد ، المحتكرة تاريخيا من قبل القوى التقليدية.
سعت القوى التقليدية ، منذ اسقاط حكومة اكتوبر الاولى ، بجد ، لتحجيم الحركة النقابية العمالية او السيطرة عليها والحاقها بركب السلطة. واستخدمت من اجل ذلك كافة الوسائل المتاحة لها ، من استخدام التشريع و استخدام الولاء الطائفي وحتى الاتهام بالمشاركة في الانقلابات مثلما حدث للشفيع في 1966 فيما عرف بانقلاب خالد الكد ، وانتهاء باستخدام وسائل القمع البوليسية . وصارت سياسة التحجيم والسيطرة منهجا ثابتا لكل الحكومات المتعاقبة ، والتي لم تقبل باقل من ان تلحق الحركة النقابية بعجلتها وقد بلغت هذه السياسة مداها الاقصى بعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971 ونجاح السلطة في تحطيم هياكل الحركة العمالية بالعنف البدني واعادة تكوينها من جديد وتنصيب انصارها عليها .
ادت تلك التغييرات ( في 1971 ) لتراجع الحركة العمالية ومن ثم تصدت نقابات المهنيين لقيادة معارك الحركة النقابية ، وصارت لنقابات المهنيين الاثر الاكبر في معارك التغيير الديمقراطي ، حيث قادت وتصدرت الصفوف في انتفاضة ابريل 1985.
ونعتقد ان واحدا من الاثار السياسية الجانبية لبروز الحركة النقابية العمالية بقوة ، تحت قيادة اليسار ، بعد ثورة اكتوبر هو قرار الاحزاب التقليدية بحل الحزب الشيوعي. قد يختلف معنا البعض في هذا التحليل ، ويرون ان الحل تم لأسباب تتعلق باتساع نشاط الحزب وتشكيله خطورة سياسية على القوى التقليدية الحاكمة ، في ظل الاحساس العام بان ثورة اكتوبر قد سرقت وان احلام التغيير قد اجهضت. نتفق مع ذلك الرأي ولكن نطرح ، ايضا واضافة لما سبق ، ان البروز القوى والمصادم للحركة العمالية ، تحت قيادة الشيوعيين ، كان سببا قويا وان لم يكن سببا مباشرا ، لذلك القرار الصادر من الجمعية التأسيسية.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المکتب التنفیذی انتصار اکتوبر الحکم العسکری اتحاد العمال العمالیة فی ثورة أکتوبر على الحرکة فی السلطة فی البلاد اکتوبر هو الا ان

إقرأ أيضاً:

إذا لـم تُـناصِـر الديمقراطية العمال فمصيرها إلى زوال

حتى لو لم تندلع الموجة المتطرفة الـمُـخيفة الـمُـنـتَـظَـرة في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الشهر بالدرجة المتوقعة لها من القوة، فقد كان أداء اليمين المتطرف جيدا في إيطاليا والنمسا وألمانيا، وبشكل خاص في فرنسا. علاوة على ذلك، جاءت أحدث مكاسبه في أعقاب تحولات كبرى نحو أحزاب اليمين المتطرف في المجر وإيطاليا والنمسا ونيذرلاند والسويد، بين دول أخرى.

في فرنسا، لا يمكن اعتبار الانتصار الساحق الذي حققه حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) بقيادة مارين لوبان مجرد تصويت احتجاجي. ذلك أن الحزب يسيطر بالفعل على عدد كبير من الحكومات المحلية، وقد دفع نجاحه هذا الشهر الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة -وهي مقامرة قد تمنحه أغلبية برلمانية.

على مستوى ما، لم نشهد جديدا هنا. فقد كنا نعلم بالفعل أن الديمقراطية أصبحت مُـنـهَـكة على نحو متزايد في مختلف أنحاء العالم، مع تزايد شِـدّة التحديات من جانب الأحزاب الاستبدادية.

وتُظهِر الاستطلاعات أن حصة متزايدة من السكان تفقد الثقة في المؤسسات الديمقراطية. بيد أن التوغلات التي يحرزها اليمين المتطرف بين الناخبين الأصغر سنا مثيرة للقلق بشكل خاص.

لا أحد يستطيع أن ينكر الآن أن هذه الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة نداء تنبيه صارخ. ولكن ما لم نفهم الأسباب الجذرية وراء هذا الاتجاه، فمن غير المرجح أن تنجح الجهود الرامية إلى حماية الديمقراطية من الانهيار المؤسسي والتطرف.

التفسير البسيط لأزمة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم الصناعي هو أن أداء النظام لم يرق إلى مستوى الوعود التي بذلها. في الولايات المتحدة، لم ترتفع الدخول الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) عند أسفل ووسط جدول التوزيع إلا قليلا منذ عام 1980، ولم يفعل الساسة المنتخبون شيئا يُـذكَر حيال ذلك. على نحو مماثل، كان النمو الاقتصادي في قسم كبير من أوروبا باهتا، وخاصة منذ عام 2008. وحتى لو انخفضت معدلات البطالة بين الشباب مؤخرا، فإنها كانت لفترة طويلة تشكل قضية اقتصادية كبرى في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى عديدة.

كان من المفترض أن يوفر النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية فرص العمل، والاستقرار، والمنافع العامة عالية الجودة. ورغم نجاحه إلى حد كبير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد جاء أداؤه مقصرا في كل المجالات تقريبا منذ عام 1980 أو نحو ذلك. واستمر صناع السياسات من اليسار واليمين في الترويج لسياسات صممها خبراء وأدارها تكنوقراط مؤهلون تأهيلا عاليا.

لكن هذه السياسات لم تفشل في تحقيق الرخاء المشترك فحسب؛ بل تسببت أيضا في إيجاد الظروف التي أفضت إلى اندلاع الأزمة المالية عام 2008، والتي أزالت أي غطاء رقيق متبق من النجاح. وخلص أغلب الناخبين إلى أن الساسة يهتمون بدرجة أكبر بالمصرفيين مقارنة باهتمامهم بالعمال. يظهر عملي مع نيكولاس أجزينمان، وسيفات جيراي أكسوي، ومارتن فيزبين، وكارلوس مولينا أن الناخبين يميلون إلى دعم المؤسسات الديمقراطية عندما تكون لديهم خبرة مباشرة تتمثل في ديمقراطيات قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي، وممارسة الحكم غير الفاسد، وجلب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتوفير الخدمات العامة، وخفض مستويات التفاوت. وعلى هذا فليس من المستغرب أن يُـفضي الفشل في تلبية هذه الشروط إلى خسارة الدعم.

علاوة على ذلك، حتى عندما رَكَّـزَ القادة الديمقراطيون على سياسات من شأنها أن تسهم في تحسين ظروف المعيشة لصالح معظم السكان، فإنهم لم يبرعوا في التواصل بشكل فعّال مع جماهير الناس. على سبيل المثال، من الواضح أن إصلاح نظام معاشات التقاعد ضروري لوضع فرنسا على مسار نمو أكثر استدامة، لكن ماكرون فشل في تأمين الدعم العام لحله المقترح.

لقد فقد القادة الديمقراطيون على نحو متزايد القدرة على إدراك مخاوف السكان الأشد عمقا. وفي الحالة الفرنسية، يعكس هذا جزئيا أسلوب القيادة المتغطرس الذي ينتهجه ماكرون. لكنه يعكس أيضا انحدارا أعرض لمستوى الثقة في المؤسسات، فضلا عن الدور الذي تؤديه وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها من تكنولوجيات الاتصال في تعزيز المواقف الاستقطابية (على اليسار واليمين) والدفع بقسم كبير من السكان إلى غرف صدى أيديولوجية. كان صناع السياسات والساسة المنتمون إلى التيار السائد أيضا غافلين إلى حد ما تجاه أشكال من الاضطرابات الاقتصادية والثقافية التي تجلبها الهجرة بأعداد ضخمة.

في أوروبا، أعربت نسبة كبيرة من السكان عن مخاوفهم بشأن الهجرة الجماعية من الشرق الأوسط على مدار العقد الأخير، لكن الساسة الوسطيين (وخاصة قادة يسار الوسط) تباطأوا في التعامل مع هذه القضية. وقد خلق ذلك فرصة كبيرة للأحزاب المتطرفة المناهضة للهجرة مثل حزب الديمقراطيين السويديين في السويد وحزب من أجل الحرية النيذرلاندي، والتي أصبحت منذ ذلك الحين شركاء ائتلاف رسميين أو غير رسميين للأحزاب الحاكمة.

الواقع أن التحديات التي تعوق الرخاء المشترك في العالم الصناعي ستصبح أشد إلحاحا في عصر الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي (الأتمتة) -وهذا في وقت حيث تحول تغير المناخ، والجوائح الـمَـرَضية، والهجرة الجماعية، وتهديدات مختلفة عديدة للسلام الإقليمي والعالمي إلى مخاوف متنامية جميعها. لكن الديمقراطية تظل النظام الأفضل تجهيزا للتعامل مع هذه القضايا.

توضح الأدلة التاريخية والحالية أن الأنظمة غير الديمقراطية أقل استجابة لاحتياجات سكانها، وأقل فعالية في مساعدة المواطنين المحرومين. أيا كان ما قد يَـعِـد به النموذج الصيني، فإن الأدلة تظهر أن الأنظمة غير الديمقراطية تعمل في نهاية المطاف على تقليص النمو في الأمد البعيد. مع ذلك، تحتاج المؤسسات الديمقراطية والقادة السياسيون إلى الالتزام المتجدد ببناء اقتصاد عادل. وهذا يعني إعطاء الأولوية للعمال والمواطنين العاديين قبل الشركات متعددة الجنسيات، والبنوك، والمخاوف العالمية، مع العمل على تعزيز الثقة في النوع الصحيح من التكنوقراطية. لن يكون من المجدي أن يفرض مسؤولون منعزلون سياسات تصب في مصلحة شركات عالمية. ولمعالجة تغير المناخ، والبطالة، والتفاوت بين الناس، والتعامل مع الذكاء الاصطناعي والارتباكات التي أحدثتها العولمة، تحتاج الديمقراطيات إلى المزج بين الخبرة والدعم الشعبي العام. لن تكون هذه بالمهمة السهلة، لأن كثيرا من الناخبين أصبحوا لا يثقون في الأحزاب الوسطية.

ورغم أن اليسار المتشدد -كما يمثله جان لوك ميلينشون في فرنسا- يتمتع بقدر أكبر من المصداقية مقارنة بالسياسيين المنتمين إلى التيار السائد عندما يتعلق الأمر بالتزامه بصالح العمال والاستقلال عن مصالح البنوك وشركات الأعمال العالمية، فمن غير الواضح ما إذا كانت السياسات الشعبوية اليسارية قادرة حقا على تسليم الاقتصاد الذي يريده الناخبون.

يشير هذا إلى طريق واحد إلى الأمام يجب أن تسلكه الأحزاب الوسطية. بوسعها أن تبدأ ببيان يرفض الولاء الأعمى لشركات الأعمال العالمية والعولمة غير المنظمة، ويقدم خطة واضحة وقابلة للتطبيق تجمع بين النمو الاقتصادي وتقليص فجوات التفاوت. ينبغي لها أيضا أن تعمل على إيجاد توازن أوثق بين الانفتاح والسماح بحدود معقولة للهجرة. إذا أيد عدد كاف من الناخبين الفرنسيين الأحزاب المؤيدة للديمقراطية ضد حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، فقد تنجح مقامرة ماكرون. ولكن حتى لو نجحت، فإن العودة إلى العمل كالمعتاد ممارسة من غير الممكن أن تستمر. لكي تستعيد الديمقراطية دعم جماهير الناس وثقتهم، يجب عليها أن تصبح أكثر مُـناصَـرة للعمال وتأييدا للمساواة.

دارون عاصم أوغلو أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك (مع جيمس أ. روبنسون) لكتاب لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر (الملف الشخصي، 2019).

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • إلي أين يتجه السودان برؤية المستقلين؟
  • رئيس حزب مصر أكتوبر: ثورة 30 يونيو أنقذت شعبا ورسمت مستقبل الوطن
  • عضو غرفة الصناعات الكيماوية: رعاية أفكار الشباب مفتاح النهوض بالاقتصاد المصري
  • السكن العشوائي يفضح أوضاع العمالة المتدهورة
  • قضية التحول الديمقراطي في السودان «1-4»
  • النهوض من القاع: شاب يروي قصة نجاته من المخدرات
  • نقابة المهندسين ترفع راتب المهندس المتقاعد إلى 330 ألف ليرة
  • من صاحب قرار 7 أكتوبر؟
  • قضية التحول الديمقراطي في السودان (1/4)
  • إذا لـم تُـناصِـر الديمقراطية العمال فمصيرها إلى زوال