دراسة: حفلات الموسيقى الكلاسيكية تولّد تناغما في ضربات قلب أفراد الجمهور وتنفسّهم
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
غالبا ما يوصف الاستماع إلى الموسيقى مع الآخرين أنه تجربة جماعية قوية، قادرة على توليد شعور بالارتباط بين المستمعين.
وقد تساهم دراسة جديدة نشرت في مجلة «ساينتيفيك ريبورتس» في تفسير هذه الظاهرة، إذ أظهرت أن التفاعل البدني لبعض أفراد الجمهور خلال حفلات الموسيقى الكلاسيكية متشابة لجهة معدل ضربات القلب والتنفّس.
وبحسب النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، فإن الأفراد الذين يتمتعون بشخصية منفتحة هم أكثر قابلية للانسجام مع الموسيقى.
وقال عالم النفس في جامعة برن الذي تولى إعداد هذه الدراسة فولفغانغ تشاخر «عند تناول أمور مجردة كالتجارب الجمالية،وطريقة تفاعلنا مع الفن والموسيقى، يكون الجسد هو المعنيّ دائما».
وتسمى هذه النظرية «الإدراك المتجسد». وتقوم على فكرة أن العقل لا يرتبط بالجسد فحسب، بل أن الجسد يؤثر على العقل - وهذا ما يبدو بديهيا بدرجة كافية لأي شخص، لكنه يشكل للأوساط العلمية فكرة مثيرة للجدل.
وراقب فولفغانغ تشاخر وزملاؤه أثناء أبحاثهم مجموعة تضم 132 متفرجا خلال ثلاث حفلات موسيقية كلاسيكية.
وعُزِفَت في الحفلات الثلاث ثلاث مقطوعات على خماسية وترية، واحدة لبيتهوفن، وأخرى لبرامز، وثالثة للمؤلف الأسترالي المعاصر بريت دين.
واستخدم معدو الدراسة كاميرات وأجهزة استشعار محمولة، جهزوا بها المشاركين. وملأ هؤلاء استباناتهم عن شخصياتهم قبل الحفلة، ثم بعدها، لمعرفة ما إذا كانوا قد استمتعوا بأجوائها وكيف شعروا.
ولاحظ الباحثون نقاطا موحدة في عدد من البيانات، إذ أصبح معدل ضربات قلب المشاركين أسرع أو أبطأ أثناء سماع المقاطع الموسيقية نفسها، وكذلك مستويات نشاطهم الكهربائي، أو النشاط الكهربائي المسجل على سطح الجلد.
وقد يكون النشاط الكهربائي المرتفع مؤشرا إلى حالة من الإثارة والحماسة، وقد يكون مرتبطا بالخوف. وعندما يكون منخفضا، يؤشر إلى حالة من الاسترخاء.
وسجلت الكاميرات أيضا تزامنًا وتشابهًا في حركات الجسم، حتى في الضوء الخافت وأثناء تباعد المشاركين بعضهم عن بعض بسبب الإجراءات المرتبطة بجائحة كوفيد-19.
وكان إيقاع الأنفاس متناغما أيضا ولكن من دون أن يصل إلى الشهيق والزفير في انسجام تام.
وبدا أن الأشخاص الأكثر «انفتاحا على التجارب الجديدة» هم الأكثر قابلية لتحقيق الانسجام مع الآخرين.
وفي المقابل، فإن الأشخاص ذوي التصرفات العصابية، أو «الشخص الذي يميل إلى الخوف، وتجنب الأشياء، ويكون أكثر اكتئابا»، على حد وصف فولفغانغ تشاخر، يُعَدّون أقل قابلية للانسجام.
وبدت هذه أيضا حال الأشخاص المنفتحين، وهو ما قد يبدو مدهشا.
وأوضح الباحث أن «الأشخاص المنفتحين اجتماعيون جدا، ويميلون إلى الاختلاط مع الناس، ويريدون أن يكونوا في السلطة، ولديهم قدر معين من تقدير الذات». ويكون بذلك تركيزهم أقل على الموسيقى، على قوله.
وتتوافق هذه النتائج بحسب فولفغانغ تشاخر مع نظرية الإدراك المتجسد، وتساهم أيضا في تفسير سبب ما تولّده المسيرات العسكرية أو الاحتفالية من روح تماسك.
وشدد على أن التأثير يمكن أن يكون أكثر وضوحا بالنسبة للأنواع الموسيقية الأخرى.
وأوضح مثلا «أنّ ثمة أسبابا إضافية تجعل الناس يكونون في انسجام أثناء حفلات البوب»، شارحا أن «الناس يتحركون ويرقصون، ويتزامن ذلك مع الموسيقى، لذلك يمكن أن تكون النتائج أكثر وضوحا».
وكالة فرانس بريس
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
منى أحمد تكتب: شمس الموسيقى العربية
يحكي زياد الرحبانى في إِحدي الحوارات التلفزيونية، أنه عندما كان يسجل أغنية زوروني كل سنة مرة لسيد درويش بصوت السيدة فيروز فى ألمانيا، أنبهر الموسيقيين الألمان باللحن مما دفعهم للسؤال عن صاحبه، و اِرتسمت علامات الدهشة عندما عرفوا أنه لموسيقارمصرى عاش فى أوائل القرن الماضى، فكانوا يظنون أنه لحنا من مقطوعة عالمية .
ويخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن فقط ،بل هو مفجر الثورة الموسيقية وفكراً متطوراً قامت علي أكتافه المدرسة المصرية فى تجديد الموسيقي الشرقية، نجح في نقل الألحان الشرقية من عليائها البعيدة عن المزاج المصرى, والمنفصلة عن واقعها بمقاماتها التركية المليئة بالجمل اللحنية المعقدة والزخارف التى تعانى الجمود الفنى ،أسيرة التحفظ شبيهة محبيها من الطبقة الأرستقراطية، ليتجه بها خالد الذكر من القصورإلى قارعة الطريق نحو الأصول الشعبية والهوية المصرية .
فشعرالمصريون لأول مرة بأن لهم موسيقاهم المعبرة عنهم ،من خلال جملة موسيقية درويشية تحمل عبق مزيج حضارى متنوع تميزت به الاسكندرية وتشم معه فى نفس الوقت رائحة ملح الأرض الذى ينتمى إليه عموم الشعب ،فجمع بين التنوع والأصالة والحداثة في آن واحد بعد أن نقلها لمرحلة الواقعية، التى إستلهمها من واقع المصريين بجميع طوائفهم وطبقاتهم فكانت أعماله المرآة العاكسة لهمومهم وقضاياهم .
جاءت ألحان فنان الشعب لتشعل جذوة الروح الوطنية بين المصريين، والتى كانت تسرى بينهم كالنارفى الهشيم ،وسرعان ما يتداولها الشعب بجميع فئاته فى الشوارع والمقاهى ،وظهرت البصمة الموسيقية المتفردة لسيد درويش التى لا تخطأها أذن أثناء ثورة 1919، فكانت ألحانه وكلمات بديع خيري بمثابة منشور سياسى مؤجج للضمير الوطنى والشرارة التى أشعلت ثورة الشعب الذى يتنظر الاِنتهاء من تلحينه حتي يتغنى به في مظاهراته .
وبدأ يؤرخ لصناعة الأغنية السياسية التى وقفت ضد الإحتلال الإنجليزى، وجاءت أغنية بلادى بلادى التى لحنها سيد درويش بكلمات مستوحاة من كلمات الزعيم مصطفى كامل ،لتكون نشيد الشعب فى ثورة 1919 وتصبح النشيد الوطنى لمصر بعد أكثر من 90 عاما.
اِستطاع سيد درويش التعبير باللحن عن الكلمات والمواقف الدرامية لأول مرة فى تاريخ الموسيقى العربية، و أدخل على الألحان الشرقية الأسلوب التعبيري ،وأحدث ثورة بكسر المقامات المتجاورة فى لحنه فكان يقفز قفزات غير مؤلوفة ومن مقامات مختلفة ليصيغ مقاماً موسيقاً جديداً، يدخل القلب ويتسلل إلى الروح متجاوزاً وعابراً حدود الزمان والمكان وهو ما كتب لها الخلود والتفرد.
ورغم عمره الفنى الذى لم يتعدى العشر سنوات، إلا أن التراث الإِبداعى لسيد درويش أصبح بمثابة الشعلة المغناطيسية ،التى تجتذب إليها كل من يستمع لها واِستطاع من خلالها أن يصبح جزءًا هاماً من تاريخ الأمة ووجدان الشعوب العربية.
سيد درويش حالة إبداعية شكلت الهوية الموسيقية المصرية، وعاشت أعماله لأكثر من قرن من الزمان وستعيش لقرون عديدة لتسجل إسمه كعلامة فارقة فى تاريخ الموسيقي ،تحية لروح خالد الذكر الشمس التى لم ولن تغيب عن الوجدان .