د.صالح الفهدي
يبدو أَن ضميرَ الغربِ ليس ضميرًا إِنسانيًا طبيعيًا؛ بل هو ضميرٌ صناعي، يتحكَّمُ فيه بـ(الرموت كنترول) بحسبِ مصالحهِ، وأَهوائه، فالضمير الإِنساني لا يمكنُ إلا أن يكون طبيعي المشاعر، صادق الأحاسيس.
الضمير الغربي يتألمُ لمقتل فردٍ من كيانٍ محتلٍ، ويتجاهلُ مقتل الآلافِ من الأَبرياء؛ بل ويذرفُ الدمع لصورةٍ مفبركةٍ لكلبٍ، ولا يُبدي أَي اهتمام للمشاهدِ المروِّعة لمقتل المدنيين من النساء والرجال والأطفال، وهدمِ البيوت على أهلها العزَّلِ الأَبرياء.
الضمير الغربي هبَّ لهجومِ روسيا على أُوكرانيا، مع أن روسيا هي صاحبةُ حقٍّ لحماية بلادها من توسِّع الناتو شرقًا، ومن إبادة جماعية للسكان الروس الأصل في المقاطعات التي أصبحت اليوم جزءًا من روسيًا، ومن المختبرات البيولوجية التي تنتشرُ في أوكرانيا بإدارة إبن الرئيس الأمريكي بايدن، ومن تحكم النازيين واليهود على سدَّة الحكم فيها؛ يهبُّ الضمير الغربي ليفرض كل أشكال العقوبات على روسيا، لكنَّه لا يفعلُ شيئًا تجاه كيانٍ غاصبٍ في شكل دولةٍ تمارسُ العربدة والعنجهية والفصل العنصري والتهجير القسري والإِبادة الجماعية!!
الضمير الغربي يُسرعُ عبر محكمته الجنائية الدولية لإصدار مذكرةٍ بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يدافعُ عن حق بلاده الوجودي، بعد أن تخلت أوكرانيا عن الحياد وطلبت الإنضمام إلى الناتو وهو ما يشكِّل خطرًا محدقًا على روسيا، لكن الضمير الغربي لم يصحُ على الجرائم البشعة غير الإنسانية التي ارتكبها بنيامين نتنياهو في حق الفلسطينيين بشهادة كل المنظمات الدولية وبعض المسؤولين في الدول الأوروبية كالنرويج وأسبانيا!!
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تدَّعي أنها تمثِّل "العالم الحر" و"العالم الديمقراطي" و"الدول المتقدمة" ولكن كل هذه الشعارات الزائفة تفضحها المواقف والأحداث، بل يفضحها المنطقُ قبلَ كل شيء، إذ يقول الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الذي طردت بلاده السفير الإسرائيلي فيها:"الشعوب الديمقراطية لا يمكنها السماح للنازية بإعادة ترسيخ نفسها في السياسة الدولية".
لم يعد للضمير الغربي من منطقٍ يسوِّقه للعالم، فقد سقط الضمير الأخلاقي المنحط القيم في الحضيض بعد أن تمرَّد بحريته المزعومة على الفطرة الإنسانية السوية، وسقط ضميره العقلي المنحاز إلى الإجرام واستعباد البشر، وهو الذي يدَّعي محاربة العنصرية، التي لا يصحُّ فيها إلا معاداة السامية التي ينتفضُ لها الضمير الغربي فيحاكم من يشكك في محرقتها المضخَّمة الأسطورة، ويسجنُ من يعلن موقفها نحو الكيان الصهيوني المحتل!!
فماذا تبقَّى في الغربِ بعد أن فسد ضميره، وامتلأ بالنفاقِ ودعم الإجرام، وقتل الأبرياء، والإبادة الجماعية، وكل أصناف الشرِّ الذي يمكنُ أن يصدرَ من اللاإنسان المتصهين الذي فعل الأعاجيب؟!
في المقابل.. يُريه ضميرُ المقاومة كيف يعاملُ أسراه بالحُسنى، ويعتني بأطفال مستعمريه الذين يحملهم بين أياديه، ويطبطبُ عليهم، ويعالجُهم، ويفك أسر من لا ذنب له من المدنيين العزَّل، بيد أن كل ذلك لا تقابله صحوة ضميرٍ، ولا خفقة شعورٍ بالذنب.
هذا هو ضمير الغرب الذي لا أقصد به شعوبه في الغالب، فهم مغلوب عليهم بما تحقنه الآلة الإعلامية اليهودية في أذهانهم ليل نهار، وإنما أقصدُ به أنظمتهم السياسية التي تدوس مصالحها على كل الأعراف والمثل والقيم الإنسانية، ثم تدَّعي أنها الدول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات، والعدالة.
في كتابه "الحرب على غزة ونهاية إسرائيل"، ينقل المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي عن المحلل الإسرائيلي يوري أفنيري قوله: "ستنحفر في الضمير العالمي صورة إسرائيل كوحش ملطخ بالدماء جاهز في أي لحظة لارتكاب جرائم حرب وغير مستعد للالتزام بأي شرط أخلاقي".. هذه هي صورة الكيان الصهيوني كما صورها محلل إسرائيلي ونقلها عنه مفكر أمريكي، لكن الضمير الغربي يصور الكيان المغتصب بأنه "حمل وديع تحيط به ذئابٌ متوحشَّة"..!
الضميرُ الغربي هو ضميرٌ ميِّتٌ حين يتعلق الأمر بما لا يتوافق مع مصالحه إلا من بعضِ فئات الشعوب الإنسانية والنُّخب المختلفة في جوانب الأدب والفن والرياضة وغيرها، والتي تنتفضُ في القضايا الإنسانية ضد سياسات حكوماتها، إنَّما الحكومات الغربية لم يعد لها ضميرٌ تحييه المشاهد المأساوية المروِّعة لأي بشر يحمل قلبًا يخفقُ بين أضلاعه.
لهذا طفحت الشعوب الأخرى بهذا الضمير الغربي الذي يقود الظلم، ويدعم الطغيان، ويساند الإستعباد، ضميرٌ لم يعد له كلمة صدق، ولا مسلك حق.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حركة فتح: نتمنى أن يكون هناك صحوة في ضمير العالم تجاه فلسطين
أكد زيد تيم، أمين سر حركة فتح بهولندا، ان إسرائيل بجيشها تمارس “خطة الجنرالات” من التهجير القسري والضغط على الشعب الفلسطيني، والدليل على ذلك هو حرق المدنيين وهم نيام في خيامهم.
“خطة الجنرالات” في فلسطين حركة فتح: إسرائيل تواصل عدوانها على الفلسطينيين وسط صمت دولي من العالم ميناء الاسكندرية: استمرار فتح البوغاز وانتظام حركة الملاحةوتساءل زيد تيم، أمين سر حركة فتح بهولندا، خلال حواره عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، : “هل هذا العالم الأصم سيبقى أصم إلى هذه الدرجة؟!”، متمنيا أن يكون هناك صحوة في ضمير العالم تجاه فلسطين.
وشدد على أنه لا ثقة في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، فهو لديه مطامع أخرى في الضفة الغربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل كامل، مشيرا إلى أن صمود الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة أمام كل تلك الهجمات الإسرائيلية سواء من تجويع وقصف المستشفيات وتهجير قلبت كثيرا من الموازيين الدولية.
وتابع: “أكثر من 43 مستشفى خرجت عن الخدمة، وكل الشعب الفلسطيني يتعرض في كل أماكن تواجده في غزة والضفة لحرب إبادة حقيقية، جزء منها مرئي للعالم وأخر غير مرئي يُدار من تحت الطاولة”.
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول ضرب ومسح كل المناطق مثل جباليا التي مُسحت الآن من الخريطة وغيرها من المناطق التي دمرت ولا يراها الإعلام.
دعا نائب رئيس حركة فتح الفلسطينية محمود العالول؛ المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لإلزام إسرائيل بإلغاء قانون حظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، خاصة في القدس المحتلة، وإلغاء الامتيازات والحصانات الممنوحة لها منذ عام 1949.
وحذر نائب رئيس حركة فتح ، اليوم الثلاثاء، من التداعيات السلبية لهذا القانون على دور الوكالة في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية " وفا" .
وأكد العالول أن هذا القانون يعكس نية إسرائيل الممنهجة لإنهاء دور "الأونروا" واستبدالها بوكالات أخرى، في خطوة تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء حقهم في العودة، قائلا "إن حق اللاجئين في العودة مكفول بالقانون الدولي، ولا يمكن إسقاطه أو تجاوزه بالإجراءات الإسرائيلية".
وتحدث العالول عن أن هذا القانون يشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، واعتداءً على وكالاتها ومنظماتها، ويتعارض مع القرارات الدولية ذات الصلة بحماية المؤسسات الأممية ومنشآتها، وعلى رأسها قرار تأسيس "الأونروا" رقم 302، والقرار الأخير لمجلس الأمن الذي يدعو إلى حماية المؤسسات الإنسانية والعاملين فيها.