الحدائق ودورها المتميز في جودة الحياة
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
تمثل الحدائق العامة وسيلة داعمة في جودة الحياة على مستوى دول العالم، وتعتبر وسيلة فاعلة في ارتياد أفراد تلك الشعوب إليها للراحة والاستجمام في أوقات فراغهم، وتحظى تلك الحدائق بعناية فائقة من الجهات المعنية في بلدانها وشمولها وتأهيلها بالمقوِّمات التي تجعل منها وجهة جاذبة لكل مرتاديها سواءً من أبنائها أو من الزائرين إليها.
ولا أبالغ إذا قلت إن بلادنا والحمد لله في طليعة الدول التي اهتمت اهتماماً بالغاً بتعدُّد الحدائق المؤهلة في معظم مدنها وقراها، وخاصةً في المخططات الحديثة، وأهّلتها تأهيلاً يليق بها من حيث توفير جميع وسائل الراحة والإستجمام للآتين إليها من مواطنين وزوار، وما يزال التوسع في هذه الحدائق وتأهيلها جارياً باعتبارها الوسيلة الجاذبة لتنفُّس سكان الأحياء.
ومن مدن المملكة التي حظيت بنصيب وافر من هذه الحدائق ،مدينة الطائف مصيف المملكة الأول، فبها من الحدائق المميّزة، حديقة الملك فهد بحي قروى، وحديقة الملك عبدالله بحي السحيلي – يرحمهما الله – ومنتزه الردف العالمي بالردف، وحديقة الجال بحي الجال، إضافة إلى العديد من الحدائق الصغيرة المؤهلة والمنتشرة في معظم الأحياء، والتي تعتبر متنفّساً لسكان تلك الأحياء، وتبذل الجهات المعنية في أمانة المدينة عناية هامة بخدمة هذه الحدائق وصيانتها ومراقبة حسن سير العمل فيها.
وتعاوناً مع الدولة – أيدها الله – ممثلة في أمانات المدن والتي أنفقت في إقامة هذه الحدائق وتأهيلها ملايين الريالات، كان لزاماً علينا نحن المواطنون باعتبارنا شركاء فاعلين ومستفيدين من هذه الحدائق، أن نحافظ على محتوياتها والإستمتاع بمعطياتها الخيرة، بعيداً عما يشوبها من التصرفات والممارسات المقلقة للمتنزهين، وقيام بعض الصبية، وخاصة في الفترات المسائية بعيداً عن أعين الرقباء بكتابة عبارات خارجة عن الذوق والأدب على جوانب بعض الحدائق وبعض جدران الأحواش والمنازل والشوارع المجاورة لهذه الحدائق، ممّا يساعد على انتشار (التشوُّه البصري) التي تسعى أمانات المدن إلى علاجه والقضاء عليه واستبداله بمناظر حضرية جاذبة محلياً ونهضوياً.
خاتمة: ولعلّ من وسائل العلاج الناجع في كشف وعلاج الممارسات المقلقة التي تجري في بعض الحدائق، وكذا الكتابات الخارجة عن الذوق والأدب الناتجة عن التجمّعات حول هذه الحدائق وخاصة في الفترات المسائية، هو تركيب كاميرات مراقبة، ومن خلالها توقع العقوبات اللازمة على المتسيبين والتي تبدأ بالغرامات المالية، ومن ثم تتدرج في حالة التكرار
بما يناسبها من العقوبات الأخرى ، حرصاً على سلامة وأمن هذه الحدائق من أي عبث قد يُعكّر صفو الآتين إليها من مواطنين وزوار.
وبالله التوفيق.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
الأحياء التخليقية.. نماذج بشرية
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
يطرحُ بعض المُراقبين تحديات اجتماعية من المُتوقع أن تُوَاجِه البشرية جرّاء السماح بتطبيق تقنيات الأحياء التخليقية على البشر؛ إذ يُشيرون إلى مشكلة عدم تكافؤ الفرص؛ لأنَّ الأفراد في الدول المُتقدِّمة والمُتمكِّنة اقتصاديًا سيحصلون على فرص كبيرة لإجراء هذه التغييرات، بينما سيُحرم الأفراد في الدول الفقيرة من ذلك؛ وسيؤدِّي ذلك إلى فوارق جِينِيَّة على المستوى البشري؛ فهناك بشر لديهم جينات قوية وأكثر قدرة على التأقلم مع البيئة ومقاومةً للأمراض، بينما هناك آخرون لا يملكون مثل هذه الجينات المُتطوِّرة، وسيؤدي ذلك إلى أبشع صور الاستغلال!
ومما يزيد من فرص حدوث هذا النوع من الفوارق الجينية أنَّ عددًا من الدول الغنية كالسويد والنرويج والدنمارك، قد تسمح باستخدام هذه التقنيات وتنتشر في مجتمعاتها بشكل أسرع؛ وذلك لانعدام القيود الدينية تقريبًا في تلك المجتمعات الغنية. ولا بُد من الإشارة إلى أنَّ عمليات اختيار الأجنة بناءً على الخارطة الجينية للجنين، أصبح معمولًا به في عدد من الدول، ويُوَفِّرُه عددٌ من الشركات المُتخصِّصة في مجال قراءة الخارطة الجينية؛ فعملية التخصيب الصناعي في العادة تؤدي إلى تخصيب عدد من البويضات، وبالتالي ومن خلال قراءة الخارطة الوراثية لتلك الأجنة المُتكوِّنة، يتم اختيار الجنين الأصلح، والذي يتميز بخارطة جينية أفضل.
ولا يقتصر الأمر على هذا النوع من البحوث العلمية؛ بل هناك من البشر من جرت "هندسته جِينِيًّا"، لكن هذه العمليات ما زالت محدودة من حيث أعدادها، ولا يُعرَف آثار هذه العمليات، فمثلًا هناك تقنية تُعرف بتقنية الآباء الثلاثة، وقد تمت هذه العملية بنجاح في عام 2016، لزوجيْن أردنيين؛ إذ كانت الزوجة مُصابة باضطراب وراثي يُعرِّض الجنين لاحتمال الإصابة بمرض مُعين بنسبة عالية جدًا، ولحماية الجنين من الإصابة بهذا المرض الوراثي تم أخذ النواة من بويضة الأم المصابة بالمرض الوراثي، ونقَلها إلى بويضة امرأة سليمة سبق نزع نواتها، وبذلك غدت هذه البويضة تحملُ صفاتٍ من امرأتين مختلفتين، وبعد ذلك تمَّ استخدام هذه البويضة في التلقيح الصناعي، وقد تمَّت العملية بنجاح في المكسيك؛ وذلك لأنها لم يكن مسموحاً بها في الولايات المتحدة.
وكما هو واضح فإنَّ نسبة من الجينات- وإن كانت بسيطة للغاية والتي تُقدَّر بأنها أقل من 0.1%- جاءت من الأم المُتبرِّعة بالبويضة، ولذا تُطلق على هذه التقنية "تقنية الآباء الثلاثة"، وقد استُخدِمَت بنجاح أيضًا في بريطانيا عام 2023.
لكنَّ الحدث الأكثر خطورةً وإثارة كان في الصين، وذلك عام 2018، عندما أعلن الطبيب الصيني ولادة أول طفلتين تم هندسة خارطتهما الجِينِيَّة، وذلك بهدف حمايتهما من مرض "الآيدز" الذي كان الأب مُصابًا به، وقد أدّى هذا الإعلان إلى موجة من الشجب والاستنكار، كما تم حبس الطبيب لمدة 3 سنوات لإقدامه على عمليات غير مُرخَّص لها، لكنَّ الطفلتين وُلِدَتَا وهُمَا بكامل صحتهما، وتُعدان أول طفلتين تعرضتا لهندسة جينية وتغيير جيني كبير نسبيًا.
وتُشير بعض الدراسات إلى أن الجينات التي تم هندستها تؤثِّر أيضًا على القدرات الدماغية لهما؛ إذ تقوم بتحسين ذاكرتهما، وترفع مستوى الذكاء عند الطفلتين، وما زالت الطفلتان على قيد الحياة وتعيشان مع أسرتيهما.
إنَّ طبيعة هذه التقنيات أنها تنتشر، بغض النظر عن الحواجز الموضوعة أمامها. وعلى الرغم من المحاولات التي بذلتها الدول المختلفة لمنع انتشار السلاح النووي، إلّا أن هذه المحاولات لم تنجح، وانتشرت هذه الأسلحة. وكذلك الحال مع الأسلحة البيُولوجية والكيميائية، ولذا فإن الوقوف أمام أمواج التقنيات التي تغزو عالمنا لا يُجدي نفعًا في غالب الأحيان.
ومن هُنا، يرى البعض أن اختراع التقنيات وتطويرها لم يَعُد التحدي الذي يواجه البشرية، إنما التحدي يكمُن في السيطرة على التقنيات، بحيث تظل في مجالات مُعيَّنة تُفيد المجتمعات البشرية ولا تضرُّها، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافة المجتمعات التي تُطوِّر التقنيات والمبادئ والقيم التي تُؤمِن بها، ومن هُنا فإن التقنيات التي يتم إنتاجها في الغرب إنما هي نتاج الثقافة والقيم الغربية، لكنها تؤثر بشكل كبير جدًا على سلوكنا وعلى طريقة تفكيرنا، بحيث غدت أجيالنا اليوم نتاج هذه التقنيات سلوكًا وتفكيرًا، بقدر كَوْنِ هذه التقنيات منتجات لعقول البشر التي انتجتها.
وأخيرًا.. من الخطأ النظر إلى هذه البحوث العلمية على أنها تَرَفٌ فكريٌ؛ بل هي بحوث سيكون لها بالغ الأثر علينا في المستقبل القريب، ولربما ستغدو جزءًا من الاستراتيجية الأمنية لبعض الدول؛ إذ بدلًا من استخدام الآلة الحربية للتخلص من الأعداء، فإنَّ التقنية الحيوية قد تُوفِّر بديلًا طبيعيًا ودون الحاجة إلى خوض حروب طاحنة، ولذا رُبما نشهد في هذا القرن نهاية الانسان بنسخته الحالية؛ لتُنتَج منه نسخةٌ مُطوَرةُ من فصيل "الإنسانيات"، لكن هذه المرة بانتخابٍ بشريٍ وبأجندة سياسية لا بانتخاب الطبيعة!
* سلسة من المقالات عن تاريخ علوم الحياة وحاضرها وفلسفتها والتقنيات القائمة عليها
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر