دمشق-سانا
بأدواته البسيطة المكونة من “الكاسوح والرمة والحجر” يقوم العم شحادة عنيد بتطويع أعواد الريحان لتصنيع أشكال مختلفة من السلل والتحف والقفف التي لا يكاد يخلو بيت ريفي منها، ولا سيما في قريته حب نمرة بريف حمص الغربي.
وفي تصريح لسانا الشبابية بين عنيد 63 عاماً أنه يعمل بهذه الحرفة منذ أكثر من 55 عاماً، فطقوسها الجميلة نقشت بذاكرته منذ الطفولة عندما كان يذهب مع والده إلى البراري لجمع أعواد الريحان وتنظيفها وفرزها لاستخدامها في العمل لاحقا، مشيراً إلى أن أهالي قريته برعوا في صناعة السلل والقفف التراثية التقليدية التي لا تزال تصارع الزمن.
وحول طريقة صناعة القفة أوضح عنيد أن عدد عيدان القفة يشبه السنة بأيامها وأسابيعها وشهورها، فالقفة تبدأ بأربعة عيدان مثقوبة وأربعة عادية يتم تشبيكها مع بعضها بشكل متعامد، في إشارة إلى فصول السنة الأربعة يضاف إليها ثمانية أعواد، وهي مع الأربعة السابقة دلالة على أشهر السنة، حيث يتم البناء عليها ليتكون لدينا 52 قائمة مكونة من عيدان الريحان وهي أسابيع السنة لتنتهي القفة بعدد عيدان يبلغ 365 وهي أيام السنة، وبذلك تكون القفة جاهزة للاستخدام.
وأوضح عنيد أن إنتاج قفة واحدة من أعواد الريحان ذات الرائحة العطرة يحتاج يوماً كاملاً لدقة صناعتها، لافتاً إلى أن أهالي الريف كانوا في السابق يستخدمون القفف عند سلق الحنطة، حيث كانت توضع في القفة وهي ساخنة لنقلها وفرشها على أسطح المنازل.
وأشار إلى أنه رغم قلة بيع القفف في الأسواق والمحلات إلا أنه ما زال يتمسك بهذه الحرفة ويبذل قصارى جهده لنقلها وتعليمها لجيل الشباب للحفاظ عليها من الاندثار.
من جهتها عضو الغرفة الفتية الدولية بدمشق وبمشروع حرفة الشابة ميس ليا أحمد قالت: “من خلال زياراتي الميدانية لأصحاب الحرف التراثية لتوثيقها استهوتني هذه الحرفة ورغبت بتعلمها ولا سيما أن منتجات أعواد الريحان عطرة ومليئة بالألوان والزخارف التي تجذب الأنظار وتقاوم الزمن”.
بدورها الصيدلانية رنا أبو راشد مديرة مشروع حرفة بالغرفة الفتية بدمشق أوضحت أن مشروع حرفة انطلق تحت نطاق التأثير المجتمعي وبرعاية وزارة الصناعة وهدفه تفعيل دور الشباب والحرف التراثية، لافتة إلى أن أعضاء المشروع البالغ عددهم أكثر من 70 شاباً وشابة قاموا بزيارة الحرفيين بأماكن عملهم ووثقوا هذه الحرف عبر فيديوهات للحفاظ عليها من الضياع والاندثار.
سكينة محمد وأمجد الصباغ
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية:
إلى أن
إقرأ أيضاً:
الـ2024 ترحل غير مأسوف عليها
قد يكون ما سيكتب في هذه الزاوية اليومية من كلام عن سنة مضت وأخرى أطّلت شبيهة بما كُتب السنة الماضية أو تلك التي قيلت على مدى سنوات الانهيار. ولكن ما يمكن أن تأتي به هذه الأسطر من جديد هو إجماع اللبنانيين على اعتبار سنة 2024 هي الأسوأ بين السنوات السيئة. يحاول المرء أن يفتش عن أسباب تخفيفية لهذه السنة المشؤمة فلا يجد سوى البؤس، والحزن، والخراب، والانهيار. فلا رئيس للجمهورية يحكم. ولا مؤسسات منتظم عملها. ولا هدنة مضمونة النتائج ومستدامة. ولا شيء إيجابي يلوح في الأفق. ولا أمل في الخروج من دوامة الأزمات. وإذا أراد كل واحد منا أن يبحث عن بصيص ضوء أو أمل بغد لا أحد يعرف كيف سيكون فلا يجده، حتى أن ما يخبئه المستقبل من مفاجآت قد يكذّب المنجمين والبصارين وقارئي الفنجان أو الضاربين بالرمل. هي أمنيات وليس أكثر من ذلك. هي أمنيات تتشابه ونحملها من سنة إلى أخرى على أمل أن يتحقّق منها ولو عشرة في المئة. وفي مطلع كل سنة جديدة نعيد التمنيات ذاتها، ونحاول أن نحمّلها أكثر من قدرتها على الاحتمال. نلقي على أكتافها همومنا ومشاكلنا وأحلامنا وحقّنا بالعيش الكريم. ومع توالي أيام السنة الجديدة تبقى التمنيات مجرد تمنيات نحاول من خلالها تجميل الواقع، أو بالأحرى رفض ما في هذا الواقع من بشاعات غير مرتبطة بدورة
الأيام العادية. كثيرة هي التمنيات التي نحمّلها كل سنة لكل سنة تأتي طبيعيًا ومن دون استئذان، بعد أن نكون قد أنزلنا بالسنة التي تمضي كل ما لدينا من نعوت بشعة، وهي التي كنا نعلق عليها الآمال. فلا السنوات التي ودّعناها
كانت كلها سيئة، ولا كل السنوات التي كنا ننتظرها بشغف وشوق حملت لنا ما حمّلناها إياها من تمنيات، وإن كانت أحيانًا غير واقعية وغير منطقية. ليس سهلًا علينا أن نعي أن كل لحظة تمضي لن تعود مرّة جديدة، لتنضم إلى السلالة الكونية في دورانها التجدّدي في مدار توالي السنين، وهي سنّة التواصل بين ماضٍ لم يعد سوى ذكريات، وبين حاضر لا يدوم سوى لحظات، ومستقبل لا يعرف أحد منا ما يخبئه له من مفاجآت، سارةً كانت أم حزينة. فهذه الجدلية القائمة بين دورة الأيام، بين شروق الشمس ومغيبها، هي ما تعطي لماضينا معنىً عبر مسلسل حياة عبرت بسرعة وكأن ما عشناه قبل سنوات هو كالأمس الذي عبر. ولكن أحلى ما في هذا الماضي أنه كان لنا فيه أحبة أصبحوا ذكرى وأغنية لم ينظمها شاعر ولم يلحنها موسيقي. وأجمل ما في الحاضر أنه جسر من "حبال هواء" تربط بين ما مضى وبين ما هو آتٍ. عندما يتعانق عقربا الساعة عند منتصف ليل 31 كانون الأول و1 كانون الثاني تنتهي سنة كثُرت فيها خيبات الأمل لتبدأ سنة جديدة سنحمّلها أكثر مما تحتمل، في لعبة الهروب من واقع مرير إلى المجهول، الذي سينضم بعد 365 يومًا إلى نادي الأيام الضائعة والتائهة في ما يُسمى الماضي، وهي أيام لن تعود إلا ذكريات، جميلة كانت أم بشعة، فرحة أم حزينة. هي جدلية تتكرر مرّة كل سنة. ومعها تدور دورة الأيام الرتيبة حتى يُخيّل للمتأمل في الأسرار الكونية أن اللحظات الجميلة لا تدوم طويلًا، وذلك لكثرة ما في وقائع الحياة من ترسبات الماضي. ويكفي ألا يكون الذين كانوا يملأون دنيانا بهجة وفرحًا غير حاضرين اليوم إلاّ في الوجدان لنكتشف كمّ هي قاسية دورة الحياة. المصدر: خاص "لبنان 24"