البلاد – جدة

ارتبط “الخطّ العربي” ارتباطًا تاريخيًّا وثيقًا بتدوين المصحف الشريف، متفردًا في ذلك بجماله وتناسقه عن بقية خطوط اللغات الإنسانية المكتوبة والمرسومة.وتنوعت أشكال الخط العربي نتيجة لمرونة الحروف العربية وسهولة انسيابها، واختلاف أقلامها، ووضوح أشكالها، كما تنوعت أشكاله، وأصبح لكل خط قواعده التي تتحكم به، بينما توسع مجال الخطوط العربية وتشعب كثيرًا، ما جعل المبدعين والمهتمين في هذا المجال يتسابقون في ابتكار أشكال الحروف وتكوين خطوط جديدة.

ولعلّ الاهتمام بالخط العربي والدعم من القيادة الرشيدة -أيدها الله- من خلال تخصيص عام 2020 – 2021م للخطّ العربي، أسهم في إعادة مكانة هذا الفنّ العريق وهيبته على سائر الفنون؛ بوصفه إرثًا إسلاميًّا وتاريخيًّا، حيث برز عدد من الخطاطات السعوديات اللاتي استفدن من مشروع تمكين المرأة، وإبراز إبداعاتهن ومهاراتهن.


ودشّنت وزارة الثقافة في العام الحالي، معرض “رحلة الكتابة والخط” بنسخته الثانية في الرياض، برعاية وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وحضور شخصيات ثقافية وفنية محلية وعالمية. وقال وزير الثقافة: “يثبت هذا المعرض الأهمية المعرفية والإنسانية البالغة للحراك الثقافي والفني، والجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة في خدمة الخط العربي، من خلال قيادتها ملف إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو عام 2022، بالتعاون مع 15 دولة عربية”.

وأضاف: “يعكس ذلك إيماناً قوياً بالقيمة الكبيرة التي يُمثّلها هذا الفن الرفيع للإنسانية، بوصفه رمزاً عالمياً للثقافة العربية”. منوهاً “بالقيمة المعرفية للمعرض، الذي يستكشف البُعد الروحي للخط في الحضارة العربية الإسلامية، من خلال مجموعة فريدة من الأعمال الفنية التاريخية والكلاسيكية والمعاصرة.”

ويتميّز المعرض بتنوّع القطع الفنية المعروضة، وخلفيات الفنانين المشاركين، ويمزج بين الأعمال الفنية التاريخية والكلاسيكية والمعاصرة، ويُشارك فيه 34 خطاطاً وخطاطة بارزين من 11 دولة، و19 فناناً ومصمماً معاصراً من 12 دولة. ويضمّ أعمالاً صُمِّمت خصيصاً للمعرض، إلى جانب أعمال فنية ومخطوطات نادرة من مقتنيات وزارة الثقافة، وغيرها من الأعمال المُستعارة من متحف معهد العالم العربي في باريس، والمعهد الوطني للتراث في تونس، فضلاً عن المقتنيات الخاصة.


وشهد المعرض مجموعة من الندوات الحوارية في أيامه الثلاثة الأولى، تتناول الأبعاد المتنوعة للخط العربي، بمشاركة خطاطين ومتخصّصين. وأقيمت ندوتان هما “تطوّر الخط العربي وتتبّعه في المنطقة العربية وخارجها”، وندوة “الخط العربي: الأبعاد الروحية لممارسات فن الخط”.
ويمكن تعريف الخط العربي بأنه وسيلة للكتابة وتوثيق الأفكار والأحداث، بتحويلها من رموز إلى أحرف يمكن قراءتها وفكها، فكل لغة رموز وأحرف خاصة، وبدأت الكتابة منذ القدم علي هيئة
رسوم، لتصبح بعدها على شكل أحرف، اختصاراً للوقت والجهد، خصوصاً أن الكتابة تعتبر أهم خطوة للإنسان باتجاه الحضارة، فالعرب والمسلمون ابتكروا أنواعاً عديدة من الخطوط العربية،
أشهرها: الكوفي الذي يعد أقدم الخطوط، والنسخ المستخدم في المصاحف، والثلث وسُمي بذلك نسبة إلى سُمك القلم، والرقعة باعتباره أكثر الخطوط العربية تداولاً واستعمالاً، فضلاً عن الديواني نسبة إلى دواوين السلاطين، والخط الفارسي.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: تراث المملكة الخط العربی

إقرأ أيضاً:

السيد عبد الله البوسعيدي.. لقد أوجعت قلوب محبيك

إنّ فَقدَ الرجال يفوق كثيرا أي فقد آخر، حينما يكون الفقد بوزن وقيمة السيد عبدالله البوسعيدي، الذي وافته المنية في الرابع والعشرين من يونيو ٢٠٢٤، أتيح لي أن أقترب من هذه الشخصية شديدة الاحترام، تعرفت عليه منذ بداية عملي بجامعة السلطان قابوس ١٩٨٦، وكان اللقاء في جامعة السلطان قابوس في مناسبة لا أتذكرها، وقد عرفني بنفسه (عبد الله بن حمد وزير الإسكان)، كان شابا ربما في العشرينيات من عمره، وقد سألته: حضرتك أصغر سنا من كل الوزراء في عُمان، وقد ابتسم ابتسامة رقيقة ولم يعلق، كنت سعيدا جدا بأن أجد وزيرا شابا يتولى مهمة وزير الإسكان في بلدٍ كان يواصل الإعمار والتنمية، وقد تملكني شعور بالفخار ودار بيننا حديث لا أتذكر تفاصيله، ربما كله كان عن الثقافة والتعليم، وقد شعرت منذ التقيته بقدر كبير من المحبة، ولفتت نظري تلك الابتسامة الرقيقة الصافية التي لم تفارقه طوال حديثي معه، ومنذ هذه البدايات الأولى لم تنقطع صلتي بهذا الرجل الجميل خلقا وتواضعا وثقافة.

دعاني إلى زيارته في منزله منذ هذه الفترة المبكرة، ووجدته قارئا للأدب، متابعا لكثير من الأعمال الفكرية والأدبية، حافظا أشعار الآباء العمانيين، الذين خلَّفوا تراثا شعريا بديعا، قارئا لتاريخ عمان في كل العصور، من بداية العصر الإسلامي الأول مرورا بعصر النباهنة فخورا بدور اليعاربة ودورهم في ملاحقة البرتغاليين، ليس على الساحل العربي للخليج فقط وإنما في الساحل الفارسي أيضا وملاحقتهم حتى غرب الهند وشرق إفريقيا، وكان رحمه الله عالما بتاريخ البوسعيد خصوصا وقد كان يتحدث كثيرا عن السيد سعيد بن سلطان، الذي أحال عمان إلى إمبراطورية كبيرة امتدت إلى شرق إفريقيا، وعندما سألته عن مصادر معارفه المتنوعة، أجابني بأنه قرأ الكثير من هذه الكتب في مكتبة والده، التي كانت تضم الكثير من صنوف المعارف الأدبية والفقهية والتاريخية، وظل اللقاء متواصلا بيننا حتى انتهت مهمتي في جامعة السلطان قابوس ١٩٩١، وكنت فخورا جدا بعد أن ارتبطت بصداقات مع كثير من أبناء هذا البلد العربي العريق.

ظل السيد عبدالله نموذجا للشخصية العمانية بتواضعه وثقافته ورقته ومحبته، وكان اختيار السلطان الراحل قابوس ـ طيب الله ثراه ـ له سفيرا لعمان في القاهرة (٢٣ يوليو ١٩٩٠) اختيارا مثاليا، فضلا عن توليه مندوب عمان في جامعة الدول العربية، وقد استقبل المجتمع الدبلوماسي والثقافي في القاهرة السيد عبد الله استقبالا يليق بعمان وبممثلها في القاهرة، فعلى الرغم من عمله الدبلوماسي إلا أنه ارتبط بعلاقات متنوعة مع كل فئات المجتمع المصري، وخصوصا الجماعة الثقافية، حاضرا في كل الأنشطة الثقافية، في الأوبرا، في الجامعة، في الصالونات الثقافية، وقد حظي باحترام ومحبة الجميع، فقد جمع بين الثقافة والدبلوماسية بمهارة فائقة، لذا توثقت علاقاته بكثير من الشعراء والروائيين والمثقفين والصحفيين.

دعوته لزيارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في مقرها القديم في شارع البستان في قلب القاهرة، تلك الجمعية التي تأسست عام ١٩٤٤، وقد احتوت على مكتبة نادرة في كل فروع التاريخ العربي والعالمي، وقد راح يتطلع إلى قوائم المكتبة ويسجل بعض عناوين الكتب وخصوصا ذات العلاقة بتاريخ عمان وشرق إفريقيا، وأتذكر أني أهديت إليه بعض مطبوعات الجمعية، وكان سعيدا جدا بهذه الزيارة، وفي القاهرة توثقت علاقتي بهذا الإنسان الكبير في خلقه ومعارفه وإنسانيته، وقد شرفني بزيارته في منزلي بالقاهرة، كان رحمه الله عروبيا خالصا، مؤمنا بأهمية الثقافة بمعناها الشامل أدبا وفكرا وفنا، وكان مؤمنا بأن الثقافة يمكن أن تصلح ما أفسدته السياسة، بل هي قادرة على حل كثير من المشاكل، وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقات العربية العربية.

كانت الثقافة هي الموضوع الأهم في فكر الدبلوماسي الذي يمثل بلاده سفيرا ومندوبا لبلده في جامعة الدول العربية، من هنا جاءت فكرة إقامة صالون ثقافي يحمل اسم (الخليل بن أحمد الفراهيدي) ١٩٩٦، وهي الشخصية التي اعتبرها كل العرب إرثا لغويا يفتخر الجميع بالانتساب إليه، قد عاصرت إنشاء هذا الصالون منذ بداياته، وقد شاركته في اختيار الأسماء التي تحاضر في الصالون، والموضوعات المقترحة والتي كانت جميعها بمثابة العودة إلى العناية بجذور الثقافة العربية، وكانت جلسات الحوار تقام مساء الثلاثاء الأخير من كل شهر، ولما كان المرحوم السيد عبد الله مؤمنا بفكرة العروبة وتراثها المشترك فقد وضع الصالون تحت رعاية الأمين العام للجامعة العربية وقتئذ (الدكتور عصمت عبد المجيد)، وكان الموضوع الأول عن الخليل بن أحمد الفراهيدي، وتنوعت الموضوعات ما بين مشروع السلطان قابوس للأسماء العربية والمدائح النبوية في الشعر العربي، ولم يغفل قضية التواصل الحضاري ما بين مصر وعمان، ثم خصص جلسة عن الشعر في الحب الإلهي، بعدها كانت الجلسة السادسة عن الوجود العربي في شرق إفريقيا، ثم الجلسة الأخيرة عن عمان في عيون الرحالة.

كان لي شرف المشاركة في هذا الصالون في الجلسة المخصصة للتواصل الحضاري بين مصر وعمان، ولعل المهم فيها ما أشرت إليه عن مشروع اتفاق عسكري مشترك بين عمان ومصر في عهد السلطان برغش والخديوي إسماعيل، وقد ألقيت الضوء على بنود هذه الاتفاقية التي لم توقع بين الطرفين بسبب تدخل السلطات البريطانية التي مارست ضغوطا وهو ما حال دون توقيع الاتفاقية.

كنت سعيدا جدا بهذا الصالون الذي شارك فيه كبار الأساتذة اللغويين ومؤرخي الأدب والتاريخ، وحينما طلب مني السيد عبدالله أن أكتب مقالا عن ذكرياتي في عمان، وقد شارك في هذا الإصدار مجموعة من الأساتذة المصريين الذين عملوا في سلطنة عمان منذ بداية عصر النهضة الجديدة، وقد طبع هذا الكتاب من بين المطبوعات التي نشرها المرحوم السيد عبدالله.

اللافت للنظر في شخصية هذا الرجل الجميل أنه لم يأت من خلفية دبلوماسية، فقد عمل في مجالات كثيرة ولم يسبق له العمل في المجال الدبلوماسي إلا لسنوات قصيرة في تونس بعدها نقل إلى مصر، ورغم ذلك كان دبلوماسيا كبيرا منفتحا على المجتمع المصري، صديقا للمثقفين، محبوبا ومقدرا من الجميع، وكانت رؤيته للعمل الدبلوماسي مختلفة عن غيره، فقد اختار الثقافة مجالا متسعا لخدمة الدبلوماسية، فضلا عما كان يتميز به من علاقات مع الكثيرين من فئات المجتمع، وقد نظر إليه المجتمع الثقافي في مصر باعتباره مثقفا قبل أن يكون دبلوماسيا. رحم الله السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي وتقبله بقدر ما قدم لوطنه وأمته، وعزائي لكل الأصدقاء في سلطنة عمّان ولأسرته الكريمة وكل محبيه.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

مقالات مشابهة

  • السيد عبد الله البوسعيدي.. لقد أوجعت قلوب محبيك
  • في اليسار المتطرف.. رؤية من الداخل
  • “البيت العربي يستضيف سماء الثقافة في ثاني أمسيات ايام ثقافية اردنية”
  • محمود العزازي لـ «الوفد»: مسرحية «نوستالجيا 90 /80» جذبت الجمهور للمسرح من جديد
  • «الثقافة» تحتفي بتسعينية «حجازي» في بيت الشعر الأحد المقبل
  • وزير الثقافة لـ«الوطن»: عودة الفعاليات الفنية الدولية المتوقفة قريبا
  • فتح ملفات قصور الثقافة المغلقة.. والنظر لخريطة المهرجانات الفنية
  • أمل الثقافة ودورها
  • أبو الغيط يحث الدول الأعضاء على سداد مساهمتها في موازنة صندوق المعونة الفنية للدول الإفريقية
  • مشاركة كبيرة بورشة حرفية الكتابة الإبداعية بمركز الثقافة السينمائية