البوابة نيوز:
2024-11-07@23:32:55 GMT

الفكر النمطي والعبودية الطوعية

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

تُعد الأفكار النمطية أفكارًا مسبقة، وهى أفكار يفرضها المجتمع على الفرد، بحيث تبدو فى نهاية الأمر وكأنها فطرية، وينسبها المجتمع غريزيًا للأفراد بوصفها اعتقادًا جماعيًا.. تنميط الفكر هو بمثابة أداة استبدادية تنتهك ذهنية الفرد وتقيد حريته وحركته ونشاطه. إن الأفكار النمطية لا تختلف كثيرًا عن المفاهيم الأخرى كالعنصرية والتعصب والتحيز، ولكن المفاهيم النمطية لها أسبقية زمنية عن  تلك المفاهيم الأخرى؛ إذ إن  المفهوم النمطى لا يتجسد فى فعل مادى مباشر؛ بل يدخل فى تشكيل تصوراتنا الذهنية، وصياغة مفاهيمنا الثقافية.

فالفرد النمطى يتأثر تأثرًا جوهريًا بالمعتقدات التى يُرسخها المجتمع فى أعماق وجدانه، دون أن يشعر بأن عقله  مقيد أو محدود فى نطاق تلك المعتقدات، ويظن أنه يفكر تفكيرًا حرًا. لذلك تضطرب الهوية الإنسانية ما بين الهوية الدينية والنزعات العرقية والدوافع الجنسية.

  واللافت للنظر أن الأفكار النمطية تتحكم فى الفرد منذ ولادته، وذلك عن طريق فرض تصورات الآباء ومعتقداتهم على الأبناء، وتنميط رؤيتهم للأشياء والأشخاص والأحداث، وإخضاعهم للعادات والتقاليد السائدة. إنه تنميط يتم تدجينه من قبل الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع، على نحو  يصادر حرية التفكير لدى الفرد، ويسعى إلى خلق البعد الإنسانى الأحادي. يقول دوركايم «عندما يتكلم الضمير فينا فليس نحن من نتكلم بل المجتمع»، وبذلك يكون العقل البشرى هو نتاج اجتماعي، وإن الحقائق التى يملكها هذا العقل ويدافع عنها ليست حقائق مطلقة؛ وإنما هى نتائج قولبة فكر الإنسان.مما أسهم فى هشاشة هذا العقل وضعف قدراته على التحليل والفحص والتمحيص؛ وهذه الحالة تسمى «العبودية الطوعية». وإذا حاول الفرد التمرد على تلك الموروثات التلقينية والتفكير بعيدًا عن عادات المجتمع وتقاليده يصبح منبوذًا. إن الأساس الذى تبنى عليه العلاقة بين الفرد فى ظل ثقافة الاستبداد النمطى هى ثقافة تفتقر إلى أبسط مبادئ الحرية.

  إن التعصب الدينى الذى لا يستند إلى صحيح الدين؛ بل يتمسك بالفكر الدينى المتوارث؛ مهما بلغت درجة هذا الفكر، وتعارضه مع التطور الإنسانى عبر العصور؛ هو الثمرة المرة للأفكار النمطية. التعصب الدينى هو نمط من الفكر يسعى لإلغاء الآخر وتكوين صورة سلبية عنه؛ مما ينجم عنه إدانة وتكفير كل مختلف عن هذا الشكل الدوجماطيقى المنغلق فى التفكير، لقد إنصاع العقل الجمعى للأساطير الخرافية بوصفها معتقدًا دينيًا، مثل تفسير وتأويل بعض النصوص الدينية التى تتحدث عن السحر والحسد وغيرهما لكى تتماشى مع مصالح رجال الدين، زاعمين - كذبًا وبهتانًا - أن تلك التفسيرات هى من صميم الدين.

  لاشك أننا سنكون أيضًا فى مواجهة مجتمع ذكورى محض، الهيمنة فيه ليس للرجال فقط، بل للموروث الفكرى الذكورى بشكل عام حتى بين غالبية النساء. إن فكرة الإيمان بتفوق أصيل لجنس "الرجل" على الجنس الآخر"المرأة" هى فكرة مترسخة فى عقول أفراد مجتمعاتنا الشرقية رجال كانوا أو نساءً. سنجد مثلًا مقولة شعبية عبثية «ست بـ100 راجل» من أكثر المقولات الشائعة فى مجتمعنا التى تبدو فى ظاهرها وصف المرأة بالمروءة والشجاعة والنخوة، فى حين أن جوهرها ينطوى على إهانة كبيرة للمرأة باعتبار الرجل هنا رمزًا للقوة ومكارم الأخلاق. وكثير من الاعتقادات والمقولات التى يروجها لها المجتمع؛ تشير إلى تعزيز الذات الذكورية وتضخيمها، وإعطائها شكل من أشكال القداسة.

لا ريب أن الفكر النمطى يفرز نوعًا من الاستبداد الاجتماعي؛ الذى يؤدى إلى ذوبان الفرد فى الكيان الاجتماعى الخامل الذى يسوده التخلف والخرافة، ومن مظاهر هذا الاستبداد اختزال المجتمع فى الدولة، واختزال الدولة فى شخص الحاكم الذى لا يُسأل عما يفعل!! لذلك تُعد المجتمعات التى يسودها الفكر النمطي؛ مجتمعات غير مبدعة، وتقع دومًا فريسة سهلة. وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه، وإنما يصبح كائنًا فاقد الأهلية لا إرادة له، ومغيب الوعي.

  لا ريب إن الأفكار المسبقة المغروسة قسرًا فى أذهاننا هى أشد القيود الفكرية سجنًا للوعى والمعرفة والإرتقاء الحضارى الجمعي. لذلك لابد من مراجعة التصورات العامة فى ثقافة المجتمع التى يتم فرضها على كل فرد من أفراد المجتمع، وتلقينهم إياها منذ الصغر، فلابد من مراجعتها بممارسة النقد لأنفسنا ولجميع أفكارنا السابقة وقناعاتنا المختلفة، وتوسيع المدارك من خلال الانفتاح على الآخر،وطرح أفكار جديدة مما يسهم  فى تعزيز القدرة على الإبداع والابتكار.

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

"هاريس - ترامب " رهان خاسر و سبات عميق

 

أتابع عبر الشاشات و منصات التواصل الاجتماعى نظرة تفائل هنا و تشاؤم هناك حول المرشحين فى الانتخابات الأمريكية  للرئاسة التى بدأت صباح الثلاثاء ، أتابع و أنا أضحك وجود معسكرين فى المنطقة العربية الأول ينحاز لترامب و الثانى لهاريس، كلا المعسكرين يبنى آمال عريضة على مرشحه و كأننا نحمل الجنسية الأمريكية، صحيح أن الولايات المتحدة هى وحدها التى تضع سياسة العالم و هى الدولة الكبرى الوحيدة فى العالم التى لا ينافسها أحد، لكن مسألة المبالغة فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين هو أمر مثير للدهشة منا كعرب، لأن هاريس و ترامب و جهين لعملة واحده. بالنسبة لبعض الدول العربية هناك وجه منهم  مريح إلى حد ما فى بعض الأمور لكن بالنسبة للقضايا الرئيسية التى تشغل العرب مثل القضية الفلسطينية أو اعتداءات الكيان الصهيونى على بعض الأشقاء فتلك السياسات لن تتغير، سيبقى الأسطول الأمريكي فى البحر المتوسط لحماية الكيان الصهيونى، و سيظل "الفيتو" الأمريكي موجود لتعطيل و تعديل أى قرار ضد الكيان الصهينونى، و ستظل المساعدات العسكرية و المالية تصل إلى تل أبيب فى الميعاد الذى تطلبه حكومة الكيان.
أمريكا طوال تاريخها و هناك فتى واحد مدلل بالنسبة لها فى منطقة الشرق الأوسط، هذا الفتى هو الشرير الذى يحرق و يقتل و يرفع راية البلطجة على الجميع.
خلال عام قام هذا البلطجى" مصاص الدماء" بقتل أبناء فلسطين حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يقرب من خمسين ألف،و تجاوز عدد المصابين المائة ألف بين طفل و سيدة و كبار سن، دمر هذا الطفل المدلل ما يقرب من ٧٠% من غزة و حولها إلى تلال من المبانى المنهارة، أصبحت غزة بقايا مدينة، لم تعد بها أسرة واحدة مكتملة البناء"الأبناء الأب  الأم "، احدهما او كلاهما شهيد، و هناك أسر كاملة استشهدت، لم يعد لها من يحمل اسمها، نعم أسر كاملة أبيدت برعاية أمريكية، و بسلاح و مسانده و دعم أمريكى.
لذلك لا أعلم كيف و بأى وجه أجد بعض العرب يبنون  آمال عريضة على نجاح مرشح أمريكى بعينه أو أجد  متشائم من وصول الآخر لسدة الحكم، كلاهما مر .
أمريكا هى التى ترعى دولة الكيان و حريصة على بقائها، و بقاء هذه الدولة المحتلة مرهون ببقاء أمريكا، و نحن العرب ستظل أمريكا بالنسبة لنا هى الكابوس الذى يطاردنا فى الليل و النهار.
سياستها تجاهنا قائمة على مصلحتها، و مصلحة الكيان الصهيونى الذى يحركها كما و متى يشاء، الموضوع بينهما تخطى مرحلة المصالح إلى مرحلة الحياة و الموت ، إسرائيل تعتبر أمريكا قلبها النابض،الذى يمد جسدها بالدم المحمل بالاكسجين،  و أمريكا تعتبر إسرائيل الابن المدلل. 
و بالنسبة لنا كعرب  أمريكا هى سفينة النفايات التى تحمل لنا السموم و الميكروبات بكافة اشكالها.
أمريكا ليست للعرب فقط مركز السموم،و وكر الافاعى، لكنها تمثل نفس الامر  لدول كثيرة حول العالم تضررت منها  و ذاقت من شرورها الكثير.
الغريب فى الأمر و الشئ العجيب أن كل الاقطار العربية تعى تماما حجم العلاقة بين الكيان الصهيونى و أمريكا و رغم ذلك مازلنا نبحث عن الأمان عندها، تريدون أن تعوا 
قيمة الكيان الصهيونى لدى أمريكا، اقرأوا 
هذا الرقم الذى يوضح حجم العلاقة بينهما، 
منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948حتى عام 2022 تلقت  158 مليار دولار من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، مما يجعلها أكبر متلق في التاريخ.
فى النهاية نجحت هاريس أم سقطت، نجح ترامب أم سقط كلاهما مر.فلا تشغلوا حالكم بمن هو الرئيس القادم، الكل ينفذ أجندة واحدة تم وضعها منذ سنوات طويلة و لم و لن تتغير .

تلك الحرب الدائرة فى كل بقاع الأرض أمريكا هى كلمة السر فيها. فلا تسرفوا فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين كلاهما مر، كلاهما لا يهمه سوى مصلحته و مصلحة الكيان الصهيونى.
فلا تصدقوا 
التعهد الذى قطعته  نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، بأنها ستسعى لإنهاء الحرب في قطاع غزة في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، معتبرة أن قتل الفلسطينيين الأبرياء في القطاع وصل إلى مستوى غير معقول، و لا تصدقوا ترامب عندما يقول نفس المفردات، خاصة ان امريكا لن تسمح بحل الدولتين مهما حدث.
على العرب يستيقظوا من السبات العميق  الذى  هم عليه، علينا كعرب البحث عن طرق أخرى للتعامل مع هذا الكيان "الامريكى- الصهيونى" .

مقالات مشابهة

  • قرية البصيرة بالعامرية بلا خدمات
  • «ملكات» أشباه الرجال!؟ لو أحبتك «٢»
  • غزة لن ترفع الراية البيضاء
  • عودة «ترامب» للبيت الأبيض
  • خالد الجندي: الحرية تكمن في الانقياد لله والتحلي بالقيم الأخلاقية التي تحمي المجتمع
  • عادل حمودة يكتب: مفاجأة العدد 1000
  • «هاريس - ترامب» رهان خاسر وسبات عميق
  • الرئيسة هاريس!!
  • ضريبة النجاح القاسية
  • "هاريس - ترامب " رهان خاسر و سبات عميق