قد نختلف على ترقية فى العمل، أو تشجيع فريق كرة قدم أو عبور الطريق أولاً، لكن على حب الوطن... مستحيل.

تأتى الأزمات لتكشف عن معدن «المصرى» الحقيقى، أصله الطيب وشجاعته وجدعنته، يلبى النداء قبل الطلب، ويتصدر الصفوف حين الحاجة، ويضحى بالغالى والنفيس دون ندم.

كيلومترات قليلة تفصل شباباً قدموا من شرق مصر لغربها، حاملين من الحب والدعم ما يفوق المؤن الغذائية والطبية، بخلاف دعوات وصلوات حمّلها لهم الملايين، الذين لم يحالفهم الحظ لمرافقة المتطوعين فى رحلتهم إلى معبر رفح، فى محاولة لفك كرب أشقائنا فى غزة.

ملحمة وطنية، لم تفرق بين شاب وفتاة، كشفها المتطوعون على الحدود المصرية، بداية من التجهيز لقوافل التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، التى ضمت 100 شاحنة، وعمليات التعبئة والتغليف، مروراً بالسهر ومواصلة الليل بالنهار والمبيت فى الشارع، خلال رحلة بدأت السبت من القاهرة إلى العريش، وانتهت فجر أمس أمام معبر رفح، ليتلاشى كل شعور بالتعب، ويحل محله فخر وأمل فى توصيل الأمانة.

«مصر الخير»  

محمد راجح، مسئول مؤسسة مصر الخير فى محافظة شمال سيناء، يرافق مئات الشباب الذين ينتظرون أمام المعبر، غير عابئين بالجهد المبذول فى ترتيب جميع الشاحنات سواء من المواد الغذائية سريعة التحضير أو المؤن إلى جانب شاحنات الأدوية: «منذ بداية صدور التكليف للتحالف الوطنى بدأنا العمل على مدار 24 ساعة متواصلة بفرق تطوعية من الشباب والفتيات والأطفال بسرعة تجهيز المساعدات وسط حماس كبير من كل اللى شارك»، وبإصرار يصف «راجح» حماس الشباب فور صدور قرار التحرك بالعربات، فبادروا بمرافقة السيارات وحتى معبر رفح، تعبيراً منهم عن تأييد القضية الفلسطينية، والقيادة السياسية الحكيمة: «الشباب ما فكروش فى أى مخاطر وقرروا يشتغلوا لحد آخر وقت ودخول المساعدات لغزة».

«القضية لم تعد قضية غزة أو فلسطين وإنما أصبحت قضية إنسانية»، ذلك شعور راجح الذى يرى أنه يجب أن يكون هذا الموقف هو موقف كل شخص يشاهد تلك المآسى التى ترتكب ضد الأطفال والسيدات والشيوخ واستهداف مباشر للمدنيين بقصد إبادة قطاع غزة ومنع كل الخدمات عنهم من ماء وكهرباء وغاز. 

«التحالف الوطنى»

رغم تجاوز محمد سالم منصور، أحد القادة المتطوعين فى التحالف الوطنى، عمر الخمسين، فإنه أصر على العمل ليل نهار مع الشباب لسرعة إنهاء تجهيز المساعدات ودخولها قطاع غزة، ليعتبر أن قضية فلسطين هى قضية مصر التى لم تتخل عنها طوال السنوات الماضية بدءاً من عام 1948 وحتى الحرب الأخيرة فى عام 2020، مشيراً إلى أن شمال سيناء دائماً هى «الخط الأول فى دعم الفلسطينيين فى غزة».

ينتظر «سالم» وأهالى شمال سيناء فتح المعبر: «فور دخول المساعدات وقدوم المصابين من غزة، فإن جميع الأهالى على أتم الاستعداد لفتح منازلهم لأهالى المصابين، لاستقبالهم كما اعتادوا خلال السنوات الماضية دعماً منهم للقضية الفلسطينية، نحن مستمرون فى العمل ليل نهار لتوصيل المساعدات لأهالينا فى غزة، ولن نتحرك أو نتراجع إلا بعد دخول المساعدات ووصولها إلى القطاع المحاصر».

«صُناع الحياة»

«إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة، فليغرسها»، هكذا أمرنا ديننا الحنيف، وعليها اجتمع «عبدالرحمن» ومتطوعو مؤسسة «صُناع الحياة» على قلب رجل واحد، أعدوا العُدة، وانطلقوا من القاهرة صوب معبر رفح، وفى قلوبهم مشاعر مختلطة بين الحب والحماس وأيضاً الترقب. يحكى المهندس عبدالرحمن حبت، مدير برامج الاحتياجات الأساسية والدعم الاقتصادى بمؤسسة صناع الحياة، أن الملحمة بدأت الجمعة الماضى: «بدأنا نجهز المساعدات ونغلفها ونعبئها، من 12 ظهراً حتى نفس التوقيت فى اليوم التالى».

فى الـ11 صباح السبت، تحركت القافلة من القاهرة، ووصلت إلى العريش فى الـ9 مساء، ولم تكن الرحلة سهلة، فى رأى «عبدالرحمن»: «تحرك 100 قافلة معاً شىء صعب، وهناك استراحات ولجان مرورية، وبعد الوصول للعريش الحافز المعنوى ارتفع، انتظرنا فى العريش الأحد والاثنين، واستغلينا الوقت فى إعادة تحميل الشاحنات علشان ندخل المعونات بسلام».

ربما كنا فى حاجة تُرجعنا لفطرتنا وأصلنا الطيب، يقولها «عبدالرحمن»، مشيداً بدور جميع المتطوعين، الذين لم يتقيدوا بمؤسساتهم، وشاركوا فى صنع الخير ومساعدة بعضهم البعض. الخطوة قبل الأخيرة جاءت مساء الاثنين، وتحديداً فى الواحدة صباحاً، بالموافقة على الانتقال إلى معبر رفح، ووصلنا بالفعل فى الرابعة فجراً، ووقتها تلقينا بشرى من السماء، بنزول الأمطار، والأمور سارت بشكل سلس».

«صُناع الخير» 

على حدود بلد أنهكه الحرب، وقف مع زملائه المتطوعين ينتظرون إشارة البدء لإدخال المساعدات لأشقائهم الجرحى، يتكئ كل منهم على الآخر، لا يدخرون جهداً فى تقديم المساعدة والدعم. منذ مساء السبت الماضى، انطلق «محمد صابر» من القاهرة فى اتجاه مدينة العريش المصرية بمحافظة شمال سيناء، بصحبة قوافل المساعدات التى تبرعت بها مؤسسة صُناع الخير، عضو التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، وتحت مظلة مبادرة حياة كريمة، إلى معبر رفح الحدودى مع غزة.

قضى الشاب العشرينى، الذى يعمل إدارياً فى مؤسسة صُناع الخير، ليلته بصحبة ثلاثة شباب، فى وضع المساعدات فوق قواعد خشبية لحمايتها من الاصطدام بالأرض، وفرز المساعدات عن بعضها، ثم بدأوا عملية التغليف بالمواد العازلة لحمايتها.

منذ الثانية من صباح اليوم، انطلق «صابر» والمتطوعون معه فى موكب «تريلات» المساعدات من أرض العريش وصولاً إلى معبر رفح، عند نقطة التسليم المتفق عليها بين التحالف الوطنى المصرى والهلال الأحمر الفلسطينى، فى رحلة قطعوها فى ساعتين من الزمن تقريباً: «أول مرة أتطوع فى مساعدات حرب، وحبيت أشارك عشان أقدم أى مساعدة لإخواتنا فى فلسطين».

«بنك الطعام المصرى»

ينتظر عمار صلاح، الشاب السيناوى، وقائد إحدى الفرق التطوعية فى بنك الطعام المصرى، رفقة أكثر من 200 شاب وفتاة، الهدنة الإنسانية لإدخال المساعدات، والذى اعتبر وصول المساعدات إلى معبر رفح فى الساعات الأولى لصباح الثلاثاء هو الخطوة الأولى التى انتظرها مئات الشباب من العاملين فى مؤسسات التحالف الوطنى ممن عملوا على ترتيب وتجهيز المساعدات خلال الأيام الماضية، وبكل حماس يؤكد رسالتهم: «المساعدات هى جزء بسيط جداً تجاه أهلنا فى قطاع غزة، وإن شاء الله تصل لهم على خير خلال الساعات المقبلة بعد الجهود الكبيرة التى تبذلها مصر وقيادتها السياسية على مر الأيام الماضية لفك الحصار عن القطاع». 

أنا بنت مصر ملحمة نسائية على حدود «رفح»: «مكانّا مش فى البيت»

المستحيل لا يدخل قاموس بنات حواء، وإذا عزمن على الجهاد كنّ أول المقبلات، يزاحمن الرئهن لإيصال المساعدات الغذائية والطبية والمعيشية للأشقاء الفلسطينيين، نمن فى الشارع، ووقفن بالساعات أمام معبر رفح، انتظاراً لفتحه وعبور المساعدات.

الشيماء الإمام لا ترى فى سفرها إلى رفح تطوعاً، لكنه واجب عليها كمصرية أولاً وكمسئولة عن مؤسسة «أبشر» الخيرية، ضمن المؤسسات المشاركة فى التحالف الوطنى لإغاثة أهالى غزة، فقد سافرت رفقة فتاة أخرى ضمن أعضاء المؤسسة من الرجال، دون اعتراض من أهلها: «أخويا سافر معايا ضمن الفريق، وأهلنا استودعونا لله، وكانوا بيدعمونا واتبرعوا كمان». فى الطريق من القاهرة إلى رفح لم تغادر «الشيماء» فريقها، وعند وصولها إلى العريش استغاثت بالأهالى لمساعدتهم فى توفير «طبالى» لحمل الأغذية عليها؛ لكونها المسموح لها بالعبور عند الفتح: «لما نزلت بوست إنى محتاجة طبالى علشان نحط عليها المساعدات علشان ينفع تدخل رفح، لقيت أكتر من 100 شخص فى دقايق بيقدم العون، لقيت كتير بيقدم خير أكتر، ولقينا العربيتين دول جايين بالكميات دى فى عز إن الطريق مقطوع والدنيا ضلمة علشان يجيبوها، ألف شكر لأهل العريش والشيخ زويد على كرمكم ولطفكم، ربنا يبارك فيكم ويجعلكم أهل خير دايماً وأبداً.. المصريين أجدع شعب فى الدنيا».

ومن الشعب الجدع تقف حليمة سالم، إحدى فتيات مدينة بئر العبد بشمال سيناء، على قدميها منذ 3 أيام، تعمل فى تجهيز المساعدات فى شاحنات التحالف الوطنى، وسط أكثر من 200 سيدة وفتاة تطوعن للعمل فى ساحة الصالة المغطاة فى مدينة العريش، ومن ثم انتقلن فجر أمس إلى معبر رفح مع السيارات والشاحنات.

كانت مهمة «حليمة» هى تغليف كل المواد الغذائية، وإعداد كراتين من المواد سريعة التحضير، بسبب صعوبة الأوضاع فى غزة لتتمكن الأسر من استخدامها فى أسرع وقت، وتحكى «حليمة» عن رفض السيدات والفتيات البقاء فى العريش، وقررن التوجه إلى معبر رفح: «بنوصل رسالة إننا هنا على قلب رجل واحد، نساء ورجال، شباب وفتيات، من أجل غزة، من أجل القضية الفلسطينية، ملف القيادة السياسية التى تعمل ليل نهار لفك الحصار عن قطاع غزة».

والسيدات اللاتى لم يتمكن من الحضور إلى رفح عملن من المنازل فى مدينة العريش؛ لتجهيز الطعام للعاملين من الشباب والفتيات على مدار اليوم، فى ملحمة جديدة لأبناء سيناء كعادتهم طوال السنوات الماضية فى دعم القضية الفلسطينية، وتروى «حليمة» عن الغائبات الحاضرات: «ماقدروش ييجوا لكنهم كانوا حاضرين معانا بمجهودهم ودعائهم». 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة فلسطين متطوعة حملة التحالف الوطنى إلى معبر رفح شمال سیناء من القاهرة قطاع غزة فى غزة

إقرأ أيضاً:

جدل واسع يصاحب لوحة إشهارية تحث الشباب على التمسك بالوطن وعدم الهجرة غير الشرعية

أخبارنا المغربية - عبد المومن حاج علي 

في خطوة تهدف إلى تعزيز الروح الوطنية والولاء للوطن، ظهرت مؤخرًا في الفضاءات العمومية لوحة إشهارية تحمل رسائل قوية تحث الشباب على عدم الهجرة غير الشرعية، موجهة الأنظار إلى ضرورة التشبث بالوطن حتى في أحلك الظروف.

وجاءت اللوحة في إطار مبادرة لترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، حسب الجهة التي أنشأتها، حيث حملت عبارات تدعو إلى مواجهة التحديات الداخلية بدل البحث عن الهروب إلى الخارج، كعبارة : "وطنك فوق كل شيء ... الفساد والبطالة ماشي سبب باش تهرب!" وعبارة أخرى تقول: "الهروب ماغاديش يحل المشاكل.. الغربة تقدر تخدعك ولكن الوطن هو لي كيبقا معاك حتى في الظروف الصعبة".

غير أن هذه المبادرة، التي تحمل في ظاهرها نية تعزيز التلاحم الوطني، لم تسلم من الانتقادات والجدل الذي أثارته على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تباينت ردود الأفعال بين من يثني على الرسائل الإيجابية التي تحملها اللوحة، وبين من يرى فيها محاولة للتهرب من معالجة القضايا الحقيقية التي تدفع الشباب للهجرة.

وعلقت إحدى الصفحات التي تتناول الشأن التربوي الوطني بطريقة ساخرة على مضمون اللوحة قائلة: "أحد أصدقائي، وهو أستاذ في التعليم الثانوي التأهيلي، حصل على التأشيرة وسافر ولم يعد ولم يفكر حتى في العودة، وهؤلاء يريدون إقناع شخص يستيقظ صباحًا وليس لديه حتى ثمن فنجان قهوة ليبقى في المغرب! بماذا ستقنعونه؟ بالكذب؟ بطمس الحقائق؟ بالتهميش؟ بلغة الخشب؟ يقولون لنا لا تهربو، ولكن الهروب هو الخيار الأمثل...". 

ويعكس هذا التعليق الاستياء الذي يشعر به بعض المواطنين، خصوصًا من فئات تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية خانقة، حيث يعتبرون أن هذه الرسائل لا تعالج الأسباب الحقيقية التي تدفع الشباب للتفكير في الهجرة بل تُظهر الأمور وكأنها مجرد اختيار شخصي مبني على قلة الولاء للوطن.

وعلى الجانب الآخر، جاءت تعليقات داعمة لهذه المبادرة من طرف آخرين يرون أن الوطن يظل هو الحضن الدافئ في كل الظروف، حيث علق أحدهم قائلا: " هذه بلادنا ونحن نحبها في الشدة قبل الأفراح، 'قطران' بلادي خير من عسل البلدان، الحمد لله على نعمة الأمن والأمان والرخاء".

وتعكس هذه التعاليق وجهة نظر فئة عريضة ترى بأن الأوضاع الصعبة ليست مبررًا للتخلي عن الوطن، بل يرون في الهجرة خطوة قد تكون مليئة بالخيبات والمخاطر، خاصة عندما يكتشف المهاجرون واقع الحياة في الغربة.

ويجسد الجدل حول هذه اللوحة بوضوح التباين الكبير في وجهات النظر تجاه موضوع الهجرة غير الشرعية، فبينما ترى الحكومة أو الجهات الداعمة لهذه المبادرة أن الحلول تأتي من الداخل عبر مواجهة التحديات، يرى بعض الشباب المتأثر بالبطالة والفساد أن الأمل قد يكمن خارج الحدود، ليبقى السؤال قائمًا حول كفاية التمسك بالوطن وحده لمواجهة الصعوبات، أم أن الحلول الحقيقية تتطلب تغييرات جذرية تعالج أسباب تلك الصعوبات في المقام الأول.

مقالات مشابهة

  • أحمد بن سعود: الشباب عماد الوطن وقادة المستقبل
  • جدل واسع يصاحب لوحة إشهارية تحث الشباب على التمسك بالوطن وعدم الهجرة غير الشرعية
  • من بغداد إلى بيروت.. رحلة الدواء والأمل وسط نيران الحرب
  • القاهرة الإخبارية: الاحتلال يواصل عرقلة دخول المساعدات الإنسانية لغزة
  • قناة القاهرة الإخبارية: إسرائيل تواصل منع دخول المساعدات إلى غزة
  • بعد رحلة ملهمة.. وفاة الأم المثالية 2022 بشمال سيناء
  • صباح الخير ياوطني
  • في الذكرى الثالثة لرحيله.. مطصفى بكري: المشير طنطاوي تحمل الأمانة بكل صدق وإخلاص
  • إصابة ثمانية أشخاص وأضرار مادية جراء عدوان إسرائيلي استهدف معبر مطربا على الحدود مع لبنان
  • «المؤتمر»: التجربة المصرية في العمل الأهلي فريدة ويحتذى بها