قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان، إن غزو إسرائيل لغزة قد يحول الهزيمة التكتيكية المذلة التي مُنيت بها تل أبيب على يدي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) -التي تضمنت همجية لا يمكن تصورها-، إلى أزمة إستراتيجية أخلاقية وعسكرية طويلة الأمد.

وانطلق فريدمان في عموده بصحيفة نيويورك تايمز من رد أحد الجنود على الغرض من الغزو الإسرائيلي الوشيك لغزة، عندما قال، إنه كان "لإعادة الشرف لإسرائيل.

فالمواطنون يعتمدون علينا لهزيمة حماس، وإزالة التهديد من غزة مرة واحدة وإلى الأبد"، ليقول، إنه لم يتم القضاء على أي من الحركات الإسلامية/الجهادية؛ لأن لها جذورا ثقافية واجتماعية ودينية وسياسية عميقة في مجتمعاتها، ولذا لديها إمكانية الوصول إلى إمدادات لا نهاية لها من الشباب المهانين، الذين تسهل تعبئتهم من أجل الفوضى.


نسف اتفاقيات أبراهام

وعبّر الكاتب عن دعمه لقول الرئيس الأميركي جو بايدن إن "احتلال إسرائيل لغزة مرة أخرى سيكون خطأ كبيرا، خاصة أنه يمكن أن يجر واشنطن إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، ويقوّض 3 من أهم مصالح السياسة الخارجية الأميركية في الوقت الحالي: مساعدة أوكرانيا للانضمام للغرب، واحتواء الصين، وتشكيل كتلة عربية مؤيدة لواشنطن.

أما إذا دخلت إسرائيل إلى غزة الآن، فسوف تنسف اتفاقيات أبراهام –كما يقول فريدمان- وتزيد من زعزعة استقرار مصر والأردن، وتجعل التطبيع مع السعودية مستحيلا، كما أنها ستمكّن حماس من إشعال النار في الضفة الغربية، وإشعال حرب هناك بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين، وسوف يساعد ذلك بشكل مباشر في إستراتيجية إيران.

ورأى الكاتب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مؤهل لإدارة هذه الحرب كلاعب عقلاني، وكان أفضل ما يفعله هو الدعوة إلى انتخابات إسرائيلية جديدة لا يترشح فيها، ليثق الإسرائيليون أن أي قرارات يتخذها لن تضع في الاعتبار سوى المصلحة الوطنية الإسرائيلية، ولن تكون سعيا لمصلحته الخاصة في البقاء خارج السجن بتهم الفساد.

وإذا أعلنت إسرائيل اليوم أنها قررت التخلي عن غزو غزة، وأنها ستبحث عن المزيد من الوسائل الجراحية للقضاء على قيادة حماس أو القبض عليها، مع محاولة هندسة مقايضة أكثر من 150 أسيرا إسرائيليا تحتجزهم حماس، فهي ستتجنب بذلك، -وفقا لفريدمان- المزيد من الصدمة لمجتمعها، وكذلك للمدنيين الفلسطينيين في غزة، كما أن ذلك يمنحها وحلفاءها الوقت للتفكير في كيفية بناء مشروع بديل لحماس مع الفلسطينيين.


إجابات واضحة

وإذا كانت إسرائيل مصرّة على أن تدخل غزة للقبض على قيادة حماس وقتلها، فلا ينبغي لها أن تفعل ذلك إلا إذا كانت لديها قيادة فلسطينية شرعية تحل محل حماس، وفي هذه الحالة يتعين على بايدن أن يحصل على إجابات واضحة من نتنياهو الآن، قبل فوات الأوان حول: من سيحكم غزة؟ وإذا كانت إسرائيل تنوي حكمها فهل ستدفع تكاليف إعادة بناء البنية التحتية التي تدمرها؟ وهل تخطط لبناء مستوطنات هناك؟ وهل ستحترم حدود غزة؟ وهل لديها خطة للمساعدة في إعادة بناء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟

وإذا ما أعلنت إسرائيل اليوم أنها تتخلى، في الوقت الراهن، عن غزو شامل لغزة، فمن سيسعده ذلك ومن سيشعره بالارتياح، ومن سيزعجه؟ يتساءل فريدمان في نهاية مقاله، ليرد بأن ذلك سيحبط إيران ويصيب حزب الله اللبناني بخيبة أمل، ويشعر حماس بالدمار، إذ ستخفق خطة الحرب برمتها، كما أنه سيسحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن إسرائيل لن تحرق الذخيرة والأسلحة التي تحتاج الولايات المتحدة إلى إرسالها إلى أوكرانيا، ناهيك عن إغضابه لمستوطني الضفة الغربية.

وفي هذه الأثناء، سوف يشعر آباء كل جندي إسرائيلي وكل رهينة إسرائيلي محتجز، وكل فلسطيني في غزة عالق في مرمى النيران، وكل صديق وحليف لإسرائيل في العالم – بدءا ببايدن – سوف يشعر بالارتياح، على حد تعبير فريدمان.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

لماذا تعتبر إيران الحرب ضد إسرائيل فخا؟

يرى محللون أنه مع تصاعد المواجهة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل تحاول إيران الموازنة عبر دعم الحزب من دون الانجرار إلى نزاع شامل والسقوط فيما تعتبره "فخ العدو".

وبينما تركّز على الحد من عزلتها وإنعاش اقتصادها، تدرك إيران أن من شأن الحرب أن تعقّد جهود ضمان تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وفقا للمحللين.

وتكثّف تبادل القصف عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل بعد الحرب التي شنتها تل أبيب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خصوصا بعد عملية تفجير أجهزة اتصال تابعة لحزب الله أودت بحياة العشرات وتسببت بإصابة نحو 3 آلاف بجروح.

وأعقبت ذلك ضربات جوية إسرائيلية على معاقل حزب الله في لبنان أسفرت عن مقتل المئات واغتيال قيادات بارزة في الحزب. وردّ حزب الله بإطلاق صواريخ استهدفت مستوطنات الشمال وصفد وحيفا ووصلت إلى تل أبيب.

تجنب المواجهة

ورغم تصاعد المواجهة، تبدو إيران عازمة على تجنّب مواجهة عسكرية مباشرة، وفقا للمحللين.

وقال الخبير السياسي الذي يتّخذ من إيران مقرا، حميد غلامزاده "لن تُجرّ إيران إلى الحرب".

بدوره، أوضح علي واعظ من "مجموعة الأزمات الدولية" أن إستراتيجية إيران تقوم على التأثير من دون الانخراط المباشر، خصوصا أن من شأن التصعيد أن يصب في مصلحة إسرائيل وينعكس على الانتخابات الأميركية.

وقال واعظ إن "إيران لا ترغب في القيام بما تسعى إليه عدوتها اللدودة (إسرائيل)"، مشيرا إلى أن أولويات طهران تتمثّل بضمان تخفيف العقوبات والاستقرار اقتصاديا إلى حد ما.

وحتى في أول هجوم مباشر على الإطلاق تشنّه على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي ردا على ضربة جوية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو القوات الحليفة معظم الصواريخ، في حين أكدت طهران أن ضرباتها أصابت أهدافها.

تصاعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل وضع الموقف الإيراني على المحك (رويترز) نهج محسوب

واتّهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من نيويورك التي يزورها للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إسرائيل بالسعي إلى الحرب بينما حافظت إيران على ضبط النفس.

وأشار إلى أن إيران امتنعت عن الرد على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز الماضي، خشية تسبب ذلك في إخراج الجهود الأميركية الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة عن مسارها.

وقال "حاولنا ألا نرد. قالوا لنا مرة تلو الأخرى إننا كنا قريبين من السلام، لربما خلال أسبوع أو أكثر".

وأضاف "لكننا لم نصل قط إلى هذا السلام الصعب المنال. كل يوم ترتكب إسرائيل المزيد من الفظاعات".

وفي وقت سابق هذا العام، وفي ذروة التوتر مع إسرائيل، أطلقت إيران مئات الصواريخ والمسيّرات بعد ضربة دمشق، لكن تم اعتراض معظمها، وفق ما أعلنت تل أبيب.

ويفيد محللون بأن إيران تستعرض قوتها في ظل الحرب بين حماس وإسرائيل في غزة، من دون دفع الولايات المتحدة إلى الرد.

وما زالت إيران تواجه عقوبات غربية، خصوصا منذ انسحبت الولايات المتحدة عام 2018 في عهد الرئيس حينذاك دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران والقوى العالمية.

كما فرضت بلدان أوروبية عقوبات على إيران، متّهمة إياها بتزويد روسيا بصواريخ باليستية من أجل حرب أوكرانيا.

ونفت إيران الاتهامات فيما قال بزشكيان في نيويورك إن إيران "مستعدة للجلوس مع الأوروبيين والأميركيين من أجل الحوار والمفاوضات".

وقال واعظ إن من شأن أي تصعيد إيراني أن يقوي شوكة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويساعد حتى على إعادة ترامب إلى السلطة. وأفاد بأن ذلك "سيضر كثيرا بالمصالح الإيرانية".

إسرائيل اغتالت قيادات بحزب الله أبرزهم فؤاد شكر (يسار) وإبراهيم عقيل (يمين) ومحمد حسين سرور (الجزيرة) "تداعيات خطيرة"

ورغم ضبط النفس، تواصل إيران دعم حزب الله وفقا لاتهامات إسرائيلية وأميركية. وحذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن طهران "لن تقف مكتوفة الأيدي" أمام الهجمات الإسرائيلية.

كما حضّت طهران مجلس الأمن الدولي على القيام بتحرّك فوري، محذّرة من "تداعيات خطيرة" لإسرائيل.

واستهدفت إسرائيل شخصيات قيادية في حزب الله منذ أن بدأت الحرب على غزة.

ورثى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي هذا الأسبوع عناصر حزب الله كما شدد على أن الهجمات الإسرائيلية لن تؤدي الى إخضاع الحزب.

وقالت الباحثة السياسية عفيفة عبيدي إن إيران تقيّد دعمها لحزب الله، لكنها لفتت إلى "الموارد البشرية الكبيرة" لدى الحزب.

من جهته، لفت غلامزاده إلى أن موارد حزب الله تضمن بأنه لن يُهزم بسهولة وقال "يحتاج حزب الله إلى الدعم، لكن هذا الدعم لا يعني أنه قد يهزم إن لم يحصل عليه".

وأفاد واعظ بأن هجوم الأسبوع الماضي على أجهزة اتصال حزب الله ربما أضعفه، لكنه لن "يُشلّ (تماما) حتى وإن تم القضاء على أول طبقتين من قيادته".

وقال إن هذا الضعف قد يكون من أسباب تردد إيران وحزب الله "في الدخول في حرب شاملة".

مقالات مشابهة

  • لم تقتصر على حزب الله.. لماذا توسع إسرائيل دائرة الاغتيالات في لبنان؟
  • لماذا استهدفت إسرائيل قادة المقاومة في لبنان؟
  • لماذا نجحت إسرائيل أمام حزب الله وفشلت في غزة؟
  • الأنبا توماس يستقبل الزائر العام للرهبنة الفرنسيسكانية
  • حزب الله: لن نتزحزح عن موقفنا في مواجهة إسرائيل مناصرة لغزة وردًا على الاغتيالات
  • نعيم قاسم : لن نتزحزح عن موقفنا في مواجهة إسرائيل مناصرة لغزة وردًا على الاغتيالات
  • كاتب كندي: نداءات السلام التي أطلقها المؤيدون الغربيون لإسرائيل تمثيلية ساخرة
  • لماذا لم تظهر وساطة عربية بين إسرائيل وحزب الله
  • لماذا تعتبر إيران الحرب ضد إسرائيل فخا؟
  • وول ستريت جورنال: لماذا فشلت إسرائيل استخباراتياً أمام “حماس” و”نجحت” مع “حزب الله”؟