"ذاكرة الطفولة" زاوية نضئ فيها على طفولة أديب عربي نصغي لأولى تجاربه ورؤاه، أفراحه وأحزانه، نمخر عباب مرحلة، بصماتها خالدة في أعماق الذات، وتتسرب لأطراف الأصابع، عبر النتاج الأدبي بين لحظة وأخرى.

 يقول الشاعر ياسر سعيد دحي، عن ذكريات الطفولة مع أمه وجدته: "لا أستطيع أن أتحدث عن الأم إلا شعراً، أمي قصيدة في داخلي، وهي قارب أفكاري وأشعاري.



ويضيف: أمي بدء اللون في هذا العالم، ولولاها ما ازدان بالألوان، وهي امرأة من سحاب، كلما أمطرت ازدادت سحاباً، الأم حين تمشي تقطرُ الملائكة من على قدميها.
وفيها أقول:
كي يراني أو أراه/ هذا الوجهُ/ عليَّ أن افتحَ وجهَ المحبةْ/ وجهَ اللهْ/ فالكلُّ في خُطاهْ/ وجهُ أمِّي.
  والدتي لها فضل كبير جداً بعد فقد والدي، رحمه الله، في الحفاظ على نمونا الروحي والعقلي والفكري، وبجهودها وتضحيتها أصبحنا على ما نحن عليه إخوتي وأنا، والحمد لله منا حملة درجة الدكتوراة، ومنا الشعراء والفنانين والموسيقين، أمي صنعت أسرة تنعم بالسلام رغم رحيل الأب، أما جدتي فقد كان وجهها مغموراً بالبشاشة والابتسامات والطيبة، وما زلت أذكر صوتها وهي تنشد لنا، وتهدهد نفوسنا ونحن أطفال، فننام على أوتار صوتها، ونصبح على أحلام جميلة".

سكان بيتنا

ويضيف في حوار خاص لـ24: "لعلنا كأسرة كنا محظوظين بوجود أب مهتم بالثقافة والأدب والمعرفة والعلم، باعتبارها رهان وركيزة الإنسان في تقدم وتطور المدن والمجتمعات والحضارات، وقد غرس فينا والدي هذا كله، فكل واحد من أبنائه، اتجه نحو مجال، فمنا الشاعر ومنا الفنان ومنا الأكاديمي الذي يراهن على العلم كمنارة للتحول ولتطور الإنسان في مدنيته ومدنه، والدنا هو الشاعر والأديب سعيد محمد دحي يرحمه الله، كنا نعيش في معية أبينا الجليل في منزل تجاور فيه شكسبير مع المتنبي أدونيس مع امرئ القيس، لبيد بن أب ربيعة مع نزار قباني وعلى المستوى الفني والموسيقي تجاور بيتهوفن مع محمد عبدالوهاب، فيروز مع موزارت، أم كلثوم مع المحضار وأبوبكر سالم بالفقيه، وكذلك على المستوى الأدبي تجاور دوستوفيسكي مع على أحمد باكثير ونجيب محفوظ، كما تجاور أرسطو مع ابن رشد، فان جوخ ومايكل انجلو، ومفكرين وفلاسفة وعمالقة في الشعر والأدب والمشاريع الفكرية الكبرى، من مختلف بلدان العالم ومن أزمنة تاريخية مختلفة كانت تتجاور، وكنا نعدهم وبحق من سكان بيتنا.

ولعل قصيدة "دعاء" في مطلع مجموعتي الشعرية "مليء بالرمل .. مليء بالمرايا" والتي هي إلى روح والدي يرحمه الله، تعكس مدى تأثير الأب على تجربتي الشعرية والروحية في هذا الوجود والتي أقول في إحدى مقاطعها:
يا أبت / وأنا الرّاحلُ دوماً في بحرِ يديكْ/ علِّمْني كيفَ يَكونُ الغرقُ/ في ذاكَ المِعْطَفْ
/ في عينَيكْ/ كَيْفَ يَكونُ السّعيُ إليكْ/ وأنتَ القاذفُ بي من جبلِ الطُّور/ هب لي من تلكَ الِمشْكاةِ عَلامَةْ/ تَجْعَلُني أَهوي مُشْتَعِلاً/ كَفَراشاتٍ تَنْسى كُلَّ الدَّرْبْ/ يا أبت: لا تنس ابناً يَتَوَضّأُ من شُعْلةْ/ يَهْوي بينَ القَدَمينِ، سَجْدةْ / يا أبت".

عيون جدي

ويقول: "أما جدي فقد كان ممتلئاً حكمة ورزانة، واستطاع باكراً أن يدرك مدى أهمية تعليم البنات فقد كن بناته من أوائل من مارسن مهنة التعليم والتدريس في حضرموت، ويكفي أنني عندما أتامل الكثير من مدارس مدينة المكلا هناك في حضرموت، بأبوابها ونوافذها، أتذكر جدي رحمه الله فهو من كان وراء صناعتها وتصميمها، فالشرفات هنَّ عيون جدي وهذه الأبواب أقدامه".
وعن صداقات الطفولة، يقول دحي: "تحتاج الوردة إلى نحلة تنقل حبات لقاحها لتثمر في شجرة أخرى، كذلك الصداقة تحتاج إلى صديق ينقل معانيها لتثمر في إنسان آخر، ومثلما يحتاج الكربون إلى درجة حرارة عالية جداً كي يتحول إلى ألماس، كذلك هي الصداقة تحتاج إلى درجة حرارة عالية جدا لتتحول إلى صديق، وعندما يحدث هذا التحول يعم الفرح والبهجة والسعادة الداخلية بأن لك صديق حقيقي غير مشروط، تماما كالحب الحقيقي الذي هو غير مشروط، وغير مزيف".
ويرى: "أجمل أنواع الصداقات التي تحدث بين الأخوة وبين الأشقاء وهي نادرة جدا، ولأنها نادرة جدا، جاء تشبيه الصداقة بالألماسة وبحديث الوردة والنحلة، لأنها حقيقية غير مزيفة وليست مشروطة ولا تقوم على أساس وهم الصورة الذهنية عن الآخر والتي اعتقدنا أنه صديق بينما هو محض صورة ذهنية لا أكثر ولا أقل، فأن تطلق على إنسان صديق، ليس بالأمر الهين".

كمال الأجسام

ويوضح دحي: " من هواياتي الأولى وأحلامي البِكْر أن أكون بطلاً في رياضة كمال الأجسام، ولكن الشعر خطفني كمن ارتعب من هذا الحلم، فرحلت معه حاملاً كتبي، وفيها عقلي وروحي وقلبي".
وعن رحلته في طلب العلم يقول: "درست جميع المراحل هنا في الإمارات، بدء من  الابتدائية إلى الاعدادية والثانوية وحتى الجامعة، في دولة التحولات الكبرى باتجاه الجديد، ولقد اعتنت الإمارات في التعليم منذ البداية، وأذكر جيداً مدارس الرازي وابن رشد والمتنبي، حتى أسماء هذه المدارس كان لها أثراً نفسياً كبيراً، في تشكيل وبناء عشاق المعرفة من التلاميذ، ولعل مكتبة زايد في جامعة الإمارات كان لها أثر كبير  في اطلاعي على مختلف الكتاب والكتب الأدبية والفلسفية والفكرية، لقد كانت مكتبة ثرية ومدهشة، أما بالنسبة للمدرسين كنت أميل لمدرسي اللغة العربية والتاريخ والاجتماع والفلسفة وعلم النفس، وبالنسبة للمعلم الذي تأثرت به كثيراً، فهو والدي يرحمه الله، ثم أخي الدكتور والباحث  بسام سعيد دحي".
ويضيف: " في داخلي حب جارف للكلمات وعاشقٌ لها بلا حدود، شغفٌ فضاءاته مفتوحة، ولكني أعجب من الكلمات، بالرغم أنها فعلٌ للحرية إلا أنها - وفي ذات الوقت - فعل بناء للأقفاص، ومع ذلك لا يمر يوم إلا وأجدني حاملاً كتاباً أتأمله من خلالها.

أجنحة الحواس

ويتابع: "لعب والدي الشاعر والأديب سعيد دحي يرحمه الله دوراً كبيراً في غرس عادة القراءة لدي وتنمية شغفي بها، فالقراءة في المنتهى هي آلة عزفي، ومتأصلة معي منذ صغري، حيث وجهني والدي دوماً أن أقرأ الأفضل مما تم إنتاجه وإبداعه أدباً وشعراً وفلسفةً سواء عربياً أو عالمياً، فأنا أميل لقراءة الكتب والأسماء التي أحدثت دوياً  ومنعطفاً في تاريخ العقل البشري، وجودياً وفلسفياً وروحياً، لأن قراءة كتب الكبار تجعلك تقفز من قمة إلى قمة مختصراً وقتاً كبيراً، وهذه القراءة  خلقت أجنحة لحواسي جعلتني أبصر كما لم أبصر من قبل وأرى ما لم أكن أراه من قبل، وهذا هو الإبداع،  فالعملية الإبداعية تحدث من وراء شبكة المعلوم والجاهز والمُنجز".

الحداثة

أما بالنسبة للكُتاب الذين أثروا على تكوينه الشعري يذكر: "السياب وبلند الحيدري ودنقل وعبد الصبور مروراً بالبياتي وأدونيس ودرويش وآخرين مثل قاسم حداد وسعدي يوسف وبنيس وسعيد عقل وأدباء المهجر جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبوماضي، وكثر ممن أبدعوا لحظة الحداثة في الشعر العربي خلال المائة سنة الماضية وكذلك لحظة الحداثة على المستوى الأدبي والفكري بشكل عام".
وحول بداية نشر كتاباته يقول: " نشرت في صفحة "على الدرب" في جريدة الاتحاد الإماراتية والتي أشرف عليها الروائي والأديب العراقي جمعة اللامي في ذلك الوقت، حيث نشرت خواطري البريئة وأذكر منها (بستان المستقبل، صوت صفير الناي، سجا الليل، قريتنا) وغيرها، تلك الصفحة كانت محطة لكثير ممن أصبحوا كتاباً في مجالات أدبية متنوعة".
وعن السفر والتجوال يضيف دحي: "لست كثير السفر وعندما أسافر أفضل مدناً تشبه أبوظبي وأخواتها، مدن السواحل والشواطئ والجزر والبحار، مدن الأمواج الجديدة والمتجددة، مدن القوارب والسفن والأشرعة، أبوظبي وأخواتها في هذا العالم تشدني وتجعلني أكثر فرحاً وتأملاً بهذا الوجود".
وفي جوابه عن سؤال أثر تجربة الحب الأول على نتاجه الأدبي يختم: "السؤال أشبه بقذيفة، الجواب عنه انتحار أو عمل فدائي مجاني، يكفي أن أقول أنني أحببت الأنثى بكليتها، أحببتها خصباً ونماء وتحولات في هذا الكون وهذا الوجود وهذه الحياة التي تشبهها تماماً".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة اليمن یرحمه الله فی هذا

إقرأ أيضاً:

شواطئ.. بديعيات حسن طلب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

الشاعر حسن طلب، قطب من أقطاب شعراء السبعينيات في مصر، ولد في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج عام 1944، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وتخرج في قسم الفلسفة عام 1968. وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة، ويعمل حاليًا عضو هيئة تدريس في كلية الآداب بجامعة حلوان، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس أمناء بيت الشعر وكان قد تولى منصب نائب رئيس تحرير مجلة إبداع. والشاعر يتبع مدرسة شعر التفعيلة أو الشعر الحر، ويمزج أحيانا بينه وبين الشعر العمودي في نسيج بعض قصائده. وبالنسبة إلى اتجاهه الفني، فهو ضمن مجموعة من شعراء السبعينيات الذين أطلقوا على أنفسهم فريق شعراء "إضاءة 77" ويعد حسن طلب من أبرز شعرائها الذين شاركوا في تشكيل الملامح الشعرية لهذا الفريق وبلورة إطاره الثقافي. من هنا تأتى أهمية كتاب "بديعيات حسن طلب: قراءة في الشكل والمضمون" للباحثة نهى مختار محمد والصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

 وتشير الباحثة إلى بنية التجنيس في شعر حسن طلب بقولها: التجنيس هو أكثر الأشكال البديعية – داخل بنية التكرار – شيوعا في خطاب حسن طلب الشعري، وهو من البديع اللفظي، ويعرفه القزويني بقوله: "الجناس بين اللفظين هو تشابههما في اللفظ"، والإيقاع الظاهر الذي يتميز به شعر حسن طلب معتمد بشكل كبير على التجنيس، وبشكل أكبر على التشابهات الصوتية بين الألفاظ، والألفاظ المسجوعة، ومثال ذلك في شعره جمعه بين: (ديني / حنيني)، (أفكاري/ أسراري)، (مسحورة / صورة)، (النهد / الوجد)، (أريج / ضجيج)، وغيرها كثير. والتكرير اللفظي في شعر حسن طلب، يأتي في المنزلة الثانية بعد (التجنيس) من حيث نسبة شيوع في قصائده، حيث بلغ استخدامه حوالي (250) مرة، وبعد التكرير اللفظي تفعيل لإمكانات الدال اللغوي وطاقاته  النغمية والدلالية داخل سياق محدد، وما يقوم به التكرير – من وظيفة أو دور بالنسبة للسياق – هو الذي يمنحه قيمته وأهميته، مما  يعنى أن اللفظة – عند تكريرها في موضعين أو أكثر – تكتسب وجودا صوتا ودلاليا. ومن مواطن (التكرير) في ديوانه الأول (الوشم)، تكريره اسم محبوبته (سلوى) في قوله: 

نهاري عاصب يا "سلوى" 

وليلى ما له آخر 

شريد الخطو.. أرتاد المدى وحدي 

فمن درب إلى درب 

ومن بلد إلى آخر 

بعيد الدار يا "سلوى" 

جوادى ما له حافر

حزين النفس يا "سلوى" 

سقيم الوجه والعينين والخاطر. 

ويأتي تكرير نداء المحبوبة هنا لأداء وظيفة تقليدية: هي الاستعذاب والتلذذ بترديد اسم الحبيبة على اللسان، وتدعم دلالة الاسم (سلوى) معاني التسلية التي يكررها على نفسه الحزينة عزاء لها عما تجد من الوجد والأسى والتشوق، تلك المشاعر التي سيطرت على الجو النفسي للقصائد في ديوان (الوشم -1972) وكذا في (شموس القطب الآخر1973) في ارتباطه بالوطن، أي أن (التكرير) هنا مرتبط بدلالات نفسية وعاطفية يأتنس بها الشاعر، في رحلته الدائمة (من درب إلى درب). 

ولآن الشاعر حسن طلب من صعيد مصر – هذا الصعيد المشهور بشغفه بالنبرة الإيقاعية والطقوس الموسيقية العالية – فإن لغة هذا العالم أضحت كأنها تنطلق من أصوات الآلات الإيقاعية المختزنة في الذاكرة لتنقل شحنات الدلالة من خلالها وعبر أثيرها. وانتماء حسن طلب لتلك النزعة الطقسية الجمعية لا يعنى أن الشعر المصري عند أهل الجنوب يتجه كله إلى هذا التيار، ولكن اختيار طلب جاء مؤكدا لتلك الجمعية. وهذا ترتبط الوظيفة الإيقاعية عند (طلب) بوظيفة طقسية تعود بالشعر إلى ارتباطه بالجذور الأولى في مرحلة الشعر الشفهي، وترسخ كونه نغما ينقل مشاعر المغنى وعاطفته النفسية ممتزجة بالفكرة والصورة والمعنى، كما ترتبط الوظيفة الإيقاعية بوظيفية تعويضية، يمثل فيها (التجنيس) و(التكرير) وغيرها من بني التكرار تعويضا من القافية وبديلا عن الوزن. 

ويعد (التقابل) في شعر حسن طلب سمة لغوية بديعية أساسية في شعره، كما هو سمة لغوية أساسية في الشعر القديم والحديث على حد سواء، لكن لكل شاعر خصوصية في تعامله مع هذا اللون من البديع المعنوي، الذي يبتعد إلى حد كبير – بطبيعته –عن الوظيفة الإيقاعية والموسيقية، ويؤدى وظائف دلالية تختص بالفكر والنفس والثقافة والفلسفة والشعور. ومدونه حسن طلب الشعرية تزخر بالثنائيات ما يزيد عن (400) زوج متضاد في دواوينه التي تضم:(الأرض/ والسماء). و(الليل / والنهار)، و(الصعود / والهبوط)، و(الحرب / والسلام )، و(العداوة / والصداقة)، و(الضحك / والبكاء)، و(القبح / والجمال)، و(الصدق/ والكذب)، و(الصحة / والمرض)، و(الظن/ واليقين) و(الجهل / والمعرفة)، و(الحزن / والفرح)، و(الضعف/ والقوة)، و(الصواب/ والخطأ) و(الحرية / والعبودية)، و(الكلية/ والجزئية)، و(الكلام / والصمت)، و(الخروج / والدخول) و(الظلال والهدى). وقد تبين أن دراسة بنية (التقابل) داخل كل تجربة شعرية مر بها الشاعر ممثلة في كل ديوان على حدة ستخرج بنتائج دالة – بوصفها بنية من بديع المعنى – إذ يمتاز كل ديوان من دواوين الشاعر بسمة دلالية تتشكل منها القصائد. 

والبديع عند الشاعر حسن طلب يمثل ظاهرة مطردة بحيث تضعه ضمن إطار مدرسة شعراء البديع كمسلم بن الوليد، وابن المعتز، وأبى تمام، والشاب الظريف، ممن لهم عناية خاصة بترديد أشكال البديع في أشعارهم، وإسراف الشاعر في استخدام بني البديع في بعض المواضع جعل عديدًا من الأقلام النقدية تصفه بالتكلف، واللعب بالكلمات، وقد اتضح أن هذا اللعب يعتمد على مرجعية فلسفية يؤمن بها الشاعر، ويتبناها برغم تأثيرها – الذي يبدو سلبيا – في مقبولية النص وتداوله.   

ويستثمر الشاعر مصطلحات علم البديع في خطابة الشعري بصورة لافته، تجعل البديع نفسه حقلا دلاليا يمكن دراسته داخل شعره، وهو يستخدم ألفاظ علم البديع بصورة استعارية غالبا. وهذا يؤكد سيطرة الرؤية البديعية على إدراكه، بحيث يسقطها على العلاقات في الكون من حوله، وعلى العلاقات بين البشر التي تتحدد وفق منظور البديع، فيكون التشابه بين البشر (جناسًا)، والتنافر بينهم (طباقا)، وتكون مسيرة الإنسان في الحياة نوع من (رد العجز على الصدر)، فضلا عن استخدام المفاهيم البديعية بمعناها اللغوي، وهذا يعنى أن البديع عند الشاعر: رؤية، وأداء. كما يتحقق عند حسن طلب البديع على مستوى نصي. هذا التعامل مع النص بوصفة بنية كشف أن ثمة علاقة بديعية بين ديوان البنفسج وديوان الزبرجد يمثلها (الطباق)، كما يكشف النص الدائري الذي يتكرر فيه مطلع القصيدة في الختام عن تحقق فكرة (رد العجز على الصدر) ولكن على مستوى نصي، يتجاوز البيت الواحد والسطر الشعري الواحد إلى رؤية أكثر اتساعا تخص النص، هذه الرؤية تتشكل من خلال التوسع في تلمس علاقات البديع بين البني اللغوية الكلية.  وفى الخاتمة تقول الباحثة نهى مختار محمد: أن البديع عند حسن طلب مفتاح لغوى بالغ الأهمية للولوج إلى عالمة الإبداعي، إذ يتجلى في مساحة عظيمة من نصوصه الشعرية يصاحب فيها رؤاه الذهنية، ومشاعره العاطفية، ومواقفه الصوفية، ومعتقداته الفلسفية، كاشفا عنها، تلك الرؤى والمشاعر والأفكار التي أراد أن يرسلها إلى ذاكرة الإنسانية بهذه الخصوصية في إدراك معنى البديع.   

 

 

مقالات مشابهة

  • قصيدة «في حب مصر» ضمن احتفالية عيد الشرطة: خلف كل بطولة لنا قائد بطل
  • أنغام عن «صوت مصر»: والدي قدمني بهذا اللقب منذ سنوات
  • شواطئ.. بديعيات حسن طلب
  • انقلاب قارب يودي بحياة 20 شخصًا في مشهد مأساوي
  • ضربوني وشتموا والدي المتوفى.. حكم دولي يقاضي نادي نفط البصرة
  • والدي لا يهتم لمصيري بعد أن انكسر ظهري..
  • تفسير حلم ركوب قارب في البحر.. هل هو هروب أم بحث عن التوازن؟
  • أيمن بهجت قمر: والدي كل شيء وأشعر أنه لسه عايش
  • ناشطون يمنيون وعرب يشيدون بدور الإسناد اليمني في انتصار المقاومة الفلسطينية بغزة
  • ضبط قارب تهريب يقل نحو 180 مهاجرا أفريقيا في سواحل لحج