وكأن كل صراخ العالم لا يعني شيئاً للكيان المحتل، الذي ارتكب جريمة إبادة جماعية بحق المئات من الفلسطينيين الذين سقطوا بين شهيد وجريح، في قصف همجي وحشي على مستشفى في قطاع غزة، فيما دخل القطاع الصحي في حالة انهيار فعلي بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود.
وفي حصيلة أولية، أفادت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» عن سقوط أكثر من 500 ضحية من النازحين الذين قصفهم الاحتلال في ساحة المستشفى الأهلي المعمداني في وسط قطاع غزة، مشيرة إلى أن هناك مئات تحت الأنقاض.
ويبدو من مقاطع الفيديو التي أظهرت لحظة تعرض المستشفى للقصف، أنه تم قصفه بصواريخ موجهة استهدفت وسط المستشفى تحديداً، مما تسبب بمجزرة كبيرة مع وجود آلاف من النازحين والعديد من العائلات التي لجأت إليه بصفته مكاناً آمناً.
وفيما يتواصل الحراك الديبلوماسي العالمي، دعت دول الخليج المجتمع الدولي إلى عدم التعامل بازدواجية بشأن الوضع في غزة، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن القانون الدولي للرد على ممارسات الحكومة الإسرائيلية غير القانونية وسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها ضد سكان غزة العزل والشعب الفلسطيني كافة.
وأكد المجلس الوزاري لمجلس التعاون في اجتماعه الاستثنائي في مسقط دعم ثبات الشعب الفلسطيني على أرضه والتحذير من أي محاولات لتهجيره، معلناً تفعيل عملية إغاثة عاجلة لغزة وتخصيص دعم فوري للمساعدات بقيمة 100 مليون دولار.
وشدد وزير خارجية عمان بدر بوسعيدي على أن دول الخليج تتصرف بحكمة وعقلانية وتتدرج في الجهود السياسية والديبلوماسية، وتركز على وقف العمل العسكري وإيصال المساعدات للشعب الفلسطيني الشقيق، مشيراً إلى أن «هدفنا هو احتواء الصراع وعدم السماح بتوسعه أو بتدخل أي أطراف أخرى فيه».
وقال الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي إن المجلس الوزاري طالب بوقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار عن غزة فوراً.
وأضاف رداً على سؤال صحافي إن دول مجلس التعاون تعمل بكل شفافية ووضوح وتحافظ على أمن الطاقة كونها شريكاً للمجتمع الدولي ولا يمكن استخدام النفط كسلاح.
المصدر: الراي
كلمات دلالية: فلسطين
إقرأ أيضاً:
د. إبراهيم نجم يكتب: في وداع البابا فرانسيس خادم الإنسانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
برحيل البابا فرانسيس، فقد العالم صوتًا استثنائيًا وحضورًا مضيئًا تجاوز الحدود الدينية والثقافية. لقد كان البابا فرنسيس، الذي غادر عالمنا مؤخرًا، أكثر من مجرد زعيم ديني؛ كان خادمًا حقيقيًا للإنسانية جمعاء، ونموذجًا نادرًا في التفاني والتواضع والشجاعة الأخلاقية.
بصفتي مستشارًا لفضيلة مفتي الديار المصرية، لطالما أُعجبت بقدرة البابا فرنسيس الفريدة على توحيد الشعوب المختلفة تحت راية واحدة هي راية المحبة والتعاطف والاحترام المتبادل. ففي زمن طغت عليه مشاعر الريبة والانقسامات، كان رسالته البسيطة والقوية تذكّرنا دائمًا بإنسانيتنا المشتركة ومسؤوليتنا تجاه الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمعاتنا.
لم يتردد البابا فرنسيس يومًا في مواجهة حقائق عالمنا الصعبة، مثل الفقر المدقع والهجرة القسرية والنزاعات المسلحة وأزمة المناخ. كانت أفعاله نابعة من إيمان عميق وليس مجرد واجب أخلاقي فرضته عليه مكانته. لقد جسّد بحق معنى الرحمة للعالمين التي أشار إليها القرآن الكريم في وصف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”. كان البابا فرنسيس يُعبّر بأقواله وأفعاله عن تلك الرحمة الإلهية التي تتجاوز كل الفوارق الدينية والثقافية والاجتماعية.
إن التزامه الراسخ بالحوار بين الأديان سيبقى من أبرز إنجازات عهده البابوي. لقد آمن البابا فرنسيس بقوة الحوار الحقيقي، ليس كعمل دبلوماسي أو بروتوكولي فحسب، بل كتجربة روحية أصيلة تقود إلى اكتشاف عمق الآخر وغناه الروحي. ولعل اللقاء التاريخي بينه وبين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وتوقيعهما معًا على “وثيقة الأخوة الإنسانية” في أبو ظبي عام 2019 هو خير دليل على هذا الالتزام العميق والأصيل بالسلام العالمي والإخاء الإنساني.
ويتوافق هذا النهج الروحي والإنساني مع الرؤية الإسلامية التي يدعو إليها القرآن الكريم، حين يوجّه المؤمنين قائلًا: “فاستبقوا الخيرات” (سورة المائدة: 48)، مؤكدًا أن التعددية الدينية ينبغي أن تكون مصدرًا للتعاون والتعارف، وليس سببًا للخلاف والشقاق.
بالإضافة إلى أفعاله العامة، تميز البابا فرنسيس بشخصية متواضعة وبساطة نادرة جعلته قريبًا من عامة الناس بعيدًا عن مظاهر الترف التي قد ترتبط أحيانًا بمنصبه. وقد جعلت هذه البساطة الحقيقية من البابا فرنسيس شخصية تحظى بالحب والاحترام ليس فقط لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية، بل لدى مختلف الشعوب والأديان.
واليوم ونحن نستذكر ذكراه العطرة، علينا أن نتأمل في إرثه العظيم الذي تركه للبشرية: تذكير مستمر بأن المحبة الحقيقية والاستماع الجاد والاحترام المتبادل هي أمور ليست ممكنة فقط، بل ضرورية لبناء مجتمع عادل ومسالم وإنساني.
رحيل البابا فرنسيس لا ينبغي أن يكون نهاية عصر، بل بداية جديدة لوعي مشترك حول واجبنا تجاه التضامن العالمي والتعايش الاجتماعي والتواصل الحقيقي بين أتباع الديانات المختلفة. ليكن مثاله مصدر إلهام مستمر لنا جميعًا، يدفعنا نحو مزيد من التعاطف والإنصات والوحدة الإنسانية.
فلتبقَ ذكراه منارةً تضيء لنا درب الأخوة والسلام والتعايش بين كل شعوب الأرض.