مجالس المستقبل العالمية تشكل ملامح عقد اجتماعي واقتصادي جديد
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
دبي في 17 أكتوبر/ وام / استعرضت مجالس المستقبل العالمية، التي تعقد بتنظيم مشترك بين حكومة دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي، ملامح عقد اجتماعي واقتصادي جديد يسهم في الحد من آثار ما يشهده العالم حالياً من تحديات جيوسياسية وموجات تضخم قياسية.
وركزت أعمال المجالس، ضمن محور الاقتصاد والمالية الذي شمل 7 مجالس، على أهمية حشد الجهود الدولية لبناء اقتصادات تواكب المستقبل ومجتمعات أكثر ازدهاراً ومرونة واستدامة، ووضع المشاركون فيها مجموعة من التوصيات الهادفة إلى التكيف مع أي اضطرابات مستقبلية في سلاسل التوريد العالمية، والحد من التداعيات السلبية الناجمة عن التوترات الجيوسياسية حول العالم على الاقتصاد العالمي.
وتناولت أفضل السبل لإعادة تشكيل مستقبل التجارة الدولية وتدفقات الاستثمار العالمي، ليسهما بشكل فعال في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة وما يصاحبها من موجات تضخم في معظم أرجاء العالم.
- تصنيع متقدم يعزز القيمة المضافة للاقتصادات..
وركز مجلس مستقبل التصنيع المتقدم وسلاسل القيمة على سبل الارتقاء بقطاع التصنيع المتقدم بما يرسخ دوره في تعزيز القيمة المضافة للاقتصادات الوطنية من جهة، والاقتصاد العالمي ومرونته وقدرته على التكيف مع التغيرات الطارئة من جهة أخرى.
وتطرق إلى سبل الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في تعزيز مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج الإجمالي العالمي، وقيادتها للنمو الاقتصادي بوصفها محركا رئيسياً للتنمية، واستعرض عدداً من قصص نجاح الصناعات التحويلية وسلاسل الإنتاج العالمية في عدد محدود من الدول، وأهمية نقل التجارب الناجحة في هذا المجال إلى المزيد من الدول حول العالم.
وناقش المجلس أفضل السبل للتكيف مع الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب جائحة كورونا، والدروس المستفادة من هذه التجربة التي مر بها العالم، وبحث سبل ضمان عدم تكرارها أو الحد من تداعياتها عبر تبني نظم جديدة لسلاسل التوريد العالمية أكثر مرونة وكفاءة وقدرة على التكيف، وأكد المشاركون فيه أهمية تبني الابتكار في قطاعي الصناعة وسلاسل التوريد باعتباره حلاً استشرافياً للعديد من التحديات المستقبلية، يمكنه أن يفتح مسارات وآفاقاً واعدة أمام اقتصادات حيوية.
- اقتصاد مستقبلي شامل ومستدام..
وعلى وقع المتغيرات المتسارعة والتحديات الجديدة التي يشهدها العالم، بحث مجلس مستقبل النمو الاقتصادي سبل معالجة الصدمات الاقتصادية، وناقش أعضاء المجلس من المسؤولين والخبراء العالميين الحاجة إلى عقد اجتماعي واقتصادي جديد، يواكب ما يشهده العالم من أعمق موجات ارتفاع التضخم، والركود المحتمل، مع تنامي شعور عام بأن السياسات الاقتصادية العالمية الحالية لا تولي اهتماماً بتحسين الموارد المالية على أسس الشمول والاستدامة.
وتبادل أعضاء المجلس الرؤى والأفكار لمجموعة من الإجراءات التي يمكن للدول حول العالم اعتمادها وتوظيفها في بناء اقتصادات مستقبلية شاملة ومتقدمة، وتأسيس مجتمعات أكثر ازدهاراً وعدالة ومرونة واستدامة، بما يحقق التنمية الشاملة المرتكزة على الإنسان. وتطرقوا إلى أهمية تبني ممارسات الاقتصاد الأخضر واعتماد حلول الطاقة المستدامة باعتبار ذلك مساهماً رئيسياً في تطور الاقتصاد العالمي وتحفيز نموه المستدام.
- الاستثمار الأخضر والتكنولوجيا يرفدان وظائف المستقبل..
أما مجلس مستقبل صناعة الوظائف، فقد تطرق إلى الفرص المتنوعة لخلق المزيد من فرص العمل حول العالم، والتي تخلقها التحديات الراهنة المتعلقة بالتغير المناخي، وذلك عبر تبني الاستثمارات الخضراء، في ظل الترابط الوثيق بين أفراد المجتمعات وكوكب الأرض والاقتصاد، وأهمية ذلك في رسم أي مسار للنهوض بمستويات النمو العالمي وتحقيق تنمية خضراء قادرة على الصمود وشاملة للجميع، وخصوصاً في البلدان النامية التي يعتمد سكان المناطق الريفية فيها اعتماداً كبيراً على خدمات الطبيعة.
وركز المجلس على أهمية الاستثمارات التكنولوجية والاجتماعية في توليد فرص العمل في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة على حد سواء خلال العقد المقبل، مع أهمية التركيز على دعم المواهب وأصحاب الأفكار الخلاقة باعتبارهم محركاً أساسياً لابتكار أعمال وقطاعات ضمن اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والذي يساهم في خلق المزيد من الوظائف الجديدة.
- تحول اقتصادي مستقبلي عادل..
وتداول أعضاء مجلس مستقبل اقتصاد الانتقال العادل ثلاث تحديات رئيسية، هي: المساواة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية، والعدالة في الاقتصادات المتقدمة، والعدالة في الاقتصادات النامية. وحدد مجموعة من التوصيات الهادفة لدعم جهود صناع السياسات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني في تسريع تحقيق التحول الاقتصادي اللازم لبناء مستقبل أكثر إنصافا واستدامة للأجيال القادمة، وخصوصاً أن العقود المقبلة ستلعب دوراً حاسماً في تحقيق التوازن بين تكيف المجتمع مع تغير المناخ والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وتبني نماذج استهلاك جديدة.
واستعرض المجلس عددا من السياسات والنماذج الاقتصادية المبتكرة التي تعزز التحول العادل والمنصف نحو مستقبل أكثر استدامة، وتطرق إلى أهمية تعزيز تبادل المعارف والخبرات والتجارب الناجحة في هذا المجال بين دول العالم، خصوصاً مع الدول التي طورت ممارسات ذات آثار اقتصادية واجتماعية إيجابية.
- التعاون محرك مستقبل التجارة والاستثمار..
وبحث أعضاء مجلس مستقبل التجارة والاستثمار سبل مواجهة واحد من أهم التحديات التي يواجهها العالم حالياً، المتمثل في تعثر التعاون الاقتصادي العالمي، وتأثير ذلك على تدفقات تجارة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والاستثمارات، بسبب الإجراءات الحمائية التي لجأت إليها بعض الدول والعوائق المفروضة على حرية التجارة العالمية.
وتطرق المجتمعون إلى أهمية تبني سياسات تدعم حرية التجارة والاستثمار العابرين للحدود، باعتبارهما أهم محركين للنمو الاقتصادي والتنمية الشاملة حول العالم، مع ضرورة إزالة كل الحواجز التي تعوق التدفقات التجارية والاستثمارية عبر تصور عالمي شامل وقابل لتحقيق التوافق الدولي، يهدف إلى إعادة تشكيل مستقبل التجارة العالمية والاستثمار الدولي، لبناء شراكات عالمية تساهم في خلق اقتصادات ومجتمعات مستدامة ومرنة وعادلة وأكثر قدرة على التكيف مع التحديات المستقبلية.
- أنظمة مالية مرنة لمواجهة تحديات المستقبل..
ولمساعدة النظام المالي العالمي على مواجهة التحديات الكبرى التي يمر بها حالياً، مع خروج البنوك المركزية من تدابير الدعم في معركتها ضد الارتفاع القياسي في معدلات التضخم، بحث مجلس مستقبل الأنظمة المالية المرنة مجموعة من الآليات والحلول الداعمة لجهود تسهيل العودة إلى "الوضع الطبيعي الجديد" مع ضمان قيام كافة المعنيين باتخاذ الخطوات اللازمة لبناء مؤسسات مرنة وخضراء وأكثر شمولاً.
وأشاروا إلى أن سياسات التشديد المالي ورفع أسعار الفائدة المصرفية، التي تتبعها معظم البنوك المركزية حول العالم حالياً، لمكافحة ارتفاع التضخم، تؤثر على ال جهود التنموية في العديد من الدول، ويدفع ثمنها في أغلب الأحيان الفئات المجتمعية الأقل حظاً، بالتزامن مع استمرار التوترات الجيوسياسية وغيرها من التحديات في ممارسة الضغوط على الجهات الفاعلة في النظام المالي العالمي.
- إعادة تعريف الاستثمار المسؤول..
وتطرق مجلس مستقبل الاستثمار المسؤول إلى تفاصيل المشهد الاستثماري الحالي في العالم، باعتباره الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، وما يرافقها من توترات جيوسياسية تؤثر على الجغرافيا الاقتصادية للعالم وتضعها عند نقطة حرجة.
وتناول المجلس أبرز التحولات التي يحتاج عالم الاستثمار إلى تبنيها، عبر إحداث تغييرات هيكلية في أنظمة التحليل وإدارة المخاطر بهدف إعادة تعريف مفهوم الاستثمار المسؤول أو المستدام ليراعي بشكل أفضل معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والأخلاقية والمعنوية لتحقيق عائدات مالية طويلة المدى، وفي الوقت ذاته، إحداث تأثير إيجابي في المجتمع والبيئة والاقتصاد بشكل عام.
يشار إلى أن مجالس المستقبل العالمية عقدت بمشاركة أكثر من 600 خبير عالمي ومفكر ضمن 30 مجلساً، إلى جانب مسؤولين حكوميين وممثلين عن المنظمات الدولية والأكاديميين، في ملتقى سنوي يهدف لوضع خطط المستقبل والتي تحدد توجهات اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" 2024.
وكانت حكومة دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي، وقعا في يناير الماضي، اتفاقية شراكة لتنظيم مجالس المستقبل العالمية، في خطوة جديدة لمسيرة الشراكة بين الجانبين، التي تم تتويجها في مايو 2022 بتوقيع اتفاقية شراكة عالمية استراتيجية مستدامة تهدف إلى تعزيز جهود استكشاف الفرص المستقبلية، وترسيخ التكامل والتعاون في دعم المبادرات العالمية ووضع الخطط والاستراتيجيات المستقبلية الشاملة.
يذكر أن مجالس المستقبل العالمية جمعت منذ إطلاقها بالشراكة بين حكومة دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي، عام 2008، على مدى 14 عاماً، أكثر من 12 ألف مشارك من 100 دولة، اجتمعوا في نحو 900 مجلس ناقشت مستقبل القطاعات الأكثر ارتباطاً بحياة الإنسان.
عبد الناصر منعمالمصدر: وكالة أنباء الإمارات
كلمات دلالية: مجالس المستقبل العالمیة الاقتصادی العالمی مستقبل التجارة مجلس مستقبل حول العالم
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يستقبل وفدًا من المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بليبيا
استقبل الأستاذ الدكتور نظير عياَّد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- اليوم الأربعاء، وفدًا من المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف بليبيا برئاسة الشيخ أكرم فرج صالح الجراي؛ وذلك لبحث سُبل التعاون في مجال تدريب الطلاب الليبيين على علوم الإفتاء، وقد ضم الوفد عددًا من أعضاء الرابطة، وهم: الشيخ علي أحمد شميلة، والشيخ عبد الوهاب سالم خير، والشيخ بلال بو عنيزة، والشيخ محمد السلام السويح، والشيخ أبو بكر بوخاري محمد.
حصاد الإفتاء 2024.. إنجازات متميزة لخدمة الأسرة المصرية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء: الذكاء الاصطناعي فرصة لتعزيز الوسطية ونشر الفكر المعتدلوفي مستهل اللقاء أكَّد فضيلة مفتي الجمهورية على عمق العلاقات بين مصر وليبيا، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية واحدة من مؤسسات الدولة المصرية، وقد نالت مكانتها في قلوب الناس بسبب اهتمامها بكافة مناحي الحياة، وخاصة في مجالات التدريب والتأهيل، وعنايتها بقضية صناعة المفتي.
كما استعرض إدارات دار الإفتاء المختلفة، مشيرًا إلى أنها تضم مجموعة من الإدارات الحيوية التي تعمل على تقديم خدمات إفتائية متنوعة، وتساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وحل مشكلات المواطنين، ومن بينها إدارة الفتوى الشفوية: وهي الإدارة التي تتعامل مع طلبات الفتاوى التي يتقدم بها الأفراد حيث يتم معالجة الفتاوى وَفْقًا للأُسس الشرعية المتبعة، وكذلك إدارة الفتوى المكتوبة وإدارة الفتوى الهاتفية وإدارة الفتوى الإلكترونية، حيث تتيح هذه الإدارات للأفراد الحصول على فتاوى من خلال الاتصال الهاتفي أو عبر الإنترنت، ويعمل فيها فريق من العلماء والمختصين الذين يتواصلون مع السائلين ويقدمون لهم الإرشادات الشرعية في الوقت الفعلي.
كما أشار أيضًا إلى إدارة فض النزاع التي تعمل على حل النزاعات، سواء كانت تتعلق بالأسرة أو حقوق الأفراد في المجتمع، ومركز الإرشاد الأسري الذي يهدُف إلى مساعدة الأُسر في مواجهة المشكلات المتعلقة بالعلاقات الأسرية، مثل: الطلاق، والعنف الأسري، والمشاكل بين الأزواج، وكذا إدارة الأبحاث الشرعية: وتهتم بإجراء البحوث والدراسات التي تتعلق بالقضايا الفقهية المعاصرة، وتحليل المشكلات الاجتماعية والثقافية من منظور إسلامي.
كما تحدث فضيلة المفتي عن إطلاق دار الإفتاء مؤخرًا لمركز الإمام الليث بن سعد، وهو مركز علمي فريد من نوعه، يهدُف إلى إحياء تراث الإمام الليث بن سعد عبر نشر أعماله وتنظيم ندوات تناقش أفكاره ومنهجه، إلى جانب عمله على تعزيز الفقه الوسطي المصري وترسيخ مبادئ التعايش والسلام، ومكافحة خطاب الكراهية من خلال برامج تدريبية ودراسات متخصصة، وتشجيع البحث العلمي حول فقه التعايش؛ مما يجعله مصدرًا هامًّا للباحثين والمفتين في مجالات العلوم الشرعية.
وفي سياق ذي شأن تحدث فضيلة المفتي عن الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، مشيرًا إلى أنها تضم 111 مؤسسة من 108 دول، وتضم عددًا من الوَحدات والمراكز البحثية البارزة، مثل مركز "سلام" لدراسات التطرف، الذي يساهم بشكل كبير في استشراف المستقبل.
وأشار المفتي إلى أن دار الإفتاء المصرية قد رسخت مكانتها كمرجع أساسي للمؤسسات الإفتائية في العالم، حيث تصدَّت للأفكار المتطرفة، مثل أفكار داعش والنصرة، وقامت بنقد آرائهم وأصدرت العديد من الفتاوى العلمية والمطبوعات التي تفند أفكارهم، لافتًا النظر إلى أن دار الإفتاء والأمانة العامة لا ينفصلان عن واقع الناس، بل يتفاعلان مع قضاياهم ومشاكلهم.
كذلك تطرَّق فضيلةُ المفتي إلى الحديث عن برامج التدريب التي تقدِّمها دار الإفتاء، موضحًا أن برنامج التدريب لدى الدار يقبل الطلاب الدارسين بعد مرحلة الليسانس أو الدراسات العليا، ويمتد حاليًّا إلى ثلاث سنوات، مع دراسة تقليصه إلى سنتين، مشيرًا إلى أن البرنامج يشمل التدريب على العلوم الإفتائية والإنسانية والاجتماعية، بالإضافة إلى برنامج خاص يتعلق بصناعة المفتي، معربًا عن استعداد دار الإفتاء لتدريب الطلاب الوافدين من ليبيا. كما أكد أن دار الإفتاء المصرية ليست للمصريين وحدهم، بل لجميع المسلمين في أنحاء العالم.
من جانبه، أعرب الشيخ أكرم فرج صالح الجراي -رئيس فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف بليبيا-عن شكره العميق لمفتي الجمهورية على حُسن الاستقبال والجهود المتميزة التي تقوم بها دار الإفتاء المصرية في خدمة قضايا الأمة الإسلامية.
وأكد الجراي أهميةَ التعاون المستمر بين المؤسسات الإفتائية لتعزيز الفَهم الصحيح للإسلام ومواجهة التحديات الفكرية التي تواجه المجتمعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، كما أعرب عن تطلُّعه لإتاحة الفرصة للطلاب الليبيين للمشاركة في الدورات التدريبية الخاصة بدار الإفتاء، مؤكدًا أنهم يسعَوْن جاهدين لنشر الأفكار الوسطية في ليبيا والعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه في إطار تعزيز الاعتدال والوسطية.