من فكي إلي دكتور: تغير اتجاهات المثقفين السودانيين في الأرياف تجاه التقاليد(2-2)
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
FROM FAKI to DUKTOR: Changing attitudes towards tradition among Sudanese rural intellectuals
Albrecht Hofheinz البريشت هوفهاينز
تقديم: هذا هو الجزء الثاني والأخير من ترجمة لغالب أجزاء ورقة قدمها الدكتور البريشت هوفهاينز إلى المؤتمر الدولي الثاني للدراسات السودانية تحت عنوان "السودان: البيئة والسكان" الذي عُقد في درم بين يومي 11 – 18 أبريل 1991م.
يعمل الأكاديمي الألماني البريشت هوفهاينز (الذي سبق لنا ترجمة مقال له بعنوان "أبناء الإمام الغائب: نسب عائلة الميرغني" أستاذا مشاركا في قسم الدراسات الثقافية واللغات الشرقية بجامعة أوسلو بالنرويج. وكان قد حصل على درجة الدكتوراه عام 1996م بأطروحة عن المجاذيب عنوانها: "التاريخ الاجتماعي والديني لحركة إصلاحية إسلامية في مرحلة باكرة من تاريخ السودان الحديث"، وعمل بالسودان ودول نامية أخرى في خدمة "مؤسسة التنمية الألمانية" والصليب الأحمر ومفوضية حقوق الإنسان. أنظر https://shorturl.at/mrU49
المترجم
____ ____ _____
3. مجذوب النقر
بعد حوالي نصف جيل (ومقدار الجيل 20 – 30 سنة. المترجم) ولد مجذوب النقر (1933 – 1987م). وأتت سنوات نشأته وتكوينه عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، وهي الفترة التي ازداد فيها تسييس (politicization) النشاط الطلابي الذي كان يهدف لتأكيد الذات الوطنية / القومية وتحقيق الاستقلال. وكان ذلك التسييس قد جلب إلى الواجهة أحزاباً سياسية بعيدة كل البعد عن الطرق (الصوفية)، مثل الإخوان المسلمين، والشيوعيين (بصورة أبرز). وتأثر مجذوب النقر بذلك التسييس بشكل كبير. فقد كان حتى في سنوات طفولته الباكرة، شديد التدين، مقارنة مع أقرانه. وكان زملاؤه في مدرسة بربر الوسطى يستشيرونه في مختلف الأمور الدينية التي تُشْكِلُ عليهم. غير أنه غَيَّرَ اتجاهه عند التحاقه بمدرسة وادي سيدنا الثانوية وأنضم للشيوعيين، وصار من الناشطين في حزبهم، الأمر الذي أفضى لطرده من تلك المدرسة عام 1949م. ولجأ مجذوب النقر إلى مصر لفترة، واصل في غضونها نشاطه السياسي، وكان شديد التأثر بالماركسي المصري البارز محمد أمين العالم. وكان مجذوب في نظر رفاقه حُجَّة في النظرية الماركسية، الأمر الذي دعاهم لإطلاق لقب "الجاهز" عليه، وذلك لسرعة وحدة ردوده التي كان يلقيها في ظُرُف وكياسة.
وفي عام 1955م طردته السلطات المصرية من أرضها فآب للسودان. ورفض مجذوب في البدء زيارة عائلته. غير أنه أذعن أخيراً بعد أن أفلح بعضهم في إقناعه بزيارتهم. وقابل محجوب أحد أقربائه (عمه أو خاله uncle) الذي كان قد اشتهر بـ "البركة"، وترك ذلك الرجل أثراً بالغاً في محجوب، فقرر البقاء معه، وانسحب من الحياة العامة لحياة تميزت بالزهد والصلاة والصيام وقراءة كتب الصوفية؛ بل صار ينام ليله في قبة شيخ المجاذيب. وأزعجت مغالاته في الزهد أفراد عائلته، فنصحوه بإكمال دراسته والحصول على وظيفة عادية. غير أن نصحهم له لم يجد نفعاً. ودأب بعض الشيوعيين من رفاقه القدامى على زيارته ومناقشة الكثير من الأمور معه، إلا أنهم أخفقوا في إعادته لحظيرة الحزب، على الرغم من أنه ظل يقر – لفترة زمنية معينة – بأن تحليلهم الاقتصادي صحيح، وهو مؤمن به، ولكنه يرفض الالحاد.
وفي عام 1958م التقى مجذوب النقر بزعيمه الروحي الشيخ ماهر. وكان الشيخ ماهر (وهو شيخ سابق في الطريقة الضيفية) قد نبذ مفهوم "السلسلة" عند أهل التصوف (1) - ولم يعد يعترف بغير الكتاب والسنة. وعقب ذلك اللقاء اعتدلت أحوال مجذوب ونال شيئا من الاستقرار، خاصةً بعد أن التحق بمدرسة ثانوية مدرساً للغة الإنجليزية والجغرافيا. وصار بالتدريج قائداً محليا لمجموعة من الرجال الذين يتشاركون معه في الأفكار والآراء، وكانوا جميعا من أتباع الشيخ ماهر، ولهم اتجاهات ومواقف "نخبوية elitist" معينة. وكانوا ينظمون لقاءات أسبوعية تجمعهم في مكان واحد للصلاة وتلاوة الأدعية والأذكار. وكانوا في تلك الأيام يعدون مجذوب النقر هو الخليفة الحقيقي للشيخ المجذوب.
ومع مرور الأيام اعترف الكثيرون من مثقفي مدينة الدامر وكبرائها بذلك "القوميسار commissar"، الذي تحول إلى شيخ صوفي. وفي بدايات السبعينيات كان الباحثون والصحفيون يقدمون عليه عندما يودون البحث في شأن التاريخ المحلي للمنطقة. فعلى سبيل المثال كانت إحدى رسائل الماجستير التي قُدمت عام 1977م تقوم أساساً على إفادات قدمها مجذوب النقر للباحث (2)، وكان طلاب الجامعات والصحافيين (من أتباع التصوف) يتقاطرون عليه لإجراء مقابلات معه (3)، وكان يقوم بنشر أفكاره في إذاعة محلية (4). وعندما كنت أجري الجزء الحقلي من دراستي في الدامر، لم أصادف أحدا في المدينة لا يقر بعلو كعب مجذوب النقر في كل ما يخص التاريخ. لقد كان مجذوب النقر ينظر إلى تاريخ الدامر كله على أنه تاريخ غرس وترسيخ ونشر للعلم، وكان يراها مركزاً للضوء في الظلام الأفريقي. وخلافاً لآراء المتصوفين الآخرين، كان المجاذيب ينادون بما يسمونه "التصوف العلمي" (5). وقاد ذلك "المنهج العلمي" أصحاب ذلك التصوف لتنظيم مدارسهم على ثلاثة مستويات، لكل واحد منها منهج معياري، وامتحانات نهائية، وشهادات تخرج. وأحسب أن الجوانب المتشابهة في ذلك المنهج المعياري للنظام التعليمي الحديث الذي فرضت أسسه الدولة ليس من قبيل الصدفة – فالتعليم التقليدي لم يكن منظماً تماماً كما يراه مجذوب النقر.
ويشابه مجذوب النقر الشاعر محمد المهدي مجذوب في الكثير من الصفات. فقد كان كلاهما قد عانى بوعي وبشكل أكثر حدة ربما من معاصريهما وذلك بسبب التوتر والنزاع والتناقض بين عالمين مختلفين تمام الاختلاف، وحملا عبء التفكير والتأمل في ذلك التوتر والنزاع والتناقض. ولكن بينما واصل الشاعر في التوق إلى الدامر "القديمة المرحة"، نقل مجذوب النقر مسقط رأسه إلى العالم الحديث من خلال إعادة صياغة تاريخها بتبني أنماط تذكرنا بوضوح بالأمثلة الحديثة. ومن المثير للاهتمام للغاية أن نرى (ومن المهم أيضاً أن يدرك الباحث)، كيف بدأت هذه النسخة "الحديثة" من التاريخ (6) في هذا الأثناء تحل محل التقليد "الحي" للتاريخ عند الجيل الأصغر سناً - من خلال وسائل الإعلام والتعليم التي تسيطر عليها الدولة - التقاليد "الحية" للعائلة التي كانت تنتقل قديماً عن طريق الحكايات التي ترويها الجدات (7).
********** *********** ***********
4. دكتور عثمان عبد الله (1935 - ؟)
ختاماً، أود أن أتناول باختصار بعضاً من سيرة رجل كان قد تولى في السبعينيات مسؤولية تنشيط عملية إقامة الاحتفال بالذكرى السنوية للشيخ المجذوب. وقد كانت "حولية" الشيخ قد شهدت العديد من حالات الذيوع والخمود عبر سنوات القرن. كانت العلة في ذلك هي، جزئياً، فقدان الرغبة في الاحتفال، وجزئياً بسبب التنافس بين مجموعتين من عائلة المجاذيب كانت واحدة منهما تنتظم حول الجامع القديم، بينما تنتظم الأخرى حول جامع الحكومة. وذات مرة قدم للدامر طبيب أطفال حاذق ومشهور من مدينة ود مدني، كانت له صلات بعيدة بالمجاذيب. وكان ذلك الدكتور يهدف لحض كبراء المجاذيب على لم شملهم وأن يعملوا سوياً في إقامة الحولية في قبة الشيخ المجذوب. وأنفق في سبيل ذلك الهدف قدراً كبيراً من المال لتوسيع المباني حول القبة ولمقابلة تكاليف إقامة الحولية واستضافة المريدين القادمين للدامر من مختلف المناطق.
وكانت من الأسباب التي قيل إنها دعت دكتور عثمان لتلك المبادرة هي أن الشيخ المجذوب جاء لدكتور عثمان في المنام وهو في لندن لإجراء عملية جراحية. وكان ظهوره للدكتور في المنام سبباً في شفائه من الألم، الأمر الذي أَغْنَاه عن إجراء العملية الجراحية. وقيل أيضاً أن الشيخ المجذوب طلب من الدكتور عثمان في الحلم، بعد أن أبَلَّ من مرضه، أن يسافر إلى الدامر ليعمل على إصلاح قبته التي تهدمت بعض أجزائها بسبب الإهمال. ولبَّى الدكتور الطلب، وأفلح – بمساعدة من بعض أفراد العائلة المؤثرين (من ذوي اليسار والغنى) في الاحتفال بالذكرى السنوية للشيخ المجذوب وإقامة الحولية في القبة. وبينما كان قسم "قديم" من رجال المجاذيب يعدون ما قام به الدكتور مجرد فعل أراد به "المنافسة"، نجد أن الاحتفال بالذكرى السنوية للشيخ المجذوب غدا اليوم (أي في زمن كتابة المقال. المترجم) هو أهم احتفال سنوي يقام بالمدينة، وتقدم عليه أعداد كبيرة من المريدين من شمال السودان وشرقه.
ودأب دكتور عثمان على الإشارة لرؤيته للشيخ أو للنبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان يحكي دوما عن "كرامات" كان شاهداً على حدوثها؛ بل كان يفسر أحداثاً عادية مثل حجز تذكرة قطار بحسبانه "تدخلا حميدا" من شيخه (8). ومثل ذلك الموقف ملفت للنظر من شخص أصاب في تخصصه المهم في العالم "الحديث" نجاحاً كبيراً، خاصةً وهو من الذين تلقوا العلم في الخارج، وكان عضوا في البرلمان، وكان يرغب في أن يشيد مستشفاه الخاص. لقد تبنى الكثير من المهنيين الآخرين الإسلام الأصولي. غير أن عثمان، خلافاً لأولئك المهنيين، مال – وبشدة مبالغ فيها نوعاً ما – إلى الصوفية، مركزاً على جوانب الإعجاز الديني فيها (9). وكان دكتور عثمان يدعم هذا التصوف من خلال أعمال مثل إحياء قيام الحولية، مع إضفاء لمسة عصرية وجاذبة عليها، مثل تركيب سلاسل من المصابيح الكهربائية على الجدار المحيط بقبة الشيخ. وصار آخرون يستخدمون طرقاً (حديثة) أبعد من ذلك. فقد كان أتباع الطريقة البرهانية مثلاً يحتفلون بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) في الدامر بعرض فيديوهات سُجِّلَتْ في مركزهم بالخرطوم، ويقومون بأداء الأذكار والإنشاد (سماها الكاتب "الرقص". المترجم) بصورة بالغة الإثارة تحت الأنوار الكاشفة في خيمتهم المعطرة بالبخور. وكان بعض شبان المدينة يستمتعون بما يشاهدونه أمامهم، ويطلق بعضهم عليه "ديسكو البرهانية". وكان دكتور عثمان يقوم بزيارة بعض كبار السن بعد العصر ويشاركهم شرب الشاي وتناول "الكريم كراميل"، ويسرد عليهم بعضاً من كرامات شيخه. وكان مستمعوه ينصتون لما يقول بمزيج من الرَهبَة والاحترام (awe) والفضول والتسلية والإذعان. لقد كانوا يعلمون أنهم مدينون له بقدر كبير، غير أنهم لا يستطيعون إخفاء حقيقة أنه، في الأساس، ليس منهم، بل هو شخص غريب أو دخيل outsider عليهم. وكان مجاذيب بالدامر يرحبون دوماً بالأموال التي تدفقت عليهم منه. غير أن بعضهم ربما شعر بشيء من الغيرة من أن شخصاً من غير مدينتهم هو ما أخذ الآن بزمام المبادرة في تمثيل طريقتهم والدفاع عنها.
تُظْهَرُ جهود دكتور عثمان في مقاومة هجمة الأصوليين من خلال التأكيد على الجانب الصوفي من تراثه وتقاليده أن في الصوفية (وفي غيرها من مجالات العمل الإسلامي) غالباً ما يكون الشباب المهنيون الحضريون هم من يأخذون زمام المبادرة في التنظيم والدعاية (10)
************* ********** *********
الخلاصة
اعتمدت العائلات الدينية الريفية في استجابتها لتحديات العالم الحديث على استراتيجيات شَتَّى. وسرعان ما أدركت (قيادات) تلك العائلات أن التراجع أمام العالم الحديث أو رفضه تماما هو طريق مسدود؛ فشرعت في الصراع مع "العدو/ الخصم" مستخدمة نفس أسلحته، وذلك لما يمثله في نظرهم من تهديد خطير. لقد استوعبت واستفادت تلك العائلات من الكثير من أساليب خصمهم وقلدوها وجعلوا من خريجي المدارس الحديثة متحدثين باسمهم. وكانت نتيجة ذلك التفاعل بين "حقلين ذوَيْ دلالتين sematic fields" متأثرة بوضوح بالتوزيع غير المتساوي للسلطة المادية. غير أن هذا مجرد عامل واحد فحسب.
إن خيال الأفراد الذين يعيشون في مواقف معينة جامدة يعمل كمنشور/ مَوشُور (prism) يدمج ويجمع التأثيرات المختلفة ويعطيها اتجاهاً وتوجهاً جديداً. ولا تزال عملية التغيير هذه ماضية بصورة مستمرة.
************* ********** *********
إحالات مرجعية
(1). الطريقة الضيفية (الخلوتية) هي طريقة صوفية في مصر أسسها الشيخ إسماعيل ضيف. وبحسب ما ورد في موسوعة الويكيبديا فالسلسلة في التصوف هي وسيلة نسب لوصف النسب الروحية المستمرة التي تربط بين الفرق الصوفية عبر شيوخها في سلالة تتصل بالنبي محمد وصحبه. هي بمثابة سلسلة نسب روحية https://rb.gy/7y24c
(2). ذكر الكاتب في الحاشية أن عوض مصطفى الكرسني قدم لقسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم في عام 1977م رسالة ماجستير باللغة الإنجليزية عنوانها "الطريقة المجذوبية: عقيدتها وتنظيمها وسياستها". ونشرت لاحقا نسخة مختصرة من تلك الرسالة في كتاب عن "المجذوبية والمكاشفية" حرره المؤرخ مارتن دالي، وصدر عام 1985م عن كلية الدراسات العليا بجامعة الخرطوم.
(3) أشار الكاتب إلى فصل في كتاب "القوم" صدر عام 1987م، وفيه فصل عن "خلوة المجاذيب" بقلم عثمان أحمد العوض، كانت قد صدرت أولاً عام 1976م عن كلية التربية بجامعة الخرطوم.
(4) تحدث مجذوب النقر عن التاريخ في مقابلة مع الإذاعة المحلية في أتبرا في يوم 17 نوفمبر 1986م.
(5) ذكر الكاتب في الحاشية أنه يؤثر هنا استخدام كلمتي "تصوف علمي" على "تصوف ثقافي" أو "تصوف المتعلم الخبير"، متأسياً بالتعبير الحديث "التفسير العلمي للقرآن"، وببرنامج "الإسلام والعلم" لمصطفى محمود في التلفاز المصري.
(6). ذهب الكاتب إلى أن مجذوب النقر كان يعرف عن التاريخ أكثر من غيره من سكان الدامر. وكان يجمع التراث الشفهي ويفسره بحسب مفهومه الخاص، بحسب ما نسب من قول لأحمد إبراهيم أبو شوك إلى عبد الرحمن محمد مكي، الذي كان يعمل في المركز الإسلامي بالخرطوم.
(7). قارن الكاتب هذا بما ذكره محمد المهدي مجذوب عن قصص جدته في ديوانه "نار المجاذيب".
(8). استشهد الكاتب في الحاشية ببعض ما جاء في كتاب لمايكل قيلسنان (M.Gilsenan) عن "الإسلام: الدين والمجتمع في الشرق الأوسط الحديث"، من أن الكثير من الأحداث التي يراها "الآخرون / الغرباء" أحداثاً عادية، قد تُفسر على أنها "كرامات" عند الذي يتوقع دوماً وقوعها.
(9). ورد في الحاشية أن ظاهرة العودة أو اللجوء إلى التقليد الصوفي في مواجهة الموجة الإسلاموية المتصاعدة هو ظاهرة يمكن ملاحظتها أيضاً في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي. وبين الفريقين "أهل التصوف" و"السلفيين" في مختلف البلدان عداء ملحوظ.
(10). ذكر الكاتب في الحاشية أن المؤرخ أوفاهي أخبره في مراسلة شخصية معه عن تطور مشابه في مصر (مثل ما حدث مع الدَّنْدَرَاوِيَّة).
alibadreldin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الکثیر من من خلال غیر أن التی ت
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء: تغير المناخ يؤثر عالميا على الأمن الغذائي ويدفع بالملايين إلى النزوح
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله مفهوم تغيُّر المناخ ومسبباته وتداعياته على مختلف المناطق، كما استعرض تأثيره على الأفراد والشركات، مع توضيح أبرز مقترحات مواجهته.
أشار التحليل إلى أن تغيُّر المناخ يُعد أحد أخطر التحديات البيئية الأكثر إلحاحًا في العصر الحديث، حيث يؤثر بشكل مباشر على الأفراد، من خلال مظاهر هذا التغيُّر التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، والتي تهدد الصحة العامة، لا سيما لدى الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال وكبار السن، كما يؤدي إلى تراجع الموارد الطبيعية، مثل المياه والغذاء، نتيجة لاختلال أنماط هطول الأمطار، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، ويهدد الأمن الغذائي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الأعباء المعيشية، بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الكوارث الطبيعية المتزايدة، مثل الفيضانات والجفاف، في فقدان المنازل وتشريد الملايين، مما يؤدي إلى أزمات إنسانية واجتماعية، كما تتأثر سبل العيش، حيث يواجه العاملون في الزراعة والصيد والسياحة تحديات تهدد استقرارهم الاقتصادي.
أوضح التحليل أن تغيُّر المناخ يُشير إلى التغيُّرات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس، والتي قد تحدث بشكل طبيعي نتيجة للتقلبات في النشاط الشمسي أو الانفجارات البركانية الكبرى، ومع ذلك، فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي العامل الأساسي وراء تغيُّر المناخ، وقد أكد علماء المناخ أنها مسؤولة بشكل كامل عن الاحترار العالمي خلال القرنين الماضيين، إذ تؤدي الأنشطة البشرية إلى انبعاث الغازات الدفيئة التي تُسهم في رفع درجة حرارة الأرض بمعدل أسرع من أي وقت مضى، وذلك خلال الألفي عام الأخيرة على الأقل.
أضاف التحليل أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض أصبح الآن حوالي 1.1 درجة مئوية أكثر دفئًا مما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل الثورة الصناعية، ويُعد العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. وينتج عن احتراق هذه المصادر انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري)، التي تعمل كغطاء يحيط بالأرض، مما يؤدي إلى احتباس حرارة الشمس، وارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ذكر التحليل أن ثاني أكسيد الكربون والميثان يُعدوا من الغازات الدفيئة الرئيسة المسؤولة عن تغيُّر المناخ، حيث تنتج هذه الغازات من استخدام البنزين في وسائل النقل أو حرق الفحم لتدفئة المباني، كما أن إزالة الغابات تُسهم في إطلاق كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون، وتُعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي، من بين القطاعات الرئيسة المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وعند وصول الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ستصبح موجات الحر أكثر شدة، وستمتد الفصول الدافئة لفترات أطول، بينما ستتقلص الفصول الباردة، أما في حال ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية، فستصل موجات الحر المتطرفة بشكل متكرر إلى مستويات حرجة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للزراعة والصحة.
أوضح التحليل أن تأثيرات تغيُّر المناخ لا تقتصر على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل تمتد لتشمل تغييرات واسعة في مختلف الأنظمة البيئية والمناطق الجغرافية، والتي ستزداد حدتها مع استمرار الاحترار، وتشمل هذه التأثيرات:
-تغيُّر أنماط هطول الأمطار: حيث من المتوقع أن تزداد نسبة الهطول في المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا، بينما ستنخفض بشكل ملحوظ في أجزاء واسعة من المناطق شبه الاستوائية، كما ستتغير أنماط الأمطار الموسمية وفقًا لكل منطقة، مع حدوث فيضانات متكررة بالتزامن مع موجات جفاف أكثر حدة بعدد من المناطق.
-ارتفاع مستوى سطح البحر: سيستمر مستوى سطح البحر في الارتفاع على مدار القرن الحادي والعشرين، مما سيؤدي إلى تفاقم الفيضانات الساحلية في المناطق المنخفضة، وزيادة معدلات تآكل السواحل، ومن المتوقع أن تتحول الأحداث المتطرفة لارتفاع مستوى سطح البحر، التي كانت تحدث مرة كل 100 عام، إلى ظواهر سنوية بحلول نهاية القرن.
- ذوبان الجليد وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي: سيؤدي الاحترار المستمر إلى تسارع ذوبان التربة الصقيعية، واستمرار فقدان الجليد البحري في القطب الشمالي خلال فصل الصيف، إلى جانب تراجع الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.
-تغيُّرات في المحيطات: حيث يشهد المحيط ارتفاعًا في درجة حرارة مياهه، وزيادة في موجات الحرارة البحرية، وتحمضًا متزايدًا، وانخفاضًا في مستويات الأكسجين، وهي تغييرات مرتبطة بالنشاط البشري، ومن المتوقع أن تؤثر هذه التحولات على النظم البيئية البحرية والمجتمعات التي تعتمد عليها، وستستمر على الأقل حتى نهاية هذا القرن.
-تأثيرات على المدن: حيث ستتفاقم بعض جوانب تغيُّر المناخ في المناطق الحضرية، لا سيما ارتفاع درجات الحرارة، حيث تكون المدن عادة أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة، وارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية.
علاوةً على ذلك، تُسهم الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير وحرائق الغابات في تدمير المنازل والبنية التحتية، مما يجبر الكثيرين على النزوح من مناطقهم، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد المدن الساحلية، مما يجعل السكان أكثر عرضة لفقدان مساكنهم ومصادر رزقهم، ولا تقتصر التأثيرات على الصحة والاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، حيث يزيد القلق بشأن المستقبل مما يتسبب في زيادة مستويات التوتر والاكتئاب بين الأفراد.
استعرض التحليل تأثير تغير المناخ على الأفراد من خلال تسليط الضوء على عدة جوانب رئيسية وهي:
أولاً: تأثيرات تغيُّر المناخ على الصحة: تصف منظمة الصحة العالمية تغيُّر المناخ بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، إذ تُقدر أنه سيتسبب في نحو 250، 000 وفاة إضافية سنويًّا بين عامي 2030 و2050، وستكون معظم هذه الوفيات ناتجة عن سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، على أن الحرارة هي أخطر أنواع الطقس القاسي، حيث تُسهم درجات الحرارة المرتفعة في وفيات العمال الذين يعملون في الهواء الطلق، والسياح، والحجاج الدينيين، والأشخاص الذين يعانون من التشرد، لكن تأثير الحرارة لا يقتصر على ذلك، بل يؤثر أيضًا على الصحة الجسدية والعقلية بطرق مختلفة:
1- تسببت فصول الشتاء الأقصر والأكثر دفئًا في انتشار أكبر للأمراض المنقولة عبر الحشرات، مثل داء لايم، وزيكا، والملاريا، وحمى الضنك، وفيروس غرب النيل، وشيكونغونيا.
2- تؤدي موجات الحر، خاصةً عند اقترانها بتلوث الهواء الناتج عن حركة المرور، إلى ارتفاع مستويات الأوزون، مما يُسهم في تفاقم العديد من المشكلات الصحية، مثل: الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
3- زيادة تركيزات حبوب اللقاح وإطالة مواسم الحساسية، فوفقًا لمؤسسة الربو والحساسية الأمريكية، فإن ارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة أدى إلى تمديد موسم حبوب اللقاح بين 11 و27 يومًا خلال الفترة من 1995 إلى 2011.
وأضاف التحليل أن تغيُّر المناخ يزيد احتمال حدوث جائحة جديدة، حيث إن ارتفاع درجات الحرارة سيجبر الحيوانات البرية على تغيير موائلها (بيئاتها)، ووفقًا لتقرير نُشر في المجلة العلمية Nature، فقد يؤدي ذلك إلى دفع هذه الحيوانات إلى العيش بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان، مما يزيد فرص انتقال الفيروسات وحدوث جائحة جديدة.
ويشير التقرير إلى أن "تغيُّر النطاق الجغرافي" سيؤدي إلى تفاعل الثدييات مع بعضها بعضًا لأول مرة، مما قد يتسبب في تبادل آلاف الفيروسات. ويؤكد العلماء أنه حتى في حال الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية هذا القرن، فإن ذلك "لن يقلل من انتقال الفيروسات في المستقبل".
وأوضح التحليل أنه بالرغم من أن التغيُّر المناخي يؤثر على الجميع، فإن بعض الفئات أكثر عرضة للمخاطر الصحية، وتشمل:
1-الأطفال: بسبب جهازهم المناعي غير المكتمل، يكونون أكثر عرضة للإجهاد الحراري والجفاف، كما أنهم أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان حرائق الغابات.
2-النساء الحوامل: يواجهن خطرًا متزايدًا من الإجهاد الحراري أثناء موجات الحر بسبب التغيُّرات الفسيولوجية المرتبطة بالحمل، كما أنهن وأجنتهن أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان الحرائق.
3-كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة: يكونون أكثر عرضة للجفاف، والإجهاد الحراري، والالتهابات، وتفاقم أمراض القلب والجهاز التنفسي.
4-السكان في المناطق الريفية والنائية وسكان الشعوب الأصلية والأشخاص ذوي الدخل المنخفض: يواجهون مخاطر أكبر بسبب قلة الخدمات الصحية، وزيادة التعرض للكوارث الطبيعية، مثل: حرائق الغابات والجفاف والعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر.
ثانياً: التأثير الاقتصادي لتغيُّر المناخ على الأفراد والشركات: أشار التحليل إلى أن موجات الحرارة المرتفعة، والجفاف الطويل الأمد، والفيضانات الشديدة تُسهم في ارتفاع تكاليف المعيشة وجعل الناس أكثر عرضة للمخاطر.
1- التأثير على الأمن الغذائي والأسعار: تؤثر الأحوال الجوية القاسية على إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية، مثل الأرز، والقمح، والذرة، والقهوة، والكاكاو، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الجودة.
2- تراجع استقرار شبكة الكهرباء وارتفاع التكاليف: حيث تصبح شبكة الكهرباء أكثر عرضة للاضطرابات، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الضغط عليها، خاصة مع تزايد الاعتماد على أجهزة التبريد، كما يواجه مزودو الخدمات أضرارًا متزايدة بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والعواصف العنيفة، وفي النهاية، تنعكس هذه التحديات على المستهلكين من خلال ارتفاع تكاليف الكهرباء.
3- ارتفاع حرارة المحيطات يهدد حياتنا واقتصادنا: يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر خطرًا غير مسبوق على سلاسل التوريد العالمية، فقد يؤدي إلى تعطيل الموانئ والبنية التحتية الساحلية، كما أن ارتفاع درجات حرارة المياه يُسهم في زيادة شدة العواصف في المناطق الاستوائية، مما يعرض الأرواح والممتلكات للخطر، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المحيطات تعد موطنًا لغالبية التنوع البيولوجي في العالم، كما يعتمد عليها 3 مليارات شخص في كسب رزقهم، ومع ذلك، تؤدي انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع حرارة المحيطات، وزيادة حموضتها، ونقص مستويات الأكسجين، مما يهدد مستقبل الوظائف والصناعات المرتبطة بالبحار.
4- تغيُّر المناخ يدفع بالملايين إلى النزوح: يُعد تغيُّر المناخ أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى الهجرة الداخلية، حيث يؤثر سلبًا على سبل العيش، ويجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن بسبب تعرضها الشديد للظواهر المناخية القاسية، وتشير التوقعات إلى أن 216 مليون شخص قد يضطرون للنزوح بسبب تغيُّر المناخ بحلول عام 2050، وذلك عبر ست مناطق حول العالم، وستكون أكبر أعداد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (86 مليون شخص)، تليها شرق آسيا والمحيط الهادي (49 مليون شخص)، ثم جنوب آسيا (40 مليون شخص).
5- تغيُّر المناخ قد يجعل تأمين الممتلكات أكثر تكلفة: ففي عام 2021 تسببت الكوارث الجوية المتطرفة في خسائر مؤمَّنة بلغت 105 مليارات دولار، وهو رابع أعلى مستوى منذ عام 1970، وذلك وفقًا للتقديرات الأولية لشركة Swiss Re، إحدى الشركات الرائدة عالميًّا في التأمين وإعادة التأمين، ولا يؤدي هذا فقط إلى ارتفاع تكاليف التأمين للجميع، بل قد يجعل بعض الأصول غير قابلة للتأمين تمامًا. ووفقًا لمجلس المناخ الأسترالي، فإن واحدًا من كل 25 منزلًا في أستراليا قد يصبح غير قابل للتأمين بحلول عام 2030.
6- تكاليف باهظة للشركات بسبب المخاطر البيئية: أشارت دراسة صادرة عن منظمة CDP غير الربحية في عام 2021، التي تدير أكبر نظام عالمي للإفصاح البيئي، إلى أن الشركات قد تتحمل ما يصل إلى 120 مليار دولار من التكاليف المرتبطة بالمخاطر البيئية في سلاسل التوريد بحلول عام 2026، وتشمل هذه التكاليف ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى تغييرات تنظيمية مثل فرض ضرائب الكربون، وذلك في إطار الجهود العالمية للتصدي للأزمات البيئية.
استعرض التحليل طرق مواجهة تغيُّر المناخ ومنها:
-التمويل المتعلق بالمناخ: يلعب الدعم الاقتصادي دورًا كبيرًا في معالجة تغيُّر المناخ، حيث تحتاج الدول النامية إلى 127 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030، و295 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2050 للتكيف مع تغيُّر المناخ، في الوقت الحالي، يبلغ تمويل التكيف مع المناخ نحو 50 مليار دولار سنويًّا، مما يشكل فجوة كبيرة في تلبية الاحتياجات المتزايدة لمواجهة التحديات البيئية.
-التخفيف والتكيف: يجب أن تضمن جهود التخفيف والتكيف مع تغيُّر المناخ عدم تضرر أي فئة بشكل غير عادل، خلال مسيرة الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، ويجب أن تلعب السياسات الحكومية دورًا حاسمًا في الحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال، يمكن دعم إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، من خلال برامج تأهيل العمال لاكتساب مهارات جديدة تلائم الوظائف المستدامة، كما يمكن توجيه العائدات الناتجة عن تطبيق سياسات مثل ضرائب الكربون لدعم المجتمعات منخفضة الدخل.
-الأمن الغذائي والمائي: يعد تطوير نظم إنتاج الغذاء وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية من الخطوات الأساسية للتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه تغيُّر المناخ. ومع ذلك، هناك تفاوتات كبيرة في استهلاك المياه بين الدول الغنية والدول منخفضة الدخل، وكذلك بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة. لذا، فإن ضمان توزيع عادل ومستدام للموارد أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وأكد التحليل في ختامه أن مواجهة أزمة تغيُّر المناخ، تتطلب تعزيز الوعي واتخاذ تدابير جادة للتخفيف من آثاره والتكيف معها، حيث إن المسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمعات والأفراد، فالتغيير يبدأ من السياسات البيئية المستدامة، مرورًا بالاستثمارات في الطاقة النظيفة، وصولًا إلى تبني سلوكيات صديقة للبيئة. كما يلعب التعاون الدولي دورًا أساسيًّا في وضع سياسات فعالة للحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة، لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
اقرأ أيضاً«معلومات الوزراء» يصدر تحليلًا بعنوان الصحة والسلامة في العمل حق وضرورة
معلومات الوزراء: يستعرض تطورات ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأمريكا والأسواق الأوروبية