الفكر النمطي والعبودية الطوعية
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
تُعد الأفكار النمطية أفكارًا مسبقة، وهى أفكار يفرضها المجتمع على الفرد، بحيث تبدو فى نهاية الأمر وكأنها فطرية، وينسبها المجتمع غريزيًا للأفراد بوصفها اعتقادًا جماعيًا.. تنميط الفكر هو بمثابة أداة استبدادية تنتهك ذهنية الفرد وتقيد حريته وحركته ونشاطه. إن الأفكار النمطية لا تختلف كثيرًا عن المفاهيم الأخرى كالعنصرية والتعصب والتحيز، ولكن المفاهيم النمطية لها أسبقية زمنية عن تلك المفاهيم الأخرى؛ إذ إن المفهوم النمطى لا يتجسد فى فعل مادى مباشر؛ بل يدخل فى تشكيل تصوراتنا الذهنية، وصياغة مفاهيمنا الثقافية.
واللافت للنظر أن الأفكار النمطية تتحكم فى الفرد منذ ولادته، وذلك عن طريق فرض تصورات الآباء ومعتقداتهم على الأبناء، وتنميط رؤيتهم للأشياء والأشخاص والأحداث، وإخضاعهم للعادات والتقاليد السائدة. إنه تنميط يتم تدجينه من قبل الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع، على نحو يصادر حرية التفكير لدى الفرد، ويسعى إلى خلق البعد الإنسانى الأحادي. يقول دوركايم «عندما يتكلم الضمير فينا فليس نحن من نتكلم بل المجتمع»، وبذلك يكون العقل البشرى هو نتاج اجتماعي، وإن الحقائق التى يملكها هذا العقل ويدافع عنها ليست حقائق مطلقة؛ وإنما هى نتائج قولبة فكر الإنسان.مما أسهم فى هشاشة هذا العقل وضعف قدراته على التحليل والفحص والتمحيص؛ وهذه الحالة تسمى «العبودية الطوعية». وإذا حاول الفرد التمرد على تلك الموروثات التلقينية والتفكير بعيدًا عن عادات المجتمع وتقاليده يصبح منبوذًا. إن الأساس الذى تبنى عليه العلاقة بين الفرد فى ظل ثقافة الاستبداد النمطى هى ثقافة تفتقر إلى أبسط مبادئ الحرية.
إن التعصب الدينى الذى لا يستند إلى صحيح الدين؛ بل يتمسك بالفكر الدينى المتوارث؛ مهما بلغت درجة هذا الفكر، وتعارضه مع التطور الإنسانى عبر العصور؛ هو الثمرة المرة للأفكار النمطية. التعصب الدينى هو نمط من الفكر يسعى لإلغاء الآخر وتكوين صورة سلبية عنه؛ مما ينجم عنه إدانة وتكفير كل مختلف عن هذا الشكل الدوجماطيقى المنغلق فى التفكير، لقد إنصاع العقل الجمعى للأساطير الخرافية بوصفها معتقدًا دينيًا، مثل تفسير وتأويل بعض النصوص الدينية التى تتحدث عن السحر والحسد وغيرهما لكى تتماشى مع مصالح رجال الدين، زاعمين - كذبًا وبهتانًا - أن تلك التفسيرات هى من صميم الدين.
لاشك أننا سنكون أيضًا فى مواجهة مجتمع ذكورى محض، الهيمنة فيه ليس للرجال فقط، بل للموروث الفكرى الذكورى بشكل عام حتى بين غالبية النساء. إن فكرة الإيمان بتفوق أصيل لجنس "الرجل" على الجنس الآخر"المرأة" هى فكرة مترسخة فى عقول أفراد مجتمعاتنا الشرقية رجال كانوا أو نساءً. سنجد مثلًا مقولة شعبية عبثية «ست بـ100 راجل» من أكثر المقولات الشائعة فى مجتمعنا التى تبدو فى ظاهرها وصف المرأة بالمروءة والشجاعة والنخوة، فى حين أن جوهرها ينطوى على إهانة كبيرة للمرأة باعتبار الرجل هنا رمزًا للقوة ومكارم الأخلاق. وكثير من الاعتقادات والمقولات التى يروجها لها المجتمع؛ تشير إلى تعزيز الذات الذكورية وتضخيمها، وإعطائها شكل من أشكال القداسة.
لا ريب أن الفكر النمطى يفرز نوعًا من الاستبداد الاجتماعي؛ الذى يؤدى إلى ذوبان الفرد فى الكيان الاجتماعى الخامل الذى يسوده التخلف والخرافة، ومن مظاهر هذا الاستبداد اختزال المجتمع فى الدولة، واختزال الدولة فى شخص الحاكم الذى لا يُسأل عما يفعل!! لذلك تُعد المجتمعات التى يسودها الفكر النمطي؛ مجتمعات غير مبدعة، وتقع دومًا فريسة سهلة. وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه، وإنما يصبح كائنًا فاقد الأهلية لا إرادة له، ومغيب الوعي.
لا ريب إن الأفكار المسبقة المغروسة قسرًا فى أذهاننا هى أشد القيود الفكرية سجنًا للوعى والمعرفة والإرتقاء الحضارى الجمعي. لذلك لابد من مراجعة التصورات العامة فى ثقافة المجتمع التى يتم فرضها على كل فرد من أفراد المجتمع، وتلقينهم إياها منذ الصغر، فلابد من مراجعتها بممارسة النقد لأنفسنا ولجميع أفكارنا السابقة وقناعاتنا المختلفة، وتوسيع المدارك من خلال الانفتاح على الآخر،وطرح أفكار جديدة مما يسهم فى تعزيز القدرة على الإبداع والابتكار.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
كتاب جديد لـ «تريندز» يسلط الضوء على أدوار مراكز الفكر وتحدياتها
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلة رئيس الدولة يحضر حفل زفاف في العين رئيس الدولة يستقبل محمد بن راشد بن محمد بن راشدأكد كتاب جديد أصدره مركز تريندز للبحوث والاستشارات أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه مراكز البحث والفكر في تشكيل المستقبل والسياسات العامة وتعزيز القوة الناعمة للدول. وأوضح مؤلف الكتاب الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، أن هذا الإصدار الذي يحمل عنوان «مراكز الفكر في عالم متغير: التحولات والأدوار والتحديات» يمثل خلاصة سنوات من العمل البحثي والدراسات حول تطور مراكز الفكر وتأثيرها في عالم متغير يسوده عدم اليقين.
وأشار الدكتور العلي إلى أن الكتاب يتناول، عبر خمسة فصول رئيسية موزعة على 230 صفحة، مراحل تطور مراكز الفكر منذ نشأتها الأولى وحتى يومنا هذا، ويركز على التحديات التي تواجهها، مثل التمويل، والتنافسية، وتأثير التكنولوجيا المتزايد.
وأضاف أن الكتاب يتطرق إلى استراتيجيات الاستشراف المستقبلي، وكيفية مساهمة مراكز الفكر في صناعة السياسات العامة، وتشكيل الرأي العام، وربط النظرية بالواقع من خلال تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى حلول عملية.
وأوضح الدكتور محمد العلي أن الكتاب يلقي الضوء على أهمية مراكز الفكر كحلقة وصل بين الباحثين وصناع المستقبل والقرار، ويساهم في تثقيف الرأي العام حول القضايا المختلفة.
ولفت إلى أن هذه المؤسسات الفكرية تلعب دوراً متنامياً في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق الحوكمة في ظل ديناميات التغير العالمي.
وأعرب الدكتور محمد العلي عن أمله في أن يساهم هذا الإصدار في تعزيز الحوار الفكري حول دور مراكز الفكر في عصرنا الحالي، وتشجيع المزيد من الباحثين والمؤسسات على الانخراط في هذا المجال الحيوي.
وأكد أن الكتاب يُعد مرجعاً رئيسياً للمهتمين بالشأن العام من أكاديميين ومسؤولين وطلاب جامعات، حيث يقدم رؤية معمقة حول كيفية تجاوز مراكز الفكر للتحديات الراهنة واستثمار الفرص لتعزيز استدامتها ودورها المجتمعي.