حكم الجلوس على القبر وتوجيه النهي الوارد في ذلك
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه ورد في السنة المشرفة النهي عن الجلوس على القبر في غير ما حديث؛ منها ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، ومسلم في "صحيحه"، وأبو داود والنسائي وابن ماجه في "السنن"، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ».
أضافت الإفتاء، أنه ورد في السنة ما يقتضي جواز الجلوس عند القبر؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ".. إلخ الحديث، وروى البخاري في "الصحيح" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ".
الجلوس على القبر عند الدفنوقد اتفق الفقهاء على جواز الجلوس على القبر عند الدفن، كما اتفقوا على أن الجلوس عليه لقضاء الحاجة لا يجوز قولًا واحدًا.
واختلفوا في المراد من أحاديث النهي عن الجلوس على القبر: فمنهم من أجاز الجلوس على القبر، وحمل النهي على الجلوس للحديث وقضاء الحاجة؛ احترامًا لصاحبه؛ لأن حرمة الميت كحرمة الحي، وهذا التوجيه مرويٌّ عن أبي هريرة وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، كما ورد عن بعض الصحابة الجلوس على القبر؛ كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهذا مذهب الإمام مالك، ونقله الإمام الطحاوي عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه.
أمَّا الشافعية والحنابلة فيحملون النهي على الكراهة لا على التحريم، ويجعلونه عامًّا في كل جلوس، إلا للحاجة؛ كأن لا يكون له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء، وكحالة الدفن وعند القراءة على القبر، وفي معناها الدعاء للميت، والقول بالكراهة هو المذكور في كتب الحنفية، وهو مروي أيضًا عن جماعة من السلف.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح": [(ولا يُكره الجلوسُ للقراءة على القبر في المختار)؛ لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والاتعاظ، (وكره القعود على القبور بغير قراءة)].
وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى": [تأول مالك رحمه الله هذا على أن النهي عن الجلوس على القبور إنما تناول الجلوس عليها لقضاء الحاجة، وقد قال مثلَ قول مالكٍ: زيدُ بن ثابت رضي الله عنه، وهو الأظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زار القبور وأباح زيارتها، ولا خلاف بين المسلمين في جواز الجلوس عليها عند الدفن؛ فيُحمَل الحديث على ذلك، ويجمع بينه وبين ما رُوِيَ مِن قول علي رضي الله عنه وفعله].
وقال الإمام المواق المالكي في "التاج والإكليل": [عندنا أن الجلوس على القبر جائز، والمراد بالنهي عن ذلك الجلوسُ عليه للغائط والبول؛ كذا فسره مالك، ورُوي ذلك مُفَسَّرًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان علي رضي الله عنه يتوسَّدُها ويجلس عليها]، وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي": [فإن لم يكن طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء جاز؛ لأنه موضع حاجة]، وقال العلامة الحجاوي الحنبلي في "الإقناع": [ويُكرَه المبيتُ عنده.. والجلوسُ والوطءُ عليه؛ قال بعضهم: إلَّا لحاجة].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء دار الافتاء السنة المشرفة القبر السنة النبوية رضی الله عنه النهی عن ى الله
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: السيرة النبوية تقدم نموذجًا متكاملًا للعلاقة الزوجية
أكد الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن غياب القيم النبوية في التعامل بين الأزواج يعدّ أحد الأسباب الرئيسة لتفاقم المشكلات الأسرية في العصر الحالي.
مشيرًا إلى أن السيرة النبوية تقدم نموذجًا متكاملًا للعلاقة الزوجية القائمة على الرحمة والتقدير والاحتواء.
وخلال لقائه اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على فضائية "صدى البلد"، أوضح فضيلته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدرك طبيعة المرأة ويحتوي مشاعرها بحكمة، دون أن يلجأ إلى التوبيخ أو التصعيد.
مستشهدًا بموقف السيدة عائشة -رضي الله عنها- عندما كسرت إناءً بدافع الغيرة، فلم يعاتبها النبي، بل اكتفى بالابتسام قائلًا: "غارت أمكم"، ثم عوض السيدة صفية بإناء جديد، في تصرف يعكس رقيه في التعامل مع مثل هذه المواقف الأسرية.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن فقط حليمًا في لحظات الغضب، بل كان يحرص على إدخال السرور على أهل بيته، ويتفاعل معهم بروح مرحة، كما حدث في سباقه مع السيدة عائشة، عندما فازت عليه في المرة الأولى، ثم تغلب عليها لاحقًا قائلًا ممازحًا: "هذه بتلك".
ولفت إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان وفيًا لزوجاته حتى بعد وفاتهن، حيث ظل يذكر فضل السيدة خديجة -رضي الله عنها- ويكرم صديقاتها، في تجسيد لمعنى الوفاء الذي نفتقده اليوم في كثير من العلاقات الزوجية، حيث باتت المصالح تطغى على مشاعر الإخلاص والتقدير.
كما أكد فضيلته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصًا على عدم إحراج الآخرين، سواء في بيته أو بين أصحابه، مستشهدًا بموقفه عندما أحدث أحد الصحابة صوتًا محرجًا أثناء الجلوس، فلم يوبخه النبي، بل قال بحكمة: "من أكل لحم جزور فليتوضأ"، حتى لا يشعر الشخص بالإحراج أمام الآخرين.
وتطرق فضيلة المفتي إلى الحديث عن أخلاقيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحرب، موضحًا أنه كان يوصي أصحابه بعدم الاعتداء على غير المحاربين، وعدم إيذاء النساء والأطفال والرهبان، وعدم هدم دور العبادة، كما استشهد بموقفه عند استشهاد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- حيث امتثل لأمر الله بعدم الانتقام، رغم الألم الذي شعر به.
أما عن فريضة الزكاة، فقد شدد فضيلته على أنها ليست إحسانًا من الغني، بل حق واجب في ماله، وأداة لتحقيق التكافل الاجتماعي، مستدلًا بقول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. موضحًا أن النصاب الشرعي للزكاة يبلغ 85 جرامًا من الذهب، ويجب إخراج 2.5% منه عند مرور الحول عليه.
وفيما يتعلق بالزكاة على من لديهم ديون، أشار إلى أن الأمر يُقدَّر بحسب الحالة، فإذا كانت لديه أموال تكفي لسداد الدين، فلا تسقط عنه الزكاة، أما إذا كان الدين يشكل عبئًا حقيقيًا، فينظر في الأمر وفقًا لظروفه الخاصة.
وختم فضيلة المفتي حديثه بالتأكيد على أن استلهام القيم النبوية في حياتنا اليومية هو السبيل لتحقيق الاستقرار الأسري والاجتماعي، داعيًا إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وتعاملاته، باعتبارها المنهج الأمثل لبناء مجتمع متماسك يقوم على الرحمة والتسامح والتقدير.