لجريدة عمان:
2025-04-26@11:24:26 GMT

هل تكون أمريكا الجنوبية الخليج العربي الجديد؟

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

عندما اكتشفت شركة النفط الأنجلوفارسية، المعروفة الآن باسم شركة البترول البريطانية، النفط الإيراني في عام 1908، أعقب ذلك قرن من صدارة الطاقة النفطية. ومثل ذلك يحدث سريعا مع معادن من قبيل الليثيوم، والنحاس، والكوبالت، والنيكل، والعناصر الأرضية النادرة (المعادن الحرجة) الضرورية للتكنولوجيات التي تنتج الكهرباء، وتنقلها، وتخزنها.

ويمكن العثور على هذه العناصر في جميع أنحاء العالم، لكن الصين تسيطر على جميع سلاسل توريد المعادن المهمة تقريبا. واليوم، تحتاج الولايات المتحدة إلى الوصول إلى الموارد المعدنية المهمة أكثر مما تعتمد على النفط الأجنبي. والفرصة العظيمة المتبقية لكي تحقق الولايات المتحدة الاستقلال المعدني الحاسم تتوقف على ليثيوم أمريكا الجنوبية. شأن محركات الاحتراق الداخلي والنفط، نرى أن بطاريات الليثيوم أيون في السيارات الكهربائية ترفع «الطلب على البطاريات والمعادن المهمة المتصلة بها»، حسبما أفادت وكالة الطاقة الدولية. ارتفعت القيمة السوقية للمعادن الحرجة من 160 مليار دولار في عام 2018 إلى 320 مليار دولار في عام 2022، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى زيادة مبيعات السيارات الكهربائية التي ارتفعت من مليونين إلى أكثر من 10 ملايين خلال الفترة نفسها. وطالما كان النقل البري هو العمود الفقري للطلب على النفط عالميا، والآن تتكشف العلاقة نفسها بالنسبة للمعادن الحرجة. وشأن الصدمات النفطية، حتى لو شعر بها المصنِّعون قبل المستهلكين، فإن الأمريكيين سيكونون أكثر ضعفًا أمام الارتفاعات الحرجة في أسعار المعادن الحرجة مع تحديث مركباتنا وشبكاتنا.والبلاد التي يلزم أن تمنحها الولايات المتحدة الأولوية لاجتناب التزايد الأُسِّي في الطلب على بطاريات الليثيوم تعتمد على تركيبة البطارية التي تراهن عليها الولايات المتحدة في نهاية المطاف. والليثيوم هو الذي يقود سباق البطاريات لأنه المعدن الذي يتسم بأكبر نسبة طاقة إلى الوزن.

ففي داخل هذه البطاريات، ثمة منافسة بين (كاثود النيكل والمنجنيز والكوبالت NMC) و(كاثود الليثيوم والحديد والفوسفات LFP). وكلاهما يستخدم الليثيوم لتخزين وإطلاق الكهرباء. يستخدم (كاثود الليثيوم والحديد والفوسفات) خامات أكثر شيوعا -والمزيد من الليثيوم- لإكمال الدائرة من خلال جهازك. فضلًا عن أن (كاثود النيكل والمنجنيز والكوبالت NMC) يوفر مخزون طاقة أعلى لزيادة نطاق القيادة في السيارات، لكن (كاثود الليثيوم والحديد والفوسفات LFP) أرخص وأكثر أمانا ويسد فجوة تخزين الطاقة بسرعة مع (كاثود النيكل والمنجنيز والكوبالت NMC).

وفي حين أن الكاثودين يعدان خيارين جيدين تجاريا، فإنهما لا يتساويان في ضوء الأمن القومي الأمريكي. فبطاريات (كاثود النيكل والمنجنيز والكوبالت NMC) تعتمد على ما يشبه احتكار الصين للكوبالت الكونغولي وسيطرتها التجارية على النيكل الإندونيسي، وكل من البلدين يحظى بالاحتياطي الأكثر في العالم من معدنه. والصين لديها تاريخ في استغلال صادرات المعادن الحرجة بوصفها ورقة ضغط. ولأن بطاريات (كاثود الليثيوم والحديد والفوسفات LFP) يمكن أن تحقق الاستقلال عن الصين عما قريب، فالولايات المتحدة تتفهم قيمتها الاستراتيجية، ومن هنا كانت الإقامة المخطط لها لأول منشأة خاصة-عامة لـ(كاثود الليثيوم والحديد والفوسفات LFP) في الولايات المتحدة ومن هنا أيضًا الهدف الوطني المتمثل في التخلص من الكوبالت والنيكل في البطاريات بحلول عام 2030. وسوف يظل التحول إلى (كاثود الليثيوم والحديد والفوسفات LFP) يتطلب من الولايات المتحدة الاستثمار في معالجة الليثيوم وتصنيع البطاريات التي تهيمن عليها الصين حاليا، وهو ما يمكن تدبره بالقدر الكافي من الوقت والاستثمار من خلال السياسات الصناعية المحلية والمتعددة الأطراف - وإن يكن القول أسهل من الفعل. غير أن توفير القدر الكافي من الليثيوم لتلبية الطلب المحلي يستدعي اتباع نهج ثنائي مجرب وحقيقي.

مثلما كان من مصلحة الولايات المتحدة أن تضمن علاقة أفضل مع المملكة العربية السعودية في عام 1945، لضمان استمرار تدفق النفط، فمن مصلحة الولايات المتحدة الآن إقامة العلاقات المستقرة اللازمة لدعم واردات الليثيوم التي يقوم عليها الأمن الوطني والاقتصادي الأمريكي. وتأمين غالبية الطلب المحلي على البطاريات سوف يتطلب من الولايات المتحدة الاستفادة من 54% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة من الليثيوم في «مثلث الليثيوم» بين شيلي والأرجنتين وبوليفيا و24% من الاحتياطي العالمي في أستراليا. كما تفكر المكسيك في السعي إلى شراكة ليثيوم مع الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، بما يستدعي المقارنة مع منظمة الدول المصدِّرة للنفط. وفي المقابل، تريد أمريكا اللاتينية إبرام اتفاقيات تجارية وتمويلا من أجل التصنيع والتعافي من إرث «التحرشات الأجنبية»، على حد تعبير الرئيس البوليفي لويس آرسي.

إن اكتشافات الليثيوم في ولاية ماين في يوليو ونيفادا في سبتمبر لا تعني استقلال الولايات المتحدة في مجال الليثيوم في أي وقت قريب. فالنفط المحلي لم يكن كافيا لإشباع الطلب الأمريكي خلال القرن العشرين، ولن يكون الليثيوم المحلي كافيا في المدى القريب إلى المتوسط. سوف تتطلب تلبية الطلب الأمريكي المتوقع على المركبات الكهربائية زيادة بنسبة 300% في مكافئ كربونات الليثيوم بحلول عام 2050 عما ينتجه العالم بأكمله سنويا اليوم -أي 765570 طنا في عام 2022- بالإضافة إلى أن اتجاهات الليثيوم العالمية تتوقع ما يقرب أن يكون الطلب بحلول عام 2030 من ثلاثة إلى أربعة ملايين طن، بينما كان من المقرر إنتاج 2.7 مليون طن فقط في العام نفسه.

ولهذا السبب فإن تأمين إمدادات مستقرة وكافية من الليثيوم للأمريكيين يعتمد على قيام الولايات المتحدة بالتوفيق بين إرث استغلال الموارد والتدخل السياسي في أمريكا اللاتينية، فقد صبغ هذا التاريخ استراتيجيات تأميم الليثيوم في المكسيك وتشيلي وبوليفيا، والعقود الصينية تستفيد من تأخر أمريكا في الاستثمار والعلاقات العامة في المنطقة. في هذا العام، تساعد الصين شيلي في بناء مصنع معالجة في مقابل الحصول على الليثيوم بسعر مخفض ومصنع لكاثود الليثيوم بقيمة 290 مليون دولار. وفي يوليو، استثمرت الصين 620 مليون دولار لإنشاء مصنع للسيارات الكهربائية في البرازيل في منشأة هجرتها شركة فورد أخيرا. ومنذ عام 2018، استحوذت الصين على 88% من إجمالي الأموال التي تم إنفاقها على صفقات اندماج واستحواذ الليثيوم التي تزيد قيمتها عن مائة مليون دولار في أمريكا اللاتينية. ويجب على الولايات المتحدة إقناع الدول الغنية بالمعادن الحرجة في المنطقة بأن التاريخ لن يكرر نفسه وذلك من خلال تقديم شروط أكثر ملاءمة.كما أن إقامة شراكات تنافسية في المعادن الحرجة سوف تتطلب ما هو أكثر من المال، وهذه هي ميزة الصين الرئيسية. فبفضل مجموعة مختلفة من الحوافز التي يسيطر عليها النظام، أصبح الحزب الشيوعي الصيني على استعداد للاستثمار لأسباب غير الربح ودون الاهتمام بالمخاطرة التنظيمية أو البيئية أو السياسية. ولكي تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من التنافس مع مبادرة الحزام والطريق، سيتعين عليها رفع مستوى الرهان من خلال تقاسم التكنولوجيا، والموارد اللازمة لتبسيط وتحسين معايير الترخيص البيئي، والرقابة المشتركة لحماية العمل والشفافية.

أولا: يساعد تقاسم التكنولوجيا بلاد المعادن الحرجة على التمتع بالتكنولوجيا التي يتيحها العمل الذي تقوم به هذه البلاد. ثانيا: يمكن لهيئات الترخيص حسنة التجهيز رفع مستوى الإشراف البيئي وتقصير عملية الموافقة المطولة على الأنظمة البيئية التي تؤدي إلى اختناق إمدادات المعادن. ثالثا: تعمل الرقابة المشتركة على حماية العمال وتتغلب على رشاوى الاقتصاد غير الرسمي التي تزيد من تكاليف الاستثمار الخاص. على السطح، قد لا تروق الرقابة العابرة للحدود الوطنية لبعض المسؤولين الحكوميين الفاسدين في أمريكا اللاتينية، إلا في أعقاب موجة السخط الإقليمية الأخيرة الناجمة عن الفساد، والتي انقلبت على أكثر من اثنين من رؤساء الدول، وهي صورة محلية مواتية للشفافية مرتبطة بمليارات في الاستثمار الأجنبي. إن أفضل فرصة متاحة للولايات المتحدة للحصول على ميزة تنافسية في تجارة الليثيوم في أمريكا اللاتينية تكمن -على عكس المتوقع- في ضمان أطر عمل قانونية مشتركة، نظرًا لأن الشراكات التكنولوجية، والمعايير الإنسانية، والاستثمار الخاص تعتمد جميعا على سيادة القانون.تتوقع التكنولوجيا المستقبلية وإزالة الكربون أن تصبح المعادن الحرجة هي السلعة العالمية الأكثر طلبا - بعد أن يصل الوقود الأحفوري إلى نهايته المأساوية أو المدبرة. في غضون ذلك، ستستمر الجغرافيا السياسية لأمن الموارد واقعة بين النفط الحالي من ناحية وصعود المعادن الحرج من ناحية أخرى. وبالنسبة للبطاريات على الأقل، من مصلحة الولايات المتحدة أن تقيم تحالفًا أعمق، وليس بالضرورة أوسع، في المعادن الحرجة، لدعم أمنها الاقتصادي والقومي، كما فعلت ذات مرة مع الخليج العربي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی أمریکا اللاتینیة الولایات المتحدة اللیثیوم فی من خلال فی عام

إقرأ أيضاً:

التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد

صدر التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن الفصل الأول من العام 2025 بعنوان "تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد"، والذي جاء فيه أنّ الأشهر القليلة الأولى من العام 2025 شهدت تطورات سياسية واعدة، بدءاً بالانتخابات الرئاسية إلى تكليف رئيس الحكومة وصولاً إلى تأليف حكومة من ذوي الكفاءات تضمنت عدداً من الشخصيات المرموقة. لقد توافد إلى لبنان خلال الأشهر الثلاث الماضية عدد من الشخصيات الأجنبية الرفيعة المستوى وقد يكون على مشارف الحصول على المساعدة والدعم الدوليين في حال استطاع الإفادة من الفرصة التاريخية السانحة. هذا وقد أعاد المستثمرون العرب والأجانب وضع لبنان ضمن اهتماماتهم، فيما أعلن البعض عن جهوزيته للاستثمار في البلاد.

لقد ترك هذا الخرق السياسي وقعاً إيجابياً على الأسواق المالية اللبنانية. إذ شهدت سوق تداول العملات تحويلات من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية، ما ساهم في تعزيز احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي بنحو 936 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، بحيث عوّض عن الخسائر التي تكبدّها المركزي خلال الحرب الشاملة، لتبلغ زهاء 11.1 مليار دولار منتصف نيسان 2025. لقد قفزت أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية بنسبة 167% خلال الأشهر الستة الماضية، من 6 سنت للدولار الواحد في أيلول إلى 9 سنت في 27 تشرين الثاني (تاريخ وقف إطلاق النار) إلى زهاء 16 سنت في يومنا هذا. إنّ هذه الفورة في أسعار اليوروبوندز إنما جاءت وسط رهان بأن الخروقات السياسية الأخيرة على الساحة المحلية ستمهّد الطريق أمام تطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها، والتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وإعادة هيكلة الدين والقيام بمباحثات بنّاءة مع حاملي السندات. كذلك، سجّلت سوق الأسهم قفزة في الأسعار منذ إعلان وقف إطلاق النار، إلا أنّ أحجام التداول بقيت خجولة، حيث بلغ المتوسط اليومي لقيمة التداول الاسمية زهاء 1.8 مليون دولار منذ 27 تشرين الثاني 2024 داخل سوق تفتقر إلى السيولة والفعالية.

إنّ تغيّر النظام في سوريا يوفّر فرصةً ليس فقط للجمهورية العربية السورية ولكن أيضاً للمنطقة بشكل عام. فتحقيق الاستقرار في سوريا من شأنه أن يعود بالمنفعة على البلدان المحيطة، ولا سيما على لبنان. إذ سيزيد من إمكان التبادل التجاري وسيخفّض الضغوطات الناجمة عن تواجد عدد كبير من اللاجئين. وعلى العكس من ذلك، إنّ استمرار حال عدم الاستقرار من شأنه أن يسفر عن تفاقم المشاكل كالتجارة غير المشروعة، ويؤدي إلى تعاظم المخاطر الأمنية في المنطقة. هذا وإن إعادة فتح المعابر وخطوط النقل من شأنه أن يترك على الفور أثراً إيجابياً على التجارة والناتج المحلي.

إنّ احتمال السيناريو الإيجابي أصبح أكثر إمكانية في لبنان في المدى المنظور. ويفترض السيناريو الإيجابي استمرار وقف إطلاق النار، وإطلاق جهود واسعة النطاق لإعادة الإعمار، وإطلاق الإصلاحات التي طال انتظارها، والتوصل إلى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يؤمن الدعم الدولي. ففي حال تحققت الظروف المؤاتية لمثل هذا السيناريو، سيترفع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى زهاء 8%، وسيتراجع التضخم إلى المستويات العالمية، وستتعزز احتياطيات مصرف لبنان بشكل كبير وسيعود ميزان المدفوعات إلى تسجيل فائض أقله 4 مليار دولار. أما السيناريو الآخر فيفترض أن يستمر وقف إطلاق النار خلال العام 2025، ولكن في ظل استمرار التجاذبات السياسية الداخلية، ما سيعيق المسار الإصلاحي. وفق هذا السيناريو، سيقارب النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 2%، وستبقى احتياطيات مصرف لبنان ثابتة وسيكون ميزان المدفوعات في شبه توازن. وفق هذا المنظور الماكرو-اقتصادي، تفرض الحاجة لاستعادة الثقة تحدياً على السلطات السياسية في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، وملء الفراغات المؤسساتية بأسرع ما يمكن، واستعادة الدولة وجيشها لهيبتها ودورها، والتوافق على حلول لجميع المسائل العالقة، وإرسال الإشارات الصحيحة لمجتمع الأعمال والاستثمار بشكل عام. هذا ويبقى تحدي إعادة هيكلة المصارف هو التحدي الأبرز، والذي يتمحور حول تشريع قانون إعادة الهيكلة وقانون معالجة الفجوة المالية خلال العام المقبل، وتحديداً قبل الانتخابات النيابية في أيار 2026، والتي بعدها ستتحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

هذا وخلص التقرير إلى أنّه يجدر التوقف عند خمس تحديات اقتصادية رئيسية ذات أولوية في اعقاب الآمال الكبيرة المعقودة من قبل اللبنانيين على افاق العهد الجديد، وهي اولاً تحفيز النمو وخلق فرص العمل، حتى ينتقل الاقتصاد من وضع المراوحة إلى وضع النهوض في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، ثانياً خفض العجز الخارجي مع استمرار الاختلالات الخارجية بشكل بارز، ثالثاً التصويب النقدي اللازم وتعزيز الاحتياطيات بالعملات، رابعاً تصحيح المالية العامة التي تمثل نقطة ضعف مستمرة للاقتصاد اللبناني في الوقت الحاضر رغم التحسن النسبي المسجّل مؤخراً، خامساً إعادة الهيكلة المصرفية اللازمة وسدّ الفجوة المالية. 
على مستوى القطاع الحقيقي، يعدّ تحفيز النمو وخلق فرص العمل أمرا أساسيا لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين بشكل عام. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 38% منذ اندلاع الأزمة في العام 2019. ويشير التحليل الدقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والمالي إلى أن تحفيز النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي أمر ممكن من الناحية التقنية في المدى المنظور، ولكنه يتطلب بيئة سياسية داعمة وإطلاق إصلاحات هيكلية من شأنها أن تساعد على تحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز الميزات التنافسية للاقتصاد اللبناني إلى جانب تعزيز عامل الثقة بشكل عام. فإذا عاد عامل الثقة الشامل وسط تسويات سياسية محلية وجهود الإصلاح، فسيكون هناك امكانية للناتج المحلي الإجمالي في لبنان لاستعادة مستوى ما قبل الأزمة في غضون نصف عقد تقريبا، وبالتالي تسجيل نمو إيجابي في الناتج المحلي الحقيقي لعدد من السنوات، مع ما يلحق ذلك من تأثير طبيعي على دخل الفرد والظروف الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام. إن شروط هذا التعافي المأمول تكمن بالتأكيد على الإرادة السياسية الداخلية خلال العهد الجديد، وإرساء مناخ تسووي داخلي، وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأجندة إصلاح جذرية، وصحوة ضمير لدى العملاء الاقتصاديين المعنيين بشكل عام. والمفتاح هنا هو تحفيز الطلب الخاص، وخاصة الاستثمارات الخاصة، علماً أن الاستثمار له الأثر الأكبر على النمو من خلال التأثير المضاعف للاستثمار. ويحتاج لبنان إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً انطلاقاً من أدنى مستوى له منذ 30 عاماً والذي يقل عن 10% اليوم. ومن شأن نمو الاستثمار أن يعزز عامل العمالة في النمو الذي يدعو إلى خلق فرص عمل لاستيعاب أكثر من 30 ألف لبناني ينضمون إلى القوى العاملة كل عام. وهذا يبرز اليوم بين القضايا الملحة، علماً أن معدل البطالة تضاعف خلال نصف العقد الماضي ليتجاوز 30%. ويتطلب تحفيز الاستثمار الخاص تحسين بيئة الأعمال من خلال خفض التكاليف التشغيلية، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال في لبنان، إضافة الى الاستقرار السياسي والأمني المنشود.
وعلى المستوى الخارجي، فإن نموذج مواصلة العجز التجاري الكبير الذي يعتمد على التدفقات المالية الكبيرة ليس مستداماً. والأولوية هنا هي إعادة تحفيز حركة الرساميل الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. ومن الضروري أن تتخذ الدولة تدابير من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات، أي تحفيز السلع البديلة للاستيراد والمنتجات الموجهة للتصدير في محاولة لتقليص العجز التجاري في لبنان. ومن المهم في هذا السياق تحسين وتوسيع نطاق برامج دعم الصادرات الحالية وإدخال برامج تحفيز جديدة تستهدف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ويعتمد تشجيع الإنتاج المحلي على رفع بعض الرسوم الجمركية لحماية المنتج المحلي، وإعطاء حوافز ضريبية للمنتجين المحليين، وتسويق الإنتاج المحلي في الخارج.
وعلى المستوى النقدي، هناك حاجة إلى استقرار نقدي جذري لتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل. هناك حاجة لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان من خلال اللجوء إلى المساعدات الخارجية. فلسد الفجوة واستعادة الثقة، يتعين على البلاد أن تلجأ إلى الدعم الخارجي المأمول. المطلوب هو تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي كشرط أساسي لانخراط الجهات المانحة الأخرى، نظراً لإلحاح الجهات المانحة على وجود جهة رقابية دولية لتطبيق الإصلاحات في لبنان. 
وعلى مستوى القطاع العام، يشكل التصحيح المالي أهمية بالغة. فلا يستطيع لبنان الحفاظ على استقراره النقدي الذي تحقق خلال العامين الماضيين دون إجراء إصلاحات جذرية في القطاع العام. وليس أمام الدولة خيار سوى خفض احتياجاتها التمويلية المالية في المستقبل. ويجب أن يأتي التصحيح المالي من خلال التقشف في الإنفاق، وتحسين تعبئة الموارد، وسد فجوة التهرب الضرائبي، وإصلاح قطاع الكهرباء. على صعيد الإيرادات، فإن المطلوب هو تعزيز تعبئة الموارد، بمجرد أن تبدأ الحكومة العتيدة في مكافحة الفساد بجدية ليكون أي تدبير ضريبي مقبول من قبل اللبنانيين. بالتوازي مع ذلك، هناك حاجة إلى سد ما يقرب من نصف فجوة التهرب المالي، أي ما يعادل 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدى فترة السنوات الست القادمة. ان نسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ اليوم أقل من 15% في لبنان مقابل 26% في الأسواق الناشئة و40% في البلدان المتقدمة. يعني ذلك ان هناك مجال لزيادة تعبئة الموارد ببضع نقاط مئوية  لا سيما من خلال مكافحة التهرب الضريبي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الحاجات التمويلية وتقلص حجم الدين العام ما قد يمكن البلاد من الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 80٪ بعد إعادة هيكلة القطاعين العام والمالي.
وعلى المستوى المصرفي، يواجه القطاع المالي أزمة ذات طبيعة نظامية، ناجمة عن السياسات العامة التي اعتمدتها الدولة بشكل رئيسي. وتتطلب الأزمات النظامية أساليب متميزة تتجاوز تلك المستخدمة في الأزمات التقليدية أو أزمات البنوك الفردية. وعلى هذا النحو، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد خطة إنقاذ اقتصادية ومالية شاملة تعتمد على مقاربة نظامية للحلول، تكون مناسبة لإعادة تأسيس دور القطاع المالي باعتباره الوسيط المالي الرئيسي في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الاقتصاد النقدي المتفاقم، وضمان خلق القيمة الاقتصادية المضافة التي تهدف إلى دعم النهضة الاقتصادية في لبنان. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لخطة حكومية بدعم من صندوق النقد الدولي قادرة على المساعدة في إعادة بناء الثقة في القطاع المالي، وهو شرط أساسي لبدء التعافي الاقتصادي السريع في لبنان بشكل عام. وفي حين أن أي خطة يجب أن تتضمن بلا شك تضحيات من قبل القطاع المصرفي، والتي من شأنها أن تساهم في تغطية الخسائر، إلا أنها يجب أن تأخذ في الاعتبار القدرات المتاحة للقطاع المالي، بدلاً من إثقال كاهله بحلول خارجة عن القدرات الحالية والمستقبلية. إن إعادة التوازن المصرفي هي من مهام السلطات العامة، وعلى وجه الخصوص السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والبرلمان). وينبغي أن تكون البنوك مستعدة لأن تتعاون مع الدولة التي ينبغي أن تقود بنفسها نهج إعادة الهيكلة المنشودة بشكل عام.
وختم التقرير بالقول أنّ صياغة وتنفيذ السياسات التي من شأنها أن تستجيب للحاجات الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين وإطلاق الاصلاحات الضرورية التي طال انتظارها يمكن أن تكون قادرة على الحد من الاختلالات ومكامن الوهن في الاقتصاد اللبناني، وتوفير دعم نسبي للاستقرار النقدي، والمساعدة على ضمان الانتقال المطلوب من حقبة الوهن الاقتصادي إلى عصر التحسن التدريجي في المستوى العام للمعيشة والرفاهية بشكل عام.    

لقراءة التقرير الكامل اضغط على الرابط التالي: https://tinyurl.com/3axf5ppv

مواضيع ذات صلة الحكومة الفنزويلية: العقوبات هي "حرب اقتصادية" ومسؤولة عن المعاناة التي تواجهها البلاد Lebanon 24 الحكومة الفنزويلية: العقوبات هي "حرب اقتصادية" ومسؤولة عن المعاناة التي تواجهها البلاد 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال Lebanon 24 التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 بنك إنكلترا يثبت أسعار الفائدة عند 4.5% رغم التحديات الاقتصادية Lebanon 24 بنك إنكلترا يثبت أسعار الفائدة عند 4.5% رغم التحديات الاقتصادية 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس السوري: عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة لتوحيد الصفوف لمواجهة الأزمات المشتركة ومواجهة التحديات Lebanon 24 الرئيس السوري: عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة لتوحيد الصفوف لمواجهة الأزمات المشتركة ومواجهة التحديات 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان إقتصاد قد يعجبك أيضاً رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها Lebanon 24 رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها 08:18 | 2025-04-23 23/04/2025 08:18:34 Lebanon 24 Lebanon 24 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت Lebanon 24 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت 08:00 | 2025-04-23 23/04/2025 08:00:05 Lebanon 24 Lebanon 24 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة Lebanon 24 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة 07:55 | 2025-04-23 23/04/2025 07:55:25 Lebanon 24 Lebanon 24 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند Lebanon 24 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند 07:54 | 2025-04-23 23/04/2025 07:54:28 Lebanon 24 Lebanon 24 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية Lebanon 24 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية 07:53 | 2025-04-23 23/04/2025 07:53:51 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالفيديو إبن سلاف فواخرجي حديث مواقع التواصل... إليكم ما فعله Lebanon 24 بالفيديو إبن سلاف فواخرجي حديث مواقع التواصل... إليكم ما فعله 08:55 | 2025-04-22 22/04/2025 08:55:22 Lebanon 24 Lebanon 24 المرض نفسه يجمع كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. اليكم التفاصيل Lebanon 24 المرض نفسه يجمع كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. اليكم التفاصيل 12:23 | 2025-04-22 22/04/2025 12:23:47 Lebanon 24 Lebanon 24 تقدمان خدمات ذات طابع غير قانوني.. توقيف سيدتين في هذه المنطقة Lebanon 24 تقدمان خدمات ذات طابع غير قانوني.. توقيف سيدتين في هذه المنطقة 14:59 | 2025-04-22 22/04/2025 02:59:38 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد وصول الحرارة إلى 35 درجة.. أمطار غزيرة ستضرب لبنان هذا ما كشفه الأب خنيصر Lebanon 24 بعد وصول الحرارة إلى 35 درجة.. أمطار غزيرة ستضرب لبنان هذا ما كشفه الأب خنيصر 03:24 | 2025-04-23 23/04/2025 03:24:25 Lebanon 24 Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! 02:30 | 2025-04-23 23/04/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 08:18 | 2025-04-23 رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها 08:00 | 2025-04-23 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت 07:55 | 2025-04-23 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة 07:54 | 2025-04-23 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند 07:53 | 2025-04-23 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية 06:58 | 2025-04-23 بري استقبل دياب والمدعي العام التمييزي وأبرق الى الفاتيكان معزيا فيديو بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) 04:17 | 2025-04-14 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • تحليل لـCNN: لماذا قد تكون الجولة المقبلة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية أكثر صعوبة؟
  • من أجل المعادن.. أمريكا تشرف على تعهد بتحقيق السلام في الكونغو
  • ترامب يغزو أعالي البحار بحثا عن المعادن المهمة ويغضب الصين.. ما القصة؟
  • ترامب ينبش قاع البحر بحثا عن المعادن المهمة ويغضب الصين.. ما القصة؟
  • أحدث إصدارات سلطان تكشف الأطماع البرتغالية في الخليج العربي
  • اتفاق وشيك بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة لإلغاء رسوم ترامب الجمركية
  • أفريقيا ساحة تنافس عالمي متزايد على المعادن الإستراتيجية
  • محادثات رواندية أميركية حول المعادن تعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين
  • ترامب يعلنها ويجدد المخوف.. العد التنازلي بدأ للدول التي لم تتوصل لاتفاق تعرفة مع أمريكا
  • التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد