كثيرًا ما نسمع في المحيط من حولنا بأن المعاملة يجب أن تكون بالمثل، وانتشرت هذه المقولة مؤخرًا عند من يزعمون بأنهم أخصائيون أو مدربو تطوير الذات (تحفيز الذات)، محاولين إقناع الناس بأن القوة تكمن في المعاملة بالمثل، كما أنهم يغيّرون مسار الموضوع وينحون به مناحي أخرى ويحاولون توجيه فكر من حولهم بأنها مسألة تخص الكرامة وعزة النفس، ويخرجون عن لبّ الموضوع الأساسي الذي لو نظرنا إليه من منظور إيجابي وسوي إن صحّ التعبير، فالأجدر أن نقول المعاملة بالحسنى وليس بالمثل، المعاملة بالأصل والتربية والخلق وليس بالمثل.

فلا يعقل بأن أتعامل مع الشخص الذي أمامي بالمثل وأتصرّف معه كما يتصرّف معي، وأترك أصْلي وتربيتي وأخلاقي جانبًا لكي أردّ عليه بمعاملته بالمثل! فهل يعقل بأن أردّ الإساءة بالإساءة؟ أو أن أنحدر بأخلاقي لإخلاق من قام بشتمي أو تلفظ عليّ بألفاظ غير لائقة؟ وذلك بحجة المعاملة بالمثل؟ المسألة ليست هكذا، وهذا المبدأ ليس صحيحًا، ولا هو من خصال الخير في الناس، فإن من أنبل ما يهبك الله إياه كإنسان هو أن تحمل خصال الخير، وأكبر إنجاز للإنسان في هذا الوقت أن يبقى نظيفًا محترمًا مسيطر على نفسه وسلوكه محافظًا ومتحكّمًا بأفعاله وتصرفاته مهمًا بلغ الإعوجاج في الآخرين من حوله. نفوس البشر كالأراضي، هناك نفوس تربتها طيبة، وأصلها طيّب، وكل ما يزرع فيها من بذور ينتج ثمرًا طيبًا، ويمتد نفعها إلى ما حولها، وهناك نفوس على العكس من ذلك، مقفرة، قاحله، مجدبة، مهما حاولت إصلاحها لن تفلح، ومهما أمطرتها لن تنتج، لذلك إعرف طينة النفوس حتى تعرف نتاجها. نحن بشكل يومي نلتقي بأشخاص نتمنّى لو أننا لم نلتقِ بهم ولم نعرفهم ولا نتعامل معهم، فهناك أشخاص من شدّة انحدار أسلوبهم نتمنى أن لا نتعامل معهم ولا نراهم بمحض الصدفة، وعلى النقيض هناك أشخاص نتمنّى ونقول في أنفسنا ليتنا نلقاهم كل يوم، وذلك من طيب أخلاقهم وسموّ أنفسهم ورقيّهم في التعامل، حيث إنهم يبعثون الارتياح في النفس؛ لأنك تكون واثقًا من أصلهم الطيب وأنهم بوجه واحد لا يتلوّن، صادقين في القول والفعل، أنقياء النفس سليمي الفؤاد، ليّنين الطباع مأمونين الجانب، كما قال الفرزدق: «سهل الخليقة لا تخشى بوادره». هناك أناس تتعامل مع الآخرين التعامل بالفضل بمعنى «تُسيء إليّ وأنا أُحسن إليك» ولا أردّ لك الإساءة بالإساءة، وهناك من يتعامل معك كما يحب منك أن تعامله، وهناك من يتعامل معك كما يُحب الله ويريد، بمعنى أنه يُسامحك ويعفو عنك ويغضّ الطرف عن الإساءة، وهناك من الأشخاص من يتعامل معك كما يريد أن يتعامل الله معه، يريد من الله أن يكرمه فيكرمك ويريد من الله أن يسامحه فيسامحك ويريد من الله أن يعفو عنه فيعفو هو عنك. أكثر معاناة الناس من الناس وأكثر وجع الناس من الناس، هي هكذا الناس تتصرف بحسب نفسيّاتها، وأمزجتها، وأخلاقها، وتربيتها، ليس كل شخص يستحق منك الرد عليه، وليس كل موقف يجب أن تقف عنده وتتخذ موقف الند بالند، يكفي أن تبتسم وترحل، وهناك مثل أو مقولة معروفة لدينا نحن أهل الخليج «ناس تحشمها وناس تحشم نفسك عنها».
لينا محمد التميمي

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا

إقرأ أيضاً:

عالمة أزهرية: الترند بعد الناس عن الدين وخرب كثيراً من البيوت

أجابت الدكتورة هبة عوف، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، عن سؤال حول عدم وجود الستر بالمنازل مثلما كان يحدث قديما؟.

 

وقالت أستاذ التفسير بجامعة الأزهرـ  خلال حوارها مع الإعلامية ياسمين عز، ببرنامج "كلام الناس"، عبر قناة "mbc"، إن قضية الستر من أهم القضايا وغيابه بسبب البعد عن الدين، لافتة إلى أن ما يحدث الآن تجد الزوجة والزوج يخرج سر كل منهما على السوشيال.

 

وأكدت أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، أن البعد هو أن يعتقد الشخص أن الدين شيء والحياة شيء آخر، البعض يعتقد أن الدين شيء صعب ولكنه غير ذلك، فالله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، لافتة إلى أن الحفاظ على البيت من قبل الزوجة هو من الشرع، وليس فيه قلة كرامة لها.


واستشهت بقصة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، التي قالت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت، تشكو زوجها، فأنزل الله سبحانه في القرآن الكريم سورة كاملة بحقها، سماها سورة المجادلة، افتتحها سبحانه بقوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} (المجادلة:1)، وهى هنا كانت لا تريد الطلاق من زوجها بعدما قال لها أنتى على كظهر أمي وقال لها سدنا النبي قد طلقك.


وأوضحت أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، أن الرائج الآن هو البحث وراء الفضائح لنشرها بهدف الترند، لافتة إلى أن الترند بعد الناس عن الدين وعن ربنا، كما ساهم بشكل كبير فى خراب البيوت.

مقالات مشابهة

  • خبير تحكيمي: كرة يحيى عطية الله ليست ركلة جزاء
  • تحقيقات مع بنك أميركي يتعامل مع صندوق تحوط يديره نجل شخص مقرب لخامنئي
  •   قائد الثورة: المعركة مستمرة والحضور فيها يُعبر عن الإيمان والعطاء والجهاد المقدس
  • عالم بالأوقاف: قيمة المؤمن ليست بمكانته الاجتماعية وأمواله وإنما بتقوى الله
  • عالمة أزهرية: الترند بعد الناس عن الدين وخرب كثيراً من البيوت
  • (نص + فيديو) كلمة السيد القائد .. 21 نوفمبر 2024
  • دهوك: عملية التعداد تسير بإيجابية وهناك تحديات في المناطق المتنازع عليها
  • أين اتحاد العلماء من الإساءة للمقدسات في السعودية؟!
  • الشيخ قاسم: تفاوضنا ليس تحت النار ولدينا القدرة على الاستمرار وهناك حرب استنزاف على العدو
  • علي جمعة: ما ترك لنا رسول الله طريقا يؤدي الى النار إلا وحذرنا منه