ما يحدث من مجازر وجرائم مروعة وعمليات تطهير عرقي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائم فظيعة لا يمكن أن يتجاوزها التاريخ أو ينساها؛ لأن مشاهدها ستبقى محفورة في ذاكرة من رآها، ستبقى ندوبها ما بقيت لهذه الأجيال ذاكرة.. لكنها في الوقت نفسه ستبقى تطرح سؤالا مهما ومفجعا: أليس لهذا العالم ضمير إنساني حي؟ هذا العالم الذي يجرحه ذبح عصفور صغير أو دهس قط في أي شارع من شوارع العالم، ألا يجرحه ذبح مئات الأطفال في غزة؟ ألا يفجعه ذبحهم وهم في لحظة بين الخوف والوسن في لحظة توهَّم الجميع فيها أن الهدوء قد عمّ المكان؟ ألا يوجعه قصف المستشفيات بمَن فيها؟ وهدم البنايات على رؤوس أصحابها؟ ألا تخجله تلك الأيادي المتدلية من وسط الركام وكأنها تشبثت بصحوة متوقعة للعالم حتى نزفت رمقها الأخير؟ أم أن هذا العالم قد وصل إلى ذروة توحشه وفقدانه للإنسانية فلا يرف له جفن وهو يرى جثث الأطفال تتناثر في الطرقات وتتقطع أشلاء النساء وكبار السن، وتفرّق الأسر وتهجير أكثر من مليون شخص في ظروف إنسانية صعبة جدا.
لعلّ العالم الغربي الذي يستطيع وحده كبح هيجان الكيان الصهيوني الذي لا يرى في سكان غزة بشرا يستحقون أن يعيشوا كما يعيش بقية البشر على هذه الأرض، ولذلك وضعهم الاحتلال في سجن كبير منذ عقد ونصف العقد وطلب العالم منهم أن لا تكون لهم أي ردة فعل حتى لا يصبحوا إرهابيين. وهذا أمر غريب في وعي الغرب الذي يحتفي كثيرا بالمنطق، وبالمقدمات والنتائج، ويحتفي بحقوق الإنسان ويقيم الدنيا ولا يقعدها لو حَلُمَ في اللّيل أنها تُنتهك في مكان ما في الشرق الأوسط، عدا إسرائيل بطبيعة منطقه.
إن الغرب يسقط الآن أمام نفسه وتاريخه ومستقبله ولحظته الحاضرة الصعبة، قبل أن يسقط أمام أطفال غزة الذين يتورط الغرب قبل إسرائيل في جعلهم يفقدون معنى طفولتهم وبراءتهم عندما تُلطّخ وجوههم بدماء آبائهم وأمهاتهم، وكأن الغرب لا يعلم أنه يصنع منهم جميعا مشاريع انتقام مستقبلية ليس لإسرائيل التي يخوض الفلسطينيون معها نضالا طويلا من أجل الأرض والكرامة والحرية منذ 75 عاما ولكن مشاريع انتقام للغرب نفسه قبل أي أحد آخر.
إن أخطر مأزق كشفته هذه الحرب على غزة هو المأزق الإنساني، والأخلاقي؛ فقد تحوَّل العالم إلى وحش فاقد لأبسط مبادئ الإنسانية.. لذلك على العالم أن يراجع إنسانيته على مرآة غزة ويبحث عن ضميره الذي سقط منه وهو يجري وراء مادياته الرخيصة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل يكون ترامب وزير خارجية نفسه؟
أشار أستاذ التاريخ الحديث في جامعة إيست أنغليا، ديفيد ميلنه، إلى ما سماها فكرة غريبة تدور حول أن اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للمسؤولين عن صياغة السياسة الخارجية، تكشف شيئاً عن نهجه المحتمل في التعامل مع الشؤون الدولية.
ليس من المبالغة تخيل استخدام خط هجوم ترامب على بولتون ضد روبيو
يطمئن أفراد المؤسسة إلى أن المرشحين الصقور، مثل السناتور ماركو روبيو إلى منصب وزير الخارجية، والنائب مايك والتز إلى منصب مستشار للأمن القومي، سوف ينصحونه في نهاية المطاف بالشيء الصحيح، عندما يتعلق الأمر بمواجهة روسيا والصين.
ويشعر أنصار مقاربة الانضباط وأنصار ماغا واليساريون بالراحة، لأن النائبين السابقين تولسي غابارد، مرشحة ترامب لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، ومات غيتز، مرشح لمنصب المدعي العام، (سحب ترشيحه ليلة أمس) سيشكلان سياسة ترشيد تقنع الرئيس بسحب الموارد من مناطق لا مصالح أمريكية فيها على المحك. خيط واحد حزين
وكتب ميلنه في مجلة "فورين بوليسي" أنه إذا كان القارئ يشعر وكأنه سبق أن شاهد هذه الصورة في السابق فشعوره مبني على أساس صلب. في سنة 2016 وما بعدها، كان النوع نفسه من المقالات الفكرية منتشراً في كل مكان، حيث عكس كتاب الرأي قلقهم وآمالهم وأحلامهم في استقراء المعنى من موجات التعيينات والطرد التي قام بها ترامب. كان مايك فلين وريكس تيلرسون وجيمس ماتيس وهربرت ماكماستر بمثابة "أوراق شاي" جماعية قُرِئت للكشف عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية. كلهم عملوا بناء على فرضية أن ترامب كان قابلاً لأخذ النصيحة. حالياً يجب أن يكون ثمة معرفة أفضل.
Trump selects Sen. Marco Rubio to serve as secretary of state in historic appointment: report https://t.co/AJ3rTnGpEb pic.twitter.com/2lyNRX8kl6
— New York Post (@nypost) November 12, 2024
لم يكن هناك تأثير استشاري كبير على رئاسة ترامب الأخيرة، ومن غير المرجح أن تكون ولايته الثانية مختلفة. في بعض الأحيان، تداخلت غرائزه مع نصائح مستشاريه - مثل تيلرسون حول تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية أو مع مستشار الأمن القومي جون بولتون بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما. لكن هذه اللحظات من الوحدة كانت عابرة. إذا كان هناك خيط واحد مشترك حزين ينسج عبر مذكرات من عيّنهم ترامب في ولايته الأولى، فهو الإحباط من المعاملة المزدرية من قبل رئيس لم يصغِ ببساطة.
لم يستطع ترامب أن يغفر لماكماستر افتراضه بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016. ووصف ماكماستر اجتماعات المكتب البيضوي بأنها "تمارين في التملق التنافسي"، في كتاب نُشر في وقت سابق من هذه السنة.
Trump selects Sen. Marco Rubio to serve as secretary of state in historic appointment: report https://t.co/AJ3rTnGpEb pic.twitter.com/2lyNRX8kl6
— New York Post (@nypost) November 12, 2024
"لم يكن ترامب يتبع أي استراتيجية دولية كبرى، أو حتى مساراً متناسقاً"، كما كتب بولتون في كتابه الصادر سنة 2020. "كان تفكيره أشبه بأرخبيل من النقاط التي تترك لبقيتنا مهمة تمييز - أو إنشاء - السياسة". رد ترامب بوصف بولتون في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه "أحمق ممل ساخط أراد فقط الذهاب إلى الحرب. لم يكن لديه أدنى فكرة (عن أي شيء)، وتم نبذه، والتخلص منه بسعادة. يا له من غبي!".
الخيار النهائي بصرف النظر عن الأشخاص، إن خيار ترامب النهائي لمناصب مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع ووزير الخارجية سيكون هو نفسه. لن يكون هناك أي شخص مؤثر من خلف الستارة أو دين أتشيسون أو هنري كيسنجر يوجهونه ويكبحون أسوأ غرائزه. كل ما حدث خلال فترة ولايته الأولى يشير إلى أن هذا سيكون هو الحال.