خطاب مفتوح إلى الرئيس أردوغان لنجدة غزة في مواجهة العدوان
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
سيادة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد؛
قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71).
هذا خطابٌ موجه إليكم يا سيادة الرئيس، ونحن الذين اِعتدنا على مواقفكم الإنسانية، ومُسارعتكم في نُصرة المظلومين، وإعانة أهل الحق، وردّ الظالمين، وإن الكثيرين من أبناء الأمّة الإسلاميّة، وأحرار العالم، وأنصار القيم الإنسانيّة، ودعاة السّلام، على مختلف ألوانهم واثنياتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، يَنظرون إليكم ـ اليوم ـ نظرة الاحترام والتقدير والإكبار، وهي نتيجة طبيعية، لمواقفك الجريئة والحازمة في الانحياز للمظلومين، والعمل على إحقاق الحق، ودفاعك بقوة عن مقدّسات أمّتك، ومنهج ودعوة نبيك ﷺ.
يا سيادة الرئيس:
جاء هذا الخطاب في ظل الاعتداءات والمذابح الفظيعة التي يتعرض لها شعب فلسطين، والعقاب الجماعي "الإجرامي" الذي يَعيشه أهل غزّة على يد المعتدين من قتل النساء والأطفال والشيوخ، وتَدمير البنى التحتية من مدارس وجامعات ومساجد وبيوت المواطنين العُزّل، وإهلاك النفوس البريئة، وهو مخالف للقانون الدولي والشرائع السماوية، وفي مقدمتها شريعة الإسلام السمحاء، إذ يُحدّثنا الله في كتابه العزيز عن خطورة قتل النفس بغير حق، ولو كانت واحدة، فكيف وقد وصلت أعداد الضحايا والجرحى للآلاف، والمشردين لمئات الآلاف!؟، ويقول المولى تبارك وتعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُون" (المائدة: 32).
يا سيادة الرئيس:
حفظ الله سيرتكم، ووضع لكم قبولاً عند كثير من أبناء المسلمين وغير المسلمين، لانحيازك الصادق للمظلومين، وتحديك للمُعتدين، وتصديك لأعداء الفطرة الإنسانية السليمة، وتلك فضائل نابعة من إيمانك بالله تعالى، ومُستَلهَمة من تعاليم نبيك المصطفى ﷺ،وسِير أجدادك الفاتحين الذين ناصروا الحق ونصروه، وحَمَوا الأنفس والأعراض والأموال والمقدسات،وذبّوا عن القيم الإنسانية الرفيعة، مثل القائد السلجوقي الكبير ألب أرسلان، وسلاطين الدولة العثمانية من المؤسسين آرطغرل وعثمان، والسلطان بايزيد الصاعقة، والسلطان محمد الفاتح، والسلطان سليم الأول، والسلطان سليمان القانوني، والسلطان عبد الحميد الثاني (رحمهم الله جميعاً، وأعلا الله ذِكرهم في المُصلحين).
يا سيادة الرئيس:
إنّ العدلَ قيمةٌ مطلقة، وليست نسبيّة، وإن القيم الإنسانيّة، تستحق الإشادة بها عندما تصدرُ من أي إنسانٍ، أيّاً كان دينه أو لونه أو عِرقه أومعتقده. ولا شك بأننا حين نوجه هذا الخطاب، نُدرك بأن ضمير الإنسانية النّقي، وأحرار العالم، ومحبو الخير على اختلاف بلدانهم وأديانهم وثقافاتهم، يرفضون هذه الأعمال العدوانية والقتل الجماعي،ويدعون للخير والسلام والعدل.
يا سيادة الرئيس:
هناك فرصة تاريخيّة في تشكيل "حلف الفضول" في وقتنا الحاضر؛ لرفع الظلم عن الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيّين في غزة، ويكونَ نواةً لمشروعٍ حضاري وإنسانيّ كبير، وإن إحياء هذا الحلف، يتطلب التحرّك بكلّ ما تملك من قوّة وإرادة وعزيمة، فقد تعاقد أقوام في الجاهليّة قبل البعثة المحمّديّة، وتحالفوا بالله ليكوننّ يداً واحدة مع المظلوم ضد الظالم، وإنّ الرسول ﷺ أظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين في هذا الحلف، وقد قال فيه نبيّك الأعظم وأحبّ الخلق إليك محمّد ﷺ: "شهدتُ حلفَ المُطَيَّبين وأنا غلامٌ معَ عمومتي، فما أحبُّ أنَّ لي حُمْرَ النَّعَمِ وأنّي أَنكُثُه" وقال أيضاً: "وَلوْ دُعيتُ بِهِ إلى الإِسْلامِ لأجَبتُ".
وأنت لا ترضى يا سيادة الرئيس أن يُكتب في حكمك، والذي خُطّ بماء الذّهب في صفحات التاريخ الإنسانيّ، وإنجازاتك الماديّة والمعنويّة للإنسانيّة، أن يُباد شعب فلسطين وأهل غزّة، ولا تُحرّك ساكناً!؟ وأنت قادر على تشكيل حلفٍ مع حلفائك الإقليميّين والدَّوليّين،لمنع هذا العقاب الجماعيّ المستمر على أهل فلسطين وغزة.
يا سيادة الرئيس:
إنّ بلادنا الإسلاميّة والعربية، أعلنت رفضها لهذا الظلم، وهناك حكومات وشعوب أخرى في هذا العالم مستعدون لرفع الظلم، وحالة الفراغ التي نراها اليوم، سببها الافتقار لروح المبادرة، ورصّ الصفوف، فهناك دول قد أعلنت وقوفها ضدَّ هذا الإجرام، وهناك دول تنتظر من يُكسر حاجز خوفها، وهي غير راضية من أعماقها عن هذه الإبادة الممنهجة، والتي هي وصمة عارٍ في جبين الإنسانيّة، والتي من شأنها أن تُنزل علينا غضب العزيز الجبّار.
يا سيدة الرئيس:
إنّه لا خوف على قتلى المسلمين "المستضعفين"، ونحسبهم عند الله تعالى شهداء، ولا نزكّي على الله أحداً. وإنما الخوف عليك من تركك للضعفاء، وأنت الذي مكّن الله لك في سلطانك، وأعطاك من وسائل القوّة المعنويّة والماديّة الكثير، وهنا أُذكر بقول حبيبك المصطفى ﷺ: "وَهَلْ تُنصَرُونَ إلا بِضُعَفَائِكُم؟".
يا سيادة الرئيس:
إنّ سنن الله الماضية في خلقه -والتي لا تتبدل ولا تتغيّر- أنّ عقوبته في خذلان الأقوياء للضعفاء، أشدُّ من بلائه على الضعفاء، وأنت رجل مؤمن بالله وباليوم الآخر، وتخشى عقابه وترجو ثوابه، فسعيك لرفع الظلم على هؤلاء المستضعفين المظلومين المقهورين المساكين، مع إخلاص النيّة لله (عزّ وجلّ)؛ من القربات الإيمانية العظيمة، ولعلّها مع دعاء المساكين تكون سبباً لك في صحبة النبيّين والصدّيقين والشّهداء والصالحين، بعد طول عمرٍ وحُسن عمل (إن شاء الله).
وإنّه لعمل صالح عظيم تتقرّب به إلى الله، مُقتدياً بقيادة ذو القرنين الذي ذكره الله (عزّ وجل) كنموذجٍ للحاكم المؤمن القوي، فخذ بالعزائم مثله، وتوكّل على الله، واستعن به، وأخلص له في سعيك، واطلب منه العون والمدد، فهو بيده ملكوت كل شيء وإليه كل الخلق راجعون. وخذّ بالأسباب والعوامل الماديّة والمعنويّة لرفع هذا الظلم، وردّ الظالمين، وإنهاء مسلسل الإجرام والعسف الواقع على إخوانك المُعذّبين، من أبناء الشعب الفلسطينيّ العزيز.
يا سيادة الرئيس:
لا يهوِّلنّك أمرهم، والله إنّهم لمهزومون في أعماقهم، وإنّ كيدهم لضعيف، لأنّه من كيد الشيطان، والله يقول: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]؛ فكيد هؤلاء هزيل ضعيف أمام عون الله لك، وتسديده إياك، ومكرِه وكيدِه بالمستكبرين المجرمين.
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)﴾ [آل عمران: 173-175].
يا سيادة الرئيس:
فتح الله لك باباً عظيماً من الأعمال الصالحة، في حقن الدماء، وتوحيد جبهةٍ عريضة من بني الإنسان، رافضةً للعقاب الجماعيّ، والإبادة الشاملة، تحتاج من يبادر لجمعها وترتيبها، وقد هُيّئت لك ظروف وأسبابٌ غير مسبوقة على المستوى المحليّ والإقليميّ والدّوليّ. فالشّعب التّركي بقِيَمه الإنسانيّة، وموروثه الحضاريّ، وتاريخه العريق؛ رافض لهذا العمل الهمجيّ الوحشيّ، ومتعاطف مع إخوانه في الإنسانيّة والإسلام، وهو مع المظلومين ضدّ الظالمين.
وكذلك لا يختلف معك كثير من قيادات العالم الإسلامي والعربي وفي العالم، كالمملكة العربيّة السعودية، وقطر، والكويت، ودول الخليج، واليمن، والسودان، والصومال، ودول شمال إفريقيا، والأردن، ولبنان، والعراق، وسورية، والباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا، والعالم الإسلاميّ أجمعه، ودول مثل الصّين وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل. ولا يخلو الأمر من دول أوروبيّة أيضاً، وشعوب الأرض، في رفض هذا الظلم والجَور والعداون.
وأخيراً... نسأل الله لك التوفيق التّوفيقَ والسّداد، وأن يجعلك مفاتيح للخير، ومن مغاليق الشر في أرضه، متقرباً إلى الله يرفع الظلم عن المظلومين، ومتصدياً للظالمين، بما أعطاك الله من حكمة وخبرة ومعرفة، ولإخوانك من قادة الدولة التركيّة المحبّين للخير والسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. عليّ محمد محمد الصّلابيّ
الدوحة ـ قطر
17 أكتوبر 2023/ 02 ربيع الآخر 1445
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الخطاب فلسطين غزة فلسطين غزة مجزرة خطاب سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سیادة الرئیس الإنسانی ة الله لک
إقرأ أيضاً:
قاسم لا يستبعد مواجهة مع إسرائيل ويكشف وضع حزب الله بعد الانكشاف الأمني
قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، إنه إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان "فلا بد من مواجهته" من قبل الجيش والشعب والمقاومة، وأوضح أن الحزب أجرى تحقيقا بعد الخسائر التي لحقت به في الأشهر الماضية.
وأضاف قاسم في مقابلة مع قناة المنار التابعة للحزب مساء أمس الأحد أن حزب الله التزم باتفاق وقف إطلاق النار، بينما استمرت إسرائيل في خرقه والاعتداء على أشخاص "بعيدا عن الحدود في سياراتهم المدنية وفي منازلهم".
وتابع: "إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي لا بد من مواجهته من قبل الجيش والشعب والمقاومة، بينما البعض يريد التحرير بالدبلوماسية".
وأكد أمين عام حزب الله أن "المقاومة لن تتوقف ولن تترك إمكاناتها أمام العدوانية والاحتلال الإسرائيلي".
ولفت إلى أنه عقب اغتيال الأمينين العامين السابقين للحزب، حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، "تغيرت الكثير من التفاصيل حيث كنا أمام انكشاف أمني وتمت معالجته، وجرى تحقيق لأخذ الدروس والعبر ومحاسبة المقصرين".
ومنذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ارتكبت إسرائيل أكثر من ألف انتهاك للاتفاق، ما خلّف 85 قتيلا و285 جريحا على الأقل، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية لبنانية.
إعلانوبدأ عدوان إسرائيل على لبنان في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتحول لحرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ما خلّف 4 آلاف و115 قتيلا و16 ألفا و909 جرحى، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/شباط الماضي، كما نص عليه الاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 نقاط لبنانية رئيسية، من دون أن تعلن عن موعد رسمي للانسحاب منها.