وسط الظروف المتقلبة التي يشهدها كوكبنا، ومع اتساع فضول الإنسان بفضل التطورات من حوله، يزداد التساؤل حول ما إذا كان هناك موطن آخر صالح للعيش في الفضاء غير المتناهي حولنا..وهنا نجيب إذا ما كان بالإمكان «نظريـًّا» بناء قبة ضخمة على سطح كوكب الزهرة – أحد أقسى كواكب مجموعتنا الشمسية – بحيث يمكن للبشر أن يعيشوا داخلها؟

هل تعلم أن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة هو الأكبر كثافة على الإطلاق من بين كواكب المجموعة الشمسية؟ سمك هذا الغلاف يزيد على سمك غلاف كوكبنا بنحو 93 ضعفـًا، أي بعبارة أخرى تصوّر أنك تضع كتلة يبلغ وزنها 93 كيلوجرامـًا على سنتيمتر مربع واحد من جسمك! هذا الأمر يشبه جلوس باندا ضخمة بكامل وزنها على أصبعك الصغيرة؛ لذلك ستحتاج إلى ابتكار طريقة تعينك على الانتقال من مركبتك الفضائية إلى داخل القبة؛ لأنك حالما تقف على سطح الزهرة ستسحقك كتلة غلافه الجوي الجاثم عليك بكل ثقله.

أما مشكلتك التالية فهي أن الغلاف الجوي للزهرة يتألف في الأساس من ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري؛ وهذا يعني أن أشعة الشمس التي تسخّن الكوكب من الصعب أن تعود أدراجها إلى الفضاء لأن ثاني أكسيد الكربون يحبسها ويراكمها حتى يستعر سطح الكوكب إلى نحو 460 درجة مئوية، ما يجعله أسخن كواكب المجموعة الشمسية.

مارك تومبسون

توكسبري، جلوسيسترشاير، المملكة المتحدة

لعل أكبر معضلتين ستعترضان محاولتك العيش على كوكب الزهرة هما مصدر الطاقة ومصدر الماء.

سنفترض أن باستطاعتنا تصميم قبة، بل وتشييدها هناك لتتحمل الظروف القاسية جدًّا الناجمة عن الضغط الجوي البالغ 93 بارًا، والحرارة البالغة 467 درجة مئوية، بالإضافة إلى المطر الحمضي الكبريتي. وسنفترض كذلك أننا سنعثر على مصدر للأكسجين لأن الغلاف الجوي للزهرة مؤلف من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 96% والباقي أغلبه نيتروجين وحفنة من ثاني أكسيد الكبريت.

رغم ذلك ستحتاج إلى مصدر للطاقة لتحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين، بل والأهم من ذلك لتبريد القبة، علمـًا أن كمية المياه هناك محدودة جدًّا، أي أن ثمة شح في الهيدروجين اللازم لتوليد الطاقة.

وما يفاقم الوضع أن مقدار الإشعاع الشمسي الساقط على سطح الكوكب لا يزيد على 25 واطــًا لكل متر مربع، وهو مقدار ضئيل جدًّا مقارنة بكوكب الأرض الذي يصله نحو 342 واطـًا لكل متر مربع. لذلك يتعذر تصوّر وجود مصادر بديلة ومتاحة للطاقة يمكن أن يلجأ إليها البشر الذي يعتزمون استيطان كوكب الزهرة.

علاوة على ذلك، لا يستبعد أن تحتوي الزهرة على براكين، غير أن استخلاص الطاقة منها أمر عسير. والأمر سيّان فيما يتعلّق بالعناصر الأساسية لصنع سماد زراعي – كالنيتروجين والكبريت والكربون والأكسجين وربما الفسفور – فهي وإن توفرت على سطح الكوكب إلا أنها ليست في حالة يمكن معها استخدامها سمادًا؛ ومن دون مصدر للطاقة أنّى سيتسنّى تحويلها إلى سماد؟

وإن نظرنا إلى جاذبية الزهرة وجدناها مماثلة لجاذبية الأرض؛ ومعنى هذا أن العودة إلى الأرض تستلزم الصعود باتجاه الشمس أولًا «تدرج الجاذبية» (أو الطيران في مسار جذب دائري طويل)، لذلك فالروبوتات التي نرسلها تذهب بلا عودة.

هيلاري شو

نيوبورت، شروبشاير، المملكة المتحدة

أقول بثقة تامة إنه لا «يمكن نظريـًّا بناء قبة ضخمة على سطح كوكب الزهرة يمكن للبشر أن يعيشوا داخلها» لأنه لم يتمكّن أي شخص في حياتي كلها من فعل ذلك. لكن ببساطة من وجهة نظر هندسية نظرية ومن ناحية الجدوى التقنية لا يمكنني أن أقول «أبدًا».

أقول ذلك لأنه ثمة خطوات بسيطة قد سبقت في هذا المجال؛ ففي عام 1985 استطاع مسبار سوفييتي غير مأهول أن يصمد على سطح المريخ نحو ساعة. وكذلك في الولايات المتحدة تعتزم وكالة ناسا أن تطلق بعثتها «دافينشي» نحو الزهرة عام 2029 لتدور حوله وتجمع المعلومات عنه وتستكشف محيطه قبل أن تُـنزِل مسبارها إلى سطحه.

ما يجعلني واثقـًا بشأن استحالة الفكرة نظريـًّا لا يقتصر على السؤال «كيف يمكن أن يحصل ذلك في الزهرة؟» وإنما أيضـًا «لماذا على الزهرة؟». إن احتساب العائد من الاستثمار أول خطوة ضرورية لإقناع الجهات التي ستموّل مثل هذا المشروع الضخم، علمـًا أن الاستثمار يشمل إرسال جميع المواد والتموينات والمستلزمات الاستهلاكية (بما فيها الماء) من الأرض إلى الزهرة، فضلًا عن إرسال متطوعين إلى الجحيم في رحلة ذهاب فقط لا تشمل الإياب.

منافع هذا المشروع ستشمل التمكّن من دراسة عواقب التغير المناخي وتأثير الاحتباس الحراري عن كثب (وإن بقيت أي أسئلة فالأفضل محاولة الإجابة عليها عبر معدّات تعمل عن بعد، تكون قابليتها للاشتعال أقل من أجسام البشر). والفائدة الأخرى ستكون اختبار عقلية «لأنها هناك»(1) التي تدفع الناس اندفاعًا أعمى لتسلق جبل إيفرست أو السباحة من كوبا إلى فلوريدا. والفائدة الأخيرة هي الشعور بالراحة بعد إثبات خطأ ما أقول.

(1) [المترجم] عبارة شهيرة تُنسب إلى المتسلق البريطاني جورج مالوري الذي كان أول من حاول تسلق قمة إيفرست في يونيو 1924، وعندما سئل عن سبب سعيه لتسلق هذه القمة بالذات أجاب: «لأنها هناك – because it’s there»، فذهبت إجابته مثلًا سائرًا. وقد لقي مالوري حتفه في هذا الرحلة ولم يُعثر على جثمانه إلا بعد نحو 75 عامـًا.

ديفيد بورتين

ويتير، كاليفورنا، الولايات المتحدة

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ثانی أکسید الکربون کوکب الزهرة على سطح

إقرأ أيضاً:

علماء يتوصلون لـ "عباءة الإخفاء" لحماية البشر من القرش

اكتشف الباحثون في جامعة ماكواري الأسترالية، طريقة لتعطيل الإشارات البصرية التي تجذب أسماك القرش الأبيض الكبير، من خلال فهم كيفية إدراك هذه أسماك القرش لفريستها، حيث قاموا بتطوير تقنية غير جراحية لردع الهجمات.

 يقول الباحثون إن عملهم "قد يشكل أساسًا لتكنولوجيا جديدة غير جراحية لردع أسماك القرش، وحماية الإنسان"، وفق "إنترستينغ إنجينيرينغ".




وتعتمد أسماك القرش الأبيض الكبير على بصرها لاستهداف الفريسة والتقاطها، مثل الفقمة، من خلال اندفاع قوي للأعلى، وأشارت دراسات سابقة إلى أن أسماك القرش الأبيض الكبير عمياء الألوان ولديها حدة بصرية ضعيفة، ومع ذلك، فإنها تُعوض عن هذه القيود بقدرة قوية على اكتشاف الأشكال والخطوط العريضة، ولسوء الحظ، فإن الرؤية المحدودة لقرش أبيض كبير تجعل من الصعب التمييز بين صورة ظلية للوح التزلج أو الإنسان وصورة الفقمة، وهذا يزيد من خطر الهجمات على الناس.
واستلهم الباحثون من استراتيجية البقاء الذكية التي تستخدمها أسماك الملازم البحرية الصغيرة ذات الزعانف العادية، وتحتوي هذه الأسماك على أعضاء خاصة لإنتاج الضوء تسمى "الفوتوفور" على جانبها السفلي، وعندما تصدر هذه الفوتوفور الضوء، فإنها تعطل الصورة الظلية للسمكة، مما يجعل من الصعب على الحيوانات المفترسة رصدها على سطح الماء الأكثر سطوعًا، ومن خلال محاكاة هذه الاستراتيجية، كان هدف الباحثين هو جعل الأشياء في الماء، مثل راكبي الأمواج أو السباحين، أقل وضوحًا لأسماك القرش الأبيض الكبير.


عباءة الإخفاء


وأجرى الباحثون تجارب ميدانية لاستراتيجيتهم المضادة للإضاءة في خليج موسيل بجنوب إفريقيا، حيث يوجد عدد كبير من أسماك القرش الأبيض الكبير.
ولجذب أسماك القرش، قام الباحثون بسحب طعوم رغوية على شكل فقمة بطول 3.9 قدم (1.2 متر) خلف قارب، وبمجرد جذب أسماك القرش إلى الطعوم، قام الباحثون بتجربة تكوينات إضاءة LED مختلفة لتعطيل ظلال الطعوم، وكان الهدف هو معرفة ما إذا كانت الأضواء قادرة على ردع أسماك القرش عن الهجوم، ومن المثير للاهتمام أن خطوط الضوء - العمودية على حركة الطعوم - أثبتت أنها رادع قوي ضد هجمات أسماك القرش.
 وقال البروفيسور ناثان هارت، رئيس مختبر علم الأعصاب بجامعة ماكواري: "إنه يشبه نوعًا ما عباءة الإخفاء، ولكن باستثناء أننا نقسم الكائن، الصورة الظلية المرئية، إلى أجزاء أصغر".

مقالات مشابهة

  • اكتشاف حيلة للحد من هجمات أسماك القرش على البشر
  • علماء يتوصلون لـ "عباءة الإخفاء" لحماية البشر من القرش
  • خبير: البراكين "مصدر خفي" لثاني أكسيد الكربون المسبب للاحترار المناخي
  • خطورة بيل جيتس على البشر.. أفكار غريبة واقتراحات مرعبة
  • المشتري والزهرة يزينان سماء العالم العربي فكيف تراهما بعينيك؟
  • احياء الذكرى السنوية للشهيد بمديريتي الزهرة والمغلاف بالحديدة
  • الانبعاثات تخنق العالم.. ثاني أكسيد الكربون يتضاعف بنسب مرعبة عام 2024
  • هاني البشر: هناك عزوف جماهيري بسبب غلاء أسعار التذاكر .. فيديو
  • دراسة: مستوى قياسي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 2024
  • ضربة موجعة لعصابات التزوير: ضبط شحنة دولارات مزورة ضخمة