يدفع المدنيون الفلسطينيون ثمن الحرب الدائرة بين فصائل المقاومة الإسلامية والكيان الصهيوني، وذلك بعد مرور أكثر من عشرة أيام على اشتعال فتيل الحرب في غزة؛ يعاني المدنيون في غزة حتي الآن من قتل وتهجير وتضيق حيث قطع عليهم كافة السبل المعيشية من ماء وغذاء وكهرباء، بجانب منع وصول أي مساعدات طبية أو إنسانية إلى القطاع؛ فالتعرض للمدنيين جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.

وإدراكاً بأن السلام هو الحل؛ سعت دول ومنظمات بجانب دور العبادة إلى نزع فتيل الحرب والحث إلى عدم ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وكانت في مقدمة هذه الدول مصر؛ فالمجتمع الدولي يدرك تماماً قيمة وقدرات مصر على حل هذه الأزمة، وبجانب جهود الدولة، تقف الكنائس المصرية بجانب وطنها كتفاً بكتف، وحول هذه الجهود تسلط "البوابة نيوز" الضوء عليها خلال السطور التالية.

دور الدولة المصرية

منذ ظهور القضية الفلسطينية في أواخر 1947م باعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل، حملت مصر على عاتقها الدفاع عن حقوق الفلسطينيين؛ فدفعت مصر الثمن عشرات الآلاف من دماء أبنائها منذ حربها الأولى في 1948م ضد إسرائيل مروراً بباقي الحروب، وتستمر الى اليوم في دعم القضية الفلسطينية وحقوق أبنائها، بالدعوة إلى حل الدولتين على حدود 67 والقدس عاصمة لفلسطين. 

وبالرغم بما بذلته الدولة المصرية، يحاول البعض التشكيك في ولاء مصر، وتبذل الدولة المصرية الآن كافة جهودها من أجل دعم المدنيين الفلسطينيين، عن طريق إرسال مئات قوافل المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة، بجانب أطلاق حملات التبرعات الإنسانية من أجلهم، عوضاً عن موقف مصر السياسي تجاه القضية؛ يشير الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بقطاع غزة، وما يستوجبه ذلك من ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسئولياته بتوفير الاستجابة الإنسانية والإغاثية العاجلة لأهالي القطاع والتخفيف من وطأة معاناتهم، مشدداً في هذا الصدد على ضرورة خفض التصعيد، فضلاً عن رفض تعريض المدنيين لسياسات العقاب الجماعي من حصار وتجويع أو تهجير. إضافة الي الرسائل التي أدلى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وكان أبرزها:

- "رد الفعل الإسرائيلي تجاوز مبدأ حق الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعي."

- التأخير في حل القضية الفلسطينية يترتب عليه المزيد من الضحايا.

- يجب تسهيل إيصال المساعدات إلى قطاع غزة للتخفيف عن المواطنين هناك.

- غياب أفق حل القضية الفلسطينية أدى لتفاقم الغضب.

- نأمل أن نتمكن من احتواء الموقف في غزة وعدم الزج بأطراف أخري إلى الصراع.

كنائس مصر والعالم تحث على السلام

على غرار الدور المصري، حثت الكنائس المصرية ورجال الدين المسيحي على نشر السلام في منطقة الشرق الأوسط، ورفضها كل سبل العنف وإراقة دماء الأبرياء، عملاً بتعاليم السيد المسيح: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم يدعون بني الله" "متى 5:9".

شددت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني بطريرك الكنيسة، على رفضها كل الطرق التي تؤدي إلى العنف وسفك الدماء، وقالت الكنيسة القبطية: " تؤكد الكنيسة رفضها واستنكارها للأحداث الجارية بين الطرفين الفلسـطيــني والإسـرائيـلي والتي أدت وتؤدي - بكل أسف - إلى إزهـاق مئات الأرواح وإصـابة الآلاف، من بينهم كثير من المدنيين الأبرياء.

وتابعت، أن العــنف لا يثمر سوى عـنفًا مماثلًا ومزيدًا من القــتل والدمـار، لذا ندعو كافة الأطراف إلى الاحتكام للعقل واللجوء إلى لغة الحوار والتفاوض، حقنًا للدماء، وحفاظًا على حياة الإنسان التي هي أهم وأثمن مما عداها من القيم والأهداف.

واختتمت بالقول: "وتشيد الكنيسة بجهود التهدئة التي تقوم بها الدولة المصرية بين طرفي النزاع للوصول إلى حل سياسي يحفظ حقوق الشعب الفلسـطيــني ويحقق السلام المنشود."

 

من جانبها، أعلنت الكنيسة الإنجيلية في مصر برئاسة الدكتور القس أندريه زكي، عن موقفها تجاه الأحداث الجارية، حيث ثمنت الدور الوطني الذي يقوم به التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي بتقديم الدعم الفوري والإغاثة الإنسانية لدولة فلسطين الشقيقة، وهو ما يتم بشكل مستمر في إطار دعم وتضامن جمهورية مصر العربية تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق لتخفيف حدة  أحداث العنف الذي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا والمصابين.

وقالت التدخل المصري في محاولة وقف العنف ودعم وإغاثة الفلسطينيين هو الأكثر عقلانية، وموقف الدولة المصرية والقيادة السياسية في ظل تصاعد العنف يؤكد حرصها على سلامة البشر، والحفاظ على الأرض، أكثر من أي شيء آخر، كما يعكس علاقة الشعب المصري بالشعب الفلسطيني التاريخية، والتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي يمتلك القدرة على الإغاثة الإقليمية".

وأضافت انطلقت القوافل الشاملة للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي وحياة كريمة، والتي تضم قرابة 106 قاطرات محملة بكميات ضخمة من المساعدات الإنسانية تتضمن ألف طن من المواد الغذائية واللحوم و40 ألف بطانية بجانب ما يزيد علي 50 ألف قطعة ملابس وأكثر من 300 ألف علبة من الأدوية والمستلزمات الطبية، وذلك لدعم الأشقاء في فلسطين جراء أعمال العنف التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

 

وقالت مارجريت صاروفيم، رئيس قطاع التنمية المحلية بالهيئة الإنجيلية، وعضو التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي: "إن الهيئة الإنجيلية ساهمت بنحو 42 طنًّا من المواد الغذائية الجافة، والتي تخدم حوالي 5000 أسرة، وذلك لدعم الأشقاء في فلسطين".

وإلى جانب ذلك، شكلت كنائس ورؤساء كنائس القدس لجنة طارئة حول الأزمة الإنسانية التي تمر بها بلادهم، حيث أعلنوا عن موقفهم تجاه ما يحدث من مسلسل قتل الأبرياء والمدنيين، ودعوا لوقف الصراع والقتال.

وقالت اللجنة في بيان لها: «أرضنا المقدسة الحبيبة تغيرت بشكل كبير خلال الأسبوع المنصرم، ونشهد حاليًا دورة جديدة من العنف مع هجوم غير مبرر على كافة المدنيين؛ إن التوترات مستمرة في الارتفاع والمزيد من الأبرياء والضعفاء يدفعون ثمنًا باهظًا كما يظهر بوضوح من العدد المروع للضحايا وكمية الدمار في غزة».

وتابعت: «إن أمر إخلاء شمال غزة وطلب نقل 1.1 مليون شخص؛ بما في ذلك جميع أفراد رعايانا المسيحيين هناك؛ إلى جنوب القطاع خلال 24 ساعة سيعمق الكارثة الإنسانية المهولة اصلًا، أهل غزة جميعًا محرومين من الكهرباء والمياه وإمدادات الوقود والطعام والدواء، وفقًا لمصادر الأمم المتحدة؛ نزح نصف مليون شخص بالفعل بسبب تدمير منازلهم. والعديد من المدنيين في غزة اوضحوا لنا أنه ليس هناك سُبُل واقعية تُمكنهم من الإجلاء بأمان في أي اتجاه"

وأكملت: ندعو المجتمع الدولي لدخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة حتى يتمكن الآلاف من المدنيين الأبرياء الحصول على العلاج الطبي والإمدادات الأساسية. علاوة على ذلك؛ ندعو جميع الأطراف إلى تهدئة هذا الصراع من أجل إنقاذ حياة الأبرياء مع الالتزام بأسس العدالة".

واختتمت اللجنة بيانها بالقول: «تضامنًا مع جميع الذين عانوا في هذا الصراع والعائلات التي تتألم بسبب العنف ندعو رعايا كنائسنا وجميع محبي الخير في جميع أنحاء العالم إلى الصوم والصلاة يوم الثلاثاء القادم، ما زال هناك وقت لوقف الكراهية".

وقال المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس لـ"البوابة نيوز": "ما يحدث حاليا في غزة انما هي نكبة جديدة ومخطط يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، اغيثوا غزة وكونوا معهم في هذه الاوقات العصيبة، ارفعوا ايديكم عن غزة فشعبنا هناك لا يستحق هذه القساوة والهمجية؛ فليتوقف العدوان حقنا للدماء ووقفا للدمار والخراب. 

وتابع، إن الجرائم المروعة التي ترتكب بحق أهلنا في قطاع غزة إنما هي وصمة عار في جبين الإنسانية، نقف الى جانب كل المكلومين والمتألمين والمحزونين ونتمنى بأن تتوقف هذه الحرب بأسرع ما يمكن حقنا للدماء ووقفا للدمار ووقفا للمآسي الإنسانية، شهداءنا ليسوا أرقاما وأضحى الناس مكبلين امام شاشات التلفزة يشاهدون ما يحدث في غزة ولكن اهلنا هناك هم الذين يعانون وهم الذين يتألمون ومعهم شعبنا كله وكافة الأحرار من أبناء أمتنا وأصدقائنا في مشارق الارض ومغاربها.

وقال حنا ، اوقفوا هذه الحرب فكفانا دماء وخرابا ونحن لم نكن في يوم من الايام دعاة حروب وعنف وما تحتاجه هذه الارض المقدسة هو ان تتحقق العدالة فيها والحروب لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان توصلنا الى هذه العدالة التي طال انتظارها، خراب ودمار وقتل للمدنيين والابرياء ومنهم الاطفال وهذه المشاهد المروعة نتمنى ان تحرك المشاعر الانسانية وان يتحرك من عندهم ضمير انساني نصرة لهذا الشعب وحقنا للدماء.

وأكمل، نقف الى جانب كل مبادرة وكل جهد يبذل من اجل وقف الحرب فيحق لأهلنا في غزة ان يعيشوا في هدوء وطمأنينة وليس في حالة حرب وخوف كما هم اليوم وكما كانوا ايضا في الحروب الماضية، كان الله في عون أهلنا في غزة وفي سائر أرجاء فلسطين فالاعتداءات في كل مكان وخاصة في القدس التي هي مفتاح السلام ولا يمكن ان يكون سلام حقيقي بغياب العدالة في القدس وفي سائر أرجاء هذه الأرض المقدسة.

وأضاف المطران عطالله حنا: نوجه نداء حاراً لعله يصل الى حيثما يجب أن يصل بأن يتم العمل بشكل أكبر من أجل وقف هذا العدوان حقنا للدماء ووقفاً للخراب، فشعبنا الفلسطيني لا يستحق أن يعامل بهذه القسوة وبهذه الهمجية غير المسبوقة والتي إن دلت على شيء فهي تدل على همجية وفاشية المعتدين الذين لا يؤمنون بأية قيمة إنسانية أو أخلاقية نبيلة، نطالب الحكام العرب والأقطار العربية وشعوبها كافة بأن يتحركوا نصرة لشعبنا وأن يعملوا من أجل وقف هذا العدوان وفي كل يوم يمر يزداد الدمار والخراب وقتل الابرياء المدنيين الآمنين.. صور مروعة ومشاهد مؤلمة يراها العالم بأسره في غزة نتمنى أن تحرك الضمائر الحية ونتمنى وأن يقوم الجميع بدورهم المأمول في ردع المعتدين ووقف العدوان والوصول الى وقف اطلاق النار، كان الله في عون أهلنا في غزة فأهلنا هناك عانوا من الحروب والاعتداءات المتتالية خلال السنوات المنصرمة وقد أتى هذا العدوان الأخير لكي يحرق الاخضر واليابس، إنه دمار شامل وقتل مبرمج لشعب أعزل، أناشد المرجعيات الدينية كلها والحقوقية والانسانية ان تتحرك اليوم، اليوم وليس غداً نصرة لأهلنا في غزة ومن أجل ايقاف هذا العدوان الغاشم.

 

في سياق متصل قامت، كنيسة القديس بورفيريوس التاريخية في غزة بإيواء المتضررين والمشردين والمنكوبين من أهالي غزة جراء الهجوم الغاشم من قبل القوات الإسرائيلية، حيث قالت الكنيسة أن أبوابها ومعها الدير المجاور لها والقاعات والمرافق الأخرى فتحت أبوابها من أجل إيواء أهلنا في غزة الأبية التي تتعرض لعدوان غاشم، وناشدت الكنيسة أصحاب المحلات التجارية والسوبر ماركت في مدينة القدس وضواحيها، بعدم استغلال الأوضاع الراهنة ويرفعون أسعار المؤن والمواد الغذائية وسواها من الأمور التي يحتاجها الناس.

كما كشف المطران عطالله حنا جهود كنيسة بورفيروس قائلاً: "كان هناك جهة خارجية طلبت من المطران الكسيوس والأب سيلا طلبت منهم في أول أيام الحرب بأن يخرجا من غزة من أجل الحفاظ على سلاماتهما وبأنه سوف يتم تأمين عملية الخروج الآمن لهما ولكنهما رفضا هذا العرض وقالا بأننا لن نترك كنيستنا ولن نترك شعبنا وأبناء رعيتنا، نحن هنا باقون رغما عن كل التهديدات والصعوبات والمخاطر.

مجلس الكنائس العالمي 

قام مجلس الكنائس العالمي خلال الأيام الماضية بتكثيف عمله في الأراضي المقدسة لمواصلة دعم الجهود من أجل السلام العادل،  بعد اندلاع حرب ما بين اسرائيل وفلسطين؛ فتم نقل أربعة وعشرين مرافقًا مسكونيًا من البرنامج التابع لمجلس الكنائس العالمي في فلسطين وإسرائيل من مواقعهم الأصلية في القدس الشرقية والضفة الغربية لضمان سلامتهم وضمان مشاركتهم دون انقطاع في البرنامج، وبينما سيواصلون عملهم الأساسي من بلدانهم الأصلية، هناك خطط قائمة لاستئناف أدوارهم في الموقع بمجرد أن تسمح الظروف بالعودة الآمنة.

ويقول المجلس إنه لا يزال برنامج خدمة الأراضي المقدسة ثابتًا وعمليًا، مدفوعًا بفريقنا المتفاني في القدس، مدعومًا بالكنائس والشبكات والشركاء المحليين والإقليميين، ويتم تمكينه من خلال الشهادات المباشرة لمرافقينا المسكونيين.

ويقول الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، القس البروفيسور الدكتور جيري بيلاي: "إننا نطلب بشكل عاجل من الطرفين وقف تصعيد الوضع، إننا نشعر بقلق عميق إزاء الصراع بين إسرائيل وفلسطين، والعواقب المأساوية الحتمية لشعوب المنطقة الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء  في أعقاب فترة من التوترات المتصاعدة والعنف في الضفة الغربية والقدس.

وتقول كارلا خجويان، المديرة التنفيذية لبرنامج مجلس الكنائس العالمي: "لقد أثبت مجلس الكنائس العالمي، من خلال انتشاره العالمي، قدرته على التركيز والتكيف في دعم المجتمعات المحلية والكنائس الأعضاء لدينا والشركاء. لقد تم اختبار التزامنا بالمناصرة العالمية من قبل، ونحن نرتقي إلى مستوى التحدي في كل مرة. سنفعل ذلك دائمًا.

في هذه الأوقات الصعبة، دعونا كزمالة عالمية نتحد في الصلاة والعمل. معًا، يمكننا الدعوة إلى وقف العنف، وضمان العدالة والسلام والرخاء للجميع، وإن المحنة الحالية التي تعيشها الأراضي المقدسة، والتي تفطر القلوب بسبب خطورتها، تسلط الضوء على منطقة يائسة من العدالة والهدوء الدائمين.

في عدد البوابة نيوزالمطران عطالله حنا

 

 

 

 

IMG_0865

IMG_0864

IMG_0863

IMG_0862

IMG_0861

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

IMG_0850

IMG_0849

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الدولة المصرية الفلسطينية الرئيس عبد الفتاح السيسي الكنائس القبطية إسرائيل وحماس الوطنی للعمل الأهلی القضیة الفلسطینیة الدولة المصریة أهلنا فی غزة هذا العدوان ا للدماء الله حنا فی القدس من أجل

إقرأ أيضاً:

الدين في خدمة الحرب.. الكنائس على خط المواجهة بين روسيا وأوكرانيا

بعد مضي أكثر من عامين على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، يتبادل البلدان اتهامات من نوع خاص، فمن ناحية تعتبر روسيا تقارب أوكرانيا مع الغرب مروقا على التقاليد الأرثوذكسية وكفرا بها، ومن جهة ثانية تتهم كييف موسكو باستغلال الكنيسة الأرثوذكسية لتحقيق مطامعها الإمبريالية التوسعية.

وفي سعيه لإزالة نفوذ موسكو الروحي في أوكرانيا، صادق فولوديمير زيلينسكي، في 24 أغسطس/آب الماضي 2024، على قانون يحظر المجموعات الدينية المرتبطة بروسيا، ويقصد هنا على وجه الخصوص "كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية" التي تعتبر نفسها فرعا من الكنيسة الروسية وكل توابعها من أبرشيات.

ويمنح القانون الجديد الكنائس المرتبطة بموسكو في أوكرانيا 9 أشهر لإثبات قطع علاقاتها مع الكنيسة الروسية، وإلا ستكون عرضة للإغلاق ومصادرة الممتلكات، ويمهد هذا لانقسام تاريخي في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث يأتي بعد حوالي 4 قرون من تبعية كنائس كييف لكنائس موسكو.

وبعد تصديقه على القانون، اعتبر زيلينسكي أن هذه الخطوة ستعزز استقلال بلاده قائلا إن "الأرثوذكسية الأوكرانية تأخذ اليوم خطوة في اتجاه التحرر من شياطين موسكو".

واختار الرئيس الأوكراني توقيتا رمزيا ذا دلالة للمصادقة على القانون، حيث وقعه بالتزامن مع ذكرى استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي في 24 أغسطس/آب 1991، وذلك لتحقيق أكبر قدر من الحماس والتأييد للقرار في صفوف الوطنيين الأوكرانيين الذين حصلوا مؤخرا على دفعة قوية تمثلت في الغزو الناجح لمنطقة كورسك الروسية.

ويرى مراقبون أن زيلينسكي بات يهتم بالقضية الدينية باعتبارها تشكل أداة مفيدة لتحفيز الأوكرانيين على تبني سياساته، رغم أن الروس يتهمونه بأنه يهودي يدافع عن النازية.

الاستقلال الروحي

يحظى قرار حظر الكنائس المرتبطة بروسيا بتأييد شعبي كبير، فحسب مسح أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في أبريل/نيسان 2024، يعتقد 83% من الأوكرانيين أن الدولة يجب أن تتدخل في أنشطة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، وعلى وجه الخصوص يعتقد 63% أنه يجب حظر الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لروسيا بشكل كلي في أوكرانيا.

فبالنسبة للأوكرانيين، يمثل قرار حظر المؤسسات الدينية المرتبطة بروسيا نهاية تبعية من نوع آخر، وتحقيق استقلال روحي عن موسكو بدأت خطواته عام 2014 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم حين أعلنت حينها بعض الكنائس الأرثوذكسية في أوكرانيا انشقاقها عن الكنيسة الروسية.

وفي عام 2019، كانت الخطوة الأهم نحو تحقيق الاستقلال الديني لأوكرانيا إذ أعلن الزعيم الروحي للعالم الأرثوذكسي البطريرك برثلماوس الأول -ومقره إسطنبول- اعترافه رسميا بكنيسة أرثوذكسية مستقلة مقرها كييف في أوكرانيا.

وحسب تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية في 20 أغسطس/آب الماضي، يعتبر زعيم الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية المستقلة المتروبوليت إبيفانيوس أن القانون الجديد يوفر فرصة "لحماية الفضاء الروحي الأوكراني من نير العالم الروسي".

ويعتبر إبيفانيوس أن "كل المراكز الدينية في روسيا تخضع للسيطرة الكاملة من الكرملين الذي ينشر أيديولوجية العالم الروسي التي تعتبر الحرب ضد أوكرانيا حربا مقدسة، لذلك فتدمير أوكرانيا هو هدف مبرر أخلاقيا بل واجب بالنسبة للقوات الروسية".

القانون الجديد يوفر فرصة "لحماية الفضاء الروحي الأوكراني من نير العالم الروسي 24 (شترستوك) ملاحقات دينية

ورغم أن الكنائس الأرثوذكسية المستهدفة بالقانون كانت قد أعلنت انفصالها عن بطريركية موسكو مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، لكن المسؤولين الأوكرانيين كثيرا ما يتهمون رجال الدين في تلك الكنائس بالإبقاء على ولائهم لروسيا.

ومما عزز شكوك الأوكرانيين انضمام العديد من أعضاء الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في الأراضي التي تحتلها روسيا إلى الجانب الروسي.

وأوردت الصحفية "داريا تاراسوفا" -في مقال لسي إن إن نشر في 25 أغسطس/آب 2024- أن جهاز الأمن الأوكراني يعتبر أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تزال تدور في فلك موسكو وتنشر الدعاية المؤيدة لها.

ومنذ بداية الحرب فتح جهاز الأمن الأوكراني تحقيقات جنائية ضد أكثر من 100 رجل دين من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، وقد تم بالفعل توجيه الاتهام إلى حوالي 50 شخصا وصدرت أحكام على 26 منهم.

ووفقا لتلك التحقيقات، دافع رجال الدين المدانون في خطبهم عن الحرب الروسية والاستيلاء على أجزاء من أوكرانيا، وحاولوا إقناع أتباعهم بالذهاب إلى ساحة الحرب لمساعدة الروس.

ويعتبر مراقبون أن القرار الجديد سيمنح السلطات الأوكرانية ذريعة قانونية "للتنكيل بقساوسة وكهنة الكنيسة المحظورة ومصادرة عقاراتهم وأديرتهم والزج بهم في السجون بتهم التجسس والتخابر مع العدو".

تدمير الأرثوذكسية

رغم التأييد الداخلي الكبير الذي حظي به القانون، ثمة ناطقون بالروسية في أوكرانيا يمثلون خمس سكان البلاد يرفضون التخلي عن تبعيتهم الدينية لموسكو، فهم يريدون الاستمرار في العبادة بالروسية بينما تعتمد الكنيسة الأوكرانية المنشقة عن موسكو العبادة باللغة الأوكرانية.

ونقل تقرير شبكة "سي إن إن" عن أحد أتباع الكنيسة الأرثوذكسية المستهدفة في كييف استياءه من التحركات الأخيرة ضد كنيسته قائلا إن "الحكومة تتسلل الآن إلى روحي، والصواب أن الأمر متروك لي لاتخاذ قرار بشأن كيفية صلاتي.. لقد جن جنونهم تماما".

وفي المقابل، يرى محللون أن القانون سيعطي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأساقفته حججا إضافية لجعل حربهم ضد أوكرانيا حرب عقيدة وحملة صليبية لـ"إنقاذ إخوتهم في الدين مما تسلط عليهم من ظلم".

فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن أوكرانيا تحاول "تدمير الأرثوذكسية الحقيقية"، كما أدانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية القانون، واعتبره المتحدث باسمها فلاديمير ليغويدا أفظع انتهاك لحرية الضمير وحقوق الإنسان.

وأضاف ليغويدا أن القانون يخلق "أساسا قانونيا للتصفية الكاملة لأبرشيات الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي توحد غالبية الأوكرانيين". وحذر من أن تنفيذ هذا القانون من شأنه أن "يؤدي إلى أعمال عنف جماعي ضد ملايين المؤمنين".

محللون: القانون سيعطي لبوتين وأساقفته حججا إضافية لجعل حربهم ضد أوكرانيا حرب عقيدة  (الفرنسية) عواقب بعيدة المدى

وفي دراسة -نشرت في الرابع من سبتمبر/أيلول 2024 لمركز كارنيغي في برلين لشؤون روسيا وأوراسيا- يرى الباحث في التاريخ السياسي الأوكراني كونستانتين سكوركين أن عواقب حظر الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو قد تكون أكثر خطورة مما يبدو أن كييف تدركه، معتبرا أنه ستكون للقرار عواقب وخيمة بعيدة المدى على أوكرانيا داخليا وخارجيا.

ويوضح كونستانتين أن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو تعد أكبر كنيسة في البلاد حيث تتبع لها 10 آلاف و587 أبرشية مقارنة بـ8075 أبرشية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة، وبالتالي فتنفيذ القانون الجديد يعني أن أتباعها سيجبرون على ممارسة أنشطتهم الدينية بشكل سري، ولا يعرف حقيقة ما يترتب على ذلك، وفي كل الأحوال ستواجه كييف تهمة ممارسة الاضطهاد الديني.

ويرصد كونستانتين أن الأبرشيات التي حولت ولاءها من الكنسية التابعة لموسكو إلى كنيسة أوكرانيا المستقلة منذ بداية الحرب هي 685 أبرشية فقط معظمها في وسط وغرب البلاد، أما في الجانب الموالي لروسيا -حيث تشتعل الحرب- فقد كان التحول ضئيلا (حالتان في منطقة أوديسا، وواحدة في منطقة دنيبروبيتروفسك، ولم يحدث أي تحول في منطقة خاركييف).

ويعتبر كونستانتين أن الضغوط القانونية التي تمارس على الكنيسة الأرثوذكسية المتهمة بالعمالة لموسكو قد تحولها إلى منظمة معادية بشدة لكييف وهو ما قد تترتب عليه بعض المخاطر.

الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو تعد أكبر كنيسة في البلاد إذ تتبع لها 10 آلاف و587 أبرشية (شترستوك) طفرة في التدين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي

كشفت المعطيات الإحصائية أن انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي قمع الدين بلا رحمة، أدى لانتشار كبير للممارسات الدينية في العديد من الدول التي خرجت من رحم ذلك الاتحاد.

فبحسب استطلاع رأي أجراه مركز بيو للدراسات وتم نشره في 2022، فإن 71% من الروس يعتبرون أنفسهم أرثوذكسيين، إلى جانب 78% من الأوكرانيين، و73% من البيلاروسيين و92% من المولدوفيين.

ولقد أكسب هذا الانتشار الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ثقة كبيرة وباتت تنظر إلى نفسها باعتبارها مستودعا للهوية الوطنية الروسية، وباعتبار كنيسة موسكو زعيمة للكنائس الأرثوذكسية الأخرى.

وقد ساعد في تكريس هذه النظرة إقرار الرئيس الروسي بوتين قوانين تستهدف الأقليات الدينية غير الأرثوذكسية بالغرامات والاعتقالات والمصادرات والاتهامات الجنائية.

ويضم ما يسمى "المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية" بالإضافة إلى أساقفة روسيا مجموع أساقفة أوكرانيا وبيلاروسيا ومولدوفا وكازاخستان وأوزبكستان.

كهنة ومؤمنو الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو خلال قداس عيد الفصح الأرثوذكسي 2023 (شترستوك) عقيدة "العالم الروسي"

سارعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى التحالف مع نظام بوتين خصوصا منذ انتخاب كيريل "بطريركا لموسكو وكل روسيا" في عام 2009.

وبحسب دراسة لمركز دراسات تابع للبرلمان الأوروبي 2022، فقد وضع نظام بوتين بالاشتراك مع الكنيسة على مدى العقود الماضية عقيدة تعرف بـ"العالم الروسي" تتصور دورا لروسيا في إنقاذ الحضارة المسيحية من الغرب المنحط من خلال نشر اللغة والثقافة والقيم الروسية، وإعادة الهيمنة على البلدان التي كانت في السابق ضمن الاتحاد السوفياتي، وممارسة النفوذ في جميع أنحاء العالم الأرثوذكسي والمسيحي الأوسع.

وقد أنشأ بوتين في عام 2007 مؤسسة "روسكي مير"، التي تنشر هذه الأيديولوجية في جميع أنحاء العالم، بالتعاون الوثيق مع الكنيسة الروسية.

وتكشف هذه العقيدة أن البعد الديني يشكل عاملا رئيسا في حرب روسيا على أوكرانيا، والتي لفتت الانتباه أيضا إلى العلاقة الوثيقة بين نظام بوتين والكنيسة الروسية، حيث دعمت الأخيرة حرب بوتين بقوة، وكانت على الدوام تقدم مبررات لاهوتية وأيديولوجية لسياساته الداخلية والخارجية.

وحسب الدراسة الأوروبية، فقد ساهم النهج السياسي الصريح للكنيسة الروسية في انقسامات عميقة داخل العالم الأرثوذكسي الأوسع، بما في ذلك انفصال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، والتوترات الكبيرة مع بطريركية القسطنطينية المسكونية التي تمثل الزعامة الروحية للكنائس الأرثوذكسية.

بوتين الرئيس الروسي (وسط) وبجانبه على اليسار كيريل بطريرك موسكو وكل روسيا (رويترز) روسيا الأرثوذكسية الكبرى

وكان بوتين نفسه قد نشر مقالا طويلا في يوليو/تموز 2021 بعنوان "الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين" وضع فيه رؤيته لما يسميه روسيا الكبرى، إذ زعم أن الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين هم نفس الأشخاص الذين يعتبرون كييف "منبع معموديتهم المشترك" منذ تحول أمير كييف فولوديمير (باللغة الأوكرانية وفلاديمير بالروسية) من الوثنية إلى المسيحية في عام 988.

ويوضح بوتين أن أعداء روسيا "يقعون إلى الغرب"، وكما سعوا خلال القرن الـ16 إلى غزو الأراضي الروسية بالبولونيين واللاتينيين ومحاربة الأرثوذكسية، فإنهم يعيدون الكرة بدعمهم للنظام الأوكراني الحالي وتأييدهم انشقاق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن روسيا.

وبالنسبة لبوتين، فإن الهوية الأوكرانية أو الدولة الأوكرانية "ليس لها أساس تاريخي" وإنما هي أداة جيوسياسية يستخدمها الغرب لإضعاف روسيا، ويصف الرئيس الروسي قادة أوكرانيا الحاليين بأنهم "متطرفون ونازيون جدد".

وفي المقابل، تحدثت دراسة أعدها الباحث الأميركي مايكل روبين، لمعهد إنتربرايز في فبراير/شباط الماضي تحت عنوان "حرب روسيا دينية أيضا"، عن أن منظمات مجتمع مدني وثقت -ما وصفته- بالاضطهاد الديني في المناطق التي احتلتها روسيا في شرق أكرانيا.

ويمكننا أن نخلص من الدراسات السابقة أن الدين كان وما زال عاملا مؤثرا في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية سواء من حيث الإعداد لها وتسويغها أو استمرارها، وهو في الحقيقة أمر ليس جديدا في الحروب الأوروبية الداخلية، لكنه يؤكد زيف كثير من الادعاءات الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الدينية والابتعاد عما تتهم به شعوب أخرى من استغلال للدين لأغراض سياسية.

مقالات مشابهة

  • الدين في خدمة الحرب.. الكنائس على خط المواجهة بين روسيا وأوكرانيا
  • بعد أن أثارت ضجة واسعة بتصريحاتها الأخيرة بشأن الشقة التي كانت تسكن فيها وتمت زيادة الإيجار لها.. الممثلة المصرية مروة عبد المنعم: “ما قولتش أنه هيأجرها للسودانيين”
  • تفاصيل لقاء ممثلي الكنائس الأرثوذكسية حول العالم بدير الأنبا بيشوي
  • بطل الإيمان الأرثوذكسي.. الكنيسة القبطية تحيي ذكرى وفاة "البابا ديسقورس"
  • البابا تواضروس يشهد لقاء ممثلي الكنائس الأرثوذكسية حول العالم (صور)
  • وكأن المحن التي تعصف بهم ليست كافية: انتشار القوارض والحشرات يهدد صحة الفلسطينيين في غزة
  • دعاء زهران: القضية السكانية واحدة من أهم التحديات التنموية التي تواجه الدولة المصرية
  • الخميسي: نستبعد بأن يكون هناك حل على المدى القريب لأزمة المركزي
  • حسني بي: على الجميع تحمل مسؤولياتهم وادراك خطورة الواقع وما قد ينتج عن أزمة المركزي
  • المنسقة الأممية الشؤون الإنسانية بالسودان: العنف في الفاشر يجب أن يتوقف فوراً