طرق تصنيع وواقع تقنية النانو (الجزء الثاني)
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
عزيزي القارئ نتابع في هذا المقال كيفية تصنيع مواد النانو ذات الخصائص المميزة الذي بدأناه في العدد الماضي، وبعدها سنعرج للحديث عن الواقع العلمي والأثر الاقتصادي لهذه التقنية وهذا سيظهر الاهتمام الدولي بأهمية إنتاج وتوليد وتوطين هذه التقنية، ويتضح ذلك جليا من خلال عدد المراكز البحثية حول العالم والعلماء والباحثين المنخرطين في عمليات البحث والتطوير.
تصنيع مواد النانو
إن تصنيع المواد متناهية الصغر ليس بالأمر السهل وذلك لأن معظم الذرات تميل للتفاعل مع غيرها من الذرات وكذلك مع محيطها من خلال قوى الالتصاق الكهربائي السكوني، وطرق التصنيع تصنف بطريقتين إما حسب اتجاه التصنيع من أعلى (الأكبر) إلى الأسفل (المواد المتناهية الصغر) أي Top-Down Approach وذلك كطحن مادة صلبة كالذهب بحيث يكون حجم جزيئات الطحين تساوي المقياس من 1-100 نانومتر، أو الاتجاه من الأسفل (جزيئات الغازات مثلا وهي أصغر من مواد النانو) إلى الأكبر Bottom-Up Approach وهي مواد النانو وأما التصنيف الآخر فهو حسب نوعية العملية وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي الطرق الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية ففي الطرق الفيزيائية فإن المادة الناتجة لا تحتاج لمزيد من المعالجات وبالإمكان تخزينها لفترات أطول وهذا يعتمد على نوعها وخصائصها.
وحسب التصنيف الأول يوجد العديد من الطرق المختلفة التي تندرج ضمن الفئة من أعلى إلى أسفل مثل تقنيات الطباعة الضوئية lithography والحفر Etching التي يمكن استخدامها ليس فقط لحفّ وتصغير المواد (أحيانًا بمساعدة قناع مقاوم) بل يمكن استخدامها أيضًا لتصنيع الجسيمات النانوية. ومن أمثلة هذه الأساليب الطباعة الضوئية، والطباعة النانوية (NIL)، والطباعة بشعاع الإلكترون (EBL)، والحفر الأيوني التفاعلي (RIE)، والحفر الأيوني التفاعلي العميق (DRIE) وغيرها.
أما طرق التصنيع حسب التصنيف من أسفل إلى أعلى فهي كثيرة غالبًا ما تعتمد على التجميع الذاتي للذرات أو الجزيئات. نظرًا لأن النمو غالبًا ما يتشكل بشكل دوري ومنتظم مما ينتج شبكات بلورية معينة حسب نوع الذرات والجزيئات، ففي البداية تتشكل ما يسمى «بالنواة الذرية» التي ينمو منها باقي البناء وهذا البناء قد يكون على شكل أنبوب مصمت أو مجوف مثل أنابيب الكربون النانوية، وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الطرق تحتاج عاملا مساعدا catalyst بحيث تتكون النواة الذرية ثم البلورة بشكل منتظم ومن أمثلة هذه الطرق الأكثر شيوعًا هي ترسيب البخار الكيميائي (CVD) وهي طريقة تعتمد على إدخال غازات تحمل العناصر المطلوب البناء منها في أفران أفقية ذات درجات حرارة وضغط متحكم به فمثلاً يستخدم غاز الميثان مع الهيدروجين والأرجون لصنع أنابيب الكربون النانوية ويستخدم غاز السيلان Silane (SiH4) لتصنيع أسلاك السيلكون النانوية وهكذا، أما الطريقة الثانية فهي ترسيب البخار الفيزيائي (PVD) وهذه لا تعتمد على تفاعل بين الغازات بل على الترسيب من نفس نوع الغازات على أسطح مختارة تناسب عملية النمو، وطريقة ترسيب الطبقة الذرية (ALD) أي طبقة فوق أخرى ويكون سمك الطبقة طول قطر ذرة أو مجموعة ذرات. هناك أيضًا العديد من الطرق الاصطناعية الكيميائية الأخرى، مثل plasma-assisted synthesis التوليف بمساعدة البلازما والترسيب precipitation وطرق النمو الطبقي epitaxial growth methods وغيرها العديد من الطرق.
واقع تقنية النانو علميا واقتصاديا
إن الحديث عن تقنية باتت تدخل في تطبيقات صناعية عديدة مثار لسؤال مهم جدا هل يجب أن تنظر الدول بجدية نحو هذه التقنية للاستفادة منها اقتصاديا بشكل استراتيجي بحيث تكون موردا يضيف قيمة مضافة حقيقية؟ وللإجابة على هذا السؤال وقبل النظر في الإحصاءات الدولية التي تتحدث عن عدد براءات الاختراع والأبحاث المنشورة المتعلقة بها يجب التعرف على أمثلة واقعية لخطوات اتخذتها كثير من الدول المتقدمة علميا في سبيل توليد المعرفة المتعلقة بها ثم توطينها ثم إنتاجها بشكل صناعي يعود بالفائدة المباشرة على دخول هذه الدول.
كثير من الدول تساهم بنسب عالية من دخلها في تقنية النانو وحسب موقع سوق تقنية النانو https://shorturl.at/ghrEQ فإنه من المتوقع أن ينمو السوق العالمي لتكنولوجيا النانو من 5.2 مليار دولار في عام 2021 إلى 23.6 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 35.5% للفترة 2021-2026.
أنشأت أكثر من ستين دولة برامج حكومية للبحث والتطوير في مجال تكنولوجيا النانو بين عامي 2001 و2004. إذ يأتي معظم التمويل من الشركات الموجودة في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا. وبشكل إجمالي فإن أكبر اللاعبين الوطنيين في هذا السوق هم الصين (عدد براءات اختراع تكنولوجيا النانو أكثر من 88000)، والولايات المتحدة (86000 براءة اختراع)، واليابان (25000 براءة اختراع) وكوريا الجنوبية (22000 براءة اختراع)، فعلى مدار العشرين عامًا الماضية تم تقديم أكثر من 620 ألف طلب براءة اختراع في مجال تكنولوجيا النانو1. أما الجهات الخمس الأولى التي نشرت معظم الأوراق العلمية حول أبحاث تكنولوجيا النانو بين عامي 1970 و2012 هي الأكاديمية الصينية للعلوم والأكاديمية الروسية للعلوم والمركز الوطني للبحوث العلمية وجامعة طوكيو وجامعة أوساكا.
حيث تشير قواعد بيانات تقنية النانو والتي ينشرها موقع StatNano.com أن 3816 شركة تتبع لـ 68 دولة حول العالم تنتج 11063 منتجا مختلفا من منتجات تقنية النانو وأكثر المجالات إنتاجا هي لوازم التجميل والأقمشة والبناء والطب والسيارات والبيئة والغذاء والنفط والطاقة المتجددة...الخ، فمثلا تنتج الولايات المتحدة الأمريكية 1000 منتج معتمد على الإلكترونات النانوية و500 منتج يعتمد على طب النانو ثم تليه بقية المنتجات كمستلزمات الأبنية والأقمشة والسيارات...الخ، ويتبع الولايات المتحدة كل من الصين وألمانيا والمملكة المتحدة. وبشكل عام يمكن ترتيب المنتجات الأكثر مبيعا والتي تعتمد على تقنية النانو كالتالي: أولا مواد البناء Masonry materials ثم تليها المجسات الإلكترونية وبعدها أدوات تجميل والاهتمام بالبشرة والمنتجات الصيدلانية ...الخ
وهنا أود ذكر مثالين لتخصصين مهمين جدا تبنتهما الولايات المتحدة الأمريكية وهما الإلكترونيات النانوية (Nanoelectronics) وطب النانو ((Nanomedicine فقد خضعا للبحث والتطوير المكثف خلال العشرين سنة الماضية ونتجت عنهما دراسات وعلوم جديدة بل وصناعات قائمة بذاتها.
حيث إن عالم الإلكترونيات تغير تماما فقد كان التسابق في الماضي بزيادة عدد التراسزتورات في نفس الحجم وذلك بتصغيرها مما يؤدي إلى مضاعفة أدائها وهذا ما يسمى بقانون مور وهنا جاءت المبادرة لاستكشاف متغيرات مقياس النانو وكيفية الإفادة من خصائصه، الأبحاث في هذا المجال أدت إلى فهم خصائص مثل الإلكترونيات الدورانية spintronics ، وتطوير ابتكارات لأجهزة ذات نظم هندسية فريدة التي لا يمكن تحقيقها إلا باستخدام المواد النانوية وعلاوة على ذلك استطاعت الإلكترونيات النانوية والمواد النانوية العصر الحالي من تطوير العديد من الإلكترونيات المرنة والقابلة للارتداء والتي تساهم في إنترنت الأشياء وفي الطباعة ثلاثية الأبعاد الجديدة عالية الأداء وكذلك سبائك الفضاء الجوي التي تمكن من تصنيع مكونات محسنة هندسيا تتحمل الأجواء القاسية جدا. وكمثال فقد نتج عن تطوير علوم الإلكترونات النانوية علم جديد تماما وهو Twistronics «الالتواءات» ذات الخصائص الإلكترونية الفريدة وهي دراسة وتطبيق الخصائص الجديدة للجرافين ثنائي الطبقة الملتوي ذي الزاوية السحرية (MATBG)، الجرافين هو من المواد ثنائية الطبقة ومتعددة الطبقات ثنائية الأبعاد (2D) حدث هذا الاختراق عام 2018، حصل الباحثون أوليفر إي. باكلي على جائزة عالم الفيزياء الأمريكية عام 2022 لإثبات الموصلية الفائقة في درجات الحرارة العالية في طبقتين من الجرافين موضوعة فوق بعضها البعض بزاوية بدقة 1.1 درجة (الزاوية السحرية). ومنذ هذا الاكتشاف، واصل الباحثون استكشاف الخصائص الفريدة للطبقة الملتوية ثنائية البعد للجرافين وغيرها من المواد.
أما بالنسبة لطب النانو فقد كان توصيل الأدوية المستهدفة لعلاج السرطان عام 2002 أحد التطبيقات الطبية الرئيسية المتصور حدوثها في المستقبل كفكرة قد تبدو مستحيلة آنذاك ولكن يعد طب النانو للسرطان حاليا مجالًا بحثيًا ديناميكيًا وقويًا، وقد توسع طب النانو على نطاق واسع لتشمل الجهود في هندسة الأنسجة، والطب التجديدي، والأمراض المعدية، والجينوم التسلسلي وعلاجات الأسنان وأعصاب الوجه، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأجهزة الاستشعار التي تتابع حالة الإنسان الصحية بدقة فائقة والعديد من المجالات الأخرى. لقد نضج الطب النانوي أيضًا إلى حد تقديم العلاجات للمرضى وذلك بإنتاج 70 منتجًا دوائيًا مدعومًا بتقنية النانو تمت الموافقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
بهذا نكون قد أعطينا نبذة ولو بسيطة عن أهمية تقنية النانو ودورها في الواقع العلمي والاقتصادي العالمي، ولطلابنا في المرحلة الجامعية والمهتمين بالعلوم بشكل عام أنصحهم بقراءة الكتابين التاليين: Nanotechnology: A Gentle Introduction to the Next Big Idea» لمؤلفة Mark A. Ratner and Daniel Ratner وكتاب Introduction to Nanotechnology لمؤلفيه Charles P. Poole Jr. and Frank J. Owens
د. ماجد بن سالم الرقيشي - أستاذ الفيزياء المساعد ورئيس شعبة الفيزياء بجامعة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تکنولوجیا النانو الولایات المتحدة تقنیة النانو براءة اختراع العدید من تعتمد على
إقرأ أيضاً:
فيزا تطلق تقنية «Tap to Add Card» في مصر لإضافة البطاقات للمحافظ الإلكترونية
أعلنت شركة فيزا المدرجة في بورصة نيويورك تحت الرمز: V) (، والرائدة عالمياً في مجال المدفوعات الرقمية، عن إطلاق تقنية Tap-to-Add Card"" في السوق المصري. يأتي هذا الحل المبتكر لتعزيز استخدام المحافظ الرقمية من خلال تقديم تجربة دفع أكثر أماناً وسلاسة للعملاء، مما يتيح لحاملي البطاقات إضافة بطاقات فيزا إلى المحافظ الرقمية بلمسة واحدة على هواتفهم المحمولة.
تعمل تقنية Tap-to-Add Card"" على تحسين مستويات الأمان والراحة، من خلال إلغاء الحاجة إلى إدخال بيانات البطاقة يدويًا، مما يقلل من احتمالية التعرض للخطأ أو حدوث ثغرات أمنية تهدد بالاختراق. وعند الضغط يظهر رمز فريد لمرة واحدة يتم التحقق منه عبر خدمة Visa Chip Authenticate، مما يضمن حماية بيانات البطاقة بشكل آمن وفعال مقارنة بالطرق التقليدية.
قالت ملاك البابا، المدير العام لشركة فيزا في مصر: "نحرص دائماً على تقديم حلول مبتكرة ومتكاملة تلبي احتياجات المستهلكين المتغيرة وتواكب التحول السريع الذي تشهده صناعة المدفوعات عالمياً، مثل ميزة "Tap-to-Add Card" التي ستساهم في تعزيز ثقة العملاء وتشجعهم على تبني المدفوعات الرقمية بشكل أكبر."
وأضافت: "نهدف من خلال هذه الخطوة إلى تمكين الأفراد والشركات من الاستفادة من أحدث التقنيات التي توفر السرعة والأمان في وقت واحد، حيث تعتمد "Tap-to-Add Card"على تقنيات متقدمة لضمان حماية بيانات بطاقات العملاء من أي محاولات احتيال، كما أنها تختصر على المستخدم الوقت والجهد المطلوب لإدخال بيانات البطاقة يدوياً، مما يمنح عملائنا تجربة أسهل وأسرع وأكثر أماناً."
وتابعت: "تفخر" فيزا بكونها جزء مهم من عملية التحول الرقمي في مصر وتتطلع إلى مواصلة جهودها لدعم منظومة الدفع الإلكتروني، بما يتماشى مع جهود الدولة لتحقيق الشمول المالي وتعزيز النمو الاقتصادي"، لافتة إلى أن هذا الإطلاق يعكس التزام شركة فيزا بدعم الرؤية الطموحة لمصر لتصبح مجتمعاً غير نقدي وأكثر اعتماداً على التكنولوجيا.
تتميز تقنية "Tap-to-Add Card" بأنها تناسب احتياجات كافة الأطراف المعنية بمنظومة الدفع، فمن خلال تقديم تجربة مماثلة للمدفوعات داخل المتاجر، يمكن لحاملي البطاقات الاستمتاع بطريقة أسرع وأكثر ملائمة وأماناً لإضافة البطاقات إلى محافظهم الإلكترونية. كما تساعد الجهات المصدرة للبطاقات على تقليل المخاطر والتكاليف المرتبطة بالاحتيال في توفير المعلومات والبيانات، وتبسيط عملية الإضافة إلى المحفظة، مما يؤدي إلى تقليل مشكلات العملاء، وتحسين معدلات الموافقة على المعاملات.
وتدعم تقنية "Tap-to-Add Card" المحافظ الإلكترونية على مستوى العالم، حيث تتبع معايير الأمان الخاصة بشركة فيزا، مما يقلل من خطر اختراق البطاقة، ويعمل على تعزيز الأمان وتقليل الأخطاء الناتجة عن إدخال البيانات يدوياً، مما يسهم في تحسين تجربة العملاء.
الجدير بالذكر أن ميزة "Tap-to-Add Card" حظيت بشعبية كبيرة على مستوى العالم منذ إطلاقها، حيث أثبتت فعاليتها في تسهيل عمليات إضافة البطاقات إلى المحافظ الرقمية، مما يعكس التزام فيزا بتقديم حلول دفع مبتكرة تلبي احتياجات السوق وتساهم في تعزيز تجارب الدفع الرقمي.
اقرأ أيضاً«إي فاينانس» و«فيزا» توقعان اتفاقية خطة النمو الاستثماري المشترك خلال فعاليات «Visa Connect»
«البريد المصري» يوقع اتفاقية تعاون مع «فيزا» العالمية.. في مجال المدفوعات الإلكترونية والشمول المالي