جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-01@23:55:54 GMT

ضمير الغرب!

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

ضمير الغرب!

 

د.صالح الفهدي

يبدو أَن ضميرَ الغربِ ليس ضميرًا إِنسانيًا طبيعيًا؛ بل هو ضميرٌ صناعي، يتحكَّمُ فيه بـ(الرموت كنترول) بحسبِ مصالحهِ، وأَهوائه، فالضمير الإِنساني لا يمكنُ إلا أن يكون طبيعي المشاعر، صادق الأحاسيس.

الضمير الغربي يتألمُ لمقتل فردٍ من كيانٍ محتلٍ، ويتجاهلُ مقتل الآلافِ من الأَبرياء؛ بل ويذرفُ الدمع لصورةٍ مفبركةٍ لكلبٍ، ولا يُبدي أَي اهتمام للمشاهدِ المروِّعة لمقتل المدنيين من النساء والرجال والأطفال، وهدمِ البيوت على أهلها العزَّلِ الأَبرياء.

الضمير الغربي هبَّ لهجومِ روسيا على أُوكرانيا، مع أن روسيا هي صاحبةُ حقٍّ لحماية بلادها من توسِّع الناتو شرقًا، ومن إبادة جماعية للسكان الروس الأصل في المقاطعات التي أصبحت اليوم جزءًا من روسيًا، ومن المختبرات البيولوجية التي تنتشرُ في أوكرانيا بإدارة إبن الرئيس الأمريكي بايدن، ومن تحكم النازيين واليهود على سدَّة الحكم فيها؛ يهبُّ الضمير الغربي ليفرض كل أشكال العقوبات على روسيا، لكنَّه لا يفعلُ شيئًا تجاه كيانٍ غاصبٍ في شكل دولةٍ تمارسُ العربدة والعنجهية والفصل العنصري والتهجير القسري والإِبادة الجماعية!!

الضمير الغربي يُسرعُ عبر محكمته الجنائية الدولية لإصدار مذكرةٍ بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يدافعُ عن حق بلاده الوجودي، بعد أن تخلت أوكرانيا عن الحياد وطلبت الإنضمام إلى الناتو وهو ما يشكِّل خطرًا محدقًا على روسيا، لكن الضمير الغربي لم يصحُ على الجرائم البشعة غير الإنسانية التي ارتكبها بنيامين نتنياهو في حق الفلسطينيين بشهادة كل المنظمات الدولية وبعض المسؤولين  في الدول الأوروبية كالنرويج وأسبانيا!!

الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تدَّعي أنها تمثِّل "العالم الحر" و"العالم الديمقراطي" و"الدول المتقدمة" ولكن كل هذه الشعارات الزائفة تفضحها المواقف والأحداث، بل يفضحها المنطقُ قبلَ كل شيء، إذ يقول الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الذي طردت بلاده السفير الإسرائيلي فيها:"الشعوب الديمقراطية لا يمكنها السماح للنازية بإعادة ترسيخ نفسها في السياسة الدولية".

لم يعد للضمير الغربي من منطقٍ يسوِّقه للعالم، فقد سقط الضمير الأخلاقي المنحط القيم في الحضيض بعد أن تمرَّد بحريته المزعومة على الفطرة الإنسانية السوية، وسقط ضميره العقلي المنحاز إلى الإجرام واستعباد البشر، وهو الذي يدَّعي محاربة العنصرية، التي لا يصحُّ فيها إلا معاداة السامية التي ينتفضُ لها الضمير الغربي فيحاكم من يشكك في محرقتها المضخَّمة الأسطورة، ويسجنُ من يعلن موقفها نحو الكيان الصهيوني المحتل!!

فماذا تبقَّى في الغربِ بعد أن فسد ضميره، وامتلأ بالنفاقِ ودعم الإجرام، وقتل الأبرياء، والإبادة الجماعية، وكل أصناف الشرِّ الذي يمكنُ أن يصدرَ من اللاإنسان المتصهين الذي فعل الأعاجيب؟!

في المقابل.. يُريه ضميرُ المقاومة كيف يعاملُ أسراه بالحُسنى، ويعتني بأطفال مستعمريه الذين يحملهم بين أياديه، ويطبطبُ عليهم، ويعالجُهم، ويفك أسر من لا ذنب له من المدنيين العزَّل، بيد أن كل ذلك لا تقابله صحوة ضميرٍ، ولا خفقة شعورٍ بالذنب.

هذا هو ضمير الغرب الذي لا أقصد به شعوبه في الغالب، فهم مغلوب عليهم بما تحقنه الآلة الإعلامية اليهودية في أذهانهم ليل نهار، وإنما أقصدُ به أنظمتهم السياسية التي تدوس مصالحها على كل الأعراف والمثل والقيم الإنسانية، ثم تدَّعي أنها الدول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات، والعدالة.

في كتابه "الحرب على غزة ونهاية إسرائيل"، ينقل المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي عن المحلل الإسرائيلي يوري أفنيري قوله: "ستنحفر في الضمير العالمي صورة إسرائيل كوحش ملطخ بالدماء جاهز في أي لحظة لارتكاب جرائم حرب وغير مستعد للالتزام بأي شرط أخلاقي".. هذه هي صورة الكيان الصهيوني كما صورها محلل إسرائيلي ونقلها عنه مفكر أمريكي، لكن الضمير الغربي يصور الكيان المغتصب بأنه "حمل وديع تحيط به ذئابٌ متوحشَّة"..!  

الضميرُ الغربي هو ضميرٌ ميِّتٌ حين يتعلق الأمر بما لا يتوافق مع مصالحه إلا من بعضِ فئات الشعوب الإنسانية والنُّخب المختلفة في جوانب الأدب والفن والرياضة وغيرها، والتي تنتفضُ في القضايا الإنسانية ضد سياسات حكوماتها، إنَّما الحكومات الغربية لم يعد لها ضميرٌ تحييه المشاهد المأساوية المروِّعة لأي بشر يحمل قلبًا يخفقُ بين أضلاعه.

لهذا طفحت الشعوب الأخرى بهذا الضمير الغربي الذي يقود الظلم، ويدعم الطغيان، ويساند الإستعباد، ضميرٌ لم يعد له كلمة صدق، ولا مسلك حق.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حركة ضمير في رسالة مفتوحة للرأي العام تنبه: التعديل الحكومي سيكون بلا جدوى

أخبارنا المغربية - محمد اسليم 

على بعد أسابيع من انعقاد جمعها العام وكما دأبت "حركة ضمير" التي تضم في عضويتها عددا من الكتاب والمثقفين والمبدعين، عملت الحركة على توجيه رسالة مفتوحة إلى الرأي العام ببلادنا أدانت من خلالها "بأشد العبارات - ما وصفته - بحالات الفساد المتعددة واختلاس المال العام والاحتيال وتضارب المصالح والصفقات العمومية المشبوهة وحالات الإثراء السريع المريبة، والترامي على أملاك دون موجب حق، استغلالا للنفوذ المكتسب من مواقع المسؤولية، وشبهات محاولات التأثير والضغط على منتخبين نزهاء، وغيرها من أشكال انتهاك القانون والأخلاقيات التي تخترق الطبقة السياسية وتضع فاعلين في التحالف الحكومي محط مساءلة أخلاقية، على المعنيين بها توضيح ملابساتها للرأي العام دفاعا عن الشرف: تسرُّب متابعين في تجارة المخدرات للمسؤولية الحزبية والسياسية، إيقاف أحد أعضاء الأمانة العامة الجماعية لحزب حاكم، محاولة السطو على أراض جماعية، تعدد حالات التجريد من المسؤولية الانتخابية في حق العديد من منتخبي التحالف الحكومي (31 برلمانيا ينتمون للتحالف الحاكم من ضمن 42 برلمانيا)، الخ". 

أعضاء المكتب التنفيذي للحركة أكدوا أنهم يشعرون كسائر المواطنين بالصدمة إزاء الصور المتداولة لأعداد غفيرة من الأجيال اليافعة والشابة وهي تحاول مغادرة بلدها عن طريق الهجرة الجماعية المعلنة، وأحيانًا على حساب حياتهم، وذلك بشكل مؤلم وجارح وغير مسبوق، ينم عن فقدان أمل نهائي لديهم ولدى أسرهم المعوزة من سياسات ووعود المسؤولين، منتقدين بالمقابل الصمت المطبق للحكومة، التي أصيبت بالشلل بسبب عجزها عن بلورة خطاب متماسك بعد المشهد المدمر الذي قدمه للعالم مئات وآلاف الشباب الذين يحاولون عبور الحدود سباحة أو سيراً على الأقدام، وبسبب عجزها عن التعامل مع ظاهرة الشباب الذين لا يجدون عملاً ولا تعليماً ولا تدريباً والذين يبلغ عددهم ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون يافع وشاب مغربي تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاماً. مشيرين كذلك الى الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة، ونسبة العزوف عن التصويت خلالها والتي حطمت كل الأرقام القياسية (كمثال نسبة المشاركة 6.5% في دائرة الرباط - المحيط)، منبهين المواطنين بأن طريقتهم في التعبير عن انعدام الثقة والغضب المشروع من خلال عدم اكتراثهم بالاستحقاقات الانتخابية هي طريقة غير مناسبة، بل خطيرة، لأنها تترك الطريق سالكة أمام البلطجة الانتخابية، وترهن مستقبلهم في نهاية المطاف.

الرسالة أكدت كذلك أن ما نشهده اليوم من تحولات وتوترات كبرى في العالم - علما بأن قادمها قد يكون أصعب مما عهدناه تقول الرسالة - ليحتم على بلادنا، أكثر من أي وقت مضى، أن تحقق خطوات دالة وفعلية في مجال العدالة الاجتماعية والمجالية بدءا بانتشال الفئات المحرومة من براثن الفقر والضياع وفقدان الامل، وفي هذا الصدد - تضيف المراسلة - على الطبقة السياسية وجوبا، أن تعطي المثال من سلوكها بإشارات جلية واضحة أمام أعين الشعب، تتمثل في التخليق الفعلي للحياة السياسية والمحاربة الصارمة لهدر المال العام والاثراء غير المشروع، كما في خفض النفقات العمومية غير الضرورية والتقشف المعقلن. محذرة من أن يعتقد المسؤولون السياسيون أن الفترة المقبلة في العالم ستكون، كما الفترات السابقة، ضامنة لمستوى حد أدنى من الاستقرار في المعمور بكل مناطق التوتر فيه. 

الحركة نبهت أيضا إلى أنه وفي ظل مراهنة البعض على تعديل حكومي في محاولة للهروب من الدوامة الجهنمية للتقهقر السياسي فإنها تعتبر – على غرار العديد من المواطنين - بأن هذا الحل سيكون بلا جدوى، لأنه سوف يماثل وضعَ ضمَّادة على ساق خشبية. قبل أن تضيف إن اللحظة الراهنة ذات حساسية بالغة على بلادنا باعتبارها تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مبادرة سياسية من طرف الدولة، مبادرة نوعية تسمح لها بتعزيز الروابط بين المغاربة وباستعادة ثقتهم في المؤسسات. مؤكدة التزامها بالمشاركة في أي دينامية صحية تجيب على انتظارات المواطنين، ومشددة على نشاطها سوف يتمحور حول العمل على بلورة نموذج سياسي جديد، كشرط لا غنى عنه للتطبيق الأمين والمخلص لمقتضيات الدستور ولتوصيات النموذج التنموي الجديد، على أن يتم تصور هذا النموذج في إطار المرجعية الدستورية واحترام ثوابت الأمة، وسيتخذ شكل مقترحات تشريعية وآليات عمل وهياكل تهدف إلى تحديث عمل الأحزاب السياسية، وتنظيم ديمقراطيتها الداخلية، وضمان شفافيتها المالية، وتسقيف نفقاتها الانتخابية، وفرض عقوبات جنائية على استعمال المال في الانتخابات، ومحاربة تضارب المصالح وحالات التنافي، وتخليق الحياة العامة وضمان استقلالية الأحزاب السياسية عن كل تدخل. كل ذلك من أجل تثبيت دورها ضمن الفضاء العام كما ضمن المؤسسات. وبدون هذه المتطلبات الأساسية - تواصل الرسالة - ستبقى تنمية المغرب وازدهار المغاربة واقعاً افتراضياً ينتظر أجيالا أخرى.

مقالات مشابهة

  • أوهام الديمقراطية 2
  • عن كثب.. ما هي جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل؟
  • السفير حسام زكي: غزة واجهت كارثة ستظل وصمة عار على جبين العالم الذي وقف عاجزاً أمامها
  • رسالة إلى التجار وأصحاب تحويلات بنكك لا تقتلوا الضمير الإنساني مرتين!
  • مسؤول سابق في النقد الدولي: الولايات المتحدة هي العدو الرئيسي للدولار
  • حركة ضمير في رسالة مفتوحة للرأي العام تنبه: التعديل الحكومي سيكون بلا جدوى
  • كاتب كندي: نداءات السلام التي أطلقها المؤيدون الغربيون لإسرائيل تمثيلية ساخرة
  • الرئيس السريلانكي الجديد وإجراءات التقشف التي فرضها الغرب
  • المقاومة.. مسيرًا ومصيرًا
  • شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (4)