احمد عثمان: هل تصريح صديق المهدي الرافض للشراكة كافيا للتحالف ضد الحرب؟
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
صديق الزيلعي
أواصل الحوار مع صديقي أحمد عثمان عمر. كانت نقطته الجوهرية، في كل مقالاته ،انهم (قوى التغيير الجذري) لن يتحالفوا مع قحت بسبب شراكتها مع العسكر، وبأنها، في رأيهم، تصر، حاليا ومستقبلا، على مواصلة هذه الشراكة المعيبة. أوضحت في مداخلاتي ان الجدل الماركسي يرتكز على الصيرورة المستمرة وعملية التغيير المتواصلة، التي لخصها أحد فلاسفة الحضارة اليونانية القديمة، بهذه الكلمات: ” إنك لا تنزل للنهر مرتين”.
طرحت في كل مقالاتي ان معركتنا الأساسية هي من اجل الديمقراطية. وان التناقض الأساسي هو بين دعاة سيادة حكم القانون وفصل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية عن بعضها البعض، وإتاحة الحقوق الأساسية والحريات العامة من جانب. من الجانب الآخر دعاة الدولة الشمولية والحزب الواحد وفرض رؤية واحدة أحادية. وصراعنا التاريخي ضد الدكتاتورية العسكرية أوالمدنية هو من اجل إقامة ديمقراطية راسخة في بلادنا. بهذا الوضوح افهم ان مواجهة التناقض الأساسي يستدعي تحالف كل القوى الداعية للديمقراطية، بمختلف مشاربها وافكارها ونوع برنامجها المستقبلي المستقل. يتم ذلك بإنشاء جبهة واسعة من القوى السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني بعد توافقها على برنامج الحد الأدنى. بعد انجاز الانتقال الديمقراطي وتثبيت دعائمه يحق لاي جهة ان تطرح ما تراه من رؤى وبرامج والاجتهاد لإقناع الجماهير بها وحشدها من اجل الفوز بالسلطة.
اشرت لمقتطفات من تصريحات ولقاءات قوى الحرية والتغيير حول موقفهم السياسي. أوضحت ما قاله ياسر عرمان ومحمد عبد الحكم والواثق البرير. اليوم اقتطف ما قاله صديق الصادق المهدي وهو قيادي بالحرية والتغيير وقيادي بأكبر مكونات قحت. جاء ذلك في تصريح لجريدة الشرق الأوسط، وأعادت نشره الراكوبة أمس. كان العنوان البارز هو ” لا شراكة مع العسكر”. ما يلي بعض أجزاء التصريح الهام والواضح:
” قطع المهدي بـ«استحالة قيام شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة»، وقال: «هم أقروا بأنهم لن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي، فإذا كانوا صادقين وجادين، فإن ممارساتهم، منذ نظام عمر البشير وأثناء الانتقال وصولاً إلى الحرب العبثية والكوارث التي ترتبت عليها، كفيلة بجعلنا نضغط ونتوافق على أن يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به في الاتفاق الإطاري، بأن يبتعدوا عن ممارسة السياسة والاقتصاد والاستثمار.
قال عضو المجلس المركزي لتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومساعد رئيس «حزب الأمة» القومي، الصدّيق الصادق المهدي، إن منتقدي أنصار وقف الحرب في السودان يتمسكون باستمرارها «خشية تضرر مصالحهم»، ويتنصلون من مسؤوليتهم عن الحرب بتحميلها لـ«القوى المدنية التي تعمل على إصلاح مؤسَسي للدولة يقطع الطريق أمامهم.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أوضح المهدي أن خلاف «أنصار نظام البشير البائد الرئيسي، ليس مع قوات {الدعم السريع} التي صنعوها ومكنوها، بل مع القوى المدنية التي تسعى لتحقيق إصلاح مؤسسي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات النظامية، بما هدد ويهدد تمكينهم واستثماراتهم ونهبهم موارد البلاد.
وكشف المهدي عن اقتراب القوى المدنية من «تشكيل جبهة مدنية عريضة، تعمل على إنهاء الحرب، مؤلفة من قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة ومهنيين وشخصيات مستقلة، وتم التوافق على لجنة اتصال للقيام بالاتصالات اللازمة لإعلان الجبهة وعقد مؤتمرها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وأوضح أن النظام البائد وأنصاره «أشعلوا الحرب ويعملون على استمرارها ويقفون ضد وقفها، ليعودوا إلى السلطة من بوابتها، وليفتحوا منافذ جديدة للفساد، لذلك صنعوا ودعموا انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم جاءوا بالطامة الكبرى، حرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مضاد لمصالحهم.
ورأى المهدي أن استمرار الحرب «يهدد بانزلاق البلاد نحو مأساة الحرب الأهلية وتحول السودان لبؤرة ومصدر للكوارث في العالم والإقليم»، قاطعاً بأن «الطريق الأصوب لوقف الحرب تكون بإعلاء صوت مصالح السودان، ومحاصرة دعاوى من أشعلوا الحرب والمستفيدين من استمرارها». ويتمسك المهدي بأهمية توحيد الصف المدني من أجل مخاطبة العسكريين بضرورة «تجنيب البلاد حرباً أهلية تهدد بتقسيمها إذا أعلن كل طرف حكومة موالية له في مناطق سيطرته.
أخترت مقتطفات كاملة، قصدا، حتى يجيب احمد عثمان عمر ودعاة التغيير الجذري، الذين يتعذرون بقضية الشراكة لرفض التحالف، عن المانع الآن؟
لست من دعاة ان يأتي الجذريون ليبصموا على رؤية قحت السياسية. فهناك العديد من المبادرات والرؤى، آخرها ما أصدرته لجان المقاومة. ما أدعو اليه ان تجتمع كل تلك المكونات والقوى، حول مائدة مستديرة. وان تتحاور بعقلانية وشفافية حول ما يجمعها تجاه إيقاف الحرب وابعاد العسكر عن السياسية، والتمسك بحكم مدني كامل. وان تتحرك كل تلك القوى معا لفرض راي الشعب السوداني في طاولة مفاوضات جدة. لست حالما لأقول ان المسألة بتلك السهولة، ولكن انجاز اللقاء التداولي الأول يشكل إنجازا كبيرا، فمسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة.
الوسومصديق الزيلعيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صديق الزيلعي القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
من العقل الرعوي إلى المهدية المعاصرة: تأملات في فكر النور حمد والصادق المهدي
المشارب الفكرية والثقافية لكلاهما
أ) الصادق المهدي: المرجعية الدينية والإصلاح السياسي
الإمام الصادق المهدي ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي الإصلاحي، لكنه يتميز بخصوصية تختلف عن الحركات الإسلامية التقليدية. فقد حاول تقديم رؤية حداثية للإسلام تتجاوز السلفية الحرفية، وتعتمد على الاجتهاد والتحديث. تأثر بفكر الحركات الإصلاحية الإسلامية الكبرى، مثل فكر الأفغاني ومحمد عبده، كما استلهم بعض أفكار الديمقراطية الغربية، محاولًا التوفيق بينها وبين الشورى الإسلامية.
كان الصادق المهدي سياسيًا محنكًا وفيلسوفًا دينيًا في آن واحد، وسعى إلى تطوير فكر المهدية السودانية عبر العديد من الكتابات، أبرزها كتابه "يسألونك عن المهدية"، الذي قدم فيه مراجعة عميقة لمفهوم المهدية، محاولًا تفكيك التصورات التقليدية عنها وربطها بالإصلاح السياسي والاجتماعي. كما كتب عن الديمقراطية، والتحديات الفكرية التي تواجه السودان، وكان من دعاة الحلول التوافقية بين التيارات السياسية المختلفة.
ب) النور حمد: النقد الثقافي وتحليل البنية المجتمعية
على الجانب الآخر، النور حمد هو مفكر ثقافي ينتمي إلى تيار النقد الاجتماعي، حيث يركز على تحليل البنية الثقافية للسودان وتأثيراتها على التخلف السياسي والاقتصادي. تأثر بالنظريات النقدية الحديثة، وأدخل مفاهيم مثل "العقل الرعوي"، وهي نظرية تشرح كيف تؤثر الثقافة الرعوية على السلوك الاجتماعي والسياسي للسودانيين.
يرى النور حمد أن أزمة السودان ليست مجرد مشكلة سياسية، بل هي مشكلة ثقافية في جوهرها، تحتاج إلى تغيير جذري في العقلية السائدة قبل أي إصلاح سياسي حقيقي. ومن هنا تأتي رؤيته الإصلاحية التي تعتمد على تفكيك البنى التقليدية وتقديم نموذج جديد للحداثة السودانية.
تأثير الصادق المهدي والنور حمد في الواقع السوداني
أ) تأثير الصادق المهدي-
كان لاعبًا أساسيًا في المشهد السياسي السوداني لعقود.
أسس لفكر سياسي يجمع بين الإسلام والديمقراطية.
قدم مراجعات فكرية مهمة حول المهدية والمشاركة السياسية.
بعد وفاته، تراجع تأثير حزبه بسبب الانقسامات.
ب) تأثير النور حمد-
تأثيره أكثر وضوحًا في الأوساط الأكاديمية والثقافية.
نظرياته حول "العقل الرعوي" أصبحت أدوات تحليلية لفهم الأزمات السودانية.
يلقى قبولًا متزايدًا بين الشباب والمثقفين الباحثين عن تفسيرات أعمق للمشكلات الوطنية.
هل يمكن الجمع بين رؤيتيهما؟
أ) من النور حمد: الإصلاح الثقافي والاجتماعي
يرى أن المشكلة الأساسية تكمن في العقلية الرعوية التقليدية.
يدعو إلى ثورة ثقافية تسبق أي إصلاح سياسي.
ب) من الصادق المهدي: الإصلاح السياسي والتوافقي
يؤمن بالإصلاح التدريجي عبر الحوار السياسي.
يدعو إلى دمج الإسلام بالديمقراطية في إطار حداثي.
ج) الجمع بين الرؤيتين-
الإصلاح الثقافي + الإصلاح السياسي: بدون تغيير الثقافة، يفشل الإصلاح السياسي، وبدون إصلاح سياسي، يظل التغيير الثقافي حبيس النخبة.
التغيير الجذري + الإصلاح التدريجي: يمكن تبني نهج يجمع بين التغيير الثقافي العميق والإصلاح السياسي الواقعي.
المثقفون + السياسيون: يمكن للمثقفين أن يلعبوا دور الجسر بين الإصلاح الثقافي والسياسي.
أيهما أكثر تأثيرًا اليوم؟
في ظل الأزمة السودانية الحالية، يبدو أن أفكار النور حمد حول تحليل الثقافة والمجتمع تلقى رواجًا أكبر بين الشباب والمثقفين، في حين أن إرث الصادق المهدي السياسي لا يزال حاضرًا، لكنه يواجه تحديات بسبب غياب قيادة واضحة لحزب الأمة.
ما أري هو السودان بحاجة إلى مشروع وطني يجمع بين الإصلاح الثقافي الذي دعا إليه النور حمد والإصلاح السياسي الذي سعى إليه الصادق المهدي. فالتغيير الثقافي العميق والإصلاح السياسي التوافقي هما وجهان لعملة واحدة في بناء سودان جديد.
* وفي النهاية اقول تمت المقارنة بين رؤيتي النور حمد والصادق المهدي في سياق الأزمة السودانية الحالية، حيث تناولنا تأثيرهما، إمكانية الجمع بين رؤيتيهما، وأثر كل منهما في الواقع السوداني. لقد تم التركيز على الإصلاح الثقافي والاجتماعي الذي دعا إليه النور حمد، والإصلاح السياسي الذي كان محور فكر الصادق المهدي.
مع ذلك، إن شبّهت هذه المقارنة قصورًا، فهي جاءت دون دراسة أكاديمية متعمقة لتراث الإمام الصادق المهدي. أعتذر لحراس فكر الإمام والمهدية المعاصرة كما يعتقد بعض الأصدقاء. في الواقع، كان هذا الطرح جزءًا من محاضرة تتناول كتابات النور حمد، وكل ما ورد هنا كان عفو الخاطر ومجموعة ملاحظات لم تكن ضمن دراسة ممنهجة.
zuhair.osman@aol.com