الإصرار على أن نكون مواطنين عالميين
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
ناصر الحارثي
ثمَّة هوس لدى مواطني ومؤسسات دول الخليج للحصول على قبول ورضا الغرب، لذلك نجد هناك تسارعا في ضخ استثمارات بمئات الملايين في الأسواق الأوروبية والأمريكية دون غيرها، مع أنها أسواق محدودة الجدوى عند الاستثمار فيها لأنها أسواق مكتملة.
وأبرز ملامح هذا السعي تتمثل في الآتي:
• ضخ استثمارات بمئات الملايين في الأسواق الغربية دون غيرها، مع محدودية العائد المالي وغياب القدرة على التدخل في قرارات تلك الدول والرضوخ لهيمنتها وكذلك هي أسواق ناضجة متشبعة بالقوانين والسياسات والضرائب.
• الحرص على تأسيس مراكز بحثية في جامعات غربية وشراء أندية رياضية غربية.
• حرص الوفود التجارية على السفر إلى الدول الغربية على الرغم من قلة الفرص التجارية الحقيقية للاستثمار فيها.
• الرغبة في السفر دائمًا إلى الغرب على الرغم من أن زيارتنا لا تتعدى زيارة شوارعهم وفنادقهم.
لا أدري لماذا نرغب في أن نكون غربيين أكثر من الغرب أنفسهم، في حين أن الغرب يحرصون أشد الحرص على الاستثمار في الأسواق الآسيوية الناشئة، فالدول الغربية لا تنظر إلينا على أننا غربيين مهما حاولنا التماهي؛ بل تنظر إلينا على أننا مواطنون من دول ذات أهداف ضبابية شرق أوسطية.
إن سبب هذا الهوس هو أننا لم نؤمن بمشاريعنا ولا بشعوبنا ولا بجامعاتنا. وفي المقابل، ننتظر من الآخر يعترف بنا وكأننا نسينا قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه // ما لجرح بميت إيلام
هنا لا أدعو إلى التخندق ولا إلى التحزب في مفاهيم ضيقة والاستقطاب في ثنائية الشرق والغرب، ولكن أدعو إلى تجنب أن تكون مؤسساتنا وأموالنا رهينة لسياساتهم، بل نرسل أفرادنا ليستفيدوا من تجاربهم ويساهموا في نقل المعرفة. لأن الغرب عبر تجارب السنين يقدر الفرد أكثر من احترامه للشعوب، لأنه ينظر للدول والمؤسسات بمفهوم التنافسية والندية الحتمية.
أختم مقالي بهذه الرسالة والمتمثلة في أهمية تعزيز الثقة بالنفس والتصالح مع الموروث، ودعم المشاريع الوطنية والمحلية والاستفادة من التجارب العالمية محليًا وتطوير الجامعات والمراكز البحثية، إضافة إلى تعزيز العلاقات مع الدول النامية والمتقدمة، ودعم التعاون الاقتصادي والثقافي معها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القاعة الرئيسية في معرض الكتاب تناقش «العرب والغرب .. رؤى مُتبادلة»
استضافت القاعة الرئيسية في اليوم الثالث من معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، ندوة فكرية بعنوان "العرب والغرب: رؤى متبادلة"، وذلك ضمن محور "مع الفكر"، وشارك في الندوة المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز، والكاتب المغربي محمد المعزوز، وأدارها الباحث الدكتور نبيل عبد الفتاح.
واستهل الدكتور نبيل عبد الفتاح الندوة بالحديث عن التحولات الكبرى التي شهدها الفكر العربي منذ صدمة الحداثة مع الحملة الفرنسية على الشرق، ثم مشاريع النهضة في عهد محمد علي وإبراهيم باشا، وصولًا إلى دور المغرب العربي الآن الذي يظهر كمصدر قوة ثقافية وفكرية في العالم العربي.
نهضة ثورية
من جانبه تناول عبد الإله بلقزيز الطريقة التي تعامل بها العرب مع الغرب منذ القرن التاسع عشر، مشيرًا إلى الانقسام الذي حدث بين النخب العربية بعد حملة نابليون، فقد انقسمت هذه النخب إلى تيارين: التيار الأصولي: الذي تمسك بالمرجعيات التقليدية واعتبر الغرب تهديدًا يجب مقاومته، والتيار العصري (الليبرالي): الذي رأى في الغرب نموذجًا يجب الاحتذاء به لبناء الحداثة، وانقسم بدوره إلى: الإصلاحية الإسلامية: ممثلة في محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، ورفاعة الطهطاوي، والنهضويون: مثل بطرس البستاني، أديب إسحاق، جورج زيدان، وطه حسين.
وأشار "بلقزيز" إلى أن كل تيار تبنى رؤية أحادية للغرب، إما باعتباره "شرًا مطلقًا" أو "خيرًا مطلقًا"، في حين أن الغرب كيان متنوع يضم الهيمنة والعنصرية والصهيونية، لكنه في الوقت نفسه يمثل النهضة والثورة التعليمية والعلمانية، وبالتالي فإن الإشكالية ليست في الغرب ذاته، بل في النظرة العربية المغلقة تجاهه.
من جانبه، شكر محمد المعزوز الهيئة المصرية العامة للكتاب على تنظيم تلك الندوة، ثم انتقل إلى الحديث عن القضية الفلسطينية وتأثير الفكر الغربي في تشكيل علاقتنا بها، وأكد أن الفكر الغربي، رغم أهميته، لم يساعد العرب على إنتاج فكر مستقل، بل أدى إلى انفصالهم عن تراثهم الفلسفي، مثل إسهامات ابن سينا وابن رشد، والاندماج في الثقافة الغربية دون إنتاج فكري حقيقي.
وضرب مثالًا بالفيلسوف توما الأكويني، الذي وصلته أفكار ابن رشد مشوهة عبر الترجمات العبرية، ما أدى إلى تحريف رؤيته للفلسفة العربية، كما أشار إلى التشويه المتعمد لصورة الفلاسفة العرب في الفنون، حيث تم تصوير ابن سينا وابن رشد على أنهم توابع للملوك الأوروبيين، وهو ما يعكس التأثير السلبي للفكر الغربي على صورة التراث العربي.
واختتم "المعزوز" حديثه بالإشارة إلى مواقف بعض المفكرين الغربيين، مثل إرنست رينان، الذي وصف العرب بأنهم "همج" والإسلام بأنه "غير عقلاني"، مما دفع جمال الدين الأفغاني للرد عليه مؤكدًا أن "الدين والفلسفة يلتقيان".