لماذا يتوهج الذهب في وجه الضوء ؟
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
ترجمة - أحمد بن عبدالله الكلباني -
يصدر من الشرائح الرقيقة للذهب ضوء خافت بعد أن تتعرض لأشعة الليزر، والآن بدأنا نفهم سبب حدوث ذلك، في توصل لحقيقة تُمَكِّن العلماء من تطوير التفاعلات الكيميائية المفيدة لتخزين الطاقة وتحفيزها في العمليات التي يتم فيها استخدام الذهب، حيث تستخدم رقائق الذهب في أغلب تلك العمليات الكيميائية.
بريق الذهب المعتاد هو نتيجة لانعكاس أشعة الضوء عليه، ولكن رقائق الذهب متناهية الرقة يمكنها كذلك توليد الضوء وإصداره، في عملية تعرف بـ«الفوتولومينسيا» أو «التألق الضوئي»، ويحدث ذلك لأن رقائق الذهب لديها القدرة على تخزين بعض «الفوتونات» الموجودة في أشعة الضوء، ومن ثم تطلق رقائق الذهب «فوتونات» جديدة.
وفي سبيل التحقق من هذا التفسير، قام الباحث «آلان بومان» -أحد منتسبي المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان والمعروف بـ «EPFL»- مع زملائه بالتحقق من ذلك باختبار شرائح رقيقة من الذهب يتراوح سمكها ما بين 13 إلى 113 نانومترًا، حيث قاموا بتعريضها لأشعة قوية من الليزر حتى بدأت تصدر ضوءا بعد ذلك، وقاموا كذلك بتعريض تلك الرقائق المضاءة لجهاز يكشف حجم «الفوتونات» الجديدة التي تصدر من رقائق الذهب لتحليلها.
وصرح «آلان بومان» قائلا: «إن أجهزة الكشف عن الفوتونات كانت حساسة بقدر كبير، لدرجة أنها تمكنت من اكتشاف الطول الموجي للفوتونات الجديدة المنبعثة من رقائق الذهب، حتى عندما كان هناك واحد فقط لكل مليار فوتون من الليزر».
وبالاعتماد على هذه النتيجة ودمجها بأنظمة المحاكاة الحاسوبية، تمكن الباحثون من صناعة نموذج لكيفية حدوث الوميض الضوئي في رقائق الذهب، وهو أشبه بالتلألؤ، وتوصل الباحثون بالفعل إلى الآلية الأساسية لذلك، وهي «الطاقة الصادرة من الفوتون الوارد (الضوء الخارجي) تتحول إلى إلكترون وتُحدث ثقبًا، وهو نقص ذرة مماثل للشحنة يتصرف على عكس الإلكترون في داخل رقائق الذهب، ما يؤدي إلى إصدار فوتون جديد»، وفي أثناء الدراسات تمكن الباحثون من اكتشاف طرق أخرى متعددة لحدوث هذا الأمر.
يقول «آلان بومان» إن بعض الثقوب التي تتحد مع الإلكترونات تفعل ذلك مباشرة، بينما يرتد بعضها داخل رقائق الذهب لفترة وجيزة بدايةً.
ووجد الفريق أيضًا أنه بالنسبة للرقائق التي يزيد سمكها على 40 نانومترًا تقريبًا، فإن بعض خصائص الثقوب والإلكترونات - مثل طاقتها وفاعليتها - تصبح أكثر عرضة للتأثيرات الكمية مما كان معروفًا سابقًا.
إن تَوَصُّلَ الباحثين إلى هذه النتيجة يمكن أن يفيد مطوري الصناعات التي تعتمد على الإلكترونات، وعلى رأس ذلك الخلايا «الكهروضوئية» التي تستعمل في الألواح الشمسية المنتجة للكهرباء.
يقول الباحث «ماثيو شيلدون» المنتسب إلى جامعة «تكساس إيه آند إم إن» إن فهم عملية «الفوتولومينسيا» أو «التألق الضوئي» بهذا التفصيل له ثمار عديدة ويمكن أن يساهم كذلك في تطوير الطريقة التي يستخدم فيها الباحثون رقائق الذهب لتركيز وتضخيم الطاقة الناتجة من الضوء، ما يمكّنهم كذلك من صنع أجهزة استشعار حيوية أفضل، إضافة إلى تسريع التفاعلات الكيميائية مثل صناعات الأسمدة والوقود.
ويضيف «ماثيو شيلدون» قائلا: «إن الهياكل النانوية المصنوعة من الذهب هي أساسا العمود الفقري في علم النانو».
وللباحثة «جوليا تاجليابو» العضوة في فريق الباحث «آلان بومان»، والعضوة كذلك في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا «EPFL» تصريح تقول فيه: «يمكن للإلكترونات والثقوب الموجودة في الذهب تمرير الكثير من الطاقة إلى الجزيئات، مما يؤدي إلى تعزيز أو تغيير بعض التفاعلات».
وتضيف إن هذا من شأنه أن يساعد الباحثين في مجال التفاعلات الكيميائية، متأملة أن يسهم هذا الاستنتاج في صناعة بطاريات صديقة للبيئة يمكن إعادة شحنها من خلال الضوء.
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
14 سنة من المحاولات.. لماذا عجزت تونس عن استرجاع أموالها المنهوبة؟
رغم مرور نحو 14 سنة على الثورة في تونس وسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لم تتمكن الحكومات التونسية المتعاقبة من استرجاع الأموال المنهوبة والمهربة بالخارج من عائلة وأقارب الرئيس المخلوع، والتي بتت فيها أحكام قضائية.
وبلغ حجم الأموال المهربة في فترة نظام زين العابدين بن علي، الممتدة من سنة 1987 إلى 2010، حوالي 39 مليار دولار، مثلت 88.1 بالمئة من الناتج المحلي الخام لسنة 2010، وفق تقرير أصدره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو هيئة رقابية غير حكومية، في 2023.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد هو الآخر قد جعل من هذا الملف رهانا من بين رهانات مرحلة الحكم التي يديرها في البلاد، إذ كرر في خطاباته أن المبالغ المنهوبة في صفقات الفساد تناهز 4.4 مليارات دولار، مستندا إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة التي تشكلت بعد سقوط النظام السابق في 2011.
في المقابل، ما يزال ملف الأموال المنهوبة يراوح مكانه رغم المحاولات المتكررة لإثارة هذا الملف سواء على المستوى الديبلوماسي أو التشريعي وهو ما يفتح النقاش بشأن الأسباب التي حالت دون استرجاع تونس لأموالها بعد نحو 14 سنة من الثورة.
صعوبات أم تهاون؟تعليقا على هذا الموضوع، يرى الوزير السابق المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو، أنه بالاستناد إلى تجارب بلدان مماثلة عاشت ثورات، فإن استعادة الأموال المنهوبة بالخارج "ليست عملية بسيطة وتتطلب بعض الوقت"، مشيرا إلى تسجيل "تهاون" في هذا الجانب من قبل حكومات ما بعد الثورة.
ويوضح عبو لـ "الحرة" أنه رغم إحداث لجنة أشرف عليها البنك المركزي التونسي بناء على مرسوم حكومي صدر في 2011، إلا أن هذه اللجنة انتهت عهدتها البالغة أربع سنوات ولم تعوض بهيئة أخرى، ليحال إثر ذلك ملف الأموال المنهوبة إلى المكلف العام بنزاعات الدولة، والذي "لا يمتلك الإمكانيات البشرية الكافية" لمتابعة هذه القضية.
بين "أنا يقظ" والخارجية التونسية.. جدل محتدم و"لا حلول" تعيد الأموال "المنهوبة" عاد ملف "الأموال المنهوبة" إلى واجهة النقاش بالأوساط التونسية بعد "تراشق" بالبيانات، بين وزارة الخارجية التونسية والمنظمة الرقابية "أنا يقظ" المتخصصة في قضايا مكافحة الفساد المالي، في أعقاب إعلان الرئيس التونسي عن خطوات جديدة لمواجهة الجرائم الاقتصادية في البلاد.ويشدد الوزير السابق على أن ملف استرجاع الأموال المنهوبة "استنزف الكثير من الوقت وغاب فيه جانب الاجتهاد من قبل الحكومات المتعاقبة عبر تطويل الإجراءات"، مستطردا "حتى بعد فترة 25 يوليو 2021، ظل هذا الملف مجرد شعار سياسي ولم يشهد أي تقدم أو سير نحو الانفراج".
وفي أكتوبر 2020، أحدث الرئيس التونسي قيس سعيد لجنة خاصة برئاسة الجمهورية لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج بأمر رئاسي، يترأسها وزير الخارجية مهمتها "تقويم مختلف الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الملف واقتراح القيام بكل إجراء من شأنه استرجاع هذه الأموال".
وبعد 5 أشهر من إحداثها أعلنت الرئاسة التونسية عن استرجاع مبلغ بقيمة 1 مليون دولار من البنوك السويسرية، غير أنه في 2022 أعلن الاتحاد الأوروبي رفع التجميد عن أموال سبعة من أفراد عائلة بن علي والمقرّبين منه.
خلل الإجراءاتمن جانبه، يرجع الخبير الجبائي لسعد الذوادي الصعوبات التي تواجهها تونس في استعادة الأموال المنهوبة إلى ما يعتبره خللا في الإجراءات منذ بداية إثارة هذا الملف عقب الثورة، وذلك بعدم تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد التي كان من شأنها أن تساعد اللجان التي تم تشكيلها لمتابعة هذا الملف في تونس.
ويضيف الذوادي موضحا لـ "الحرة" أن إثارة قضايا ضد مهربي الأموال في الخارج لدى المحاكم التونسية يعتبر "خطأ جسيما"، على اعتبار أن الدول الأجنبية التي توجد بها تلك الأموال لن تعترف بالأحكام الصادرة في هذا الغرض، مؤكدا في هذا الصدد أن الأموال المنهوبة لا توجد فقط في أوروبا، بل أيضا في الخليج وهي تعد بآلاف المليارات.
بعد "فشل" مبادرات سابقة.. مقترح جديد لتسوية "قضايا الفساد" بتونس شرع البرلمان التونسي في دراسة مشروع القانون المتعلق بالصلح الجزائي والذي يسعى إلى إيجاد تسويات ومصالحة مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد، بعد أن واجه مرسوم رئاسي صدر في هذا الجانب، "عقبات" حالت دون بلوغ أهدافه المرجوة.وشدد على أن بعض تلك الدول "حريصة على الدوس على المعاهدات الدولية وعدم إرجاع الأموال المنهوبة".
ويتابع، في السياق ذاته، موضحا أن عددا من الدول توفر "جنات ضريبية وعدلية"، و"كان يفترض قلب المعادلة بإلقاء عبء تتبع المهربين على تلك الدول بناء على ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية، ومن ضمنها اتفاقية الأمم المتحدة سالفة الذكر، لافتا إلى أن تونس "لم تفعل أيضا المعاهدة الدولية المتعلقة بالمساعدة الإدارية المتبادلة، مما عسر إجراءات استعادة الأموال المهربة بالخارج".
ويكشف المستشار الجبائي أن "تعطل" استرجاع الأموال المنهوبة طيلة السنوات الماضية مرده "وجود عديد الثغرات في التشريعات وكذلك المبادرات والتي تم تقديمها".
مشكل آخر يعقد الجهود المبذولة لاستراد الأموال المنهوبة، وفق الذوادي، وهو "تواصل نهب الأموال وتهريبها إلى اليوم"، وذلك بطرق بينها "التلاعب" بفواتير التوريد والتصدير أو من خلال "الشركات الأجنبية الوهمية" التي لا يتجاوز رأس مالها بضع مئات الدولارات.
وسبق لوزير الشؤون الخارجية السابق، نبيل عمار، أن أكد في نوفمبر 2023 أثناء جلسة برلمانية، أن اللجنة المكلفة باسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة في الخارج تعمل على وضع خطة عمل ومقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار النقائص التي حالت دون استرجاع هذه الأموال.
وفي سبتمبر الماضي، دعا وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، خلال لقائه في نيويورك مع وزير خارجية سويسرا، إلى أهمية تسريع عملية استرجاع الأموال المودعة بالبنوك السويسرية وتكثيف المساعدة القانونية المتبادلة في هذا الجانب.
مساع لاسترداد الأموالوتشير تقارير إعلامية محلية إلى أن تونس توصلت، بمساعدة دولية من منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي، إلى تحديد الأموال المودعة بالبنوك في الخارج وقدرتها بـ80 مليون دولار أمريكي.
وتمكنت الدولة التونسية من استرجاع 28.8 مليون دولار في أبريل 2013، كانت "مخبّأة في حساب بنكي لبناني" تملكه ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس الرحيل الراحل زين العابدين بن علي.
تونس تعترف بصعوبة استرداد أموالها المنهوبة الصعوبات التي تواجهها تونس في هذا المسار مرتبطة بالبلدان العربية بما فيها دول من الخليج العربي والاتحاد المغاربي.وفي مارس 2022، أحدث الرئيس قيس سعيد "لجنة الصلح الجزائي" التي تعنى اتفاقات مع رجال أعمال يشتبه في تورطهم في وقائع فساد، بهدف استبدال العقوبة الجزائية بدفعهم إلى التعويض والاستثمار في المناطق الفقيرة.
هذه اللجنة، التي يقر الرئيس ذاته أنها تواجه الكثير من الصعوبات في إنجاز مهامها، لم تصدر بعد أي تقرير يعرض نتائج أعمالها.