الـزراعـة فـي وسـط الصحـراء
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
تقع سلطنة عمان في منطقة صحراوية يسودها الجو الجاف أو شبه الجاف، وفي السنوات الأخيرة، أثرت تهديدات البيئة على الزراعة بشكل عام مع تزايد الكثافة السكانية وتناقص مساحة الأراضي الزراعية. ولحل هذه المشكلة كان على المجتمع الزراعي والمزارعين التوسع في مساحة الرقعة الزراعية عن طريق زراعة الصحراء لتغطية المطالب وسد الفجوة الغذائية المتوقعة.
سنحاول من خلال هذا السرد فهم كيفية تعزيز آلية تحمل النبات لعوامل الإجهاد التي ستكون نقطة انطلاق جيدة في تقليل الفقد الضخم للمحصول الناتج عن تلك العوامل. على هذا سيتم استعراض أهمية استخدام تكنولوجيا النانو على النباتات التي تتعرض لمستويات وأنواع مختلفة من ظروف الإجهاد البيئي. كما سيتم عرض باختصار الآليات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية والمورفولوجية التي يمكن أن يستخدمها النبات للتخفيف من التأثير الضار لهذه الظروف غير المناسبة للنمو والإنتاج.
يعتبر الإجهاد البيئي «الضغوط اللا أحيائية أو غير الحيوية»، مثل المعادن الثقيلة والجفاف والملوحة والحرارة، من أهم العوامل المقيدة التي تؤثر سلبًا على نمو النبات وإنتاجية المحاصيل في جميع أنحاء العالم. تستجيب النباتات لمثل هذه الضغوط عن طريق تنشيط سلسلة من الآليات المعقدة التي تغير لاحقًا الصفات المورفولوجية والعمليات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، يمكن إدارة الإجهاد البيئي في النباتات من خلال برامج التربية التقليدية أو التربية بمساعدة الواسمات الوراثية، بالإضافة إلى أساليب الهندسة الوراثية المتعددة، ومع التقدم التكنولوجي، ظهرت الحاجة لاستراتيجيات فعالة للتعامل مع الآثار الضارة الناجمة عن الضغوط البيئية لتطوير أنظمة زراعية مستدامة لإنتاج المحاصيل.
التقنية ومقاومة التأثيرات
وظهرت تكنولوجيا النانو «النانوتكنولوجي» كمجال دراسي وبحثي جذاب مع تطبيقات كثيرة ومتقدمة في العلوم الزراعية، بما في ذلك التخفيف من آثار تغير المناخ، وزيادة كفاءة استخدام المغذيات والتسميد وإدارة الإجهاد اللا أحيائي أو البيئي. وقد اكتسبت الجسيمات النانوية، مثال على ذلك الأسمدة النانوية، اهتمامًا كبيرًا نظرًا لارتفاع مساحة سطحها إلى نسبة الحجم، والطبيعة الصديقة للبيئة، والتكلفة المنخفضة، والخصائص الفيزيائية والكيميائية الفريدة، بالإضافة إلى تحسين إنتاجية النبات. كما كشفت العديد من الدراسات الدور المهم للجسيمات النانوية في التحمل لظروف الإجهاد البيئي المختلفة والمتداخلة. من هنا يمكن التأكيد على دور النانوتكنولوجي في تعزيز النمو لتطوير استراتيجيات فعالة من أجل الاستدامة الزراعية المستقبلية والفرص المتاحة للتطبيق المحتمل للجسيمات النانوية في الزراعة والتقنيات التي تدعم النانوتكنولوجي لإدارة الإجهاد البيئي. كذلك الآلية المحتملة لامتصاص هذه الجسيمات وتأثيراتها الإيجابية على نمو النبات وكذا خصوبة التربة.
وداعًا للأساليب القديمة
ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بمقدار ملياري شخص بحلول عام 2050، مما يؤدي إلى تضخيم الطلب على الغذاء لإطعام السكان المتزايدين. ومع ذلك، فإن الاحتباس الحراري وتغير المناخ مع تزايد عدد السكان بشكل مستمر، يعملان باعتبارهم عوامل مقيدة سائدة تُعيق الجهود المبذولة لتلبية الطلب على الغذاء.
وأدت معظم ظروف الإجهاد البيئية التي واجهتها النباتات في مراحل النمو المختلفة إلى تطوير آليات دفاع متعددة للتعامل مع التغيرات الفسيولوجية السلبية الناجمة عن الضغوط البيئية. كما كشفت العديد من الدراسات أن الضغوط اللاأحيائية تسبب العديد من الاستجابات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية والجزيئية التي تؤثر على العديد من العمليات الخلوية في النباتات. تسببت التغيرات المناخية المعاكسة في إجهاد بيئي، مثل سميّة المعادن الثقيلة، والجفاف، والحرارة، وارتفاع ملوحة التربة أو مياه الري، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل في جميع أنحاء العالم. سمية المعادن الثقيلة في التربة الزراعية الناتجة عن الاستخدام الواسع النطاق للأسمدة الكيماوية، والترسب الجوي، وحمأة الصرف الصحي، والنمو الصناعي السريع كان له التأثير الواضح على إنتاج المحاصيل.
ويمكن للتركيزات العالية من المعادن الثقيلة أن تقلل من نمو النبات عن طريق تعطيل امتصاص المغذيات، والأنزيمات المضادة للأكسدة، وآليات التمثيل الضوئي، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الشقوق الحرة مثل أنواع الأكسجين التفاعلية. كما تؤثر ملوحة التربة سلبًا على المستوى الفسيولوجي، مما يؤدي إلى خلل في التوازن الأيوني والمائي. كما يؤدي تراكم أيونات الصوديوم والكلوريد في العصارة الخلوية للخلية إلى الإجهاد الملحي الذي يتسبب في النهاية في تلف كبير للخلية بأكملها وانخفاض معنوي في نمو وإنتاجية النبات. على المستوى الخلوي، يساهم إجهاد الملوحة في التراكم العالي لأنواع الأكسجين التفاعلية الذي يؤثر سلبا» على توازن الأكسدة والاختزال الخلوي.
ويؤدي الإجهاد الحراري أيضًا إلى توليد أنواع الأكسجين التفاعلية، الذي يؤثر دائمًا على الأنشطة المؤكسدة. الجفاف لفترات طويلة يسبب انخفاض في فتح الثغور، وحجم الأوراق، ونمو الجذور، وعدد البذور، وحجمها، وتحملها، مما يمنع أو يقلل الإزهار، والإثمار، وبالتالي تقليل إنتاج المحاصيل. تحت ضغط الجفاف، تصبح ثغور الأوراق مغلقة، مما يثبط عملية التمثيل الضوئي في النباتات، ويقلل من المساحة الإجمالية للورقة الذي يؤدي إلى انخفاض في مستوى المياه ويقلل من نمو النبات عن طريق زيادة إنتاج الأسمولية وتحفيز توليد الشقوق الحرة في النباتات. إن شدة وفترة إجهاد الجفاف هما العاملان الحاسمان والمرتبطان بشكل مباشر بخسارة إنتاجية المحاصيل والعائد الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الجفاف المقترن بإجهاد الملوحة يسبب انخفاضا معنويا في مستوى المياه، ويقلل من التناضح بدرجة كبيرة.
لذا تم استخدام إستراتيجيات مختلفة للتحكم في الضغوط اللاأحيائية في النباتات، من بين أمور أخرى، ظهرت الأساليب التي تدعم النانوتكنولوجي مؤخرًا كأداة واعدة للسيطرة على نقص المغذيات، وزيادة إنتاجية المحاصيل، وتحويل النظم البيولوجية، وإدارة ضغوط النباتات التي تفرضها البيئة. علاوة على ذلك، يعتبر استخدام الجسيمات النانوية كأسمدة نانوية للتوصيل المستهدف للمغذيات الدقيقة أفضل بديل للأسمدة الكيماوية حيث أنها تعتبر وسيلة فعالة من حيث انخفاض التكلفة، وتقليص الضرر البيئي المحتمل. وأفادت دراسات مختلفة أن تطبيق الجسيمات النانوية أدى إلى تحسين تحمل الإجهاد البيئي في النباتات عن طريق تعديل الآليات البيوكيميائية والفسيولوجية والوراثية تحت إجهاد الملوحة، وإجهاد الجفاف. بذلك نستنتج أن تطبيق النانوتكنولوجي ضد الإجهاد البيئي في إنتاج المحاصيل يعد نهجًا موثوقًا وفعالًا على المدى الطويل مقارنة بالطرق التقليدية الأخرى.
آثار إيجابية واسعة
تتمتع تقنية النانو بإمكانيات هائلة في الزراعة، بما في ذلك تعزيز نمو النبات، مثل استخدام الأسمدة النانوية من خلال وسائل مختلفة (مثل ري التربة، والرش الورقي، ومعاملة البذور)، وأجهزة استشعار النانو لمراقبة الحالة الصحية للنبات، والهندسة الوراثية للنباتات لزيادة الهرمونات النباتية المتعلقة بالدفاع وكفاءة التمثيل الضوئي. تتمثل الفوائد الرئيسية لاستخدام الأسمدة النانوية مقارنة بالأسمدة التقليدية في ارتفاع نسبة مساحة السطح إلى الحجم، وكفاءة إزالة الملوثات العالية، والإمداد الفعال بالمغذيات الأساسية لخصوبة التربة. أفادت العديد من الدراسات باستخدام النانوتكنولوجي كأسمدة نانوية لتعزيز إنتاج المحاصيل في ظل ظروف الإجهاد.
النانو تنعش المحاصيل
وتعمل الجسيمات النانوية على تخفيف خسائر المغذيات؛ لأنها تتمتع بقدرة أكبر على الاحتفاظ (مساحة سطح عالية) بالمغذيات وتوفيرها بكفاءة للنباتات. أظهر استخدام الجسيمات النانوية كأسمدة نانوية نتائج فعالة في تحسين تحمل الإجهاد اللاأحيائي في النباتات عن طريق زيادة نمو النبات، ومحتوى المغذيات، والهرمونات النباتية، والأنزيمات المضادة للأكسدة، وكفاءة التمثيل الضوئي مع تقليل الإجهاد التأكسدي الخلوي. في الآونة الأخيرة، تم استخدام نانو أكسيد الحديد لتعزيز نمو المحاصيل المزروعة في أراضي ملوثة بالمعادن الثقيلة وكذلك ظروف إجهاد الجفاف. علاوة على ذلك، تم تحسين نمو شتلات القمح المحسن باستخدام الجسيمات النانوية للحديد، مما قلل من الإجهاد التأكسدي الناجم عن تلوث الكادميوم والرصاص. يعمل تطبيق الجسيمات النانوية بكفاءة على تخفيف إجهاد الملح عن طريق تقليل تركيز الملح والآثار السامة المرتبطة به. علاوة على ذلك، تم العثور على نانو السيليكون الذي يخفف بشكل كبير من إجهاد الملح، ويزيد إنبات البذور، ويحسن نظام الدفاع المضاد للأكسدة، وتورق الأوراق، وعملية امتصاص الكربون. كما يمكن أن تقلل الجسيمات النانوية تراكم الأيونات السامة في الخلايا النباتية والحماية من الإجهاد الأيوني. كشفت الدراسات السابقة أيضا أن الجسيمات النانوية للسيلكون حسنت من تحمل إجهاد الجفاف في النباتات.
على سبيل المثال، زاد تحمل الجفاف في بعض النباتات المعاملة بـالنانو سيلكون من خلال التعديلات الفسيولوجية المتعلقة بأنظمة الدفاع التي تختلف وفقًا لمستويات الجفاف والتركيزات المطبقة. في المقابل، أظهرت الجسيمات النانوية للسيلكون إمكانات جيدة لاستعادة النباتات بعد الجفاف من خلال تعديل الصفات المورفولوجية في نباتات الشعير وأيضا تعزيز نمو الخيار والمحصول في ظل ظروف نقص المياه وزيادة تركيز الإجهاد الملحي. في حين أدت جسيمات الشيتوزان النانوية إلى زيادة المحتوى المائي النسبي، ومعدل التمثيل الضوئي، وأنشطة الأنزيمات والإنتاج، والكتلة الحيوية لنباتات القمح والقرطم والعدس تحت التأثيرات السلبية لإجهاد الجفاف. وكشفت دراسة أخرى أن معاملة بذور الفلفل بالمنجنيز في الصورة النانونية يساعد في تحمل إجهاد الملوحة عن طريق تعديل الاستجابات الجزيئية كما أدت إلى تحسين تحمل الملوحة في بذور اللفت عن طريق خفض إنتاج الشقوق الحرة وحمض الثيوباربيتوريك ونسبة البوتاسيوم والصوديوم.
في الختام، كان الاهتمام الرئيس لمجتمع البحث العلمي عامة والمجتمع الزراعي خاصة هو التغلب على الآثار السلبية للضغوط البيئية «اللاأحيائية أو غير الحيوية» على إنتاج المحاصيل. وكشف هذا المقال عن دور النانوتكنولوجي في حماية النباتات من الضغوط البيئية المختلفة. حيث أدى تطبيق هذه التقنية إلى تحسين كبير في تحمل الإجهاد البيئي في النباتات عن طريق تحسين مضادات الأكسدة الخلوية، وامتصاص العناصر الغذائية، وكفاءة التمثيل الضوئي، وتنظيم الآليات الكيميائية الحيوية / الجزيئية. على الرغم من أن الأسمدة النانوية يمكن أن توفر نهجًا فعالا من حيث التكلفة لتحسين تحمل الإجهاد البيئي في النباتات من خلال توفير العناصر الغذائية الأساسية، إلا أن استخدامها على نطاق واسع يدعو إلى مزيد من الأبحاث على المستويات الفيزيائية والكيميائية والجزيئية لاستكشاف المزيد عن ميكانيكية عمل هذه الجسيمات النانو؛ لتحسين تحمل النباتات وكذلك آثارها على النظام البيئي على المدى البعيد.
أ.د. هيثم زكي - أستاذ مشارك بقسم التقنية الحيوية التطبيقية ورئيس قسم البحوث والاستشارات - جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصور
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجسیمات النانویة إنتاجیة المحاصیل إنتاج المحاصیل إلى تحسین العدید من عن طریق من خلال على ذلک
إقرأ أيضاً:
طرق الحفاظ على نعومة الشفاه خلال فصل الشتاء
مع حلول فصل الشتاء، تزداد مشاكل جفاف الشفاه وتشققها نتيجة التعرض للهواء البارد والجاف. للمحافظة على نعومة الشفاه وحمايتها من التشققات، يُنصح باتباع روتين بسيط من الترطيب والعناية اليومية.
تتعرض الشفاه للجفاف بسرعة خاصةً في فصل الشتاء، إذ تفتقر إلى الغدد الدهنية التي تحافظ على رطوبتها، مما يجعلها عرضة للتشققات والألم. تبدأ العناية بالشفاه من الداخل عن طريق شرب كميات كافية من الماء يوميًا، حيث يلعب الترطيب الداخلي دورًا مهمًا في الحفاظ على صحة الجلد بشكل عام والشفاه بشكل خاص.
من الطرق الفعالة للعناية بالشفاه في الشتاء استخدام مرطب شفاه غني بالمكونات الطبيعية، مثل شمع العسل أو زبدة الشيا، حيث تساعد هذه المكونات في حماية الشفاه من الجفاف وتغذيتها بعمق. يُنصح بتطبيق المرطب عدة مرات خلال اليوم، خاصةً قبل الخروج من المنزل وفي المساء قبل النوم.
يمكن أيضًا استخدام مقشرات طبيعية للشفاه مرة أسبوعيًا، مثل السكر والعسل، لإزالة الجلد الميت وتعزيز نعومتها. توضع كمية صغيرة من الخليط على الشفاه وتدلك بلطف، ثم تشطف بالماء وتوضع طبقة من مرطب الشفاه.
تجنب لعق الشفاه باستمرار يعتبر خطوة مهمة، إذ يؤدي ذلك إلى إزالة الرطوبة الطبيعية وتسبب المزيد من الجفاف. كما يُفضل تجنب استخدام أحمر الشفاه غير المرطب أو الذي يحتوي على مكونات قد تزيد من الجفاف.
باستخدام هذه الخطوات اليومية، يمكن الحفاظ على شفاه ناعمة وجميلة طوال فصل الشتاء، والتمتع بمظهر صحي ومشرق دون الحاجة إلى القلق من التشققات المزعجة.