«النور فـي المدى».. معرض جماعي لوحاته تتعلق بالمكان والهوية الفلسطينية
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
عمَّان ـ العُمانية: يتناول معرض (النور في المدى) المقام على جاليري رؤى 32 للفنون، صمود الإنسان ودفاعه عن حقوقه التي كفلتها الشرائع. وتعبِّر الأعمال المعروضة التي جاءت وفق تقنيات فنية متنوعة كالرسم بالأكريليك والزيت والتركيب الفني والنحت، عن توق البشر إلى كسر القيود مهما كان شكلها أو حجمها. وقالت مسؤولة الجاليري سعاد عيساوي في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إنَّ هذا المعرض الجماعي بمثابة دعوة للتفاؤل والتمسك والأمل (رغم الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تجتاح العالم في هذا الزمن المثخن بالحروب الطاحنة).
وتمثل الأعمال التي عُرضت للفنان الراحل عدنان يحيى، صرخة تنديد في وجه الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس سياسة التهجير والتشريد ويرتكب المجازر. واختار يحيى لأعماله التي استخدم فيها وسائط فنية مختلفة مثل إلصاق بعض الرموز الموحية، الألوان الترابية والغامقة، مبرزًا عبر تشكيلاته الرمزية القوية الممارسات العنصرية التي تخالف أبسط المبادئ الإنسانية.
أمَّا التشكيلية داليا علي فتقدِّم لوحات متأثرة بدراستها لهندسة العمارة، وتتناول عبرها مدنًا فلسطينية تَظهر عبر تكوينات مختزلة تقارب المدرسة التجريدية، وعبر البناء المحكم للتكوين والخطوط المبنية وفق قواعد هندسية وهي من خلال أعمالها وبخاصة تلك التي تتناول مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك تؤكد على الهُوِيَّة الفلسطينية غير القابلة للمحو.
ويحضر المكان أيضًا في أعمال التشكيلي السوري ناصر الآغا، الذي يقدِّم لوحات منحازة لمشاهد الأزقة والحارات الشَّعبية، مستلهمًا خطوطه وألوانه من العمائر القديمة والجدران التي حُفر عليها رموز وعناصر موحية، ومبرزًا النقوش والزخارف التي تدخل في تشكيل هندسة تلك الأحياء الشَّعبية وتزداد جمالياتها بمرور الزمن.
وتذهب التشكيلية الأردنية ديانا شمعونكي في أعمالها باتجاه رسم المُدن في فلسطين، مركزةً على القدس بما فيها من معالم وتجليات حضارية وثقافية وطبيعية، كما تقدِّم رسومًا لوجوه بشرية تعكس ملامحُها حالات عميقة من المشاعر الإنسانية.
أمَّا التشكيلية السورية لجينة الأصيل فتقدِّم أعمالًا تتسم بالحيوية والحركة، حيث تعكس تأثير المحيط على الإنسان، مقاربةً في تكويناتها واختياراتها اللونية الهادئة المدرسةَ التعبيرية مع لمسة من التجريد.
ويحضر التجريد اللوني أيضًا في أعمال التشكيلي الأردني غازي نعيم، الذي يقدِّم عبر لوحاته موضوعات تتعلق بالمكان الفلسطيني وبالهوية والتراث والأزياء التراثية والتطريز، وهو يطعّم لوحاته برموز وموتيفات ذات معانٍ ودلالات ترتبط بالمقاومة وبحلم العودة.
وفي أعمال التشكيلية الأردنية نوال عبد الله تدفقات لونية موحية تؤكد على قوة التجريد اللوني المتدفق عبر مساحات لونية مدروسة تعبِّر عن البحر والصحراء والجبل والسماء، مستثيرةً من خلال ذلك طاقة المكان الروحانية، وبخاصة حين ترسم من وحي فلسطين بكلِّ ما فيها من جماليات تتعلق بالمكان وبالطبيعة. ومن التشكيليين المشاركين في المعرض الذي يستمر حتى 9 نوفمبر المقبل: نسمة محرم، وآمال جالوقة، وآية أبو غزالة، وزينة سليم، وسمر حدادين، وشهيرة أبو غنيمة، وشيرين عودة، وصفاء أبو عيد، وعلي حسين، وليلى دمشقية، ومنى عمارين، ونجلاء الرمحي، ونسمة محرم، ونهاد كولي.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: فی أعمال أعمال ا
إقرأ أيضاً:
من العقل الرعوي إلى المهدية المعاصرة: تأملات في فكر النور حمد والصادق المهدي
المشارب الفكرية والثقافية لكلاهما
أ) الصادق المهدي: المرجعية الدينية والإصلاح السياسي
الإمام الصادق المهدي ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي الإصلاحي، لكنه يتميز بخصوصية تختلف عن الحركات الإسلامية التقليدية. فقد حاول تقديم رؤية حداثية للإسلام تتجاوز السلفية الحرفية، وتعتمد على الاجتهاد والتحديث. تأثر بفكر الحركات الإصلاحية الإسلامية الكبرى، مثل فكر الأفغاني ومحمد عبده، كما استلهم بعض أفكار الديمقراطية الغربية، محاولًا التوفيق بينها وبين الشورى الإسلامية.
كان الصادق المهدي سياسيًا محنكًا وفيلسوفًا دينيًا في آن واحد، وسعى إلى تطوير فكر المهدية السودانية عبر العديد من الكتابات، أبرزها كتابه "يسألونك عن المهدية"، الذي قدم فيه مراجعة عميقة لمفهوم المهدية، محاولًا تفكيك التصورات التقليدية عنها وربطها بالإصلاح السياسي والاجتماعي. كما كتب عن الديمقراطية، والتحديات الفكرية التي تواجه السودان، وكان من دعاة الحلول التوافقية بين التيارات السياسية المختلفة.
ب) النور حمد: النقد الثقافي وتحليل البنية المجتمعية
على الجانب الآخر، النور حمد هو مفكر ثقافي ينتمي إلى تيار النقد الاجتماعي، حيث يركز على تحليل البنية الثقافية للسودان وتأثيراتها على التخلف السياسي والاقتصادي. تأثر بالنظريات النقدية الحديثة، وأدخل مفاهيم مثل "العقل الرعوي"، وهي نظرية تشرح كيف تؤثر الثقافة الرعوية على السلوك الاجتماعي والسياسي للسودانيين.
يرى النور حمد أن أزمة السودان ليست مجرد مشكلة سياسية، بل هي مشكلة ثقافية في جوهرها، تحتاج إلى تغيير جذري في العقلية السائدة قبل أي إصلاح سياسي حقيقي. ومن هنا تأتي رؤيته الإصلاحية التي تعتمد على تفكيك البنى التقليدية وتقديم نموذج جديد للحداثة السودانية.
تأثير الصادق المهدي والنور حمد في الواقع السوداني
أ) تأثير الصادق المهدي-
كان لاعبًا أساسيًا في المشهد السياسي السوداني لعقود.
أسس لفكر سياسي يجمع بين الإسلام والديمقراطية.
قدم مراجعات فكرية مهمة حول المهدية والمشاركة السياسية.
بعد وفاته، تراجع تأثير حزبه بسبب الانقسامات.
ب) تأثير النور حمد-
تأثيره أكثر وضوحًا في الأوساط الأكاديمية والثقافية.
نظرياته حول "العقل الرعوي" أصبحت أدوات تحليلية لفهم الأزمات السودانية.
يلقى قبولًا متزايدًا بين الشباب والمثقفين الباحثين عن تفسيرات أعمق للمشكلات الوطنية.
هل يمكن الجمع بين رؤيتيهما؟
أ) من النور حمد: الإصلاح الثقافي والاجتماعي
يرى أن المشكلة الأساسية تكمن في العقلية الرعوية التقليدية.
يدعو إلى ثورة ثقافية تسبق أي إصلاح سياسي.
ب) من الصادق المهدي: الإصلاح السياسي والتوافقي
يؤمن بالإصلاح التدريجي عبر الحوار السياسي.
يدعو إلى دمج الإسلام بالديمقراطية في إطار حداثي.
ج) الجمع بين الرؤيتين-
الإصلاح الثقافي + الإصلاح السياسي: بدون تغيير الثقافة، يفشل الإصلاح السياسي، وبدون إصلاح سياسي، يظل التغيير الثقافي حبيس النخبة.
التغيير الجذري + الإصلاح التدريجي: يمكن تبني نهج يجمع بين التغيير الثقافي العميق والإصلاح السياسي الواقعي.
المثقفون + السياسيون: يمكن للمثقفين أن يلعبوا دور الجسر بين الإصلاح الثقافي والسياسي.
أيهما أكثر تأثيرًا اليوم؟
في ظل الأزمة السودانية الحالية، يبدو أن أفكار النور حمد حول تحليل الثقافة والمجتمع تلقى رواجًا أكبر بين الشباب والمثقفين، في حين أن إرث الصادق المهدي السياسي لا يزال حاضرًا، لكنه يواجه تحديات بسبب غياب قيادة واضحة لحزب الأمة.
ما أري هو السودان بحاجة إلى مشروع وطني يجمع بين الإصلاح الثقافي الذي دعا إليه النور حمد والإصلاح السياسي الذي سعى إليه الصادق المهدي. فالتغيير الثقافي العميق والإصلاح السياسي التوافقي هما وجهان لعملة واحدة في بناء سودان جديد.
* وفي النهاية اقول تمت المقارنة بين رؤيتي النور حمد والصادق المهدي في سياق الأزمة السودانية الحالية، حيث تناولنا تأثيرهما، إمكانية الجمع بين رؤيتيهما، وأثر كل منهما في الواقع السوداني. لقد تم التركيز على الإصلاح الثقافي والاجتماعي الذي دعا إليه النور حمد، والإصلاح السياسي الذي كان محور فكر الصادق المهدي.
مع ذلك، إن شبّهت هذه المقارنة قصورًا، فهي جاءت دون دراسة أكاديمية متعمقة لتراث الإمام الصادق المهدي. أعتذر لحراس فكر الإمام والمهدية المعاصرة كما يعتقد بعض الأصدقاء. في الواقع، كان هذا الطرح جزءًا من محاضرة تتناول كتابات النور حمد، وكل ما ورد هنا كان عفو الخاطر ومجموعة ملاحظات لم تكن ضمن دراسة ممنهجة.
zuhair.osman@aol.com