عربي21:
2025-03-16@01:34:19 GMT

الاحتلال الغاصب والاستبداد الغاشم.. مفاهيم ملتبسة (73)

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

أكدنا في مقال سابق أن تلك المعركة الكبرى التي قادتها المقاومة، والتي اختارت لها عنوانا وشعارا "طوفان الأقصى"، إنما تحيلنا إلى سؤال جوهري يتعلق بتحول فيها طوفان الأقصى إلى "طوفان الأمة".

ذلك أن هذا التحول هو عملية ممتدة حتى يمكن أن تؤثر على مجريات الصراع العربي الصهيوني، وهو ما يؤكد على الأمة أن تملك عقلا استراتيجيا يخطط لهذا الاستثمار على المدى القصير والمتوسط والطويل.

هكذا يجب علينا أن نفكر في هذا الشأن؛ وربما يتأكد من خلال ذلك الى تساؤل مهم: ما الذي يمنع الأمة من استثمار كافة إمكاناتها وقدراتها؟ هذا سؤال من المهم التوقف عنده، ولعل عنوان هذا المقال يشير إلى ذلك التحدي الأكبر في عملية التحول تلك.

قلنا مرارا وتكرارا وأشرنا من قبل في أكثر من مقال إن الاحتلال الغاصب والاستبداد الغاشم ملة واحدة، وفي هذا المقام نؤكد على أن ذلك الاحتلال الغاصب ضمن قصته في ذاكرتنا الحضارية والتاريخية قد أنشئ خصيصا في هذه المنطقة في فلسطين الحبيبة، ليكون رأس حربة للحضارة الغربية في الحفاظ على مصالحها، وفي ضمان هيمنة وطغيان هذا المحتل واستغلال المنطقة. كانت إسرائيل (الكيان الصهيوني) بالنسبة للغرب صنيعته عندما تفتقت ذهنية ذلك الاستعمار اللئيم حينما لاح خروجه مكرها من المنطقة العربية. وقد تحدث عن ذلك العبقري الاستراتيجي "جمال حمدان" والذي أكد على أن شعار الاستعمار في أول أمره كان "ابق لتنهب" ثم تحول هذا الشعار إلى "ارحل لتبق"، فهو لم يكتف بأن يتحول شكل استعماره من استعمار للأراضي إلى استعمار ثقافي واقتصادي (ارتباط الدول المستعمَرة بتلك الدول المستعمِرة بحبل سري صارت معه تابعة خانعة)، ومع ذلك كان حريصا على اصطناع إسرائيل ككيان تقوم حضارة الغرب على حمايته وضمان تفوقه في المنطقة؛ فخاضت معه كل الحروب التي قام بها لتؤكد تلك العلاقة الخطيرة بين الكيان الصهيوني وبين دول ورموز الحضارة الغربية على تعددها.

بات ذلك أمرا يحقق لهذا "الاستعمار هدفين، الهدف الأول هو تحقيق ذلك الشق بين المشرق والمغرب في بلاد العرب، وكذلك أن تقوم إسرائيل (الكيان الصهيوني) ضمن حروبها المتكررة بالحفاظ على حالة التبعية من هذه الدول، والتي تمخضت أخيرا -من خلال عصا التأديب تلك- إلى هرولة من بعض الدول العربية إلى تطبيع مهين.

وفي هذا المقام لا بد أن نتذكر ذلك الكتاب الشهير لـ"تيموثي ميتشل" وهو كتاب "استعمار مصر"، والذي أكد فيه أن الدولة في الشرق الأوسط والتي تمثل مصر نموذجا لها لم تكن بأي حال من الأحوال دولة حديثة أو عصرية كما يقال، ولكنها كانت في تكويناتها وهيكليتها ووظائفها محاكاة للدولة المستعمرة في إدارتها لتلك البلاد، حينما حطت جحافل "الاستعمار" في بلداننا المختلفة. إن عمق النظر في هذه الرؤية إنما يؤكد على ذلك الوضع الذي أدى إلى أن تكون الدول المحيطة -للأسف الشديد- تقوم بنفسها في الحفاظ على أمن إسرائيل (الكيان الصهيوني) على نحو أو آخر، وهو ما يؤكد في حقيقة الأمر تلك العلاقة التي عُقدت بين الاستبداد الغاشم والاحتلال الغاصب.

وهنا لا بد أن نقرأ السياسات التي تمخضت عنها تلك العلاقة الخطرة وغير البريئة في تصريحات لهؤلاء المستبدين يعدون أمن إسرائيل جزءا من أمنهم، كما أشار إلى ذلك "السيسي" حينما تحدث عن الأمن القومي المصري، ولا يختلف عن ذلك موقف الأردن حينما تُنتهك مقدساتنا في القدس وفي حرم المسجد الأقصى دون أن يحرك ساكنا ولا يقوم بما يجب عليه من مسؤوليات؛ على نحو يجعل من هؤلاء يميتون أصل القضية أكثر من إحيائها.

وكذلك فإن النظام المغربي قد جمد قضية القدس باعتماده ملك المغرب متكفلا بلجنة القدس، هذا الوأد المتعمد لقضية الأمة الإسلامية، قضية القدس في الأقصى، والأقصى في القدس. ظلت هذه القضية تسمى "القضية الفلسطينية"، وبرزت متوالية التنازل من وصف هذا الصراع بصراع "عربي إسرائيلي" إلى ما أسموه "نزاعا فلسطينيا إسرائيليا"، ثم إلى معركة بين إسرائيل وحركة حماس وفقا للرئيس عباس، الذي لا يزال يلمع سيفه الخشبي. وهذه البيئة المسممة باتفاقات مع العدو لحقتها جهود هرولة تطبيعية مع رفض شعبي عارم لتلك السياسات وتلك الجهود المتوالية المتعلقة بالتطبيع؛ رافضا أن تموت أصل القضية المتمثلة في الأقصى وفي القدس.

الهدف الثاني تصفية القضية الفلسطينية، ولذلك فإنه من المهم أن نؤكد على أصل القضية نفسها كيف نشأت وكيف تطورت أحوالها ضمن معادلة خطيرة صارت فيها مستحيلات الكيان الصهيوني ممكنات، وصارت ممكنات الطرف العربي مستحيلات ضمن سياسات بائسة قامت بها تلك النظم العربية ودول الطوق؛ فأدت إلى تمكين هذا الكيان الصهيوني بدلا من اقتلاعه، وظل هذا الكيان يعربد في المنطقة ويوزع حروبه على أطراف لها حدود مع الكيان الصهيوني. ووصلنا إلى المشهد الأخير الذي يجب أن نشير إليه ألا وهو كيف نشأت تلك العلاقة المحرمة بين الكيان الغاصب الصهيوني والكيانات العربية المهترئة التي شكلت حالة استبدادية مستعصية، فالمستبد لم يعد في خدمة وطنه أو شعبه، ولكنه بات في خدمة هذا الكيان وأسياده من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

هذا العقد غير المكتوب صار هؤلاء يحولونه سرا وعلانية إلى عقد مكتوب، فشكل في حقيقة الأمر ما يسمى "صفقة القرن"، بشكل أو بآخر قام كل هؤلاء بدوره في تمرير هذه الصفقة اللعينة التي تقوم في حقيقة الأمر على تصفية القضية الفلسطينية بعد أن استخدموا كلمات مثل "التسوية السياسية للقضية"، فتحولت التسوية إلى تصفية، وباتت التسوية في ظل ردهم الجنوني المدعوم من العالم الغربي على هذه المعركة هي تسوية غزة بكل مبانيها وإنسانها بالأرض، وهو ما نشهده من جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والتي تمثلت في بعض صورها بقصف مستشفى "المعمداني" الذي زاد ضحاياه عن الخمسمائة.

هذه الخطة الغربية الدنيئة تجاه إسرائيل صنيعتها والمحافظة على أمنها وعلى بقائها؛ شكّلت للأسف الشديد عقيدة لدى هذه الدول وسارت في غيّها تصنع من الباطل حقا، وتدعي أن لها مسوغات للدفاع عن النفس وأن تفعل ما تشاء؛ فمتى كانت للمغتصب أو المحتل حقوق للدفاع عن النفس؟ ومتى كان التحرير إرهابا وعدوانا؟ إنها المعادلة المقلوبة التي تمثلت في عنصرية الغرب في محاولة منه لتصفية القضية الفلسطينية من أساسها، بل نؤكد على خططهم الخبيثة التي يرسمونها في الخفاء وفي العلن للتهجير الثاني لأبناء فلسطين، ليجعلوها دولة يهودية نقية، وتمكن لهذا الكيان أن يقضم الأرض تلو الأرض حتى تترسخ أقدامه ويبقى عنوة كآخر استعمار استيطاني في تاريخ الإنسانية.

وهنا لا بد وأن نشير إلى مسألة أساسية للمقاومة، أن تظل في مقامها المقاوم، وألا تُستدرج بأي حال إلى أي مشروع سياسي بائس يخطط له الصهاينة والغرب وتابعوهم من المستبدين وصهاينة العرب الذين اجتمعوا على تنفيذ ذلك المخطط وكأنهم قد وجدوا الفرصة لتمريره.

إن الاستبداد الغاشم والاحتلال الغاصب ملة واحدة، وإلا فليجبني أحد؛ من الذي هرول إلى التطبيع إلا هؤلاء المستبدون؟ من الذي يحمي إسرائيل وينافح عن أمنها، ويحرس حدودها رغم أنها بلا حدود إلا المستبدون؟ من الذي يعقد الاتفاقات في السر والعلن لتمرير صفقة القرن إلا المستبدون؟ إنهم المثلث الجهنمي -الاحتلال الصهيوني والمستبدين من أنظمة، ومتصهينة العرب- الذي يعمل ليل نهار بأن لا يتحول طوفان الأقصى إلى طوفان الأمة.

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة فلسطين إسرائيل الاستبداد غزة جرائم إسرائيل فلسطين غزة جرائم المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الکیان الصهیونی هذا الکیان

إقرأ أيضاً:

مقررة أممية: العدوان الصهيوني على الضفة الغربية «تطهير عرقي ضد الفلسطينيين»

 

الثورة  / متابعة

أدانت المقررة الأممية المعنية بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيزي، أمس، ما يحدث من عدوان واعتداءات من العدو الصهيوني بالضفة الغربية واعتبرته حملة تطهير عرقي إسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وأكدت ألبانيزي في تصريحات صحفية: أن «ما يحدث في الضفة الغربية هو تجربة حقيقية لحملة التطهير العرقي الإسرائيلية ضد الفلسطينيين».

وقالت المقررة الأممية: إنه «تم تهجير 40 ألف فلسطيني من الضفة الغربية في شهر واحد بسبب العمليات الإسرائيلية».

ففي جنين دمرت جرافات العدو الصهيوني، فجر أمس الأربعاء، البنية التحتية في بلدة قباطية جنوب جنين، وسط الدفع بمزيد من التعزيزات العسكرية.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على مدينة جنين ومخيمها للـ51 على التوالي، في وقت يوسع فيه عدوانه على قرى المحافظة وبلداتها.

وقالت مصادر محلية: «إن مدرعات الاحتلال ودباباته تتمركز في مناطق قريبة من المخيم، كما سير جنود الاحتلال آلياتهم العسكرية في محيط دوار السينما وسط مدينة جنين»..

 

 

وفي مخيم جنين، هدمت جرافات الاحتلال منازل في حارة السمران في عمق المخيم، وأدت عمليات الهدم والتجريف إلى هدم قرابة 120 منزلاً بشكل كلي وعشرات المنازل بشكل جزئي، كما هُجر قرابة 20 ألف مواطن من المخيم.

ولا يزال يحرم عدوان الاحتلال المتواصل الطلبة في مدينة جنين ومخيمها من الوصول إلى مدارسهم، وبحسب مديرية تربية جنين، فإن قرابة 15 ألف طالب وطالبة محرومون من الذهاب إلى مدارسهم في المدينة.

وكان استشهد، يوم أمس، 4 مواطنين بينهم سيدة، احتجز الاحتلال جثامين 3 منهم، وارتفع عدد الشهداء في محافظة جنين منذ بدء العدوان غير المسبوق على محافظة جنين إلى 34 شهيداً وعشرات الإصابات والجرحى.

إلى ذلك شنت قوات العدو الصهيوني، فجر أمس الأربعاء، حملة مداهمات واعتقالات واسعة في صفوف المواطنين الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة الغربية والقدس المحتلة، جلهم من جنين.

وشهدت محافظة جنين حملة اعتقالات واسعة، وعُرف من بين المعتقلين ثلاثة عشر شخصًا.

بينما أفادت وسائل إعلام فلسطينية، بأن قوات العدو اعتقلت شابًا خلال اقتحام ضاحية شويكة في طولكرم، وشابين آخرين من ضاحية ذنابة وطولكرم.

وطالت اعتقالات العدو الصهيوني إلى نابلس، حيث اعتقلت قوات العدو شابة، فيما اعتقلت شابًا من مخيم بلاطة، وثلاثة شبان من بلدة حلحول بالخليل، ومن بلدة سعير بالخليل.

كذلك اعتقلت قوات العدو الصهيوني ثلاث معلمات فلسطينيات شقيقات من بلدة بيت كاحل شمال غرب الخليل بالضفة الغربية، عقب دهم وتفتيش منازلهن.

وامتدت مداهمات العدو الصهيوني إلى بلدة بيتونيا في رام الله واعتقل شاب من منزله، فيما داهمت بلدة كفر عقب بالقدس واعتقلت شابًا آخر.

فيما أصيب شاب فلسطيني برصاص العدو الصهيونيفي بلدة الرام شمال مدينة القدس المحتلة.

مقالات مشابهة

  • قوات العدو الصهيوني تقتحم بلدة سلواد قرب رام الله
  • فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • وزير الخارجية اللبناني يؤكد أن موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني غير مطروح نهائيًا
  • الخارجية الفلسطينية ترحب بالتقرير الأممي حول جرائم العدو الصهيوني
  • تحقيق أممي: الكيان الصهيوني ارتكب أعمال إبادة في غزة عبر تدمير قطاع الصحة الإنجابية
  • العدو الصهيوني يواصل اغلاق المعابر لليوم 12 على التوالي
  • الجيش: تسلمنا العسكري الذي اختطفته إسرائيل
  • مقررة أممية: العدوان الصهيوني على الضفة الغربية «تطهير عرقي ضد الفلسطينيين»